أوغندا 78.. الكثير من الخوف ومجد رأته العين دون أن يكون حقيقة

الخميس، 20 يونيو 2019 - 16:30

كتب : إسلام مجدي

منتخب أوغندا 1978

هناك سؤال جدلي يدور دائما في بال الباحث عن التاريخ، جنود الديكتاتور الطاغية، هل يعاونوه ويساندوه بداعي الاقتناع والدعم والحب أم الخوف؟

هل يقاتلون ويُقتلون مجبرين أم بكامل طاعتهم؟ هذا ما حدث للاعبين مع عيدي أمين رئيس أوغندا السابق، حينما كان المنتخب يلعب أكثر باسمه وليس باسم أوغندا، وكل لاعبيه من رجاله لا من المحترفين.

أمام أعين 45 ألف متفرجا في ملعب نامبولي، فرحة عارمة واحتفالات لا مثيل لها بعد صافرة الحكم، بعد الصمت قبلها بثوان ثم الاحتفالات الصاخبة والصرخات الشهيرة لأي جماهير تعشق كرة القدم وبالطبع منتخب بلادها.

النتيجة تقول إن منتخب أوغندا فاز بنتيجة 1-0 أمام جزر القمر، وتأهل لأول مرة منذ 38 عاما إلى كأس الأمم الإفريقية.

حاليا أوغندا من أقل الدول سكانا، ولديها العديد ممن أعمارهم دون 17 عاما، لم يكن هناك الكثير من الأوغنديين قد ولدوا حينما لعب منتخبهم لآخر مرة في كأس الأمم الإفريقية.

نزاعات لم تنصف شعب أوغندا

لماذا اختارت أوغندا طيور الكركي لتكون على علمها بعد الاستقلال من بريطانيا عام 1962؟ كما تقول الحكومة الأوغندية وقتها: "يحتوي على أعلام الدولة، وهو ودود ولطيف ومسالم ويحب الجميع، وهي خصائص يمتاز بها الشعب الأوغندي".

يمكن لدولة أن تعيش لفترة من الألم والمعاناة كنوع من سد الدين بسبب الكثير من الأحداث السياسية المتلاحقة، لكن أن تدفع أوغندا الثمن لعقود حتى عامين مضوا؟ كان أمرا صعبا للغاية.

مع استقلالها نجحت أوغندا في التأهل لكأس الأمم في نفس العام، وحصدت المركز الرابع بعد غياب عن أول دورتين.

ساءت الأوضاع السياسية في الدولة كثيرا، نزاع داخلي برغبات متباينة في الحصول على السلطة، وصراع بقاء ضد مملكة بوجندا التي كانت تضم كمبالا لتغيب أوغندا عن دورتين وتعود للمشاركة عام 1968.

وحينما يغيب المنتخب طويلا عن المشاركة في البطولات القارية سواء كان منسحبا أو ممنوعا، فتش دوما عن الأزمات السياسية.

في أوغندا كان الوضع مختلفا، في تلك الفترة لم تكن هناك أسسا سياسية أو ديموقراطية، فقط الخوف. من 1962 وحتى 1966 عاشت الدولة انقساما كبيرا بين الحكومة في أوغندا وحكومة المنطقة الأكبر، مملكة بوجندا.

كانت هناك مشكلة إدارية كبيرة في محيط العمل بين المنطقتين، 4 أعوام من الجدال حول مصير مملكة بوجندا، خاصة وأن العاصمة كمبالا ضمنها، ليتدخل عيدي أمين رئيس القوات المسلحة في ذلك الوقت ويهاجم قصر كاباكا.

استمرت معركة قوية للغاية بين الطرفين توفي على أثرها أكثر من 2000 شخص، هرب بعدها كاباكا من القصر إلى لندن وفي 1967 تم إلغاء بوجندا.

ومثلما كان هناك موبوتو في زائير وسان أباشا في نيجيريا، كان هناك عيدي أمين في أوغندا.

