قال يوهان كرويف من قبل: "كرة القدم أمر بسيط، لكن لعب كرة القدم البسيطة هو أصعب شيء على الإطلاق"، تردد صدى هذه الجملة في ذهن ماركوس سينا فوصف نفسه لاحقا: "أسلوبي بسيط وموضوعي، لا أحب عندما يحاول اللاعبون فعل أشياء سهلة بطريقة معقدة."
وُلد سينا في البرازيل لكن لم يرتد القميص الأصفر للبرازيل مطلقا بل لـ فياريال، ومع إسبانيا كان من أفراد الجيل الذهبي الذي بدأ الثلاثية التاريخية بين 2008 وحتى 2012، لكنه لم يحظ بالتقدير المناسب لما قدمه في يورو 2008.
ترعرع سينا في ساو باولو في حي جارديم رينكاو، عمل والده على ضمان قدرة ابنه على لعب كرة القدم، ثم أقنعه بمواصلة اللعب عندما فكر في التوقف، وظل غير معروف نسبيا في وطنه حتى منتصف العشرينات من عمره.
قال سينا: "إن كوني من أصول متواضعة أعطاني قيما قوية، جعلني ذلك أرغب في النجاح وأقدر إنجازاتي أكثر. كان لدي هدفا أن أصبح لاعب كرة قدم محترفا –أفضل ما يمكنني أن أكون– وحققت كل أهدافي. أنا فخور بكل إنجازاتي."
لاعب وسط مدافع يرتدي النظارات، ولا يرتدي ملابس أو مجوهرات باهظة الثمن ويطلق على نفسه لقب "مسيح الرياضة" ولا يشرب الكحوليات، ويتحدث بنبرة هادئة. أصبح بمثابة اكتشاف عندما اقترب من المراحل الأخيرة من حياته المهنية.
بدأ سينا في الدرجات الأدنى بالمسابقات البرازيلية، وفي 1997 انتقل لصفوف كورينثيانز وساهم في فوز الفريق بلقب الدوري البرازيلي وبطولة باوليستا، انتقل لاحقا لـ جوفينتود، ثم ساو كايتانو وبعد وصوله لنهائي كوبا ليبرتادوريس 2002 لفت الأنظار فياريال الصاعد حديثا للدوري الإسباني.
فياريال كان يحاول ضم جليبرتو سيلفا في الأساس وتم الاتفاق معه على الانتقال للفريق لكن بعد تألقه في كأس العالم 2002 بعدما عوّض غياب إيمرسون المصاب، انضم سيلفا لأرسنال وتوجهت أنظار الغواصات الصفراء للاعب آخر هو سينا.
كلفت الصفقة فريق الغواصات الصفراء 600 ألف يورو.
لعنة القميص رقم 19
اختار سينا القميص رقم 19 مع فياريال وطلب منه أحد مدراء النادي تغيير الرقم قائلا: "هذا رقم سيئ الحظ هنا، ربما من الأفضل أن تفكر مرة أخرى". لكن سينا لم يؤمن بالخرافات.
في أول موسمين غاب عن أغلب مباريات فريقه بسبب إصابات الركبة المتكررة، الأمر بدا وكأنه لعنة.
قال سينا: "في يناير من موسمي الأول، تعرضت لإصابة سيئة للغاية في أربطة ركبتي ضد بيتيس، وغبت لعدة أشهر، وجاء المدير إلي مرة أخرى. تجاهلته، وعدت للعب، وعلى الفور تعرضت لإصابة في الركبة مرة أخرى. هذه المرة أصر على أنني أعاني من نحس الرقم، وعلى الرغم من أنني توقفت وفكرت في الأمر، إلا أنني حرصت على عدم الاستسلام لنوع من الخداع المصطنع".
رقم 19 ظلا ملازما لقميص سينا طيلة مسيرته حتى الاعتزال ولم يرضخ لخرافات إسبانية.
لم يستسلم البرازيلي وساهم في حصول فياريال على المركزين الثالث والثاني في الدوري الإسباني والوصول لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا تحت قيادة المدرب التشيلي مانويل بيليجريني ورفقة الثنائي خوان رومان ريكيلمي ودييجو فورلان.
اعتمد بيليجريني على سينا في قيادة عمليات خط الوسط، لكنه ظل مجهولا على الرغم من تأثيره الملحوظ في فياريال.
