يورو 2024 - إنجلترا و"ستأتي للديار".. عن أي ديار تتحدثون؟

الجمعة، 14 يونيو 2024 - 02:37

كتب : أحمد أباظة

"عائدة للديار"

"كرة القدم ستأتي للديار".. كم مرة سمعت هذا الهتاف الإنجليزي الشهير قبل انطلاق أي بطولة مجمعة؟ الكثير، وغنوه أكثر، والنتيجة؟ لا شيء منذ عام 1966.

وبينما يحلو دائما الحديث عن كأس العالم 1966 بكل ما يحيط به من شبهات دسمة لهواة نظريات المؤامرة، إلا أننا فقط لا يمكننا تجاوز هذه الاستحقاقية الزائفة بالحديث عن "الديار"، أي ديار حقًا؟

إن كان هتاف الإنجليز يتناول ديارهم بشكل شخصي فلا بأس، ولكنهم يرمون دائما إلى أن تتويج منتخبهم بلقب ما يعني عودة كرة القدم إلى ديارها، وعلى عدة مستويات، خصوصا المستوى الدولي، إنجلترا لم تعُد موطن تلك اللعبة، بل مجرد موقع ولادتها "القانونية" في النصف الثاني للقرن التاسع عشر.

"فزتم بلقب الدوري مرة واحدة وجعلتوه أكبر شيء.. اغرب عن وجهي"

ربما لم يقُل له اغرب عن وجهي، ولكن المعنى ليس بعيدا للغاية.. هذا ما قاله -للمفارقة- الإنجليزي فرانك لامبارد مدرب تشيلسي آنذاك، لنظيره يورجن كلوب مدرب ليفربول في الموسم التالي للتتويج التاريخي المرتقب بعد 30 عاما.

دعونا نتفق أن الاستعلاء الإنجليزي العام قد يكون مزعجا للغاية، رغم أنهم ربما يملكون أكثر جماهير العالم مرحا، فمثلا هذه كانت جماهير بورتسموث (أثناء تأخر فريقها في النتيجة)، أسقطوا كرة كبيرة باتجاه الملعب وأمام المرمى، ثم هتفوا مطالبين بإعادة هذه الكرة إليهم.. وليتها كانت نهاية ذاك العبث.

الكرة التي سقطت أمام المرمى، بدأت الرياح في تحريكها شيئا فشيئا مما أثار حماسهم وترقبهم، لترتفع وتيرة الملعب الكامل وصولا لذروة الانفجار حين اجتازت تلك الكرة خط المرمى.

حسنا، ربما لا تريد الحديث مع هؤلاء الذين يخبرونك إن إنجلترا هي أم كرة القدم وإن عودة الألقاب الكبرى إليها حق مكتسب بناء على ذاك الدور التاريخي، ولكنك بالتأكيد تريد الجلوس مع هؤلاء في المدرجات، أليس كذلك؟

أمتع ما في الأمر بأي حال من الأحوال أننا للتو اقترفنا أكثر المغالطات شيوعا في عالم كرة القدم: إنجلترا لم تفُز بكأس العالم سوى مرة واحدة وقبل 58 عاما، ولم تصل في اليورو إلى لنهائي واحد وخسرته على كل حال، نعم لقد قصفناهم جيدا من الناحية الجماهيرية، وللأمانة لقد استحقوا ذلك لأعوام..

أخبرني كيف يتكون خط وسطك من لامبارد وسكولز وجيرارد، 3 لاعبين ستجدهم بلا شك في قائمة أفضل 20 لاعب وسط بتاريخ اللعبة، ثم تخرج خالي الوفاض ولا يسعك بلوغ نقطة أبعد من ربع نهائي المونديال؟

أسماء بلا منظومات، ومنظومات بلا أسماء، هكذا كانت دورة حياة منتخب إنجلترا لسنوات عديدة، وعلى قدر الفخر التاريخي جاءت السخرية لسنوات وسنوات، ولكن صدق أو لا تصدق، إنجلترا لم تعُد تستحق أغلب ما كان يلصق بها لسنوات طويلة.

