كأس العالم – منتخب هولندا الذي لم يصبح هولندا.. الكرة مدينة له لكنه ليس عملاقا

رينوس ميتشيلز، يوان كرويف، بيب جوارديولا، ربما تتسائل ما علاقة المدرب الإسباني الشهير بسابقيه؟ لكنها علاقة وثيقة علاقة تعبر عن امتنان العالم لهولندا والكرة الهولندية.

لم يكن المنتخب الهولندي قويا أو عريقا قبل سبعينيات القرن الماضي لم يكن له هوية واضحة ومحددة لم يكن حتى يشارك بصفة مستمرة في البطولات الكبرى، كأس العالم أو يورو.

ففي كأس العالم قبل الحرب العالمية الثانية شارك منتخب هولندا في مونديالي 1934 و1938 وودع كليهما من الدور الأول في المباريات التي كانت تقام بنظام خروج المغلوب مباشرة.

وحتى بعد الحرب لم يشارك في نسختي 1950 و1954 وفشل في التأهل لأربع نسخ متتالية.

أما في اليورو فلم يشارك في نسخة 1960، وفشل في التأهل لنسخ 1964 و1968 و1972.

كل هذا تغير بفضل رجل واحد وضع أياكس والكرة الهولندية على مصاف الكبار في سبعينيات القرن الماضي، رينوس ميتشيلز.

المدرب التاريخي لأياكس قاده للتتويج بدوري أبطال أوروبا والحصول على وصافة كأس العالم 1974 في أبرز إنجاز للكرة الهولندية آنذاك، حيث ابتدع مصطلح الكرة الشاملة.

الكرة الشاملة التي اعتمدت على سرعة تدوير الكرة مع تغيير المراكز بين اللاعبين كانت فكرة ثورية آنذاك ومنها ألهم ميتشيلز لاعبه كرويف الذي واصل انتهاج ذلك الأسلوب حينما أصبح مدربا ليقود برشلونة لتحقيق أول لقب لدوري أبطال أوروبا في تاريخ النادي في 1992.

ومن هنا واصل برشلونة اعتماده على الكرة الشاملة وتدريب كل فرقه السنية على طريقة 4-3-3 فجاء جوارديولا الذي بدأ ثورته الكروية مع نتاج تلك الطريقة، ليونيل ميسي وأندريس إنيستا وتشافي هيرنانديز.

أكل برشلونة مع جوارديولا الأخضر واليابس وطور الكرة الشاملة إلى تيكي تاكا ومن هنا بدأ العالم يغير مفهومه وأساليبه الكروية مجددا.

كل ذلك حدث بفضل هولندا.

ولكن.

ليس عملاقا

اعذروني هنا، هولندا ليس منتخبا عملاقا مثل البرازيل أو ألمانيا أو إيطاليا.

لماذا؟

إن تحدثنا عن الألقاب فهولندا لا تملك في تاريخها سوى لقبا وحيدا هو يورو 1988 وكان تحت قيادة المدرب التاريخي ميتشيلز.

نعم البعض يصفه أكثر منتخب منحوس لعدم تتويجه بكأس العالم حتى الآن، وبلغة الأرقام أيضا فهولندا أكثر منتخب بلغ النهائي ولم يتوج بالكأس في تاريخه وحدث ذلك في 1974 و1978 و2010.

لكن عدا ذلك فإن هولندا لا تتأهل للمونديال من الأساس مثلما حدث في 1982 و1986 و2002 و2018، وإجمالا فالطواحين باحتساب النسخة المقبلة شاركوا في المونديال 11 مرة من أصل 22 أي 50% فقط.

أو إنها مع المشاركة لا تصل لمراحل متقدمة كثيرا عدا نسخ 1998 و2010 و2014.

مقارنة بالبرازيل أو ألمانيا أو إيطاليا، فإن الثلاثي دائم التواجد في المونديال أو الأدوار المتقدمة، ألمانيا على سبيل المثال منذ 2002 وحتى 2018 لم تغب عن نصف النهائي سوى مرة واحدة فقط.

