"فكرت في الرحيل عن إيطاليا وتركها، أنقذني الوعي بكوني بريئا".
في لحظة تحول المهاجم الشاب لفريق بيروجيا من هداف واعد لـ لاعبا خائنا سجل هدفين مقابل 5 مليون ليرة إيطالية.
في العاصمة الإيطالية مطعم يُدعى "لا لمبارا" يتوافد عليه أبرز لاعبي فريقي العاصمة روما ولاتسيو، ماسيمو كروشياني بائع الخضار وألفارو ترينكا صاحب مطعم، سعيا لاستغلال الأمر وعقدوا اتفاقات مع بعض اللاعبين على التلاعب بنتائج بعض المباريات من أجل الفوز بالأموال.
لكن في الأول من مارس 1980 وجد الثنائي أنهما خسرا ملايين في مقابل عدد كبير من المراهنات والتي لم تنته مثلما أرادوا، فتقدموا للنائب العام في روما بشكوى حول وجود تلاعب في المباريات ضمت اسم 27 لاعبا من الدرجة الأولى والثانية الإيطالية.
يوم الأحد 23 مارس 1980، ألقت الشرطة القبض على عدة لاعبين عقب خروجهم من أرضية الملعب ضمن مباريات الجولة الـ 24 من الدوري الإيطالي الدرجة الأولى والـ 27 من الدرجة الثانية.
واتُهم باولو روسي بالاتفاق على انتهاء مباراة أفيلينو وبيروجيا بالتعادل والتي لُعبت في 30 ديسمبر 1979 وانتهت 2-2 سجلهما هو لصالح الفريق الضيف.
29 أبريل انضم اسم باولو روسي رسميا للفضحية الكروية التي هزت إيطاليا وعُرفت باسم "توتونيرو" وصار اسمه الأبرز على أغلفة الصحف كونه الأشهر بين الـ 27 لاعبا، أوقف من النظام التأديبي الإيطالي، ولم يعد بإمكانه اللعب بقميص بيروجيا والمنتخب الإيطالي.
بدأت المحاكمات وجاء وقت إعلان الأحكام، هبوط لاتسيو وميلان للدرجة الثانية واستبعاد رئيس النادي الروسونيري من ممارسة الأنشطة الكروية.
وتعرض أكثر من لاعب للإيقاف لمدة تترواح بين 6 أشهر إلى 6 أعوام، باولو أُوقف لمدة 3 سنوات وتقلصت بعد ذلك لعامين.
لكن كيف حدث ذلك لابن الـ 24 ربيعا حينها؟
أثناء الاستعداد لمواجهة أفيلينو في التدريبات يقول باولو: "كنت اتدرب مع رفاقي عندما جاء ماورو ديلا مارتيرا (زميله في الفريق) وأخبرني: باولو دعني أقدم لك شخصا".
"ظننت أنه مشجعا عاديا، ديلا مارتيرا قدم لي كروشياني وشخص آخر يُدعى بارتولوتشي، صديقي أخبرني أن أفيلينيو يفضل انتهاء اللقاء بالتعادل، فأخبرته: ماذا تريد قوله ثم قلت له لنتحدث مع الفريق".
"بابليتو" كما يُلقب سجل هدفي اللقاء، روسي يتحدث عن المباراة قائلا: "لم أكن أعرف أي شيء عن الرهان. انهار العالم عليّ. كنت أفكر في التعادل الكلاسيكي الذي قبله فريقان لا يريدان أن يتأذا".
روسي لم يكن يعلم أي شيء عن المراهنات ولم يوافق أحدا من زملائه على ذلك لكن المباراة انتهت بالتعادل، بل اتفقوا على تحقيق الفوز.
في المحاكمة اعترف كروشياني أن روسي وافق على الأمر طالما سجل هدفين وهو ما أكده بارتولوتشي، ودافع روسي عن نفسه وألقى باللوم على ديلا مارتيرا "لأنه قدم له حمقى".
عقب نهاية مباراة روما ألُقي القبض على ديلا مارتيرا ولوتشيانو زيتشيني لاعبا بيروجيا وزملاء روسي في الفريق.
