مقاطعة كابيندا - أنجولا
8 يناير 2010
هوبير فيلود، المدير الفني لمنتخب توجو والفرنسي الوحيد على متن حافلة المنتخب، يمضي في طريق سفره مع بعثة المنتخب لخوض بطولة كأس الأمم الإفريقية قبل يومين من انطلاق فعالياتها.
فيلود كان مدربا للعديد من الأندية المتواضعة في فرنسا طوال مسيرته قبل عام 2009، إنجازه الوحيد هو الفوز بالدرجة الثالثة مع كليرمون عام 2002، وتجربته مع توجو هي الأولى له مع المنتخبات، والأولى أيضا في إفريقيا.
يجلس الفرنسي على مقعده، لا يدور في رأسه سوى أنه على بعد ساعات من خوض غمار أمم إفريقيا للمرة الأولى في مسيرته التدريبية، ربما كانت أقصى مخاوفه في هذه اللحظات تتعلق باحتمالات نجاته من مجموعة تضم غانا وكوت ديفوار، خصوصا وأنه سيفتتح مسيرته بمواجهة غانا بعد 3 أيام.
تجتاز الحافلة حدود جمهورية الكونغو صوب كابيندا التي تستضيف مباريات المجموعة الثانية في يوم عادي للغاية، لا يشوبه سوى دخول البعثة لمنطقة تضم منظمة انفصالية تطالب باستقلالها عن أنجولا..
وفجأة، لم يعُد أسامواه جيان أكبر مخاوفه.. بل 15 رجلا من المتمردين يفتحون النيران برشاشاتهم الآلية على حافلة المنتخب، في حصار استمر على الأقل لمدة 30 دقيقة وأسفر عن مقتل 3 على رأسهم ماريو أدجوا قائد الحافلة، لينقطع آخر طرق الهروب المتاحة.
رعب يسود الأجواء، يختبئ فيلود وكل من بقى حيا أسفل المقاعد. 10 رجال هم أفراد طاقم أمن البعثة يتبادلون إطلاق النار مع المضيف المباغت حتى انقشع ذلك الكابوس..
أعلنت "جبهة تحرير كابيندا" مسؤوليتها عن الحادث، ولكن بحسب أمينها العام رودريجيز مينجاس، فإن الهجوم لم يستهدف لاعبي توجو، بل القوات الأنجولية التي تؤمن البعثة.
ولأن الرصاصة لا تكترث إطلاقا بما يدور في نية مُطلقها، كان السائق هو الأنجولي الوحيد الذي قتل في يوم الحادث، بينما مات المدرب المساعد أميليتيه أبالو والمعلق التلفزيوني ستانيسلاس أوكلو في اليوم التالي متأثرين بجراحهما.
بقية المصابين تنوعوا بين حارس مرمى ومدافع وطبيب ومعالج طبيعي، جميعهم من توجو عدا رجل فرنسي واحد، هو فيلود الذي تلقى رصاصة في ذراعه، لم تقتله، ولكنها قتلت عمله مع المنتخب التوجولي دون أدنى شك..
انسحب منتخب توجو من البطولة بطبيعة الحال وطالب بمقاطعتها، وشهد الحادث أصداء واسعة حول العالم، خصوصا وأنه جاء قبل 5 أشهر من تنظيم كأس العالم في جنوب إفريقيا للمرة الأولى في تاريخ القارة السمراء بأكملها.
بالتالي انتهت مغامرة فيلود الإفريقية الأولى جراء هذه الكارثة، مفضلا العودة إلى بلاده لتدريب فريق كريتاي في الدرجة الثالثة.
أتى إلى إفريقيا للتدريب فخرج منها برصاصة في ذراعه، هل يبدو هذا كرجل سيعود إلى هذه القارة ولو على سبيل السياحة؟ الإجابة هي نعم، فبعد عام واحد من ذلك الاعتداء المسلح عاد فيلود إلى إفريقيا عبر بوابة حسنية أكادير المغربي.
