لكل قصة نجاح أبطالها الذين يتصدرون الصورة، ولكل إنجاز من يتحدث باسمه، ولكل بطولة هناك من يقف في الواجهة، ولكن في الصورة الكاملة هناك من اختاروا الانزواء بعيدا عن الأضواء والاكتفاء بالتواجد جانب الإطار.
ولأن لكل حكاية الراوي الذي يقص دون أن نراه، والجندي المجهول الذي نعرف دوره دون أن نعرف اسمه، والشخص الذي يحوّل مسار الأحداث دون أن يحضر مشهد النهاية، فقد كان التجاهل دوما مصيرهم.
يتداعى ذلك ربما لأننا نحب دائما الاحتفاء بمن يتحدثون ويتباهون بإنجازاتهم، أو لأن الأغلبية ترغب دائما في اختزال كل قصة في شخص البطل الخارق القادر على تحقيق كل شيء دون محاولة إدراك الزوايا المختلفة لأركان النجاح.
الأكيد أن أولئك الرجال اكتفوا بالتواجد في الظل، دون شعور بالمظلومية أو الأحقية، فقط انتشوا بقيمة ما حققوه مجردا من كل عوامل المديح وحصد الثمار.. لأن قيمة الأشياء تصبح أكبر كلما نبعت من الذات.
ببساطة هم.. رجال في الظل.
بيتر كرافيتز.. "عين" يورجن كلوب
بينما يقف المدرب الألماني على منصة التتويج في أزهى لحظاته متوجا بجائزة الأفضل في العالم، لم ينس إظهار اتساقه مع ذاته وإدراكه للعوامل التي جعلته الرجل الذي عليه اليوم.
"كل ما حققته في مسيرتي كان ممكنا فقط بسبب المتواجدين حولي، ليس اللاعبين فقط، ولكن عائلتي وابني والجميع أيضا، كانوا معي منذ البداية، عندما كنت شخص متوسطا جدا جدا".
طالع أيضا - (يورجن كلوب.. ربما أحلم)
من هنا تحديدا كانت زاويتنا، وفيما يخص المتواجدون حوله فبالتأكيد يجب أن يُستدعى اسم بيتر كرافيتز.. الرجل الثاني في رحلة كلوب أينما حل.
ولكي تتعرف أكثر على أهمية هذا الرجل في طاقم كلوب فيكفي أن تعرف اشتهاره بلقب "العين". الرجل المختص بمتابعة الخصوم والفيديوهات التحليلية.
ومع ثالثهما جيليكو بوفاتش ربما لم يكن ليكتمل أسلوب كلوب المذهل كرويا نظرا لما يجمعهم من تفاهم واضح وقدرة على ترابط الأفكار.
"نحن مثل فرقة موسيقية تملك أدواتها الخاصة. يورجن القائد ومن خلفه هناك من يلعب الجيتار أو الدرامز، ولست متأكدا أيا منهما الأداة التي ألعب بها" هكذا يتحدث كرافيتز.
ويضيف "نعمل بشكل متعاون للغاية منذ بدأنا معا. قبل سنوات كثيرة قال صحفي في ألمانيا إنني (العين) وبوفاتش (المخ)، والناس كرروا ذلك. كان بإمكاننا الضحك فقط بشأن ذلك، وتساءلنا: إذا ماذا يكون كلوب؟".
وتابع "نحن جزء من الفريق ولكن الوضع في ألمانيا يختلف عن إنجلترا، هنا كمدرب تتعدد المهام بشكل كبير لذا أحاول أنا وبوفاتش المساعدة قدر الإمكان".
البدايات
بدأ كرافيتز مسيرته كلاعب في الدوري الألماني الوطني للهواة قبل أن يدرب فريق حي ماينتس، ولم يستمر طويلا حتى اتجه لدراسة العلوم الرياضية وتحديدا كرة القدم، ومعها تحول إلى أحد كشافي ماينتس في الدرجة الثانية الألمانية، منتصف التسعينيات.