يتذكر روسي اليوم: "يوم الأحد من شهر مارس، لعبنا في روما. عندما اعتقل زيتشيني وديلا مارتيرا ، تساءلت أنا ورفاقي عما كان بإمكانهم فعله. لم نعتقد أبدا أن الأمر يتعلق بكرة القدم. ثم أدركت الأمر ولسوء الحظ اسمي صار متداولا معهم أيضا".
في 29 أبريل بدأ اسم باولو روسي يظهر ضمن الأسماء المتورطة: "لكن خلال الفترة بأكملها، من إيقافي إلى المحاكمات، كنت أفكر كل يوم، الآن ستظهر الحقيقة، وينتهي الكابوس، ويمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو. عشت وكأن كل شيء حدث لشخص آخر".
"كنت أنتظر المحاكمة للحصول على حكم كالإفراج ، بدلا من ذلك... أقسم، لم أتخيل أبدا أنه يمكنني حتى إيقافي. وهو ما حدث، انهار العالم عليّ. ركضت إلى المنزل إلى براتو، ورأيت والدي اليائس وأمي يبكون: هناك أدركت حقا ما حدث لي. لقد سلبوا عامين من العمل وسنتين من الحياة".
وفكرت في كلمات خطيبتي: "باولو، كن حذرا، إنهم يريدون تلفيق التهمة لك، حتى الآن أنا مقتنع بأنني تعرضت للاستغلال. أراد الاتحاد والعدالة الرياضية استخدام اليد الثقيلة: لم يتمكنوا من تبرئة الأكثر شهرة وإدانة الآخرين".
المتهمون في القضية قالوا إنهم دفعوا له مقابل التعادل تسوية بقيمة 5 ملايين ليرة دُفعت لأحد معارفه لكن دون تقديم أي دليل.
"فكرت في زملائي في بيروجيا، أنا مقتنع أن زيتشيني كان بريئا، وديلا مارتيرا؟ ربما أراد أن يكبر أمام شخص ما من خلال التظاهر بأنه يستطيع تعديل نتائج المباريات، أشعر ببعض الاستياء".
ظل روسي عاما كاملا بعيدا عن كرة القدم وتدرب قليلا في نادي فيتشينزا والذي لعب له سابقا معارا من بيروجيا.
"كنت مستاءً من كرة القدم وأردت الرحيل عن إيطاليا، لكن علمي بأنني بريء أنقذني وكذلك يوفنتوس".
في مارس 1981 اشترى نادي يوفنتوس باولو روسي. قبل عام كامل من انتهاء إيقافه.
"اتصل بي جايمبييرو بونبيرتي المدير الرياضي ليوفنتوس، ستأتي معنا إلى مقر التدريبات، ستتدرب مع الآخرين، في الواقع أكثر من الآخرين".
ثم طالب بونبيرتي أحد أساطير السيدة العجوز روسي بالزواج: "باولو، إذا تزوجت فهذا أفضل، لذا فأنت أكثر هدوءا".
"تزوجت في سبتمبر. كنت سأفعل الشيء نفسه، دعنا نقول أنني دُفعت قليلا على أي حال يجب أن أشكره".
عن العمل التدريبي بدأ روسي مرحلة العودة لممارسة كرة القدم تحت قيادة جيوفاني تراباتوني في يوفنتوس وبمساندة من إنزو بيرزوت مدربه في المنتخب: "استغرق الأمر الكثير من التفاني، وكان بيرزوت يتصل بي كثيرا. لم يقدم أي وعود لي ولكنه شجعني على العمل بشكل جيد، لأنه كان يأخذني دائما في الاعتبار الأساسي".
وحانت اللحظة، مايو 1982. يوفنتوس يلعب ويفوز في أوديني في باولو روسي موجود على أرض الملعب.
أدرك باولو أن أمامه الكثير: "لم أعد أتذكر شعور المباراة الحقيقية. لقد نضجت في عامين من الصمت. في هذه اللحظة أقول لنفسي: إنها ليست مجرد كرة قدم".
خاض روسي 3 مباريات فقط مع يوفنتوس قبل نهائيات كأس العالم 1982 في إسبانيا.