الرجل الذي لم يكن من المفترض أن يعود إلى إفريقيا قياسا على الظروف الطبيعية، لم يغادرها بعد ذلك في حقيقة الأمر، حيث تولى قيادة كل من وفاق سطيف واتحاد العاصمة وشباب قسنطينة في الجزائر، تلاهم مازيمبي الكونغولي والنجم الساحلي التونسي والدفاع الحسني الجديدي المغربي وشبيبة القبائل الجزائري.
30 يناير 2020.. بعد مرور 10 أعوام و22 يوما على حادث كابيندا: هوبير فيلود مديرا فنيا لمنتخب السودان.
The curious case of Benjamin button
الفيلم الشهير الذي لعب براد بيت بطولته، روى قصة رضيع ولد عجوزا واستمرت هيئته الجسمانية في السير عكس اتجاه العمر إلى أن توفي رضيعا، يتقاطع طريقه بصورة أو بأخرى مع رحلة منتخب السودان.
يمكن القول بأن منتخب السودان ولد كبيرا بين منتخبات إفريقيا، إذ تأسس الاتحاد السوداني لكرة القدم عام 1936 كواحد من أقدم اتحادات القارة، بعد عدة أعوام من وصول اللعبة إلى البلاد.. لسنا بصدد تعديد فضائل الاحتلال أو شيء من هذا القبيل، ولكن ظهور اللعبة في مصر والسودان أتى على يد الاستعمار البريطاني.
انضم الاتحاد السوداني إلى الكيان الحاكم لهذه اللعبة "فيفا" عام 1948، وتحالف مع نظرائه المصري والإثيوبي والجنوب إفريقي لتأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في العاصمة الخرطوم عام 1957، لتحتضن السودان لاحقا أول بطولة أمم إفريقيا في العام ذاته، قبل أن يتقلص هذا التحالف الرباعي إلى ثلاثي عقب استبعاد جنوب إفريقيا بسبب التفرقة العرقية.
أسماء مثل نصر الدين عباس وصديق منزول ومصطفى الأزهري وعلي جاجرين، فرضت نفسها على الساحة الإفريقية، وبعد وصافة 1959 و1963، تحقق الإنجاز الأبرز في تاريخ السودان الكروي، حين توج المنتخب بكأس أمم إفريقيا عام 1970 على حساب غانا بهدف نظيف سجله حسبو الصغير.
يقول السياق أن منتخب السودان يجب أن يظل في طليعة منتخبات القارة، ولكن هذا لم يحدث، إذ فشل في التأهل إلى كأس العالم طوال تاريخه، بل فشل في اجتياز دور المجموعات في أمم إفريقيا حتى 2012، وبين 1976 و2008 لم يتمكن من المشاركة في البطولة.
تعددت الأسباب والموت واحد، كل المنتخبات تمر بكبوات بعد اعتزال أعمدة جيلها التاريخي، وكأن هذا لم يكن كافيا، عانت السودان بعدها من الحرب الأهلية.. مرتين.
واصل المنتخب السوداني منحدره التنازلي حتى نجح في اجتياز دور مجموعات الأمم عام 2012، ولكن سرعان ما انتهت هذه الصحوة المؤقتة على يد زامبيا بثلاثية نظيفة، والآن يحاول إعادة إحياء أمجاده مرة أخرى، حيث حجز مقعده في النسخة المقبلة لينهي غيابا استمر 10 أعوام، ولكن قبلها.. ها هو يخوض معترك كأس العرب.
تاريخه في كأس العرب
هذه هي المشاركة الرابعة لمنتخب السودان في كأس العرب، وتأتي في النسخة الأولى التي تقام تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بعد 9 نسخ سابقة.
شارك المنتخب السوداني 3 مرات، ولم يحالفه الحظ لاجتياز دور المجموعات بأي من تلك النسخ.