في 2006 تحصّل سينا على عرض للانتقال لـ مانشستر يونايتد لكنه رفض العرض وقال: "لن أتظاهر بأنني لم أدرس العرض بعناية: لقد كان مانشستر يونايتد. لكن فياريال جعلني أشعر بأنني مرغوب، ولست نادما على البقاء".
برازيلي بقميص إسبانيا
في نفس العام تحصل سينا على جواز سفر إسباني وبعدها تم استدعاءه عن طريق لويس أراجونيس المدير الفني لـ منتخب إسبانيا، ولم يتردد في قبول العرض.
وعن اختيار إسبانيا أجاب: "كنت أعلم دائما أن منتخب البرازيل بعيد، وبعدما حصلت على الجنسية ولعبت مباراة لإسبانيا نسيت الأمر تماما، أنا محظوظ. بالنسبة للبرازيل، أين يمكنني اللعب؟".
البعض سخر من قرار أراجونيس باستدعاء سينا، وأن هذه محاولة من المدرب المخضرم لتقليل حدة الاتهامات التي تشير له بالتوتر بعدما وصف تيري هنري بـ "القذر الأسود" خلال جلسة تدريبية.
سينا أوضح أن أراجونيس لم يكن "عنصريا، شخص مذهل. ساعد كثيرا في ضمي إلى المنتخب الإسباني، وحقيقة أن الناس اعتقدوا أنه عنصري تم التقليل منها من خلال حقيقة أنه اتصل بي. أرى الطريقة التي يعاملني بها وكيف يحبني".
دائما ما كان أراجونيس يناديه بلقب "البرازيلي".
شارك سينا بعمر 29 عاما مع إسبانيا في كأس العالم 2006 لكنه ودع مبكرا على يد فرنسا في دور الـ 16 واعترف "في 2006 شعرت قليلا -كيف يمكنني أن أصف هذا- بالخسارة".
وقبل يورو 2008 ارتدى شارة قيادة فياريال وقاده لاحتلال المركز الثاني متقدما على برشلونة بعد رحيل ريكيلمي وفورلان.
يورو 2008
يتذكر سينا قائلا: "في يورو 2008 شعرت بأنني جزء من البطولة مثل أي شخص آخر. شعرت بالإسبانية. أنا مدين لإسبانيا بكل شيء. في البداية كنت متوترا، لكن الجميع عاملوني بشكل رائع وكان لويس أراجونيس أساسيا. لم أفكر حتى في المنتخب البرازيلي. الفريق الوحيد الذي أفكر فيه هو إسبانيا".
كما يعلم الجميع توج منتخب إسبانيا بلقب اليورو، وكان سينا على أعتاب الحصول على جائزة أفضل لاعب في البطولة.
صحيفة "ذا جارديان" الإنجليزية وصفت عمله "يحمى سينا الدفاع الذي يشتبه الكثيرون في أنه سيدمر إسبانيا بينما يوفر منصة لخمسة لاعبين ذوي عقلية هجومية يركضون أمامه. لو اختاره يويفا أفضل لاعب في البطولة، فلن يكون ذلك مفاجئا". لكنها ذهبت إلى زميله تشافي.
سينا شرح أسلوبه في حواره مع ذا جارديان قائلا:"أسلوبي بسيط وموضوعي. لا أحب عندما يحاول اللاعبون القيام بأشياء سهلة بطريقة معقدة. يساعدني الآخرون في دوري، لكن العامل المهم هو أن هناك الكثير من الجودة في فريقنا والمنافسون قلقون بشأن جميع لاعبي خط الوسط لدينا. هناك مساحة أكبر متبقية بالنسبة لي، وبما أنني ممرر جيد أيضا، يصبح ذلك مهما للفريق".
وفي حواره مع مجلة "فور فور تو" الإنجليزية كشف كيف كان اللعب في خط وسط يقوده تشافي وإنييستا قائلا: "كنت مسؤولا عن كل الأعمال القذرة، وكان لدي مسؤوليات دفاعية أكثر. كان إنييستا وتشافي وديفيد سيلفا أمامي، لذا لم تكن مهمتي صعبة للغاية لأننا كنا نستحوذ على الكرة دائما! لم نعانٍ كثيرا. كنت تمرر لهم الكرة وبغض النظر عن الموقف، فسيجدون الحل الأمثل. تبدو كرة القدم بسيطة مع أشخاص مثل هؤلاء".
