كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف مساء حينما أرسل كاسيميرو تمريرة طولية صوب ذلك الفتى الصغير.. اللاعب الذي بدت ملامحه طفولية بوضوح تحكم في الكرة كما وكأنه لاعبا متمرسا يحفظ جنبات الملعب جيدا و.... جوووول، لقد أسكنها في الشباك.
94 ثانية فقط كانت قد مرت من عمر مسيرته مع الفريق الأول لريال مدريد.
والبرازيلي المولود في الألفية الجديدة لم يحتج لأكثر من ذلك من أجل التسجيل في أوساسونا.. عندها أصبح أول لاعب من مواليد القرن الـ21 يسجل للميرنجي.
"أحببت الهدف بالتأكيد ولكنني أحببت أكثر تحكم رودريجو في الكرة، والطريقة التي سجل بها" هكذا تحدث المدرب زين الدين زيدان عن لاعبه رودريجو جوس صاحب الـ18 عاما، بعد الفوز على أوساسونا بهدفين نظيفين ضمن الجولة السادسة من الدوري الإسباني.
كانت تلك مباراة رودريجو الأولى مع الفريق، والشاب القادم من سانتوس البرازيلي أظهر ثقة كبيرة تخطت سنه عقب اللقاء.
وقال للصحفيين: "سعيد جدا من أجل الفوز، وأعتقد أن زيدان سعيد جدا، فهو يعرف كيف يعتمد على كل اللاعبين طوال الموسم".
"ريال مدريد ينوي القتال على كل الألقاب، هذا هدفنا وعلينا أن نحارب لتحقيق البطولات".
وعن الصعوبات التي تواجهه، قال: "الضغط في ريال مدريد طبيعي. أنا هنا منذ فترة بسيطة، ولكنني أتعلم بالفعل أننا مطالبون بالفوز دائما".
ثم أضاف "لا يجب أن نستمع للأصوات خارج النادي، علينا أن نواصل العمل. سنظل دائما نتعرض للانتقادات ولكننا هادئون وكل شيء سيكون بخير".
عندما تسلم رودريجو الكرة، صاح المعلق التلفزيوني الشهير خوسيه سانشيز: "أوه، لقد أحببت هذه الاستلامة".
وعندما اهتزت الشباك، صرخ: "لا أستطيع أن أصدق ذلك".. حسنا، ما عليك تصديقه أيضا أن نحو 57270 مشجعا قد قفزوا من مقاعدهم في تلك اللحظة.
بالتأكيد هذا ما يفترض أن تفعله عندما يحدث شيء كهذا.
فجأة، كان هذا الطفل الصغير الذي لم يره المشجعون أبدا بقميص ريال مدريد في مباراة رسمية يتلقى التحية من الجميع في سانتياجو برنابيو.
ورحلة رودريجو نحو كتابة اسمه في قائمة المسجلين كانت سريعة للغاية. تعاقد الملكي معه مقابل 45 مليون يورو في 2018، لكنه لم ينضم فعليا إلى الفريق حتى هذا الصيف، ولم يلعب أي مباراة تنافسية.
والسبت الماضي، لم يلعب حتى مع فريق الكاستيا الذي ظهر معه مرة وحيدة فقط أهدر فيها ركلة جزاء، وبدلا من ذلك سافر مع الفريق الأول إلى إشبيلية قبل أن يصبح الوحيد الذي خرج من قائمة المدرب الفرنسي، بعد جلوس على الدكة أمام ليفانتي وباريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا.
قبل المباراة بليلة، قال زيدان: "نحن نعرف ما يتوجب علينا فعله تجاهه"، وبعد 24 ساعة وقف زيزو على الخط وهو يهمس في أذن اللاعب قبل أن يدفع به بدلا من مواطنه فينيسيوس جونيور.
كانت الساعة تشير إلى الدقيقة 70.22، وعندما سجل رودريجو كانت قد أصبحت 71.56.
المعلق خوسيه سانشيز قال عقب اللقاء: "لا أتذكر أنني شاهدت مشاركة أولى للاعب كهذه"، ليعقب النجم الأرجنتيني خورخي فالدانو الذي وقف إلى جواره "هذا لأنه ربما لم تحدث من الأساس".
بالتأكيد تألق العديد من لاعبي ريال مدريد وسجلوا في مبارياتهم الأولى. لكنه على الأسرع على الإطلاق في تاريخ اللوس بلانكوس.
وفي الدوري الإسباني إجمالا، لم يسجل أي لاعب في مشاركته الأولى أسرع من هذا الهدف سوى الظاهرة البرازيلية رونالدو مع برشلونة، بعد مرور 64 ثانية فقط.