للمزيد من الإيضاح لما أريد قوله فهولندا بعد التتويج بيورو 1988 ظلت محافظة على هويتها إلى أن بدأت تفقدها منتصف القرن الجاري وهنا بدأت أزمتها والتي تحدث عنها كرويف.

فالمنتخب دائم امتلاك للاعبين مميزين مثل رود فان نيستلروي وروبن فان بيرسي وويسلي شنايدر وآريين روبن كان لا يقدم أكثر كرة ممتعة، حتى أن كرويف علق على خسارتهم في نهائي المونديال أمام إسبانيا قائلا: "يؤلمني أن هولندا اختارت تلك الكرة القبيحة للفوز باللقب، ولكنها خسرت أيضا".

وهنا ترى الأزمة الواضحة التي تعاني منها الكرة الهولندية حتى الآن، فعلى سبيل المثال قبل يورو 2020 أعاد رونالد كومان الكرة الشاملة وظلت هولندا تفترس جميع منافسيها عدا الهزيمة من البرتغال في نهائي دوري الأمم الأوروبية.

لكن مع رحيله وقدوم فرانك دي بور اختلف كل ذلك، ومع عودة لويس فان جال لقيادة المنتخب حاليا فإنه يمثل التخلي عن الكرة الشاملة فهو يريد تحقيق النتائج وبأي أسلوب حتى لو اللعب بـ3-5-2 مثل المونديال البرازيلي الذي حصد فيه المركز الثالث.

أزمة الهوية مع عدم تأهل من الأساس في الكثير من الأحيان ثم عدم الوصول لأدوار متقدمة كل ذلك يبرهن أن هولندا تحتاج للكثير من العمل لاستعادة هويتها لتعود للساحة من الباب الكبير.

ورغم ذلك فلا يمكن نكران أن هولندا قدمت الكثير من الأساطير على مدار التاريخ، يكفي فقط أن تنظر لتاريخ فريقك فستجد على الأقل لاعبا أو مدربا هولنديا كان مؤثرا فيه.

هذا بالإضافة لطرق اللعب التي مازال العالم يدور حولها الآن والمنبثقة من الكرة الشاملة.

ربما بقليل من التوفيق أو الحظ أحيانا أو عامل الحسم كانت لتظفر بالكثير من الألقاب، لكن عدم الاستمرارية واستغلال الوصول للنهائيات كبداية وليست نهاية هي ما تجعله لا يتواجد في مصاف عمالقة العالم.

طريق محفوف بالمخاطر من أجل الوصول إلى قطر

اضطر منتخب هولندا للانتظار للجولة الأخيرة من التصفيات الأوروبية ليحجز بطاقته رسميا في قطر.

وقع المنتخب الهولندي في المجموعة السابعة في التصفيات رفقة كل من تركيا والنرويج ومونتنيجرو ولاتفيا وجبل طارق.

على الورق، هولندا هي المرشح الأبرز للتأهل إلى المونديال لكن ذلك لم يحدث.

البداية في المجموعة كانت كارثية بعدما هُزم المنتخب الهولندي أمام تركيا بأربعة أهداف لهدفين في الجولة الأولى.

ورغم الانتصار على لاتفيا وجبل طارق في الجولتين التاليتين، كان مدرب المنتخب فرانك دي بور تمت إقالته بسبب توديع يورو 2020 من دو الـ16 على يد التشيك.

وهنا أقنع الاتحاد الهولندي مدرب المنتخب السابق في ولايتين، لويس فان جال من العودة من الاعتزال لقيادة الفريق وبالفعل تم الاتفاق في عام 2021.

وبدأ فان جال مشوار التصفيات مع هولندا بتعادل مخيب للآمال مع النرويج.

ولكنه انطلق بعد ذلك حاصدا الانتصار تلو الآخر إلى أن تعادل مجددا وتلك المرة مع مونتنيجرو.