الظهور السوداني الأول في كأس العرب أتى عام 1998 في نفس البلد المضيف الحالي "قطر"، حيث تواجد في مجموعة مع المغرب والإمارات، وحقق فوزه الأول في أولى مبارياته ضد المغرب 2-1، ولكن خسارته على يد الإمارات 4-1 أطاحت به خارج السباق الذي حسمه المنتخب ذاته بفارق الأهداف، نظرا لخسارته أمام المغرب 1-0 فقط.
المشاركة الثانية أتت عام 2002 في الكويت، وتواجد في مجموعة خماسية مع شهدت خسارته أمام الكويت 1-0 ثم الأردن 2-1 ثم تعادله مع فلسطين 2-2 وأخيرا فوزه مرة أخرى على المغرب بنتيجة 1-0.
أما المشاركة الثالثة فأتت في السعودية عام 2012، حيث نافس في مجموعة رباعية ضد منتخب مصر (تحت 23 عاما) والعراق ولبنان، حيث تعادل مع مصر والعراق بنفس النتيجة 1-1 وفاز على لبنان 2-0 ليجمع 5 نقاط في المركز الثاني، ولكن نظام تأهل أفضل أصحاب المركز الثاني لم يسعفه، ليظفر منتخب ليبيا بهذه البطاقة.
إجمالا لعب منتخب السودان 9 مباريات في كأس العرب: فاز في 3 – تعادل في 3 – خسر 3. سجل المنتخب السوداني 11 هدفا في هذه المواجهات وتلقى 12.
طريق التأهل
خاض منتخب السودان التصفيات المؤهلة إلى دور المجموعات، بمباراة واحدة ضد منتخب ليبيا على ستاد خليفة الدولي في الدوحة عاصمة قطر.
نجح صقور الجديان في انتزاع بطاقة التأهل بهدف نظيف من ركلة جزاء، تحصل عليها سيف الدين مالك بخيت، أو سيف "تيري" مهاجم فاركو المصري حاليا بعد تعرضه لعرقلة من طاهر بن عامر ظهير المنتخب الليبي.
في الدقيقة 15 سدد محمد عبد الرحمن يوسف ركلته على يمين الحارس محمد نشنوش الذي ارتمى على الجانب الآخر، ليتأهل السودانيون إلى دور المجموعات.
طريق البطولة
يقع منتخب السودان في المجموعة الرابعة مع مصر والجزائر ولبنان. سبق له مواجهة مصر ولبنان في بطولة 2012، حيث تعادل مع الفراعنة وفاز على رجال الأرز، بينما لم يسبق له مواجهة منتخب الجزائر في كأس العرب.
يستهل صقور الجديان مشوارهم بمواجهة الجزائر في الأول من ديسمبر على ملعب "أحمد بن علي" بالريان، ثم مصر في الرابع من الشهر ذاته على ستاد "رأس أبو عبود" في الدوحة، وأخيرا يلاقي لبنان في السابع من الشهر على ملعب المدينة التعليمية بالريان.
في حال تأهل منتخب السودان إلى ربع النهائي بالمركز الثاني سيلاقي متصدر المجموعة الثالثة المكونة من السعودية والمغرب والأردن وفلسطين، أما إذا انتزع الصدارة فسيلاقي وصيف المجموعة ذاتها.
رحلة المدرب
بطل الحكاية الأولى هوبير فيلود ليس وافر الحظ مع المنتخبات، فكما انتهت تجربته الأولى باعتداء مسلح ورصاصة في الذراع، افتتح تجربته الثانية بجائحة عالمية.
بعد أسابيع قليلة من تسلمه المهمة وقبل توقف مارس الدولي الذي كان من المفترض أن يشهد بدايته، توقف النشاط بالكامل لعدة أشهر بفعل "كوفيد-19"، ولم يعد حتى التاسع من أكتوبر 2020، ليفتتح عمله بخسارة ودية أمام تونس 3-0، ثم تعادل مع توجو 1-1.
ليزداد الطين بلة، خاض الفرنسي مباراته الرسمية الأولى ضد غانا في 12 نوفمبر 2020 ضمن تصفيات أمم إفريقيا وخسرها 2-0، وهي بالمناسبة نفس المباراة التي شهدت واقعة ضرب الحكم لمدرب، لم يعُد هناك سبب للاستغراب الآن، هذا المدرب كان فيلود أيضا.