أمين كان ضمن قوات الاستعمار البريطاني ثم قاد الجيش الأوغندي في 1964، وبدوره كان يؤمن أن الطريقة الوحيدة للسيطرة على شعبه تأتي من خلال كرة القدم، لذا قرر ضخ الكثير من الاستثمارات فيها.

قام عيدي أمين بانقلاب عسكري في يناير 1971 وعزل الرئيس ميلتون أوبوتي.. وحكمه اشتهر بانتهاك حقوق الإنسان والقمع السياسي والتمييز العنصري والإعدامات غير القانونية وغيرها من الانتهاكات، حتى أن المراقبين الدوليين قدروا أعداد القتلى في عهده من 100 إلى 500 ألف قتيل.

عاشت أوغندا في الفترة من 1971 وحتى 1979 تحت حكم ديكتاتوري دموي مخيف.. حكم بالقوة فقط.

لقبه كان "جزار أوغندا"، وعلى الرغم من أن علم أوغندا مستمد من ألوان طائر الكركي، والطائر نفسه هو شعار الدولة وعلمها، ويتسم بالسلام والمثالية والهدوء، لكن تلك الفترة لم تكن كذلك.

عادت أوغندا للمشاركة في كأس الأمم بعد غياب دام دورتين، لكن في نسختي 1974 و1976.

عام 77 لم يكن سعيدا على أوغندا. المملكة البريطانية المتحدة قطعت العلاقات مع أوغندا، وأعلن عيدي أمين أنه تفوق على بريطانيا وهزمها شر هزيمة.

وصرح لقناة "سي بي إي": "غزوت الإمبراطورية البريطانية".

وأعلنت الإذاعة الأوغندية: "فخامته أصبح رئيسنا للأبد، المارشال عيدي أمين".

فرض أمين نفوذه كثيرا في أواخر السبعينيات وزاد ذلك من حالة الغضب ضده، بجانب الكثير من قضايا الاضطهاد سواء العرقي أو السياسي.

رغم الوعود الكثيرة مثل: "نحن عازمون على جعل الأوغندي العادي سيد قراره ومصيره، وفوق كل شيء أن يستمتع بالثراء الخاص بدولته، سياستنا ستكون نقل الحكم للأوغنديين لأول مرة في تاريخ الدولة".

لكن ذلك لم يحدث، نظام قمعي قتل العديد، مذابح بلغ عدد ضحاياها حسب تقارير إلى نصف مليون ضحية.

أمين كان يعي جيدا أن السبيل الوحيد لغسل العقول ومحاولة استمالة بعض القلوب هي عن طريق كرة القدم.

يوم 13 نوفمبر عام 1977 احتاجت طيور الكركي الفوز ضد إثيوبيا للتأهل إلى كأس الأمم الإفريقية 1978 في غانا، الجولة الأولى كانت سهلة ضد تنزانيا، ومدربهم كان بيتر أوكي بمساندة من بيداندي سالي.

انتهت مباراة الذهاب بالتعادل السلبي في أديس أبابا، وفي مباراة الإياب، اجتمعت الجماهير في ملعب ناكيفوبو، لتشجيع كتيبة لاعبيهم المفضلة.

ضم المنتخب الأوغندي وقتها لاعبين مثل إيدي سيموانجا وأشي موكاسا وتوم لوانجا وجيمي كيروندا وتيموثي آيكوه وأبي نسور وموسيس نسيريكو وبولي أوما ودينس أوبوا وغيرهم.

دقائق قليلة كانت كافية لتتحصل طيور الكركي على ركلة جزاء، وهيمنوا على المباراة وبدا الأمر سهلا مع تشجيع الجماهير.

الإثيوبيون كانوا يعلموا جيدا أنهم بحاجة لهدف وحيد من اجل التأهل، ازداد الضغط كثيرا في المباراة على اوغندا، وأصبحت طيور الكركي محجوزة في وسط ملعبها.

اضطر المهاجم آيكوه أن يعود للدفاع مع فريقه، ثم حدث ما كان يخشاه الجميع.. سولومون مهاجم إثيوبيا نجح في تسجيل هدف التعادل.