وفي الجولة الأخيرة في التصفيات كان منتخب هولندا يملك في رصيده 20 نقطة مقابل 18 لتركيا.

فارق الأهداف كان في صالح هولندا لكن أي تعثر بالهزيمة من شأنه إرسالهم إلى خوض الملحق وتأهل تركيا مباشرة في المقابل.

لكن نجح الهولنديون في تسجيل هدفين في الدقيقتين 84 و91 في شباك النرويج، ليتأهل إلى المونديال مباشرة وألا يكترث لانتصار تركيا في الوقت ذاته على مونتينجرو.

المونديال المنحوس

كما أسلفنا فقد تأهل منتخب هولندا لكأس العالم 11 مرة من أصل 22 باحتساب النسخة المقبلة في قطر.

بلغ منتخب هولندا نصف النهائي 5 مرات والنهائي في ثلاث مناسبات لكنه لم يتوج باللقب أبدا.

فيما حصل الطواحين على البروزنية والمركز الرابع مرة وحيدة في كل منهما.

إجمالا خاض منتخب هولندا في كأس العالم 50 مباراة فاز في 27 لقاء وتعادل في 12 وهُزم 11 مرة.

وسجل منتخب هولندا 86 هدفا واستقبلت شباكه 48 خلال تاريخه في البطولة.

سر اللقب.. هولندا ليست هولندا

يملك منتخب هولندا الكثير من الألقاب مثل الطواحين أو الفيلق البرتقالي أو الساعة البرتقالية Clocwork Orange، "عذرا لم أجد للاسم ترجمة مناسبة بشكل أكبر ولكننا سنشرحه".

بالنسبة للطواحين فهو الأمر الأسهل في معرفة دلالته، فهولندا تملك الكثير من الطواحين في البلاد ويصل عددهم للألف ومنهم من أدرجته منظمة اليونسكو كآثار ينبغي الحفاظ عليها.

لعبت الطواحين دورا كبيرا في الثفافة الهولندية وساعدتهم في استغلال الرياح لتوليد الطاقة وتجنب الفيضانات خاصة في منطقة الجنوب.

أما بالنسبة للفيلق البرتقالي أو بالإنجليزية Oranje فهذا نسبة إلى العائلة المالكة للبلاد حاليا، وهي القادمة من سلالة ناساو الأوروبية والتي خدمت هولندا في حرب الـ80 عاما ضد إسبانيا ومن ثم أصبحوا رؤساء للجمهورية آنذاك ثم الملوك.

وكان أفراد تلك العائلة يشتهرون بارتداء القمصان البرتقالية.

وبالانتقال للقب Cloclwork Orange فهو يطلق بشكل أكبر على جيل 1974 والذي أمتع العالم بسحر الكرة الشاملة.

فخلال تلك البطولة كان لاعبي المنتخب الهولندي لا يتقيدون بالمراكز، بل الكل يهاجم والكل يدافع ككتلة واحدة وتشعر أنهم يتحركون في كافة أنحاء الملعب كعقارب الساعة.

أمتع ذلك الجيل العالم وارتبط ذلك الاسم بهم منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.

ولكن هناك اسم غير رسمي يُعرف به منتخب هولندا، وهو هولندا نفسها.

هولندا في الأساس اسمها نذرلاند أو الأراضي المنخفضة لكن ظل الاسم هولندا هو الأشهر على مستوى العالم.

فما هو سر الاسم؟

تتكون هولندا من 12 مقاطعة بينها مقاطعتين هما نورد هولند وزويد هولند وهما معا يشكلان كلمة هولندا، فيما تشكل بقية المقاطعات الـ10 كلمة نذرلاند.

إلى أن قررت الحكومة في عام 2020 تغيير اسم هولندا واعتماد كلمة نذرلاند رسميا في مخاطابتها الرسمية وإعلاناتها الترويجية السياحية واعتماد حرفي NL في إشارة إلى Netherlands مع تخصيص 320 ألف دولار لحملة ترويجية للاسم الجديد.