قرر بيتر ترك دراسته والتركيز على عمله مع ماينتس وبعد فترة من الوقت انضم لأحد شركات اكتشاف المواهب، قبل أن ينضم لطاقم ماينتس التدريبي.
وكيف تعرف على كلوب؟ من سخرية القدر أن أول مقابلة بينهما كان كرافيتز يحلل فيها أداء كلوب وينتقد تمركزه الدفاعي على أرض الملعب.
ويشرح "كنت في موقف أحلل له بالفيديو ماذا توجب عليه أن يفعل، كانت مهمتي أن أخبره بما أخطأ فيه. كانت هذه أول مرة نتحدث فيها عن كرة القدم معا، وهكذا كانت البداية".
"رأيت مبكرا قدرته على أن يصبح مدربا، كان لاعبا مهما. لم يكن لاعبا مهاريا وإنما قائدا في الملعب وقادر على فهم اللعبة إذ يعرف ما يتوجب عليه فعله وما لا يتوجب. دائما يفكر من أجل الفريق ويهتم كثيرا بالتكتيك".
العلاقة بين كرافيتز وكلوب تنامت مع وجود المدرب فولفجانج فرانك في قيادة الفريق.. الرجل الذي كان بمثابة أب روحي ليورجن في بداياته.
ويشير كرافيتز "فولفجانج فرانك كان يملك فكرة عن كرة القدم، لقد أحدث شيئا أشبه بثورة في ألمانيا وفقا لأفكار أريجو ساكي في الضغط والدفاع".
"كان جديدا في ذلك التوقيت أن تلعب برباعي خلفي، وفي ماينتس كنا أول من فعل ذلك وقد حققنا نجاحا كبيرا. فرانك كان شخصا مهما للغاية عندما أتينا إلى ماينتس".
ماينتس، بروسيا دورتموند ليفربول كلها محطات تنقل فيها كرافيتز رفقة كلوب.
ويبرر صاحب الـ46 عاما السبب خلف ذلك "لا توجد خلافات فيما بيننا، نحن واضحون مع بعضنا البعض، ونرغب في فعل كل شيء معا".
الوصول إلى ليفربول
"كنت استمتع بعطلة السبت وإذا بكلوب يهاتفني قائلا: يريدوننا في ليفربول، ما رأيك؟ أعتقد أننا يجب أن نذهب وأنت مدعو. شعرت سريعا بقناعة أن ليفربول المكان المناسب. مرت ساعتين ثم قلت له: حسنا".
وفي مقاطعة ميرسيسايد اختلفت مهام كرافيتز عما كان في دورتموند وماينتس من تحليل لمقاطع الفيديو، وأصبح عليه إيصال المعلومات للاعبين بأسهل الطرق الممكنة.
بالتأكيد احتفظ ببعض المهام الأخرى كمتابعة الخصوم وتحليل أسلوب لعبهم، ولكن انضم إليه 4 آخرين لتزويده بالمعلومات.
يقول كرافيتز "في دورتموند وماينتس مهمتي الأساسية كانت تحليل الفيديوهات، أما هنا فالأمر مختلف لأن هناك بالفعل قسم يفعل هذه الأشياء، وأنا أحاول تصفية المعلومات والإعداد للاجتماعات".
"الآن لدينا حاسوب في غرف الملابس وشاشة لعرض الفيديو. لا أعرف إن كنا أول من فعلها مع ماينتس ولكننا نحب أن نظهر للاعبين ما نود أن يعرفوه، فهذا يساعدهم على الفهم".
"أعد قائمة أثناء المباراة لمعرفة ما هو مهم بالنسبة لنا، تحديد مشكلة مثلا يعاني منها الخصم سواء كانت فردية أو نهج متكرر، ربما مشاكل دفاعية وربما مساحات لا يستخدمونها أو تغيير في طريقة اللعب".
"نستخدم هذا الأسلوب لمحاولة تطوير الفريق، من المهم للغاية أن تظهر رد فعلك خاصة في الشوط الأول وما أنت قادر على فعله بشكل أفضل، كذلك يوجد لدينا كاميرات في أرض التدريبات إن احتجناها للضرورة".
