كأس العالم - أسامواه جيان.. سنتيمترات بين البطولة والفشل
السبت، 29 أكتوبر 2022 - 20:13
كتب : عبد الرحمن فوزي
لقطة واحدة فقط كانت كفيلة بتغيير مسيرة لاعبين بالكامل، أحدهم أصبح أسطورة والآخر بدأ في التدهور، بعض السنتيمترات كفيلة بصنع بطل أو لاعب فاشل.
أسامواه جيان
النادي : معتزل
إهدار أسامواه جيان ركلة جزاء في ربع نهائي كأس العالم 2010 كانت لقطة كفيلة ببداية تدهور لاعب من أصحاب الإمكانيات الكبيرة في كرة القدم الإفريقية وفي المقابل كانت لحظة انطلاق سواريز ليكون أحد أفضل المهاجمين في تاريخ اللعبة.
ولكن لنعرف كيف وصل الأمر إلى ذلك المشهد، علينا أن نعود ونسرد بالقصة من البداية.
عام 2003 بدأ مهاجم في عمر الـ 18 مسيرته الاحترافية في الدوري الغاني مع فريق ليبيرتي وسجل 10 أهداف في 16 مباراة وخطف الأنظار في إيطاليا سريعا.
في العام نفسه انتقل جيان لأودينيزي الإيطالي الذي هبط لدوري الدرجة الثانية.
في الدرجة الثانية شارك أسامواه مع الفريق في 7 مباريات فقط ولم يصنع أو يسجل خلالهم أي أهداف.
عام 2005 كان البداية الحقيقة للقصة، جيان وصل لعامه الـ 20 وبدأ مرحلة النضج الكروي وسجل 8 أهداف، ولكن في المقابل كان خصمه في مرحلة التكوين.
لويس سواريز يصعد للفريق الأول لناسيونال الأوروجوياني للمرة الأولى في عمر الـ 18 ويشارك في عدد دقائق قليل طوال الموسم.
أداء جيان مع أودينيزي كان كفيلا لدخوله قائمة منتخب غانا لكأس العالم 2006 حتى وإن كان يشارك الدرجة الثانية الإيطالية.
وشارك صاحب الـ 21 عاما في كأس العالم الأول مع غانا وسجل هدفا في دور المجموعات في مرمى التشيك ليسجل أول أهدافه في البطولة الأعرق في كرة القدم.
دريك بواتنج زميله في غانا تحدث عن ثقة جيان الذي أخبره بأنه سيسجل في مرمى التشيك وهو ما تحقق بالفعل.
وقال بواتنج: "جيان أخبرني بأنه سيسجل في مرمى التشيك لذلك تسجيله للهدف لم يفاجئني".
كل شيء كان يسير بشكل جيد ويدعو للتفاؤل ولكنه اصطدم بالواقع عند مواجهة البرازيل في دور الـ 16، مواجهة واحد المنتخب الأكبر في تاريخ البطولة لن يكون أمرا سهلا أبدا.
المباراة انتهت بفوز البرازيل بثلاثة أهداف نظيفة وشهدت طرد أسامواه جيان بعد تلقيه إنذاراين لتنتهي البطولة عند ذلك الحد.
في نفس العام لم يتمكن منتخب أوروجواي من التأهل لكأس العالم وحينها كان سواريز يصعد للمرة الثانية مع فريق ناسيونال في موسم شارك خلاله في ثلاث جولات.
ولكن في النهاية كانت نسخة ناجحة للنجوم السمراء الذين حققوا الهدف بالوصول لدور الـ 16، واستطاع جيان خلالها أن يسجل هدفا واحدا في مشاركته الأولى بالمونديال.
استمرت مسيرة جيان في النمو وانتقل اللاعب للدوري الإنجليزي وتحديدا إلى نادي سندرلاند كما واصل تألقه مع منتخب غانا على المستوى الفردي.
على الجانب الآخر كانت مسيرة لويس سواريز مستمرة في التطور، اللاعب انتقل لأوروبا أخيرا وبدأ في التحسن بالتدريج من خرونيجين إلى أياكس مصدر المواهب للفرق الأوروبية الكبرى.
وجاء كأس العالم 2010، نسخة استثنائية أقيمت في دولة إفريقية للمرة الأولى وهو شيء يعطي دافع أكبر للمنتخبات الإفريقية لتحقيق إنجازا فريدا في البطولة وسط دعم جماهيري كبير.
