في المونديال - أن تلعب مثل باولو روسي.. ما بداخلك لن يظهر سوى في اللحظة المناسبة
الخميس، 31 مايو 2018 - 16:22
كتب : لؤي هشام
كثيرون مروا من فوق البساط الأخضر، وكثيرون أبدعوا وتألقوا ليبقوا في الذاكرة، وكثيرون حضروا في تلك اللحظات التي صُنع فيها المجد ليأخذوا حيزا من المشهد، ولكن قليلين هم من ظلوا خالدين عابرين لكل ذلك في جميع الأزمنة.
هؤلاء الخالدون لم يصنعهم إنجاز عابر أو لقطة لا تُنسى حملت الكثير من المعاني وقتها، وإنما صنعتهم الموهبة الكبيرة والتفرد في أسلوب اللعب، وإلى جوار ذلك كانت شخصيتهم دائما حاضرة ليُضرب بهم المثل عبر العصور بما قدموه وحققوه على ذلك العشب الأخضر.
"أن تلعب مثل.." سلسلة يقدمها FilGoal.com مع قدوم المونديال تخليدا لهؤلاء المختلفين في الأرض الذين كان تفردهم ورؤيتهم المختلفة على أرض الملعب سببا في إعجازهم، ومحاولةً لوضعك في الصورة من الداخل بأعينهم وأعين من عرفوهم.
طالع أيضا:
(أن تلعب مثل مياتسا.. "أن تملكه في فريقك يعني بداية المباراة متقدما بهدف")
(أن تلعب مثل كيمبس.. رجل حول المونيمونتال إلى كولوسيوم)
(أن تلعب مثل بيليه.. جينجا البرازيل المتكامل)
(أن تلعب مثل مارادونا.. "أسوأ أبولو وأفضل ديونيسوس")
(أن تلعب مثل جارينشا.. "عندما يدخل الملعب كان يحوله إلى ساحة في سيرك")
(أن تلعب مثل بوشكاش.. لاعب ربما أتى من المستقبل)
_ _ _
باولو روسي.. بابليتو
لم يكن واحدا من أفضل المهاجمين عبر التاريخ ولم يكن استثنائيا بالقدر الكبير.. مهاراته لم تكن متفردة عن أقرانه وأهدافه ليست بإعجازية ومميزاته ليست كثيرة. في النهاية كل ما يمكن أن تُطلقه عليه "لاعب جيد".
ولكن كل ذلك تغير في عدة لحظات. التقليدي تحول إلى استثنائي والجيد بات الأفضل. ما فعله كان أكثر تفردا من مهاراته، ومميزاته التي لم تكن عديدة باتت أكثر من أن تحصى.
بطولة وحيدة كانت كفيلة بأن تصنع ذلك كله، وما ظنه البعض قرار غريبا وعجيبا في ذلك التوقيت يحمل الكثير من المخاطرة تحول إلى القرار الأكثر دهاءً ورؤية فيما يخصه.
هنا يجب أن يكون الحديث عن كيف تلعب مثل باولو روسي.
روسي كان واحدا من ثلاثة لاعبين فقط عبر التاريخ حصلوا على لقب المونديال وتوجوا بجائزة الهداف بالإضافة إلى أفضل لاعب بالبطولة.
لكن قبل عدة أيام من بدء البطولة لم يكن يتوقع أشد المتفائلين إمكانية تحقيق ما تحقق، حتى بعد أن بدأت البطولة وشارك في عدة مباريات ظن الجميع أن ما توقعوه كان صحيحا.
لحظات قليلة فقط كانت تكفي لأن تخرج أفضل ما لديه، تكفي لأن تُظهر له أن ما ظننته يوما ليس بداخلك هو في أعماقك من الداخل ولن يظهر سوى في اللحظة المناسبة.
تلك اللحظات التي صنعت المجد وحفرت اسم بابليتو في تاريخ كرة القدم كانت في مونديال 82 بإسبانيا، وياللسخرية القدر من الجميع فقد كان أبعد اللاعبين عن أذهان التألق.
دعونا نحكي القصة من البداية.. روسي كان غائبا عن ممارسة اللعبة لمدة عامين بعد أن تم اتهامه بالتلاعب في نتائج المباريات، تلك العقوبة التي كانت مخفضة بعد أن قضت المحكمة بثلاث سنوات في البداية.