واصلت إثيوبيا الضغط وقام الظهير الأيسر موكاسا بإنقاذ مرمى أوغندا من هدفين محققين، مع مرور الوقت، رحل عدد من الجماهير من المدرجات، حتى أن البعض بدأ في توجيه السباب إلى أيكوه.

مع تبقي 3 دقائق حصلت أوغندا على ركلة حرة في وسط ملعب إثيوبيا.. والآن كيروندا يرسل الكرة إلى منطقة جزاء الخصم، هنا يتدخل سيموانجا ويعيد الكرة من جديد إلى كيروندا.. كيروندا، كيروندا ما الذي سيفعله؟ و، جوووووووول كيروندا وضعها في الشباك.. ياله من هدف قاتل.

يمكننا تخيل مشهد الملعب في تلك اللحظة. احتفالات عارمة وجنونية. لاعبو أوغندا يركضون في كل مكان، بعضهم ركض ناحية مقاعد البدلاء وآخرون ناحية الجماهير.

قال توم لوانجا عن تلك اللحظة: "كنا مستضعفين، ساعدنا ذلك جميعا على أن نقاتل، أن نحاول إثبات شيئا ما للجميع".

منتخب أوغندا كان قد فاز ضد زامبيا في 1976 ليحصد لقب إفريقيا الشرقية والوسطى في زانزيبار، ليجلب عيدي أمين طائرة لهم ليعودوا لأوغندا ويتم استقبالهم كأبطال، وشدد على أن تنتظر الطائرة محلقة في الجو حتى يتم تجهيز حفل استقبال.

كانت هناك الكثير من جولات التسوق غالية الثمن للاعبين، والتأهل لكأس الأمم جعل آمال وأحلام عيدي أمين في تلك الفترة الصعبة سياسيا تتضاعف.

حلم لن يكتمل أبدا

أوغندا ذهبت في 1978 بمنتخب غير متناسق، معظم لاعبيه كانوا هواة لديهم وظائف يومية في الشرطة والجيش وحراس في السجون والخدمات المدنية. عكس عدد كبير من خصومهم في البطولة الإفريقية، كانوا محترفين.

"أمين قال لنا قبل أن نذهب إلى غانا، إن فزتم هناك، سأشتري لكم منازلا وسيارات". لوانجا.

أوغندا كانت ضمن المجموعة الثانية التي ضمت تونس والمغرب والكونغو.

المباراة الأولى شهدت بداية قوية للغاية انتصار بنتيجة 3-1 ضد الكونغو، لكن الثانية شهدت خسارة بنفس النتيجة ضد تونس.

المباراة الأخيرة كانت صراع بقاء، إما المغرب أو أوغندا، ومن هنا كانت مفاجأة البطولة.

"كنا عاقدين العزم، ولدينا روحا قتالية، قلنا لأنفسنا، هيا نثبت لهؤلاء الناس أننا فريق كرة قدم ونرغب في أن يعرفنا الجميع".

"إحدى نقاط قوتنا هي وحدتنا، لعبنا سويا لوقت طويل وساعدنا ذلك، كنا كالعائلة". لوانجا.

مغامرة أوغندا لم تتوقف عند هذا الحد، كان عليها مواجهة نسور نيجيريا، وبالطبع المواجهة نفسها كانت مفاجئة.

ناسور سجل هدف التقدم في الدقيقة 11 ثم تعادل إيو ثم سجل أوموندي هدف الفوز، أوغندا تفوقت على نيجيريا ووصلت النهائي.

بعد الفوز ضد نيجيريا، سافرت طيور الكركي إلى واحدة من أكثر المدن الساحلية رطوبة وحرارة في غانا، العاصمة أكرا، لمواجهة غانا في النهائي.

انهار كل شيء فجأة حتى قبل أن يبدأ النهائي، حالات إعياء بين الجهاز الفني واللاعبين، انقطاع في الكهرباء في الفندق، كل هذا قبل المباراة بفترة قصيرة للغاية.