تأهل منتخب غانا من دور المجموعات بأداء رائع بفوزين وهزيمة صعبة بهدف أمام ألمانيا، أسامواه بنفسه سجل هدفين من ركلتي جزاء في مرمى صربيا وأستراليا.
وفي دور الـ 16 استمر منتخب غانا في التألق وحقق الإنجاز وفاز على الولايات المتحدة الأمريكية بهدفين مقابل هدف واحد.
أسامواه جيان بطل غانا وإفريقيا سجل هدف الفوز القاتل في الدقيقة الـ 93 ليحقق الإنجاز الأكبر في تاريخ غانا في كأس العالم بالوصول لربع النهائي لأول مرة في تاريخهم وبالمشاركة الثانية بتسديدة يسارية قوية من داخل منطقة الجزاء.
وأصبح منتخب السنغال ثالث منتخب إفريقي في التاريخ يصل لربع نهائي كأس العالم بعد السنغال في 2002 والكاميرون في 1990.
والآن إلى اللحظة الحاسمة التي قاد القدر مسيرة سواريز وجيان إليها طوال مسيرتهما الاحترافية.
الضغوطات كانت أكبر على منتخب غانا لأنه كان يحمل آمال قارة بالكامل، لأن البطولة شهدت تأهل 6 منتخبات إفريقية للمرة الأولى بسبب إقامتها في جنوب إفريقيا.
بعض الأخبار خرجت من فيفا تقول إنه في حالة تأهل غانا إلى نصف النهائي ستحصل قارة إفريقيا على 6 مقاعد بشكل دائم.
طموحات غانا في المباراة لم تكن فقط تقتصر على آمال شعبها ولكن شعوب إفريقيا بالكامل.
بطل غانا ضد بطل أوروجواي الحالي، كلاهما سجلا ثلاثة أهداف حتى الآن في البطولة مع العلم إن هداف البطولة دافيد فيا قد أنهاها مسجلا خمسة أهداف.
مباراة صعبة على الفريقين، أحدهما يود الوصول لنصف النهائي الأول في مسيرته والآخر يقاتل من أجل الوصول لأول مرة منذ 56 عاما.
سجل سولي مونتاري الهدف الأول لغانا في الدقيقة الـ 45 بتسديدة قوية من خارج منطقة الجزاء.
ولم يمض الكثير حتى تعادل دييجو فورلان لأوروجواي في الدقيقة الـ 55 من ركلة حرة مباشرة رائعة لتتجه المباراة للوقت الإضافي.
صعوبة المباراة تزيد مع كل دقيقة وتتجه للأمتار الأخيرة والتعادل لا يزال سيد الموقف، وفي الدقيقة الأخيرة من الوقت الإضافي ومن ركلة حرة حدث ارتباكا داخل منطقة جزاء أوروجواي ووضع ستيفان أبيا رأسية وسط الزحام تتجه إلى المرمى لتكتب لإفريقيا نصف النهائي الأول في كأس العالم ولكن من العدم يظهر لويس سواريز ليحل محل فيرناندو موسليرا حارس المرمى الذي خرج من مرماه وينقذ الكرة بيده من على خط المرمى.
اعتراضات كبيرة من لاعبي غانا والحكم يستجيب لاحتساب ركلة الجزاء الواضحة ويقرر طرد سواريز الذي منع هدفا محققا.
أسامواه سينفذ ركلة الجزاء لحظات من السكوت التام وسواريز يتابع من مدخل مرر غرف الملابس وهو يبكي دون التجرأ على النظر إلى الكرة أثناء التنفيذ.
وسدد جيان بقوة شديدة ولكن تصطدم بالعارضة وترتفع فوق المرمى ليتحول الحال من الأفراح الغانية إلى السكوت التام وترتفع صيحات أوروجواي احتفالا بالفرصة الجديدة الذين حصلوا عليها وينفجر سواريز من البكاء ولكن بدموع الفرح تلك المرة ليخرج منتشيا إلى غرف خلع الملابس لينفذ القوانين.