رودريجو حاول التقليل من الاحتفاء بهدفه قائلا: "إن استطعت السيطرة على الكرة جيدا، فإن الباقي سيأتي على نفس الشاكلة. حقيقة لا أمتلك الكلمات لما حدث، أنا فقط محظوظ".
ربما أثارت الكلمات السابقة حماسك وداعبت تطلعاتك نحو إمكانيات اللاعب البرازيلي ولكن الحقيقة أنه رغم تقديم رودريجو لمسة رائعة في ظهوره الأول ربما يتداعى كل ذلك سريعا مع كلمة لا يلتفت إليها البعض كثيرا: الوهم.
أو لنقل وهم "أول لاعب من مواليد القرن الـ21".. وهم الأرقام القياسية.
في البدء لا يبدو الأمر وهما بقدر اقترابه من الأمل والحماس، ومع ذلك يمكن أن تتحول تلك الكلمات إلى وهم حقيقي، فكم من لاعب حطمته التوقعات الكبيرة والمبالغة في الاحتفاء.
أما عن الأمثلة فحدث ولا حرج. بويان كريكتش حطم مع برشلونة عدة أرقام قياسية قبل أن تتحطم مسيرته لاحقا. جيرارد ديولوفيو تنبئ له الكثير بمستوى باهر ولكن رحلته مع برشلونة انتهت سريعا قبل أن تبدأ.
وروبينيو أتى إلى ريال مدريد مع قدر كبير من التوقعات ثم انهار مشواره سريعا.
وإن كنت ترغب في مثال أقرب فلتنظر إلى الرجل الذي شارك رودريجو بدلا منه.
فينيسيوس جونيور انفجر في البكاء بعد تسجيله أول أهداف الموسم قبل أن يضيف مواطنه الثاني، والسبب كان الضغوط الكبيرة التي تعرض لها وصافرات الاستهجان التي نالها مع إهداره لعدد كبير من الفرص وغيابه عن التسجيل في 16 مباراة.
ولعلم زيدان بما قد يواجهه لاعبوه مستقبلا قال: "سعيد من أجلهم، أحببت تحكم رودريجو في الكرة والطريقة التي سجل بها فينيسيوس كان مهما للغاية، سعيد للغاية فأحيانا ننسى أنهما يبلغان 18 عاما".
ولكن الحياة أيضا لا تحمل جانبا واحدا، وما يعتبره البعض وهما حينذاك قد يتحول إلى أمل.
إيكر كاسياس كان في حصة رسم عندما جاء ريال مدريد ليتعاقد معه، وراؤول خشى خورخي فالدانو الدفع به في سن 17 عاما قبل أن يخبره الفتى بشجاعة "إن كنت ترغب في الفوز فأشركني في اللقاء".
وكما تحمل الحياة عدة جوانب فإنها تحمل عدة فرص أيضا.
مارتين أوديجارد كان في سن الـ16 عاما عندما ضمه ريال مدريد ليواجه الخفوت بعدها قبل أن يظهر تألقه مجددا مع ريال سوسيداد في سن الـ20.
خايمي ماتا وخورخي مولينا يقودان هجوم خيتافي الآن وهما في عمر الـ37 عاما، ولم يصلا إلى اللعب في الدرجة الأولى سوى في سن 29 عاما، أما أريتز أدوريز فلم ينفجر تهديفيا إلا بعد تخطيه سن الـ30.
الأهم أن تدرك جيدا ما أنت قادر على فعله ورؤيته، وأن تملك القدرة على القتال والمقاومة، مثل سانتي كازورلا الذي أخبروه أنه سيكون محظوظا إن استطاع المشي مجددا بعد 10 عمليات جراحية.
وها هو قد قاوم ويلعب الآن مع فياريال، بل ودخل تشكيل الأفضل بالليجا الموسم الماضي، وفي يوم الثلاثاء تلقى تحية حارة من جماهير كامب نو بعدما هز شباك برشلونة ليرد "هذا ما سأحمله معي عندما اعتزل".
الأهم ألا تدع سراب الوهم يُعمي عينيك عن هدفك.
** نُقل بتصرف من مقال للصحافي سيد لو على صحيفة "جارديان" البريطانية.
اقرأ أيضا:
غياب معلول وصالح وظهور أزارو وديانج في قائمة الأهلي أمام كانو سبورت
تنس طاولة – هنا جودة لـ في الجول: فخورة بما حققته أمام فرح المميزة.. وأتحدى صلاح
تنس طاولة – فرح عبد العزيز تحكي لـ في الجول كيف خسرت من الطفلة هنا
ميدو يكشف عرضا ندم على رفضه: لم أقبل ميلان بسبب إنزاجي وشيفتشينكو
أزمة لـ الزمالك.. جينراسيون السنغالي يرفض اللعب في برج العرب حتى الآن