كتب : محمد أسامة | الأحد، 25 نوفمبر 2018 - 14:36

رأس المال واللاعبون في الدوري المصري.. ما بين توتي وإنييستا

توتي وإنييستا

رأس المال هو المتحكم الأول في مجال كرة القدم حتى ولو أنكر الجميع ذلك. اللاعب يتدرب ويشارك في المباريات ويحصل على الأموال مقابل ذلك، والنادي هنا يبحث عن الاستفادة المادية منه سواء كان نادي منافس على الدوري أو نادي يتجنب الهبوط.

في الدوري المصري الممتاز نجد الصراع بين الأندية يشبه الصراع بين الطبقات الإجتماعية، في المجتمع كل طبقة تقاوم من أجل وضعها الإجتماعي والإقتصادي حالها حال الأندية في الدوري فكل ناد يبدأ موسمه بهدف الحفاظ على وضعه في جدول الدوري. الأهلي والزمالك يدخلان كل موسم من أجل المنافسة على اللقب والأندية التي صعدت حديثا تدخل الدوري من أجل الحفاظ على مكانها وتجنب الهبوط إلى الدرجة الأدنى وأندية الوسط تسعى للتواجد في المناطق الدافئة بعيدا عن حسابات الهبوط.

في المراحل الأولى لظهورها قامت البرجوازية بدور ثورى سياسي في صراع الطبقات مع النظام الإقطاعي مثلها مثل ظهور الأهلي والزمالك في مصر فعندما ظهر الفريقان وبدأ كل منهم في المنافسة كانت باسم مصر في ظل حكم الملك وتواجد الاحتلال الإنجليزي ولكن سرعان ما تحول الوضع بعد خروج الاحتلال بأنديته من البلاد إلى صراع بين الاندية الأقل نفوذا وجمهورا وبين الأهلي والزمالك الذي يمثل البرجوازية في هذه الحالة وسيطروا على البطولات المحلية والقارية أيضا في ظل غياب المنافسة من أندية البروليتاريا التي تلعب كرة القدم من أجل ضمان مكانها في فقط وعدم الهبوط إلى الدرجة الأدنى.

وضع كرة القدم في مصر لم يتغير كثيرا منذ سيطرة الأندية التي تملك المال والشعبية حتى ولو ظهرت بعض المنافسة من أندية دخلت السوق مؤخرا سيظل الوضع الراهن هو سيطرة رأس المال، إن سمحت الدولة بالاستثمار في الأندية وخصخصتها سيختلف الوضع كليا فسنجد سوق المنافسة مفتوحا لأقصى درجاتها وأندية تعلن إفلاسها وسيلقى مجال كرة القدم رواجا كبيرا لكن طبقة البروليتاريا لن تختفي فالوضع مرهون بالأموال فقط، من لا يملك المال لن يملك القدرة على المنافسة وسيجد نفسه يصارع من أجل البقاء.

هذا الوضع جعل كل لاعب يتخطى حاجز الثلاثين عاما مهددا بفقدان مهنته التي لا يعرف غيرها. حينها يختلف التفكير من لاعب إلى آخر فنجد بعض اللاعبين يبحثون عن نادٍ آخر بعقد أكبر حتى يستطيع جني أكثر قدر من المال قبل أن يصل إلى نهاية مسيرته ومنهم من يفكر في لعب كرة القدم فقط حتى ولو بمال قليل، بعض اللاعبين يضطرون إلى اللعب لأندية أقل أو حتى الاعتزال نهائيا الأندية هنا لا تريد إلا اللاعب الذي تستفيد منه فقط ولو قلت الاستفادة أو اختفت سيجد اللاعب نفسه أمام خيار الاعتزال أو الذهاب إلى ناد آخر وفقدان جزءا كبيرا من شعبيته.

-------

في مصر الوضع حاله كحال كل العالم فالأندية تأخذ كل الإستفادة من اللاعبين وبعدها تتركهم حتى أصبح الجمهور يفكر بهذا الشكل وأصبح الوضع الراهن يحتم على اللاعب أن يحقق أكبر عائد مادي في الوقت الذي يستطيع أن يلعب كرة القدم، فيضطر اللاعب أحيانا إلى الرحيل عن النادي باحثا عن عقد بمدة أطول وبمقابل أكبر حتى يضمن وجوده في الملعب فترة أطول.

المشكلة هنا تكمن في أن بعض اللاعبين لا يعرفون إلا كرة القدم. عالم التدريب والتحليل لن يتحمل كل هذا العدد فالغالبية العظمى من اللاعبين لن يجدون في مجال كرة القدم مكانا بعد اعتزالهم لذلك يمكننا البدء في إيجاد حلا لهذة المشكلة حتى ولو بشكل مؤقت.

ماذا بعد اعتزالهم؟ ماذا أثناء لعبهم؟ لما لا تتوافر سبل إدارة حكيمة لرأس المال؟ لما لا تستغل الأندية التسويق؟ لما لا نتملك مثل أوروبا وأمريكا الجنوبية سفراء للأندية ورابطة دوري متكاملة تعمل بشكل منفصل عن اتحاد الكرة؟

أزمة مستحقات اللاعبين تظل تطرق أبوابنا وتتصدر العناوين طيلة الوقت، نظرا لتراشق الإدارات الاتهامات تارة وأحيانا تجاهل الأمر تارة، وقد يؤدي الأمر إلى خصم النقاط وغيرها من العقوبات الصارمة.