A strange incident happened in the match between Ghana and Sudan today, the first assistant referee assaulted the coach of the # Sudan national team, Hubert Velod, pic.twitter.com/zp9tzNXc9o
— Nimeiry Abiad ✨✊ نميري ابيض✨✊ (@nimeiry_abiad) November 12, 2020
ولكن بعد 5 أيام فقط، حقق المدرب الفرنسي فوزه الأول على حساب غانا أيضا بهدف نظيف، نفس المنتخب الذي كان من المفترض أن يفتتح أمم إفريقيا بمواجهته قبل 10 أعوام.
صقور الجديان لم يملكوا أي خيار سوى الفوز بآخر مباراتين في توقف مارس 2021 من أجل التأهل، وهو ما تم على حساب ساو تومي أولا 2-0، ثم جنوب إفريقيا المنافس المباشر في الجولة الأخيرة بنفس النتيجة، ليظفر بالبطاقة الثانية وراء غانا بـ12 نقطة، حصد فيلود 9 منها في 4 مباريات.
تجاربه الودية تواصل التباين، حيث فاز على زامبيا ثم خسر أمامها، قبل أن يخسر أمام النيجر ثم يفوز عليها، بين هذا وذاك حسم بطاقة التأهل إلى كأس العرب على حساب ليبيا، ولكن تصفيات كأس العالم كانت المرحلة الأسوأ في هذه المسيرة.
بخسارتين أمام المغرب وغينيا بيساو، ثم تعادلين مع غينيا، انتهى الأمر رسميا بنقطتين فقط، وبفارق 10 نقاط كاملة عن منتخب المغرب الذي حسم بطاقته قبل نهاية التصفيات بجولتين، ليخسر أمام المغرب مرة أخرى ثم يتعادل مع غينيا بيساو في ختام المنافسات.
إجمالا قاد فيلود منتخب السودان في 17 مباراة، حقق خلالها 6 انتصارات و4 تعادلات و8 هزائم، وسجل معه الفريق 19 هدفا وتلقى 23.
أبرز النجوم
يمتلك منتخب السودان العديد من الركائز الثابتة، بداية من علي أبو عشرين حارس مرمى الهلال البالغ من العمر 32 عاما.
أحد هذه الركائز هو وجه مألوف من الدوري المصري، وهو أطهر الطاهر ظهير سموحة -25 عاما- الذي يعتمد عليه فيلود كجناح في بعض الأوقات، مثلما حدث في مواجهة ليبيا المؤهلة إلى كأس العرب في طريقة 4-4-1-1.
جناحه الآخر في تلك الليلة هو وجه وافد إلى الدوري المصري هذه المرة، وهو سيف تيري مهاجم فاركو الصاعد حديثا إلى الممتاز، والذي تعاقد معه في فترة الانتقالات الماضية، ولكن للأسف لن نراه في كأس العرب بعد تعرضه للإصابة بالرباط الصليبي في التوقف الدولي الماضي.
أما أبرز أعمدة صقور الجديان فهو المهاجم محمد عبد الرحمن "الغربال"، صاحب أعلى قيمة انتقال للاعب محلي في تاريخ الكرة السودانية، حين تعاقد معه الهلال قادما من أهلي برج بوعريريج الجزائري مقابل مليون دولار.
بهؤلاء اللاعبين يخوض فيلود تحديه الأول في بطولة مجمعة للمنتخبات، بعد أمم إفريقيا التي لم يكتب له خوضها مع توجو، وقياسا على حظ الرجل مع المنتخبات.. حتى إلغاء البطولة لن يكون مفاجئا. ولكن حتى إشعار آخر يبقى السؤال: إلى أين يمكن أن يصل منتخب السودان في كأس العرب؟ هذا ما سنعرف إجابته فيما يلي الثلاثين من نوفمبر الجاري.