عقب إهدار ركلة الجزاء أنهى الحكم الصافرة مباشرة لتتجه المباراة إلى ركلات الترجيح، وهنا كان السيناريو المتوقع انهيار معنوي من لاعبي غانا ونشوة كبيرة في صفوف أوروجواي، جيان سدد تلك المرة بنفس الطريقة ولكن كرته كانت أقل قليلا في الارتفاع فسكنت الشباك ولكن زملائه أهدروا ليمر منتخب أوروجواي إلى دور نصف النهائي بعد مباراة ملحمية.
ما حدث لجيان عقب المباراة كان هو الأسوأ، سواريز اعتبر بطلا شعبيا في بلده بينما كان تحول أسامواه للاعب الفاشل الذي كان سببا في الخروج من كأس العالم.
جيان تحدث عقب ثلاثة أشهر من المباراة عن تصرف سواريز في قائلا: "أنا أسامحه، هذا جزء من كرة القدم، لو كنت مكانه لفعل الأمر نفسه لأن المباراة كانت في الدقيقة الأخيرة وفريقه كان سيخرج، لقد جعل من نفسه بطلا في أوروجواي، لمس الكرة باليد كان غشا ولكن كنت لأفعل نفس الأمر".
سواريز انتقل لليفربول واحدة من أنجح الخطوات في تاريخه وواجه جيان في الدوري الإنجليزي بالفعل ولكن شتان ما بين الأوروجوياني الذي تألق مع ليفربول وكان هدافا للدوري وكاد أن يقود الفريق للتتويج باللقب وبين اللاعب الغاني الذي بدأت مسيرته في التدهور عقب كأس العالم.
أسامواه تحدث مؤخرا من جديد عن الواقعة ويبدوا أنه قد ندم على مسامحته لسواريز من قبل.
وقال جيان في تصريحات لشبكة فوتبول غانا بعد سنوات: "لأكون صريحا كنت أريد أن ألكم سواريز خلال أيامي مع سندرلاند، كنا نخوض مباراة على ملعبنا أمام ليفربول وأتت لحظة المصافحة بين اللاعبين، عندما اقترب مني أردت أن أضربه بسبب ما قاله الناس لي عقب البطولة ولكنني قررت أن أتحلى بالهدوء".
بعد عامين وفي كأس الأمم الإفريقية 2012 أهدر جيان ركلة جزاء جديدة في نصف النهائي أمام زامبيا وانتهت بالمباراة مرة أخرى بهزيمة النجوم السوداء.
بعض أفراد أسرة اللاعب تحدثوا عن تلقيهم تهديدات بالقتل بسبب ركلة الجزاء لدرجة أنهم أخبروا اللاعب الذي رغب في الاعتزال الدولي بضرورة عدم تسديده لأي ركلة جزاء مع غانا في المستقبل.
أفراد أسرته تحدثوا عن إصابة اللاعب بصدمة نفسية بعد إهداره لركلة الجزاء أمام أوروجواي وكانت السبب في هبوط مستواه.
اللاعب بنفسه تحدث في منذ عامين عن ركلة الجزاء مؤكدا أنها لا تزال تطارده حتى الآن.
وقال جيان في تصريحات عبر القناة الثالثة الغانية: "في أي وقت أكون وحدي لا تزال تلك اللقطة تطاردني حتى الآن".
وتابع "أحيانا أفكر أن العالم يجب أن يعود للخلف حتى أتمكن من تعويض نفسي لكنني أعلم أن هذا الشيء سيطاردني طوال حياتي".
وأضاف "أنا موافق على هذا لأنني أعرف إنه لا يمكنني فعل شيء لقد ذهبت لأنقذ دولتي وانتهى بي الأمر كالشخص الشرير ولكن أنا متفهم لأنني أعرف كيف يشعر الناس".
وشدد "لقد كان الأمر كارثيا لم أتمكن من النوم طوال الليل لأنني كنت أبكي حتى الصباح ولكن كنت بعض الشي هادئ لأنني لم أتمكن من البكاء أكثر".
وأتم "كل ما كنت أقوله لنفسي أن أحصل على فرصة ثانية لأنني عرفت كيفية التعويض حتى لو كان الأمر بعيدا عن كرة القدم ولكن حتى لو لم أفعل سيفعلها أولادي في يوم من الأيام".
ولأن الأيام تدور، تعرض سواريز لموقف صعب في كأس العالم 2014 وتحديدا في دور المجموعات عند مواجهة إيطاليا، اللاعب عض جيورجيو كيليني لاعب إيطاليا ليراه الحكم ويغادر الملعب بالبطاقة الحمراء.