لم يعُد هذا المنتخب الذي يجعلك تشعر أن لديه ما يؤهله لفعل شيء ثم لا يفعله، ولم يعُد هذا البلد الذي يعشق اللعب البدني والكرات العالية وحسب، وفي النهاية، دعونا نتفق قبل أن ننتقل لما يلي: أسوأ ما في كرة القدم عموما هو تحويلها إلى بطل و31 أحمقا من حوله في كأس العالم، أو 23 أحمقا في حالة اليورو التي نتناولها.

والآن، إن حاولنا توسيع هذا المنظور قليلا، سنجد أن هذه "الديار" لم تعُد تلك الديار من الأساس، انظروا ببساطة إلى الدوري الإنجليزي، ثم أخبرونا: ما الإنجليزي بالضبط فيه؟

دوري يحتكره رجل إسباني، ونازعه ألماني ثم إسباني آخر، ثورة فريق صغير يقودها إيطالي، وكبير مُقحم في الـ 6 الكبار أتى برجل أسترالي، الأزرق يجرب الألماني ثم الأرجنتيني والآن يلجأ للإيطالي، والأحمر يقوده رجل هولندي، حتى برايتون كان مدربه إيطاليا، وكريستال بالاس يصنع رحلته مع رجل ألماني لم تكُن تعرفه من قبل على الأرجح.

إسباني وألماني وإيطالي وبرتغالي وفرنسي واسكتلندي، هذه جنسيات المتوجين بالدوري الإنجليزي "الممتاز" منذ انطلاقه عام 1992 وحتى اليوم، هل تريد تجربة جنسيات ملاك الأندية أيضا؟

بالتالي حين تقول إن "الدوري الإنجليزي هو الأقوى في العالم"، ستجد أن الشيء الوحيد الإنجليزي في العناصر الرئيسية المحركة لهذه البطولة هي البلد المضيف، فلا شك أن انصهار كل تلك الأفكار والثورات التكتيكية في تلك البوتقة قد طور كثيرا في جودة اللاعبين الإنجليز، وكل ذلك صب في مصلحة رجل واحد أراد فعل شيئا مختلفا عن المعتاد، وهو على الأرجح المدرب الإنجليزي الوحيد الذي تعرفه جيدا وتجد له دورا حقيقيا: جاريث ساوثجيت.

وبنفس النظرة المجردة، إنجلترا لم تصل إلى نصف نهائي المونديال منذ عام 1990 حتى أتى ساوثجيت وفعلها في 2018، ثم تعثر بعدها بتفاصيل صغيرة في النسخة التالية أمام حامل لقب 2018 ووصيف 2022 وأقوى قائمة في أوروبا بوضوح شديد للغاية، منتخب فرنسا.

بالعودة إلى اليورو الذي نتحدث عنه، إنجلترا لم تبلغ نهائي هذه البطولة أبدا إلا مع ساوثجيت، فهل تعني خسارته للنهائي بركلات الترجيح أنه "الرجل الذي فشل في إعادة كرة القدم إلى الديار"؟ بالعكس.. إنه الرجل الذي أعاد هذه الديار إلى كرة القدم.

ماذا كان ينقص إنجلترا حتى تفوز باليورو قبل 3 أعوام؟ الإجابة سهلة للغاية، بالتأكيد بعض التوفيق في ركلات الترجيح، لكننا نحاول الحديث عما يمكن التحكم به.

من أهدر ركلات إنجلترا في تلك الليلة؟ راشفورد، وسانشو وساكا، آخر اسمين أكبرهما كان عمره 21 عاما، أما الأخير فكان عمره 19 عاما، قارن بين تلك الأرجل المرتعشة قليلة الخبرة، وبين الإيطالي المخضرم جورجيو كيليني الذي كان يضحك ويخرج لسانه ويمارس أفعاله الغريبة، بعد دقائق قليلة من اقتلاعه لساكا من على وجه الأرض في المرتدة الشهيرة.

الخبرة ثم الخبرة، الاحتكاك تلو الآخر، ضربة تلو الأخرى ستغدو أقوى، حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه جاهزا لرفع اللقب إن أتيحت لك الفرصة، هذا هو الدرس الذي ينشره رجل إسباني في بلاد الإنجليز بالمناسبة، وهو ميكيل أرتيتا مدرب أرسنال الذي حول أضحوكة إلى منافس حقيقي، وهو درس سبقه إليه ساوثجيت على المستوى الدولي كما رأينا جميعا.