عاد باولو إلى صفوف يوفنتوس قبل المونديال وخلال ذلك الموسم لم يشارك سوى في 3 مباريات فقط، ولكن مدرب الأتزوري إنزو بيرزوت فاجئ الجميع وأظهر إيمانه بقدرات روسي.
"بيرزوت ساعدني على استعادة لمستي الكروية بعد غياب سنتين واستعادة حاستي التهديفية، وثقتي بنفسي وتركيزي، إذا كان علي ذكر اسما واحدا كان له تأثيري في مسيرتي فلابد أن يكون بيرزوت" هكذا يؤكد باولو.
"كان واثقا من أنني سأعود في الوقت المناسب، ثقته في كانت عامل أساسي بالنسبة لي".
بيرزوت الذي آمن بلاعب لم يكن استثنائيا حتى قبل أن تبدأ البطولة. ربما لم يتوقع هو نفسه كل هذا التألق من جانب بابليتو الذي وصفته بليتشر ريبورت بالآتي.
"لم يكن باولو روسي مهاجمك المعتاد. لم يكن مثالاً لللاعب رقم 9 في العصر الحديث، ولم يكن يعتبر حتى بطلا قبل أن يصنع التاريخ. كان صغيرا، واهيا، ويفتقر إلى الفنيات التي كان يمتلكها بعض الأبطال الإيطاليين الآخرين".
أما الكاتب جون فوت مؤلف كتاب (الكالتشيو: تاريخ كرة القدم الإيطالية) فقال: "إن شاهدت الفيلم من الخلف فقد يكون أسوأ لاعب تراه في حياتك.. إنه مروع، لم يكن قادرا حتى على التمرير وبالتأكيد افتقد ثقته في نفسه".
البداية أتت مخيبة، 3 تعادلات متتالية مع بولندا وبيرو والكاميرون وحى الآن روسي لم يُظهر أي مؤشر بأنه سيحقق أي شيئا ملفتا.
الأداء المخيب تواصل، والطليان كان يتعين عليهم مواجهة الأرجنتين على ملعب برشلونة، وإعادة الولادة تحققت بالانتصار 2-1 ولكن روسي ظل خارج قائمة المسجلين.
وهنا تأتي اللحظة الأهم في مسيرته أو ما وصفها بمباراة القرن.. مواجهة البرازيل وروسي يسجل ثلاثة أهداف "هاتريك" والأتزوري ينتصر 3-2.
أهداف روسي جاءت متنوعة بشكل كبير، فالهدف الأول من رأسية خاطفة في الاتجاه المعاكس للحارس. الثاني بعد توقع رائع من قبله وقطع للكرة لينفرد بالمرمى ويسدد بكل دقة في الشباك. أما الثالث فجاء مستغلا لكرة عرضية اكتفى بلمسة بسيطة لكي يضعها بالمرمى.
يقول روسي عنها: "كانت أهم مباراة في مسيرتي.. لطالما ارتديت قميص إيطاليا وأنا أشعر شعورا كبيرا بالانتماء، بالأهمية والمسؤولية، كنت لألعب بقدم واحدة مع المنتخب".
ربما هذا يفسر سر ظهوره بها التألق اللافت فالعامل النفسي بالتأكيد له أسبابه.
يقول جون فوت: "كان لاعبا استثنائيا، كان لديه أسلوب خاص في الهجمات. لم يكن يسدد بقوة عظيمة ولكنه كان يجيد التمركز واختيار المساحة المناسبة، لم نشاهد أيا من أهدافه في مونديال إسبانيا تفجر الشباك".
إذا لم يكن روسي استثنائيا ومميزا بقدر ما كان أسلوبه مختلفا وزاوية رؤيته للعبة في مكان آخر عن أقرانه، حتى فيما يخص اللاعب الذي يعتقد أنه يشبهه اختار باولو "جوسيبي روسي".
ويضعنا زميله في المنتخب جوسيبي بيرجومي في الصورة حين يوضح "باولو كان خارج الإيقاع وفجأة سجل ثلاثية في البرازيل وبدا كهداف عالمي، وكان يُظهر ذلك في كل مرة يلمس بها الكرة".
ويشير روسي إلى أن تعامل المدرب بيرزوت كان هو ما سهل المهمة عليه "كان يعاملنا كأطفاله، عاملنا بلا تفضيل وبلا تمييز، في بعض الأحيان يشيد وفي بعضها ينفجر غضبا، ولهذا أحبه الجميع".
"كان يأتي لغرفتي ويتناقش معي عن الرسم لأنه عرف أنني أحب الفن".. أي فنان تحب أن تقارن به؟ كان سؤالا موجها إلى باولو والإجابة كانت "بيكاسو".
ويوضح الهداف الإيطالي أن إزالة الضغوط ساعدته على اللعب دون عبء على كاهله، كما ساعدت المجموعة على التوحد كفريق "كنا نستمع للموسيقى في الغرفة، ونلعب الأوراق ونشاهد الأفلام في المساء".
الأهداف تواصلت وباولو سجل هدفين آخرين في نصف النهائي أمام بوندا، كان منهما هدفا مذهلا بكعب القدم كتب وصول الأتزوري للنهائي أمام ألمانيا الغربية.
في المباراة النهائية كان روسي أيضا في الموعد وسجل هدفا من رأسية كتب تتويج بلاده ووضعه على قمة المجد في تاريخ كرة القدم.
يحكي روسي مزيدا من التفاصيل عن تلك المباراة النهائية وكيف تعامل معها قائلا: "لم أنم ليلتها وظللت طوال الليل أفكر في كيفية التحرك بأرض الملعب، امتلكت شعورا كبيرا بالثقة والقوة رغم المنافس".
وعن استعانته بأشياء لجلب حسن الطالع "كنت ارتدي قلادة منحها إياي أحد أصقائي وكنت قدر ارتديتها قبل مباراة البرازيل فسجلت ثلاثة، ولم أخلعها منذ ذلك الحين.. مازالت لدي في المنزل".
يثق روسي أن ما تحقق كان نتاج موهبة حقيقية، تلك الغريزة التهديفية التي جعلتها هدافا للبطولة وأفضل لاعبيها كانت ثمارا لموهبته وتطوره.
"من الصعب تعلم الكثير من الأشياء، غريزتي التهديفية ترجع إلى 80% موهبة و20% مساحة للتطور والمراقبة من خلال التعلم والتدريب.. على أي حال هناك بعض التحركات التي لديك أو لا تملكها".
"وجود نظرة على المرمى هو يحتاج للحدس والسرعة والذكاء. هناك لاعبون يسجلون الأهداف بفضل جسديتهم. أنا لست واحدا منهم".
"لذلك حاولت دائما أن أكون أسرع من خصمي. من أجل تسجيل الأهداف، عليك أيضًا أن تكون قادرًا على الحفاظ على هدوئك أمام المرمى. لا يمكنك الخوف من فقدان فرصة".
تسهب ويكيبييا في وصف روسي نقلا عن مصادر إيطالية مختلفة، وتقول: "كان واحد من أكثر المهاجمين تهديفا في تاريخ الكرة الإيطالية، ولكنه كان يفتقد للقوة البدنية، كان سريعا وحاسما وأنيقا كمهاجم صريح. يملك فنيات جيدة وتوازن كبير وسريعة كبيرة في رد الفعل".
"كان يسدد بدقة في الزوايا المختلفة، ولديه نظرة على المرمى ما ساعده على التغلب على المدافعين داخل الصندوق إذ كان يفتقد للقوة ما جعله يتمتع بقدرة كبيرة على انتهاز الفرص، وحس رائع في التمركز، قدرة على اللعب بكلتا القدمين واستخدام رأسه وكل ذلك مكنه من التفوق على خصوم أكبر حجما".
الذكاء التكتيكي ساعد روسي على إخفاء عيوبه الخاصة والتفوق على منافسيه باستغلال إمكانياته.. بيكاسو كتب فصلا أسطوريا وتاريخيا في مسيرته الكروية.
اقرأ أيضا:
" قائد لا غبار عليه وأمل لأمة بأكملها".. باولو جيريرو سيشارك في المونديال
"هذا الفريق يحتاج لتغيير".. رسميا - زيدان يعلن رحيله عن ريال مدريد
اختر التشكيل التاريخي لـ ألمانيا.. قائمة الاختيارات لن تكفي لـ11 لاعبا فقط
ضحايا المونديال - الشعر الطويل والأقراط والمثلية الجنسية.. محرمات الأرجنتين في كأس العالم 1998
"الديك الفرنسي".. رمز وطني للبلاد أصبح شعارا لكرة القدم