كتب : إسلام محمود | الإثنين، 09 أكتوبر 2017 - 14:29
مقال رأي - مصر التي لا تستحق ذاهبة إلى كأس العالم
لم أؤمن أبدا أن الدموع قد تصاحب أي شيء غير الحزن، ولطالما ارتبط عندي البكاء بالتعاسة حسنا، في التاسعة إلا بضع دقائق مساء الثامن من أكتوبر أدركت أنني لا أعرف شيئا وأن دموع الفرح حقيقية، لم تكن أبدا ضمن المستحيلات الثلاثة.
لا زالت أطرافي ترتجف منذ هدف محمد صلاح في الدقيقة الأخيرة والذي سيُدوَن كأهم لحظة كروية في تاريخنا المعاصر، لحظة تاريخية سنرويها لأبنائنا وأحفادنا، مصر تتأهل لكأس العالم للمرة الأولى منذ 27 سنة. اختلاط البكاء بالعناق بعد هتاف وحد الجميع "كأس العالم كأس العالم"، حلم واحد يحلمه 104 مليون مصري باختلاف انتمائهم الديني أو السياسي أو الكروي، أو هكذا ظننت.
على عكس سير الاحتفالات خرجت قطاعات عدة تنادي بعدم أحقية مصر بالتأهل لكأس العالم، فالفريق يلعب بصورة دفاعية وأداء هجومي عقيم لذا فهو لا يستحق التأهل للمحفل العالمي الأهم.
في خمس مباريات بالتصفيات انتصر الفراعنة في 4 وخسروا واحدة، سجلنا 7 مرات واستقبلنا 3 أهداف. أداء واقعي ليس الأجمل لكنه يشكل كينونة لفريق ذو طابع دفاعي مع أسلحة هجومية خطيرة تملك السرعة والمهارة. لم نسجل كثيرًا ولم نستقبل كثيرًا والمحصلة النهائية؟ مصر في روسيا 2018 بعد وصافة كأس الأمم قبل شهور.
لنعد بالذاكرة قبل 4 سنوات مصر تتصدر مجموعتها في تصفيات كأس العالم 18 نقطة والرصيد الكامل 6 انتصارات في 6 مباريات، سجلنا 16 مرة واستقبلنا 7 أهداف وفريق بوب برادلي في طريقه لكسر العقدة بهجوم هو الثاني قاريا بعد غانا صاحبة الـ18 هدفا في التصفيات.
الباقي تعرفونه ونتذكره جميعا ويتذكره المعلق حاتم بطيشة جيدا وهو يطالب لاعبي غانا بالتوقف عن التسجيل لأن 6-1 نتيجة قاسية.
هل استحقت مصر التأهل لكأس العالم 2014 بالأداء الهجومي فقط؟ ربما. هل تأهلنا؟ غانا تجيب بـ لا.
نعد 4 سنوات أخرى إلى لقائي الجزائر 2009، هدف عماد متعب وفرصة محمد بركات المهدرة، جيل ذهبي اكتسح إفريقيا ودمر ثعالب الصحراء أنفسهم برباعية في نسخة كأس الأمم 2010، 3 كؤوس إفريقية في جيل زين تاجه محمد أبو تريكة لم تطأ قدمه ألمانيا 2006 أو جنوب إفريقيا 2010.
هل استحق جيل يعتبره الكثيرون الأفضل في تاريخ مصر التأهل لكأس العالم مرة على الأقل؟ بكل تأكيد. هل تأهلنا؟ لا وتأهلت الجزائر وكوت ديفوار وصنعا تاريخا إفريقيا.
فلنعد بالذاكرة لتصفيات كأس العالم 2002، مجموعة من 5 فرق بها ناميبيا والسنغال والمغرب والجزائر ومصر.
حازم إمام وعبد الستار صبري والتوأم حسام وإبراهيم حسن، أسماء كافية لبث الرعب في أقوى دفاعات القارة، مصر تسجل 17 هدفًا وتتلقى 8 في 10 مباريات، فرصتان انضما لسجل الفرص الضائعة التاريخية (محمد عمارة أمام المغرب وطارق السعيد أمام الجزائر). أداء هجومي مميز وصل بنا لسحق ناميبيا 8-2.