فور وصول المنتخب الأوغندي إلى الملعب شعر اللاعبون والطاقم التدريبي وأطباء الفريق بالإعياء.

"لا أعلم ما الذي حدث، تم إخبارنا أن نقوم بالتسخين، لكننا لم نكن قادرين على ذلك، الرطوبة كانت قوية كذلك، لكننا لم نكن نتعرق، لم نسقط قطرة عرق واحدة".

"بدأ الجميع من الشكوى بتقلصات في المعدة، ثم ركضنا جميعا مسرعين إلى دورات المياه".

لم يكن لوانجا ورفاقه واثقون مما حدث، هل كان الطعام؟ التوتر؟ السحر؟ لم يدرك أحد ما حدث، لكن أيضا لم يكن ينكر أحد قوة منتخب غانا في ذلك الوقت، حتى في أفضل حالات طيور الكركي.

"لا يمكنني أن أقول إننا لو كنا أفضل سنهزمهم أم لا، لأن بعض أفضل لاعبين لم يكونوا يؤدون كنا ضعفاء".

فازت غانا بنتيجة 2-0، انتهت القصة الجميلة وحلم المنزل والسيارة للاعبين، ربما كان ذلك بسبب الكثير من التوقعات.

أعتقد لاعبو أوغندا في قرارة أنفسهم أنهم سيفوزون ضد غانا وتخيلوا الجنة التي سيقدمها لهم عيدي أمين.

"كان هناك الكثير من التشويق، حينما غادران أعتقد أن أحد رجال عيدي أمين أرسل برقية، أو هذا ما أخبرونا به، إلى رئيسنا وقال له إننا بعنا المباراة".

حينما وصل اللاعبون إلى مدينة كمبالا لم يتواجد سوى عدد ضئيل للغاية لاستقبالهم، وتم ترقية بضع اللاعبين في الجيش.

في عام 1978 بدأ أمين في خسارة نفوذه في أوغندا، في شهر أكتوبر من ذلك العام أمر أمين بغزو تنزانيا، كانت تلك بداية النهاية له.

خلال 6 أشهر نجحت القوات التنزانية في اجتياح القصر الرئاسي في أوغندا، وأمين هرب إلى ليبيا.

"عمت الفوضى أنحاء أوغندا، الناس كانت تموت كل يوم نهارا وليلا".

نجح لوانجا وبعض اللاعبين في الهرب من أوغندا وبعضهم بدأ بالفعل مسيرة احترافية في كرة القدم في الدول العربية، منها الإمارات.

أما بعض اللاعبين الذين خدموا أمين في الجيش والشرطة وكانوا من أعوانه، فوجدوا أنفسهم معتقلين بتهم عديدة.

كما أن الثنائي فريد إيسبيري وميدي لوبيجا الذين كانا يلعبان في كأس الأمم 1978 تم قتلهما رميا بالرصاص أثناء خدمتهما مع أمين.

"من كان يتم القبض عليه وهو ضمن قوات أمين، إما يتم الزج به في الحبس أو قتله فورا، لم يكن الوضع آمنا، كان سيئا للغاية".

في طريقها للديموقراطية عاشت أوغندا حربا أهلية أجبرتها على الانسحاب من نسختي 80 و82 قبل أن تفشل في التأهل في الفترة من 84 وحتى 88 لـ3 نسخ متتالية.

دام غياب أوغندا 38 عاما حتى عادت في 2017 مشاركة ودعتها من دور المجموعات وسجلت هدفا وحيدا في تعادل مع مالي بنتيجة ١-١.

ومازالت الدولة تحاول أن يكون لها مكانة في كرة القدم، وأن تجد سلاما داخليا لها بين مواطنيها.

طالع أيضا

رئيس كاف يدافع عن نفسه ضد اتهامات عائد بث كأس إفريقيا

مصر.. ضد المنطق

اختبر معلوماتك - رتب مدربي كأس إفريقيا وفقا لجنسياتهم

مصري ضمن أكبر 15 لاعبا في كأس إفريقيا

سينما بوسط البلد تعرض مباريات كأس إفريقيا

التعليقات