بيرزوت استدعى روسي لقائمة الأتزوري بعدما سجل 3 أهداف تحت قيادته في نسخة 1978: "كنت أتوقع الاستدعاء، كان بيرزوت يثق بي، لقد سارت الأمور بيننا بشكل جيد في الأرجنتين".
تعرض روسي للنقد وكذلك مدربه عقب تأهل إيطاليا الكارثي بعد 3 تعادلات مع بولندا وبيرو والكاميرون والتأهل بفارق الأهداف، وباولو لم يسجل في أي مباراة.
"لم أكن في حالة جيدة، على العكس من ذلك. شبح. لقد وجدت صعوبة في القيام بكل شيء، فقد كان هناك أيضا عقبة ذهنية. لكن ثقة زملائي في الفريق والمدرب أعطاني دفعة استثنائية".
"قال الصبيان مازحا أنني بالكاد أستطيع الوقوف. كانت المضايقة مهمة أيضا. بسبب الإجهاد، فقدت 5 كيلوجرامات. وأتذكر أن الطباخ كان يحضر لي كل مساء، في الساعة 10:30 مساءً ، كوبا من الحليب وكرواسون إلى غرفتي".
"بعد كل مباراة قال لي بيرزوت: لا تقلق ، استعد الآن للقاء التالي".
إيطاليا تأهلت للدور الثاني في مجموعة ضمت الأجنتين والبرازيل، وانتهى اللقاء الأول أمام التانجو بالفوز لكن دون أن يسجل أيضا.
"كانت المباراة ضد الأرجنتين حاسمة، فزنا باللعب بشكل جيد. لم أسجل، لكني كنت أفضل. بالتأكيد لم نعتقد أننا سنفوز بكأس العالم، لكننا أقنعنا أنفسنا أنه يمكننا اللعب على قدم المساواة مع أي شخص".
"ربما في عام 1978 كنا أقوى بما في ذلك أنا".
من الشبح إلى "بابليتو" (هو لقب تحصل عليه من النقاد الأرجنتينين)، 6 أهداف جعلته هدافا لكأس العالم وهداف الطليان في المونديال برصيد 9 أهداف حتى يومنا هذا، والبداية بهاتريك أمام البرازيل الرهيب تحت قيادة تيلي سانتانا.
"الهدف الأول ضد البرازيل، أتذكره على أنه الأفضل في حياتي. لم يكن لدي وقت للتفكير في أي شيء: شعرت وكأنه شعور بالتحرر. إنه لأمر مدهش كيف يمكن لحدث ما أن يغيرك جذريا: لا مزيد من الحواجز العقلية والجسدية. بعد هذا الهدف، جاء كل شيء بشكل طبيعي. لكن لا تعتقد أننا استمتعنا بالانتصارات".
تأهلت إيطاليا لمواجهة بولندا في المربع الذهبي فقال بيرزوت للاعبين بعد الفوز على السامبا: "دعونا نفكر في بولندا".
سجل دي روسي هدفين في شباك بولندا، وفي النهائي افتتح التسجيل لقيادة الأتزوري للقب على حساب ألمانيا الغربية.
في فيلم وثائقي لكأس العالم 2018 شرح هدفه: "هذا الهدف، أكثر من أي هدف آخر سجلته في أي وقت مضى، حدد صفاتي تماما".
"لقد كانت الكرة ملكي لأنني سرقت عُشر الثانية من المدافع وكنت أعرف أنه لن يصلني أبدا".
"ربما كان أوضح ما لدي هو الشعور عند صافرة النهاية ضد ألمانيا. كنا أبطال العالم. لقد قمت فقط بنصف دورة في الملعب مع رفاقي: لقد شعرت بالتعب. جلست على اللوح الخشبي أشاهد الجمهور المتحمس وتحمست. لكن بداخلي شعرت بنفحة من المرارة".
"فكرت لا يمكن أن ينتهي الأمر بالفعل، لن أعيش لحظات معينة بعد الآن وفهمت أن السعادة، الحقيقية، لا تدوم إلا لحظات".
المصدر: storiedicalcio