المحصلة النهائية؟ مصر ثالث مجموعتها والسنغال تصنع التاريخ وتتأهل للمرة الأولى لكأس العالم متصدرة بالتساوي مع المغرب وبفارق نقطتين عن مصر.
هل استحق المنتخب بأدائه الهجومي التأهل لكأس العالم؟ ربما. هل تأهلنا؟ لا والسنغال قهرت فرنسا بطل العالم في مباراة الافتتاح.
4 سنوات للخلف مجددا والآن في العام 1997، مصر تقع في مجموعة تضم تونس وليبيريا وناميبيا، هجومنا الأقوى في المجموعة برصيد 15 هدفا. نحن بطل قارة إفريقيا في السنة التالية بجيل بناه من الصفر الجنرال محمود الجوهري.
ترتيب المجموعة النهائي حلت فيه مصر ثانية، تونس تصدرت بفارق 6 نقاط وليبيريا حققت فوزا واحدا كان على الفراعنة بهدف الأسطوري جورج ويا.
هل استحق صاحب الهجوم الأقوى في المجموعة التأهل لكأس العالم؟ ربما. هل تأهلنا؟ لا وتونس صاحبة الـ10 أهداف ذهبت لفرنسا لتشاهد رفاق زين الدين زيدان يصنعون التاريخ.
الآن نحن في عام 1994 ونتذكر حادثة طوبة زيمبابوي الشهيرة، مصر صاحبة الهجوم الأقوى في المجموعة برصيد 9 أهداف حلت ثانية خلف زيمبابوي ولم تتأهل للدور الثاني من التصفيات.
ربما نكون قد ظلمنا تحكيميا لكن هل استحق صاحب الهجوم الأقوى في المجموعة التأهل لكأس العالم؟ ربما. هل تأهلنا؟ لا وكانت تلك بداية العقدة.
لا ننسى أيضا آخر بطولة كأس عالم شاركت بها مصر، مباريات مملة وهدف وحيد من ركلة جزاء سجلها مجدي عبد الغني، لم يتهم أحدا محمود الجوهري بأنه مدرب عقيم أو يطالبوا بإقالته مثلما يطالبون الآن بإقالة هيكتور كوبر الدفاعي بما أننا حققنا الهدف الأهم وهو التأهل لكأس العالم وعلينا استبداله بمدرب هجومي من الطراز الرفيع يقدم لنا كرة ممتعة، لم نقدها قط في المحفل الأكبر دوليا!
مجموعة مصر التي لم نستحق التأهل منها لكأس العالم جاء ترتيبها كالتالي بعد خمس جولات
مصر الأقوى هجوما وصاحبة ثاني أقوى دفاع وبالفارق الأفضل +4. هل تستحق أوغندا التي سجلت مرتين التأهل لكأس العالم؟ هل تستحق غانا التي هزمتها مصر بالفعل التأهل لكأس العالم؟ هل تستحق الكونغو متذيلة المجموعة والتي استقبلت 11 هدفا في 5 مباريات التأهل لكأس العالم؟ هل تشارك إفريقيا بأربعة منتخبات لأن متصدر إحدى المجموعات يلعب كرة دفاعية؟!