"أشعر أن ما فعلناه في ليفربول مشابه لما حدث في دورتموند. رأينا قدرتنا على تطوير الفريق وصنع شيء للمستقبل، بالطبع الأمر ليس ضغطة زر وإنما احتاج للكثير من المجهود الذي كنا مستعدين له منذ البداية".
"كنا نعرف حاجة الفريق للتطور، وكيف نساهم في تطوره، لذا كانت أفكارنا واضحة وامتلكنا الثقة في طريقنا الصحيح".
الكرة من ألمانيا إلى إنجلترا
لا يمكن بأي حال التقليل من فكرة التأقلم على أجواء الكرة الإنجليزية سواء إن كنت لاعبا أو مدربا، وكرافيتز أدرك سريعا فكرة الاختلاف سواء في عدد المباريات الكبير مع كثرة البطولات أو أسلوب اللعب وعدم توفر فترات راحة كبيرة.
لكن ذلك لم يكن مدعاة للشكوى بل للفهم والاستفادة من التفاصيل.
"حقيقة أن كل شيء يعمل دون انقطاع ليست سببا للشكوى ولكنه طموح جدا. يجب تهيئة الظروف التي تتيح التدرب على جمل معينة".
وأشار "هناك الكثير من العرقلات هنا والتي تحتسب ركلات حرة في ألمانيا وهذا ما يمنح فرصة أكبر للكثير من المدافعين".
وأوضح "ولتقليل خطورة البناء من الخلف، قررت عدة فرق اللجوء للكرات الطولية بدلا من اللعب بشكل مباشر، بعد ذلك يلجأ كل فريق إلى الضغط المعاكس بشكل مبدئي مع كثافة كبيرة ولفترة قصيرة".
السرعة الكبيرة للعبة جعلها أكثر عرضة للأخطاء ما يسبب فوضى واضحة على أرض الملعب، لكن كرافيتز ينفي إدعاء افتقاد الكرة الإنجليزية للتكتيك والاعتماد على البدنية بشكل أكبر.
"قد تبدو الكرة هنا أقل تكتيكيا ولكن كل شيء يخضع لضغط كبير فيما يخص اتخاذ القرار ولذلك تتراكم الأخطاء البسيطة، العثور على مساحات والاستفادة منها بسرعة تحت ضغط الخصم الضخم أحد أهم الطرق في كرة القدم الإنجليزية".
ماذا عن ردود فعل كلوب على الخط التي دائما ما تجذب الانتباه؟ "لا أشاهده على التلفاز، ولكن هكذا هو يورجن. نحن نعمل بكد وجدية في الملعب ولكننا ناس يحبون الضحك، ونعتقد أن الكرة تتعلق بالاستمتاع".
ويختتم مشيرا إلى الأسباب التي ساعدت على النجاح مع الريدز "لا أعرف لماذا يجب على الناس أن يؤمنوا بنا بخلاف إيمانهم أنه من الممكن أن يكونوا ناجحين؛ لأن هذا نادٍ رائع مع زملاء رائعين وهناك إمكانيات كبيرة".
"نعرف ما يمكننا تحسينه وكيف يمكننا تحسينه، وبالتالي فإن أفكارنا عما نريد القيام به واضحة ولدينا ثقة بأن طريقنا هو الطريق الصحيح".
المصادر:
https://bit.ly/2lBxZUv
https://bit.ly/2lM9Zhd
https://bit.ly/2ngDKHA
اقرأ أيضا
الجنايني: سنحاسب كل من أخطأ.. وهذا ما قلته لـ صلاح
فيفا لـ في الجول: مشكلتان أعاقا احتساب صوتي مصر ..أرسلنا تنبيهين دون رد
صورة مُسربة – شاهد قميص الأهلي الأحمر الجديد
فيديو في الجول – لن تصدق عدد المدربين الراحلين عن الدوري الموسم الماضي