جمهور روما جعل من توتي ملكا لأنه لم يرحل عن النادي وقدم كل ما يمكنه تقديمه طيلة الوقت لفريقه حتى في أسوأ الأوقات، لم يتخل قط عنه، وأندريس إنييستا لم ينسه جمهور برشلونة ولا يستطيع أن يكرهه لأنه رحل، بل وكان ينادي بأن يبقى في صفوف البلوجرانا لكن العديد من الأسباب حالت دون استمراره.

فرانشيسكو توتي وجد نفسه أيضا في هذا الوضع لكنه اعتزل بعد أن تعدى الأربعين عاما ولم يغادر صفوف روما أبدًا فكيف حدث ذلك؟

توتي بدأ مسيرته مع شباب روما ومنها تم تصعيده إلى الفريق الأول في موسم 1992/93 ليبدأ الملك بناء عرشه في قلوب جمهور العاصمة بأكملها بالرغم من أن الفريق لم يحصد العديد من البطولات في وجوده لكنه ظل معهم حتى آخر لحظاته في الملعب 34 عاما تقريبا، لم يحصد إلا لقب دوري واحد ولقب الكأس والسوبر مرتين، وعندما بدأ يفقد رونقه وقوته وعدم وجوده في التشكيل الأساسي للفريق لم يفقد الأمل وأصر على التواجد حتى ولو على دكة البدلاء.

قال فرانشيسكو توتي ذات مرة: "في البداية، كنت أتحدث إلى نفسي مثل المجنون، أنا مصاب، أنا موقوف، سأعود لقائمة الفريق قريبا، لكن هذا الأمر اعتدت عليه الآن. كنت أستيقظ مبكرا، وبعد تناول وجبة الإفطار، أقوم بالذهاب إلى التدريب، شعرت كأنني آلة. والآن يتعين علي التخطيط لأيامي. لم يكن التأثير سهلا" وعندما قرر الإعتزال لم يستطع منع دموعه في مشهد مهيب بملعب روما

اللاعبون هنا ليسوا توتي ولا الأندية روما، حالة توتي لم ولن تتكرر كثيرا، في المقابل نجد لاعبا مثل أندريس إنييستا يغادر صفوف برشلونة إلى الدوري الياباني وهو في سن الـ34 عاما والسبب معروف لكن دعنا نتحدث قليلا عن ذلك.

تفكير النادي في مرحلة ما بعد ميسي جعله يجلب مدربا بفكر جديد. إرنيستو فالفيردي بدأ في تغيير شكل الفريق ليلعب بتشكيل 4-2-3-1، الذي يحتاج لاعب الارتكاز إلى القيام بدور دفاعي كبير بجانب الدور الهجومي الذي يؤديه مما صعب المهمة على إنييستا الذي بدأ في فقد لياقته تدريجيا مع تقدمه في العمر مما جعل النادي يفكر في جلب لاعب شاب يقوم بالدور الدفاعي والهجومي سويا فاستقدم النادي آرثر هنريكي من جريميو البرازيلي وقبل ذلك استقدم اللاعب كوتينيو من ليفربول و ديمبيلي من دورتموند مما صعب الأمر على إنييستا وكان أمام خيارين إما الرحيل أو الجلوس احتياطيا أو الخيار الثالث الأصعب وهو الاعتزال فقرر الرسام أنه يريد استكمال مسيرته ولكن في مكان آخر بعيدا عن أسوار الكامب نو وعن حدود إسبانيا وأيضا بعيدا عن القارة ككل ورحل إلى اليابان.

هذه اللقطة اختصرت 22 عاما وجسدت طريق السعادة والحزن والانكسار والانتصار الذي خاضه الرسام مع البلوجرانا، حقق إنييستا مع برشلونة تسعة ألقاب في الدوري ودوري أبطال أوروبا في 4 مناسبات، وستة ألقاب في كأس ملك إسبانيا وغيرها من البطولات في تاريخ برشلونة وتاريخ لاعبه الذي سيتذكره الجميع، مهما مر الزمن سيظل الرسام من أفضل 10 لاعبين في تاريخ برشلونة.

كل هذا لم يشفع لإنييستا أن يبقى داخل النادي حتى يعتزل كرة القدم فكما اتفقنا أن الأندية تبحث عن الاستفادة من اللاعبين والقليل من الأندية فقط هي التي تدعم لاعبيها حتى آخر لحظة فحتى لو كنت إنييستا أنت معرض للخروج من الباب الضيق.

-----

هناك رابطة للاعبين القدامى وأخرى للاعبين، إن كنت صاحب القرار فسأبدأ في تكوين رابطة أو نقابة أو ما شابه ذلك لكل لاعبي الدوري المصري بكل درجاته لتوفير تأمينا اجتماعيا جيد بعد الاعتزال وإجبار الأندية على دفع جزء من عقود اللاعبين ومرتباتهم لهذه الرابطة أو المؤسسة حتى يتسنى لهم لعب كرة القدم وعدم القلق من يوم الاعتزال ولو نسبيا.

كذلك لما لا يوفر اتحاد الكرة أيضا تدريبات فنية لبعض اللاعبين بعد عدد من الاختبارات لكي يصبحوا مدربين فيما بعد، كم مدرب شاب في الأندية؟ كم مدير رياضي حقيقي بمنصبه المتعارف عليه دوليا في مصر؟ كم لاعب يطمح في أن يصبح رئيسا لأحد الأندية في الدوري؟ وما الخطوات التي اتخذها لتحقيق ذلك الحلم؟ العديد من الأفكار والقليل من التنفيذ مع سوء لاستخدام رأس المال ما يؤدي للكثير من الأزمات هذا هو الحال حاليا.

للتواصل مع الكاتب:

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات