في 2010، استقللت طائرة نحو بوركينا فاسو.
إريك بايلي
النادي : فياريال
كانت واحدة من أكثر اللحظات فزعا في حياتي.
قبلها بـ 3 سنوات، عندما كنت أبلغ 13 عاما، توجب علي أن أترك المدرسة حتى أحاول أن أصبح لاعب كرة قدم.
ترك المدرسة ليس أمرا هيّنا في كوت ديفوار. ولو صادف أنك تعيش في منزل خشبي صغير في أبيدجان، مثلما كان الوضع مع عائلتي، فإنك تعوّل كثيرا على التعليم، لأنه طريقك الوحيد تقريبا إلى حياة كريمة، إنه يعني سريرا دافئا وطعاما على الطاولة.
ولذا عندما اتخذت قراري، عارضه أبي.
بعدها تمت دعوتي للمشاركة في بطولة في بوركينا فاسو حيث يتواجد كشافون لأندية أوروبية، وتلك كانت فرصتي للعب بشكل احترافي.
لقد راهنت على حياتي في هذه الرحلة، وقد توجب علي ذلك.
ولكن بمجرد أن وطئت قدمي الطائرة، ما ملأني خوفا لم يكن أمرا له علاقة بكرة القدم.
عندما تلقيت دعوتي للمشاركة في البطولة وعرفت من أبي أننا سنستقل طائرة، لم أصدق ذلك، لأن بوركينا فاسو متاخمة لـ كوت ديفوار، لكن شخص حكيم قرر أن نحبس أنفسنا في أسطوانة معدنية وإرسالها إلى السماء، على أمل أن نهبط بسلام.
لم أكن قد ركبت طائرة أبدا في حياتي، وعندما جلست داخلها، شعرت أن حياتي على المحك.
كنت متوترا للغاية، الطاقم طلب مني ربط حزام الأمان، ولكن كيف؟ ليس هناك زر. كما طلبوا مني رفع المقعد، وأنا لم أعرف طريقة فعل ذلك.
الجميع حولي كانوا منشغلين بإيجاد مقاعدهم، وبعدها بدأت الطائرة في إصدار ضوضاء.. همممم، هل هذا طبيعي؟
المحركات كانت تصدر نفيرا كما لو أنها ستقلع نحو الفضاء، عندها نظرت إلى جانبي ووجدت طفلا تبين أنه مسافر أيضا للمشاركة في البطولة، وكانت مرته الأولى في طائرة كذلك.
بدا أكثر رعبا مما أبدو، وأنا عرفت السبب، لأنه كان جالسا إلى جوار النافذة.
بدأت الطائرة في التحرك، ونحن توقفنا عن النظر إلى بعضنا وحاولنا التعامل مع مخاوفنا. تعلقت بمقعدي وقررت أن أحملق نحو الأمام، ظللت أردد جملة: لن أتزحزح، لن أتزحزح.
بعدها أقلعنا، وبينما ارتفعنا، زال خوفي دون سبب، ولذا انحنيت ونظرت نحو النافذة لأرى أبيدجان تتلاشى، حاولت إيجاد منزلنا والشوارع التي أبيع فيها عادة الهواتف والسجائر. ولكن كل ما رأيته كان المطار الذي ودعت فيه أبي.
في تلك النقطة، لا أعتقد أنه تخيل المسافة الطويلة التي سيكون ابنه مستعدا لقطعها في مسألة كرة القدم، وحتى أكون صريحا، فأنا أيضا لم أتخيل.
لكن تلك الرحلة كانت ستغيّر كل شيء.
لماذا أقول ذلك؟ حسنا، ربما تعرفون بالفعل، فقد ابتعدت كثيرا للإصابة مؤخرا.
لم ألعب كرة القدم منذ تعرضي لإصابة في الركبة في شهر أبريل، كان وقتا صعبا، لقد عانيت الألم، سرت على عكازين، لم أخضع أبدا لعملية جراحية مماثلة في حياتي. كان من المقلق أن أتذكر تلك الحقيقة: لا يهم مقدار العمل الذي ستبذله؛ جسدك يمكن أن يسقط في أي لحظة.
لكني كنت دوما مستعدا لذلك، لأن هذه الإصابة جزء من حياة غير حقيقية.
ما أعنيه هو أن حياة لاعب كرة القدم المحترف عبارة عن فقاعة، لديها تشابهات قليلة مع حياة الأشخاص العاديين.
بالطبع، التعرض للإصابة كان أمرا صعبا علي كلاعب، لكن كل شيء حدث لي في إفريقيا خلال طفولتي كان أصعب.
وهذه الأشهر الماضية ساعدتني على استرجاع تلك الفترة وتذكر كيف وصلت هنا.
وتلك هي اللحظة التي يعيدني فيها ذهني إلى تلك الرحلة نحو بوركينا فاسو. تعرفون كلكم حياتي "الزائفة"، دعوني الآن أخبركم عن حياتي الحقيقية.
حتى الآن لا أزال أعتقد أن تواجدي في تلك الطائرة كان معجزة، ليس لأني كنت واحدا من لاعبين قلائل جدا تمت دعوتهم للمشاركة في تلك البطولة، ولكن بسبب أنني استطعت أن أحظى مسيرة كروية في المقام الأول.
عندما كنت أبلغ 9 سنوات، كنت أرتاد المدرسة وألعب كرة القدم في الشوارع مثل أغلب الفتية. وكنت أساعد أمي أبولين كذلك في أمور عدة في المنزل.
لطالما كنت كذلك دوما، مع القوة القليلة التي امتلكتها، فإنني حاولت أنا أساعد الآخرين.
أقمت أنا وأمي مع شقيقي الأكبر تييري في قرية صغيرة تدعى بينجيرفيل.
أبي ديسيري كان رفقة شقيقتي أنّا في أبيدجان العاصمة يحاول العثور على وظيفة.
وعندما وجد أبي وظيفة، انتقلنا جميعنا إلى أبيدجان. كنا سعداء هناك، ولكني لم أشعر برغبة في الذهاب إلى المدرسة مجددا.
كلما لعبت كرة القدم مع أصدقائي، شعرت أنني قادر على تقديم أكثر، أن أصير محترفا، أن أنتقل إلى أوروبا ربما.
ولكن في كوت ديفوار ليس شائعا أن يسمح أي أب لابنه بالتخلي عن الدراسة سعيا وراء كرة القدم. ولو كان هناك شخص واحد في البلد بأكمله لن يسمح بذلك قطعا، لكان ذلك الرجل هو أبي.
قال إنه مارس كرة القدم، لكن المدرسة كانت الأهم وإلا ضربه والداه. كما أن والدي عمل كمدرس في مدرسة ابتدائية.
كان شخصية ملتزمة ومتحفظة، يتبع المنهج القديم، ولكنه أراد أيضا الأفضل لي، وعمل على تلقيني قيم التواضع والعمل الجاد.
كلما دخلت المنزل كان يأمرني بعمل أشياء، خصوصا تلك المتعلقة بالتنظيف.
"إيريك، ساعد أمك في تنظيف الرواق".
"إيريك، هل نظفت الأساس؟".
"إيريك، نظّف التلفاز".
كل يوم يعود من العمل ويستلقي على أريكة في غرفة المعيشة ويشغّل التلفاز لمشاهدة الأنباء. امتلك أريكته الخاصة التي لا يُسمح لأي شخص آخر بالجلوس عليها.
كان أبا تقليديا، في كوت ديفوار ذلك شائع، الأريكة احتوت على مساحة لجلوس شخصين، ولكنه كان وحده من يجلس عليها.
لو دخل أبي المنزل متأخرا، فلأنه قد قابل بعض الأصدقاء في الحي على الأرجح. يقضون الوقت معا مساءً بعد أن تغرب الشمس وينقضي العمل.
كل من في الحي ينشغلون في شيء، الفتيات يلعبن، والأولاد يتراكلون الكرة في الأنحاء، والسيدات يتحدثن، والرجال على شاكلة أبي يلعبون الداما.
ثم وفي أحد الأيام عندما كنت أبلغ 13 عاما، فاجأني أبي، قال لي: حسنا، إن كنت تريد لعب كرة القدم، فلتفعل ما تحب.
لا أعتقد أنه أرد إخباري بذلك، ولكن عائلتي رُزقت وقتها بطفل جديد، مما جعلنا 4 أشقاء، وربما اعتقدوا أنه لن يوجد ما يكفي من أموال لإعالة الجميع.
وبما أن المدرسة تُكلف الأموال، فقد سمح لي أبي بلعب كرة القدم.
كنت ممتنا للغاية، ورأيت أنه يجب علي الاستفادة من ذلك، لم أهتم من الأثاث باللعب في أوروبا، أردت فقط أن أصبح لاعبا محترفا، أن تكون مهنتي.. كما أردت مساعدة عائلتي.
التحقت بمركز للتدريب، كنت أتدرب في التاسعة صباحا، ثم أستقل الحافلة نحو منزلي لأتناول الطعام وأستريح. أحيانا توجب علي الاختباء من أمي لأنها كانت تقلق من أن أمرض لو خرجت مساءً.
اعتدت أن أبيع بعض الأشياء رفقة أصدقائي، صحيح أنني كنت محظوظا بوجود طعام دوما في منزلنا، لكني لم أرد الاعتماد على والدي، ولذا كنت أبيع هواتف مستعملة وسجائر في السوق السوداء".
وبعد يوم طويل، أعود للمنزل لأجد أبي جالسا على الأريكة.
"إيريك، ساعد أمك في تنظيف المطبخ".
في تلك الفترة، لم يعر أبي اهتماما كبيرا لمسيرتي. كان يشاهد مباريات كرة القدم، خصوصا منتخب كوت ديفوار وتشيلسي حيث لعب ديدييه دروجبا، لكنه لم يكن يحضر ليشاهد مبارياتي.
لكن في يوم من الأيام، عندما كنت أبلغ 14 عاما، كنت مشاركا مع فريقي في دورة، وقد وصلنا للمباراة النهائية.
حول الملعب الموحل تجمهر العديدون لمشاهدة المباراة، وأنا لعبت بشكل رائع، وعندما حضر إلي الناس لتهنئتي لاحقا، أخبرني أحد أصدقائي أن أبي أتى وشاهدني.
فقلت له: "ماذا تعني بأني أبي أتى وشاهدني؟".
ليرد قائلا: "نعم، نعم، لقد أتى ورآك تلعب، ورحل بعد نهاية المباراة مباشرةً".
في تلك الليلة دخلت المنزل لأجد أبي جالسا على الأريكة، قال لي: "اجلس"، وهو بذلك يقصد أن أجلس على الأرض، عندها أخبرني: "رأيتك تلعب في مباراة اليوم...".
نظرت إليه...
"يقول الناس أنك لعبت بشكل جيد.. ولكني لست واثقا، فاللاعبون الآخرون كانوا مريعين".
كان يتحداني مجددا.
لم يكن يقول أبدا أنني لعبت جيدا، حتى لو عرفت أنني لعبت مباراة جيدة بالفعل، ولكنه أصبح يعيرني اهتماما أكبر بعد ذلك اليوم.
مر عامان، وكنت مشاركا في الدورة التي ستؤهل أفضل اللاعبين للمشاركة في بوركينا فاسو. وقد تم اختياري، والطائرة حطت هناك بسلام، أشكر الرب على ذلك.
بمجرد الهبوط في بوركينا فاسو، سألت عن اليوم الذي سنعود فيه إلى كوت ديفوار، كنت قلقا بالفعل من رحلة العودة.
لكني أدركت أن هناك الكثير على المحك، فالبلدان كانت تتنافس في هذه البطولة: كوت ديفوار، بوركينا فاسو، مالي، نيجيريا، الكاميرون.
أخبرونا بوجود كشافين من فياريال، وتورينو، وإسبانيول، وفريق فرنسي كذلك.
شعرت أنني أديت بشكل جيد هناك، وبعد 4 أيام من اللعب عدنا جميعا إلى منازلنا وإلى عائلاتنا بينما عقد المنظمون اجتماعا أخيرا.
أخبرونا أنهم سيتحدثون إلى مدربينا لو أبدى أي نادٍ الاهتمام، ولذا حططت الرحال إيابا إلى أبيدجان مع أمل أن يتلقى مدربي في مركز التدريب تلك المكالمة.
مرت عدة أسابيع...
حينها كان أبي يشاهد كل مبارياتي، كل من في الحي سمعوا أنني سافرت إلى بوركينا فاسو، وأعتقد أنه بدأ يدرك أن نجله قادر على الوصول إلى مكانٍ ما.
عندما التقى أصدقائه للعب الداما، كانوا قد سمعوا عن البطولة، وقالوا له "ابنك يلعب كرة قدم، أليس كذلك؟ عليك أن تعتني به".
في يوم لاحق، دخلت أنا وشقيقتي المنزل، كانت أمي في المطبخ تعد الطعام أبكر من المعتاد. وفجأة رأيت شقيقي الأكبر يركض نحو غرفة المعيشة. كان الوضع غريبا.
عندما رأيت أبي جالسا على أريكته، توقعت أن يصدر إلي أمرا بتنظيف شيء ما، لكنه لم يقل شيئا، كان جالسا مبتسما فحسب.
توجهت إلى غرفتي حتى أبدل ملابسي، وعندما عدت، وضع أبي يده على المساحة الفارغة بجانبه وقال لي: تعال واجلس هنا.
هل تعني أن أجلس على الأريكة فعليا؟؟
جلست، نسيج الأريكة بدا جديدا، خلافا للنسيج في الموضع الذي يجلس عليه والدي، فقد مزقته سنوات مشاهدة مباريات تشيلسي والنشرات الإخبارية.
خرجت أمي من المطبخ وجلست قبالتنا، شقيقي الأكبر كان جالسا على الأرض، بدا وكأنه تجمع عائلي، ولكن الشخص الوحيد الذي دعوه كان أنا.
كنت متأكدا أنني قمت بأمر فظيع.
"لم ترتكب أي خطأ.. هكذا أخبرني أبي، كان يحب الحديث، خصوصا عندما يمتلك السلطة، وفي تلك اللحظة كان يتحدث كقاضٍ على وشك إنزال مطرقته.
"لقد حضر مدربك إلينا هنا، لقد غادر لتوه، حضر وتناول الطعام معنا، وأخبرنا ببعض الأنباء".
قلت له: "أي أنباء؟".
فقال: "حسنا، هناك نادٍ تحدث إليه...".
أجبته في توتر: "أي نادٍ؟".
فضحكت أمي وقالت لي: "اهدأ".
"أنا هادئ".
أبي أكمل حديثه: "حسنا، النادي يريدك أن تذهب في اختبار لمدة 3 أشهر".
"أي نادٍ؟".
"إسبانيول.
قفزت عن الأريكة وجذبت أمي، احتضنت أبي. الدموع انهمرت على وجهي. لم أصدق ذلك.
كان اليوم الأسعد في حياتي، فقد وجدت طريقا لاحتراف كرة القدم، سأذهب إلى إسبانيا!
كان مستحيلا أن أنام في تلك الليلة. أبي أمر الجميع بإبقاء النبأ في العائلة، لأن الجيران في الحي لو اكتشفوا فسيأتي الجميع للاحتفال، رغم أنني تلقيت دعوة لفترة اختبار فحسب.
أنا لم أهتم بذلك من الأساس، لم أكن مصدقا أن هذا يحدث.
بعد ذلك بفترة قصيرة، اندلعت الحرب في كوت ديفوار.
في ذلك العام أقيمت أول انتخابات منذ 10 أعوام، واختصارا للحديث، فقد تنازع السياسيان حول هوية الفائز، لينشب العنف في كافة أنحاء البلاد.
أحد الأمور التي حدثت نتيجة لذلك كانت إغلاق مطار أبيدجان، مما يعني أنني لن أستطيع السفر إلى إسبانيا للتدرب مع إسبانيول.
لقد قتلني هذا الأمر، بدا أن حلمي قد دُمر، ماذا توجب علي أن أفعل؟
لم يكن لدي أي فكرة إن كنت سأحظى بفرصة أخرى في إسبانيول، لكن الوضع كان أسوأ من أن أقدر على التفكير في هذه الأمور.
تلك الكارثة جعلت شراء الطعام صعبا، توجب علي إحضار مياه للشرب في دلو على رأسي. جميعنا عانينا، والداي، وشقيقتي، وشقيقاي. والكثير من الناس عانوا أكثر مما عانينا نحن.
استمرت الحرب لعدة أشهر، وعندما انتهت أخيرا، سمعت أن إسبانيول لا يزال مهتما باستقدامي، لم ينسوني.
وبعد 10 أشهر من مشاهدتهم لي في بوركينا فاسو، توجهت إلى إسبانيا من أجل اختبار جديد.
كنت ممتنا للغاية، وأغلب العاملين في إسبانيول لم يروني ألعب، فقد شاهدوا بعض التسجيلات من دورة بوركينا فاسو.
كان يمكن أن يقولوا "حسنا، هذا الفتى لن يستطيع القدوم، فلنبحث عن آخر محله".. فهناك العديد من المواهب في إفريقيا، أليس كذلك؟
رغم كل شيء، كنت مدرك تماما أنه مجرد اختبار، لم يعرضوا علي عقدا، وإن فشلت في إقناعهم فستكون الرحلة إلى بوركينا فاسو غير ذات قيمة.
في يوم مغادرتي إلى أوروبا، رافقتني عائلتي بأكملها إلى المطار. في اليوم السابق لم أشعر أنني على ما يرام، ربما لأني لم أبتعد بهذا القدر أبدا عن منزلي.
وهذه لن تكون رحلة قصيرة إلى دولة مجاورة، بل سأسافر لمدة 3 أشهر، إلى أوروبا، وحدي.
هذا كثير جدا على شخص اعتاد التواجد مع عائلته دوما، كنا نبكي جميعا في المطار.
في تلك اللحظات، شعرت أنها ستكون 3 أعوام وليس 3 أشهر.
أمي كانت الأكثر قلقا، لم تزل تراني كالطفل، وقلقت حينها من أن أتجمد بردا.
قلت لها: "أمي، أنتِ لم تذهبي أبدا إلى أوروبا وتتحدثين عن برودة الطقس؟".
فقالت: "لا، لا، لقد رأيت ذلك على التلفاز، البرد قارص هناك".
ولهذا السبب تحديدا، كنت واقفا في مطار أبيدجان مرتديا سترة شتوية، أتعرق غضبا.
الرحلة كانت مخيفة، فتلك لم تكن طائرة إفريقية، بل كانت تابعة لخطوط الجوية الفرنسية، وجهتها باريس، درجة رجال الأعمال.
كنت تائها في الطائرة، وأخبرني أحد الأشخاص بمكان جلوسي، وجدت أمامي شاشة، لكني لم ألمس أي زر خوفا من أن أعطل شيئا في الطائرة، ولذا قررت أن أنام.
عندما هبطت في باريس، توجب علي أن أجد رحلتي التالية إلى برشلونة. كنت قد أحضرت حقيبة ظهر فقط لأني لم أرد الدخول في حيرة زائدة بالذهاب إلى منطقة الحقائب.
تعليماتي كانت بسيطة: حط الرحال، جد رحلتك التالية، واستقلها.
بشكل ما وجدت البوابة الصحيحة، وعندما وصلت برشلونة استنشقت نفسا عميقا وحمدت الرب على وصولي، الأمور كلها على ما يرام الآن، أو هكذا ظننت.
لكن برشلونة كانت مختلفة تماما عن أبيدجان، الأضواء كانت في كل مكان، السيارات، الضوضاء، الناس لا يحييون بعضهم في الشوارع.
هذه هي أوروبا إذا؟ كان البرد قارصا، كنا في شهر ديسمبر وهو وقت دافئ دوما في كوت ديفوار.
لكن البرودة هنا كانت لا تطاق، أمي كانت على صواب!
أدركت أنه يتوجب علي التأقلم سريعا، ولحسن الحظ، فقد أخبرني النادي بعد شهر واحد أنهم رأوا ما يكفي، وأنهم يريدوني.
بحلول الشهر الثاني، كنت قد وقعت على عقد مع إسبانيول، لقد فعلتها، صرت لاعب كرة محترفا.
عندما عدت إلى كوت ديفوار كان الجميع سعيدا. عائلتي بأكملها احتفلت.
أبي كان في بهجة غير عادية، لدرجة أنه دخل المطبخ لطهو دجاجة، وبعدها عدت إلى إسبانيا وانضممت إلى ناشئي إسبانيول.
عندما حصلت على راتبي الأول، قمت بتحويل بنكي إلى عائلتي.
الأمور سارت بسرعة كبيرة بعدها، انضممت إلى إسبانيول في 2011، وبعد 3 سنوات ظهرت مع الفريق الأول، ثم قضيت 18 شهرا في فياريال، وفجأة وجدت نفسي ألعب في مانشستر يونايتد.
في ظرف 5 سنوات، تحولت من بائع سجائر في شوارع أبيدجان إلى اللعب في أكبر أندية العالم.
حياتي انقلبت رأسا على عقب، الآن يراني الناس كنجم، كمشهور، لدي مليوني متابع تقريبا على إنستجرام، وأنا شهير للغاية في موطني.
ولكن أي من هذا ليس حقيقيا، فكل هذا زائف، إنها حياة زائفة.
العيش بصورة مماثلة هو أمر لا مفر منه عندما تكون لاعب كرة قدم في هذا المستوى، لا أتحدث عن مانشستر يونايتد كنادٍ، ولكني أتحدث عن كل الأمور المحيطة بذلك.
الناس يخبرونك أنهم يحبون طريقة لعبك، ثم ينتقدونك من وراء ظهرك، أناس يحطون من شأن أنفسهم لمجرد أنك تلعب لـ يونايتد، ينظرون إليك كلاعب كرة قدم وليس كإنسان.
لا أحب ذلك، صحيح أنني ألعب لـ يونايتد، ولكني مجرد إيريك.
ولذا أرجوكم، عاملوني بصفتي إيريك.
بالطبع أننا ممتن لهذه الحياة، لقد ضحيت بالكثير حتى أكون هنا، وأدرك كم من أشخاص طاولتهم تخلو من الطعام، خصوصا في بلدي. أشعر بالفخر لكوني قادر على إحضار عائلتي إلى أوروبا لمشاهدتي ألعب.
ولكن يهمني أيضا أن أبقى طبيعيا، وأن أظل متواضعا. أمي علمتني ذلك، فيوم ما سأتقدم في العمر، وسيخذلني جسدي، وسيتوجب علي الاعتزال، ماذا سأفعل حينها؟ ماذا تركت؟
عندها تعود إلى الحياة الحقيقية، وهي تتمحور حول الأمور الطبيعية، مثل التجول في أنحاء مانشستر مع زوجتي فانيسا، وابني الأكبر يوان.
مثل توجيه الدعوة إلى خوان وبول لتناول العشاء، تماما مثلما كنت سأفعل مع أصدقائي في أبيدجان.
مثل العودة إلى كوت ديفوار لمقابلة أصدقائي وأقاربي، أو لمشاهدة الأطفال يلعبون في الشوارع، والسيدات يتحدثن، والرجال يلعبون الداما.
وفوق كل ذلك.. إنها العائلة التي لن تخذلك أبدا، لن يخذلونك أبدا.
*كل ما سبق على لسان إيريك بايلي في موقع The Players Tribune.
اقرأ أيضا:
تعادل مثير بين فيتا كلوب والترجي
كل ما قاله فايلر قبل مواجهة بلاتينيوم