الأمر لم يتوقف عن الطرد، لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم قرر معاقبة سورايز بالإيقاف لمدة 4 أشهر عن اللعب الدولي.
أسامواه عاد مع غانا وشارك في تلك النسخة ولكن الفرصة لم تتكرر لكتابة الإنجاز من جديد وخرج من دور المجموعات بنقطة واحدة وعلى الرغم من تسجيله لهدفين لم يتذكر أي أحد إسهامات اللاعب في البطولة.
مسيرة جيان كانت قد بدأت في التدهور بالفعل من بداية 2011، ترك الدوري الإنجليزي وانتقل للعين الإماراتي ومنه للأهلي قبل أن يذهب للدوري الصيني في 2015.
مسيرة أسامواه استمرت في التدهور عاد إلى أوروبا من بوابة قيصري سبور ولكنه مرة أخرى انتقل للمجهول بذهابه للدوري الهندي ومنه إلى ليجون سيتيز الغاني وحاليا لا يلعب بأي ناد.
على العكس تماما وفي عام 2015 كان لويس سواريز قد تمالك نفسه وخرج من أزمة الإيقاف وكان يساهم في تتويج برشلونة بدوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة في تاريخه وجمعها بالدوري وكأس الملك لتحقيق الثلاثية التاريخية وشكل ثلاثي تاريخي برفقة ليونيل ميسي ونيمار في أفضل فترات مسيرته.
سواريز رحل عن برشلونة وانتقل لأتليتكو مدريد وحقق الدوري الإسباني وحاليا اللاعب عاد لفريقه الأصلي في أوروجواي لمساعدته لمدة نصف موسم وسيغادر للعودة إلى أوروبا بكل سهولة.
اللاعب الغاني كان قد شدد على أنه لم يعتزل بعد وعلى نيته في العودة لمنتخب غانا ليشارك في كأس العالم 2022.
جيان قال إنه يتدرب حاليا ليحاول العودة لمستواه قبل البطولة ولكن يبدو أن الأمر لن يكون سهلا في ظل عدم لعبه مع أي فريق قبل البطولة بفترة قصيرة وفي ظل انتداب العديد من اللاعبين أصحاب الجنسيات المزدوجة الذين يلعبون في أوروبا للمشاركة مع غانا في كأس العالم مثل إناكي ويليامز وفيليكس جيان لذلك ستكون مهمة أسامواه صعبة للعودة إلى المنتخب حتى وإن كان يعمل بجد.
وعلى الجانب الآخر سواريز يستعد للمشاركة في نسخة ستكون على الآرجح هي الأخيرة في مسيرته ولا يزال يشارك مع منتخب بلاده بشكل أساسي.
غانا وأوروجاي سيلتقيان في كأس العالم 2022 بعد وقوعهم في مجموعة واحدة بجانب البرتغال وكوريا الجنوبية، مجموعة صعبة على افريق الإفريقي.
مواجهة أوروجواي لها طابع خاص لأنها ستعيد ذكريات أليمة وستكون فرصة مناسبة لرد ما حدث في 2010.
وفي حال انضمام أسامواه لقائمة غانا سيواجه سواريز مرة أخرى بعد سنوات طويلة لمحاولة الانتصار عليه ولو لمرة في نهاية مسيرته مع الوضع في الاعتبار الفارق بين أهمية مباراة في دور المجموعات وأخرى في ربع النهائي.
وعلى الرغم من فارق السن القليل بينهم إلى أن سواريز سينهي مشواره في كرة القدم كأسطورة وسيذكره الجميع كبطل من أبطال أوروجواي في كأس العالم على الرغم من غشه أمام الجميع، بينما تظل اللقطة الأبرز لجيان هو الفشل في تسجيل ركلة الجزاء وهي ما سترتبط به طوال حياته متناسيين أنه الهداف التاريخي للاعبين الأفارقة في كأس العالم بستة أهداف.
وبنظرة مختلفة فإن جيان هو أحد أساطير كرة القدم الإفريقية ومنتخب غانا ولكن سنتيمترات قليلة شكلت الفارق في تقديره.
ويبقى السؤال الأهم هل كانت مسيرة جيان وسواريز تتبدل إذا سجلت ركلة الجزاء؟