حسنا، لنعد لنقطة الأصل، كيف تتحدد استحقاقية التأهل لبطولة كبرى من عدمها؟ بالأداء الهجومي؟ إذا فهل استحقت الدنمارك التتويج بيورو 1992 الذي شاركت فيه بالصدفة دون مجهود يذكر قبلها؟ هل استحقت اليونان صاحبة أقبح كرة أوروبية في العقدين الأخيرين قهر برتغال فيجو وروي كوشتا وتشيك بافيل نيدفيد الممتعان والتتويج بيورو 2004؟ هل استحق جوزيه مورينيو الثلاثية التاريخية مع إنتر ميلان وقهر برشلونة الممتع عام 2010؟ هل استحق أتليتكو مدريد التتويج بالدوري الإسباني منذ سنوات على حساب قطبي إسبانيا ريال مدريد وبرشلونة بأسلوب لعب يغلب عليه الطابع الدفاعي والخشونة؟
الكثير من الأمثلة التي لم تكن ممتعة توجت ببطولات ووصلت لمحافل كبرى في النهاية، التاريخ يتذكر الممتعين بالفعل، أريجو ساكي، يوان كرويف، بيب جويارديولا حفروا أسمائهم بأحرف من ذهب في صفحات كتاب تاريخ كرة القدم، لكن الكتاب ذاته يضم أسماء جوزيه مورينيو، دييجو سيميوني، أوتو ريهاجل، وروبيرتو دي ماتيو.
هل تتحدد الاستحقاقية بالظلم التحكيمي؟ إذا فهل استحقت كوريا المركز الرابع في كأس العالم 2002؟ هل استحقت فرنسا التأهل لكأس العالم 2010 بعد لمسة يد تييري هنري أمام أيرلندا في مباراة الحسم؟ هل استحق برشلونة تحقيق السداسية عام 2009 بمباراة تدرج ضمن كوابيس الحكام أمام تشيلسي و4 ركلات جزاء غير محتسبة للفريق اللندني؟
حسنا، لن يتذكر أحد ذلك أيضا، برشلونة مضى وحقق اللقب، كوريا صنعت التاريخ مع جوس هيدينك، وفرنسا صعدت للبطولة لكنها خرجت مبكرا لتقرر بناء جيل صاعد يغزو أوروبا الآن.
إذا كانت تلك هي الشروط فمصر قد استوفتها منذ سنوات، ظلمنا تحكيميا أمام زيمبابوي، قدمنا أداء هجوميا طوال عقود، وفشلنا في الرمق الأخير، والآن جاء التعويض وحان موعد الذهاب إلى روسيا، حان ظهور جيل الشباب بقيادة محمد صلاح ومتحدي الزمن عصام الحضري في كأس العالم.
لن يتذكر العالم كيف قدمت مصر أداء رائعا طوال تلك السنوات دون ظهور واحد في بطولة دولية، لكن الكل سيتذكر كيف لركلة جزاء في الدقيقة 94 أن تغير مسار أمة من وجوه عابسة لأوجه تنهمر من أعينها الدموع فرحا بهدف وتأهل فقدوا الأمل أن يشاهدوه منذ سنوات. لن يتذكر التاريخ أيضا أن هناك فريقا لا يستحق المشاركة شارك في كأس العالم ولن يتذكر بالطبع من نادوا بذلك بل سيتذكر أن هيكتور كوبر هو ثالث مدرب في تاريخ مصر يصل بالفراعنة لكأس العالم.
سيتذكر فقط أننا كسرنا لعنة بقيادة مدربنا الأرجنتيني، وسيتذكر أن مصر من بين الجميع تستحق بعد صبر أعوام أن تتأهل للمونديال، وربما ستتذكرنا روسيا الباردة. الآن فقط علينا أن نحتفل فلدينا عام قبل أن يشاهد العالم عودتنا للبطولة الأكبر، كأس العالم اشتاق لمصر مثلما اشتقنا له وحان وقت اللقاء.
طالع أيضا:
مقالات أخرى للكاتب
-
الرهان الرابح .. حان الآن موعد تريزيجيه "الرجل الثاني" الثلاثاء، 19 يونيو 2018 - 18:17
-
مقال رأي - نيفيل على حق.. صلاح ليس الأفضل منذ هنري ولكن الثلاثاء، 27 فبراير 2018 - 19:48
-
مقال رأي - مصر التي لا تستحق ذاهبة إلى كأس العالم الإثنين، 09 أكتوبر 2017 - 14:29
-
دليل المشجع المثالي في عصر السوشال ميديا الأربعاء، 22 فبراير 2017 - 15:12