أشار له العديد كونه سببا رئيسيا في تتويج اللاروخا باللقب كونه عمل على حماية خط الدفاع الذي اعتبره البعض ضعيفا، وحرم منافسه من المساحة، وأعاد تدوير الكرة بدقة لا تخطئ، وحرض على عملية التمريرات الشبيهة بالدوامة في إسبانيا بكفاءة عالية.
وقال ديفيد سيلفا: "إنه يمنحنا التوازن الذي نحتاجه ويقوم بعمل قذر".
وأضاف إيكر كاسياس قائد اللاروخا: "إنه يقوم بعمل رائع بالنسبة لنا وهو رجل رائع، إنه لا يحظى بالكثير من الصحافة لأنه وجه جديد ويأتي من الخارج، لكنه يقوم بعمل رائع بالنسبة لنا وهو رجل رائع، نحن نعرف أهميته".
حصل سينا على الإشادة بأدواره لأول مرة بعمر 32 عاما بعدما كان أشبه بالجندي المجهول الذي يؤدي كل الأدوار بكل دقة لكن دون الحصول على القدر الكافي من التقدير.
يقول سينا: "كنت أعلم دائما أن منتخب البرازيل بعيد، وبعد أن حصلت على الجنسية ولعبت مباراة لإسبانيا، نسيت الأمر تماما".
"أنا محظوظ. حققت حلمي باللعب في كأس العالم والاقتراب من هدف لم يكن في خططي على الإطلاق، وهو الفوز ببطولة أوروبا. بالنسبة للبرازيل، أين يمكنني اللعب؟ كوبا أمريكا، لكنني لعبت بالفعل في نهائي كأس ليبرتادوريس، ونصف نهائي دوري أبطال أوروبا، والآن بطولة أوروبا. لقد لعبت في جميع المسابقات الكبرى في العالم".
'أنا محظوظ لكوني جزءا من ذلك. كان لدى إسبانيا دائما الكثير من الجودة، لكنهم الآن يراقبون جيدا ويمررون جيدا ويهاجمون جيدا. كرة القدم في أسبانيا أجمل من كرة القدم في البرازيل".
في ليلة المباراة النهائية حصل سينا على بعض الأقراص المهدئة لتساعده على النوم قبل مواجهة ألمانيا، لكن تجمع جماهير إسبانيا أمام الفندق لم يساعده على النوم بشكل كافي.
بعد التتويج بالبطولة أجاب وصف ما شعر به: "كانت تلك أفكاري الأولى. كما راودتني فكرة غريبة، تذكرت ما شعرت به عندما كنت أشاهد نهائي بطولة يورو 2004. تأثرت عندما رأيت فوز اليونان، ثم كنت أفعل نفس الشيء بعد أربع سنوات. كان الأمر غير واقعي، لكنه حدث وكان من أسعد أيام حياتي".
"لا أستطيع إلا أن أقول إنني كنت أشعر أنني بحالة جيدة جدا في تلك اللحظة. كنت في أفضل حالاتي، وبالتأكيد الأفضل في مسيرتي بأكملها. إنه لأمر رائع أن أقدم بطولة قوية وأن أسمع أن بعض الناس يقولون إنني أفضل لاعب".
النهاية
استمر سينا مع فياريال ووصل في نسخة 2008-09 لربع نهائي دوري الأبطال ضد أرسنال، وودع مجددا ضد تلك المرة كما حدث في 2006.
رحل أراجونيس وجاء فيستني ديل بوسكي، وتبخرت أحلام سينا حيث لم يتواجد في القائمة النهائية لإسبانيا كونه بعمر 34 عاما ومع ظهور سيرجيو بوسكيتس في برشلونة أصبح من الماضي، كذلك معاناته من الإصابات وتراجع ترتيب فياريال للمركز السابع في الدوري الإسباني أبعداه عن القائمة.
استمر سينا مع فياريال حتى 2013 بعدما ساهم في عودة الفريق للدوري الإسباني ورحل بعد 11 موسما صوب نيويورك كوزموس في الدرجة الثانية الأمريكية وهو النادي الذي لعب له بيليه وبينكباور من قبل: "كان عمري 37 عاما تقريبا ولم أسافر إلى الولايات المتحدة، ثم وجدت نفسي في نيويورك مع فريق تاريخي. وكانت تلك النهاية المثالية".