أي طريق أيضا؟

طريق إنجلترا إلى البطولة لا يوجد به ما يستحق التوقف أمامه كثيرا، فقد هزموا إيطاليا ذهابا وإيابا وتصدروا المجموعة بلا هزيمة وبفارق 6 نقاط عن الأزوري حامل لقب اليورو، بـ 8 انتصارات وتعادلين بلا قيمة مع مقدونيا وأوكرانيا، ربما الأخير له قيمة، فقد كاد يطيح بإيطاليا نفسها.

ولكن المحطة الأخيرة على الطريق هي مكمن الرعب في حد ذاته، بتلك الخسارة الودية المخزية أمام أيسلندا قبل انطلاق البطولة مباشرة.

ولكن دعونا نتذكر، هناك من يخسر قبل البطولة مباشرة، أو حتى يخسر بمجرد انطلاقها مثل إسبانيا أمام سويسرا في مونديال 2010، أو الأرجنتين أمام السعودية في مونديال 2022، ثم يكمل طريقه ويفوز باللقب.

هناك أيضا من يخسر قبل البطولة مباشرة مثل بلجيكا أمام مصر قبل مونديال 2022، ولو سلكت إنجلترا هذا الطريق ستكون ضربة النهاية بلا شك.

الكرة الذهبية أيضا عائدة للديار

بين أبرز لاعبيها، إنجلترا لديها أخيرا مرشح حقيقي للكرة الذهبية للمرة الأولى منذ كرة مايكل أوين عام 2001، وهو جود بيلينجهام نجم ريال مدريد.

فوز جود باليورو سيعني ورقة قوية للغاية في ملفه بعد الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، ولكن بالتأكيد الأمر ليس بهذه البساطة.

ربما هاري كين يظل الرهان الأقوى والأول والأهم هجوميا، ولكن الدوري الإنجليزي صار يزخر بالمهاجمين الممتعين، فلدينا إيفان توني وأولي واتكينز في القائمة، وعلى أطرافهم ساكا وفودين وإيز المتألق مع كريستال بالاس، وجارود بوين نجم وست هام، وأنتوني جوردون بعد موسم رائع مع نيوكاسل.

ناهيك عن كول بالمر بعد انفجاره الخارق مع تشيلسي، وفي الوسط جوهرة مانشستر يونايتد الجديدة كوبي ماينو، مع ديكلان رايس الذي صنع الفارق بوضوح مع أرسنال، القائمة تبدو مثيرة للاهتمام للغاية، حتى في غياب منطقي لجاك جريليش، غريب بعض الشيء لجيمس ماديسون، أغرب لماجواير بعد أن عاد أخيرا للحياة.

الطريق ليس ممهدا كما يبدو

إنجلترا لم يسبق لها مواجهة صربيا أبدا في مباراة رسمية، ولكنه منافس صلب ولديه العديد من النجوم مثل سافيتش وميتروفيتش، وهذا سيكون الاختبار الأول.

الاختبار الثاني أمام الدنمارك يملك ذكريات مختلطة، فقد تعادلا سلبيا في يورو 1992 التي انتهت بتتويج الدنمارك التاريخي والوحيد، والتقيا في كأس العالم 2002 وتفوق الأسود بثلاثية نظيفة، وفي دوري الأمم تعادلا مرة وفازت الدنمارك في الثانية عام 2020.

وفي اليورو الأخير، كانت الدنمارك بوابة عبور الإنجليز للنهائي الأول والوحيد بهدف هاري كين في الوقت الإضافي.

وأخيرا سلوفينيا الخصم الثالث لإنجلترا، التقت بها مرة واحدة في كأس العالم 2010 خلال المجموعات بالطبع، وحسمت هذه المباراة بهدف وحيد سجله جيرمين ديفو.

مجموعة لا تضم الكبار ولكنها ليست سهلة، على كل حال في نظام تأهل أفضل أصحاب المركز الثالث، أي نتيجة سوى العبور المطمئن ستعني أن كل ما ذكرناه حتى الآن، بلا قيمة بالتأكيد.

التعليقات