فان جال الأيقوني ضد السرطان

هذه هي الولاية الثالثة للمدرب لويس فان جال في قيادة منتخب هولندا بعد ولاية أولى استمرت لسنة وعدة أشهر وفشل فيها في قيادة المنتخب للتأهل لكأس العالم 2002 بعدما لم يستطع حتى اللحاق بالملحق، وحل ثالثا خلف البرتغال وأيرلندا.

الولاية الثانية بدأت في أغسطس 2012 بعدما ودع المنتخب مع مدربه بيرت فان مارفيك يورو 2012 من دور المجموعات.

وقاد فان جال هولندا للتأهل لنصف نهائي كأس العالم 2014 قبل الهزيمة أمام الأرجنتين بركلات الترجيح والفوز على البرازيل ليحصد المركز الثالث.

فيما بدأت الولاية الثالثة والحالية بعد إقالة فرانك دي بور عقب الفشل في يورو 2020 والإقصاء من دور الـ16.

في شهر أبريل من العام الجاري أعلن فان جال إصابته بسرطان الخصية.

وفي ختام الشهر ذاته أعلن المدرب صاحب الـ71 عاما شفائه بعدما خضع لعلاج مكثف.

الكثير من الموهبة ولكن

يملك الجيل الحالي من المنتخب الهولندي عدة لاعبين مميزين في كافة خطوطه ففي الدفاع هناك ثاني أغلى مدافع في التاريخ فيرجيل فان دايك (ليفربول)، ويجاوره الشاب ماتياس دي ليخت (بايرن ميونيخ)، وجوراين تيمبر (اياكس).

وفي الوسط يتواجد فرينكي دي يونج (برشلونة)، رفقة جورجينيو فينالدوم (روما)، وستيفين بيرجفاين (أياكس)، وريان جرافينبيرش (بايرن ميونيخ)، وتشافي سايمونس (أيندهوفن).

أما في الهجوم يتواجد ممفيس ديباي (برشلونة)، كودي جابكو (أيندهوفن)، وأرناوت دانخوما (فياريال)، وبريان بروبي (أياكس).

لكن المشكلة تكمن أن العديد من هؤلاء اللاعبين لا يمرون حاليا بأفضل مستوياتهم رفقة أنديتهم قبل أيام قليلة من المونديال.

ففان دايك الموسم الجاري مع ليفربول يرتكب الكثير من الأخطاء وليس هو المدافع الذي كان عليه في السنوات الماضية، وكأس العالم المقبل هي البطولة الأولى وربما الأخيرة له إذ أنه يبلغ من العمر 31 عاما.

دي يونج وديباي لا يلعبان بشكل أساسي رفقة برشلونة.

فهل يستطيع فان جال أن يحل أزمات أبرز لاعبيه قبل المونديال؟

المنافسون في كأس العالم

وقع منتخب هولندا في المجموعة الأولى في كأس العالم رفقة أصحاب الأرض قطر، أبطال كأس أمم إفريقيا السنغال، والإكوادور.

نظريا فمنتخب هولندا يستطيع التأهل من تلك المجموعة، لكن عمليا فهو سيواجه منافسة شرسة من أصحاب الأرض الذين بالتأكيد لا يرغبون في توديع البطولة من الدور الأول.

بالإضافة لمنتخب السنغال المدجج بالنجوم والذي لا يهاب مواجهة الكبار ولولا قاعدة اللعب النظيف لكان تأهل بدلا من اليابان في نسخة 2018 إلى دور الـ16.

فيما يظل منتخب الإكوادور الحلقة الأضعف في تلك المجموعة.

وتأتي مواعيد مباريات منتخب هولندا في المونديال كالتالي:

الجولة الأولى ضد السنغال في 21 نوفمبر.

الجولة الثانية ضد الإكوادور في 25 نوفمبر.

الجولة الثالثة ضد قطر في 29 نوفمبر.