دعونا أولا نتفق أن كرة القدم في إفريقيا تتمحور بشكل من الأشكال حول مصر.
مصر تستضيف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وهي عضو مؤسس فيه. منتخب مصر هو أول منتخب يشارك في كأس العالم من إفريقيا، وهو أول بطل، والبطل التاريخي، للقارة.
فرق مصر هي الأكثر تتويجا ببطولات الأندية، والمنطق دائما يقول إن الفراعنة هم المرشح الأول للظفر بأي لقب إفريقي.
ولكن مهلا، هناك أمور يجب وضعها في الحسبان.
الدوري المصري هو الدوري الوحيد من بين الدوريات التي تشارك منتخبات بلادها في كأس الأمم الإفريقية سيستمر بعد البطولة، دون جماهير، كما بدأ.
منتخب مصر لم يخض مباراة رسمية على الاستاد الذي سيلعب عليه مباريات كأس الأمم منذ 2015.
أزمات الكرة المصرية – هذا العام تحديدا – لا حصر لها ولا عدد، خلافات شديدة بين رؤساء الأندية وتنافس خرج من إطار كرة القدم بين مسؤولي أكبر الأندية.
دوري أزماته أكثر من متعته، ملاعبه خاوية. ولقاؤه الأهم كان في كرة الماء وليس كرة القدم.
ولكن ضد المنطق، مصر المرشح الأول للفوز بكأس الأمم الإفريقية.
اقرأ عن رحلاتنا السابقة في إفريقيا من هنا
ربما هو قدر الكبار، الذي جعلنا في 2017 بعد 7 أعوام من الغياب التام مرشحا للتألق والذهاب بعيدا، بل ووصلنا للنهائي وخسرنا بصعوبة.
ربما تدعمنا استضافة البطولة، وذكريات 1986 و2006 عندما فزنا باللقبين الثالث والخامس.
ربما يدعمنا وجود أحد أهم لاعبي العالم في تشكيلنا، الرجل الذي يحمل آمال الـ100 مليون مصري.
الكثير من الاحتمالات التي تعاند المنطق، الذي يقول إن المنتخب الذي يملك دوريا غير منتظم ويلعب دون جمهور، والذي لم يلعب على ملعبه منذ 4 سنوات لا يمكن أن يكون مرشحا للبطولة.
مصر = كأس أمم إفريقيا
مصر هو أول منتخب وصل إلى كأس العالم من قارة إفريقيا، ولكن تاريخ الفراعنة الكروي الحقيقي تحقق في كأس الأمم الإفريقية.
أقدم منتخبات إفريقيا والذي تكون في 1920، حصد أول بطولتين في تاريخ كأس الأمم عامي 1957 و1959، ثم غاب عن التتويج حتى استطاع التغلب على العملاقين المغربي والكاميروني في نصف النهائي والنهائي في 1986.
غياب طويل آخر عن التتويج حتى عام 1998، حينما واجهنا المنطق مرة أخرى، لدرجة أن محمود الجوهري مدرب المنتخب آنذاك قال إن الفراعنة سيحصلون على المركز الثالث عشر من أصل 16 منتخبا في بوركينا فاسو.
ولكن رفع الفراعنة اللقب للمرة الرابعة، قبل ثلاثية تاريخية بدأت من استاد الرعب شرق القاهرة، مرورا بغانا ثم أنجولا.
عشرات من الأساطير سجلوا أسماءهم في تاريخ البطولة، بداية من الديبة وحسن الشاذلي، مرورا بطاهر أبو زيد وحسام حسن وحازم إمام وأحمد حسن ومحمد أبو تريكة وحسني عبد ربه وانتهاء بمحمد زيدان وجدو، وهذا مثال وليس حصر.
كل اسم من هؤلاء الأسماء يحمل تاريخا عريضا، جزء من اللوحة الكبيرة التي تضم 96 مباراة في كأس أمم إفريقيا، فاز المنتخب في 54 منهم وسجل فيها الفراعنة 159 هدفا.
طالع أيضا - (مصر في إفريقيا 90.. الوصول قبل اللعب بعدة ساعات وتكريم على 3 هزائم!)
تأهل منطقي مع كثير من تغيير الجلد
رفقة المدرب السابق هيكتور كوبر، تحول منتخب مصر من منتخب يقدس الكرة الهجومية مثلما ظهر في آخر العصور الناجحة للكرة المصرية مع حسن شحاتة إلى منتخب دفاعي بحت، الأمر الذي ظهر جليا في كأس الأمم 2017 وكأس العالم في العام التالي.
ولكن مع رحيل الأرجنتيني وحلول المكسيكي خافيير أجيري تغير جلد المنتخب للغاية.
المنتخب بدأ رحلة التصفيات بخسارة في رادس ضد تونس 1-0 في مباراة قادها كوبر، قبل أن ينتفض بانتصارات منطقية، 6-0 على النيجر و4-1 على إي سواتيني، و2-0 على إي سواتيني إيابا ليضمن التأهل.
حفلات الأهداف والأداء الهجومي استمرا في المباراة التي منحت تجربة أجيري الكثير من المصداقية، الفوز على تونس 3-2 في الجولة الخامسة للتصفيات.
وبعدها، تعادل المنتخب مع النيجر خارج الديار 1-1 في مباراة تحصيل حاصل، لينه الفراعنة التصفيات في المركز الثاني بـ13 نقطة، نقطتين خلف المتصدرين التونسيين.
ولكن في وسط التصفيات، حدث الأمر الجلل الذي حول آمال المنتخب من ظهور قوي في الكاميرون، إلى ضرورة الفوز باللقب.
الكاميرون باتت غير مستعدة لاستضافة البطولة، لتنتقل البطولة الأولى في الصيف والأولى التي تضم 24 فريقا إلى شمال شرق القارة.
هنا تغيرت الآمال تماما، وصار على الفراعنة حصد اللقب رغم كل ما تم سرده من عوامل لا تساعد على ذلك.
طالع أيضا - (في غياب نصفه الآخر.. أيمن منصور "الأسرع" دون أن يدري)
أجيري.. "مثير للجدل لا يحب كرة القدم"
"هو يقول دائما إن زوجته تحب كرة القدم أكثر منه ورغم أنه يبدو أنه لديه ارتباطا وثيقا باللعبة لكنه يحب البيسبول" كان هذا رأي مانولو ماركيز مساعد المدرب المكسيكي خافيير أجيري حينما كان الثنائي يعمل في إسبانيول.
أحد أبرز التجارب في مسيرة أجيري التدريبية الذي لم يلعب لأي ناد خارج المكسيك خلال مسيرته هي تدريبه لمنتخب بلاده مرتين في كأس العالم الأولى في 2002 والثانية في 2010.
ولكن على الرغم من ذلك لم يستطع أجيري قيادة منتخب بلاده لحل عقدة دور الـ16 فخرج في المرتين من نفس المرحلة في الأولى على يد أمريكا والثانية أمام الأرجنتين.
وفي إسبانيا كان لأجيري العديد من التجارب بدأها مع أوساسونا من 2002 إلى 2006 فبعدما قاده للنجاة من الهبوط نجح في التأهل به لتصفيات دوري أبطال أوروبا بعدما حل رابعا في الدوري الإسباني.
وبناء على نجاحه مع أوساسونا انتدبه أتلتيكو مدريد لثلاث سنوات نجح في قيادتهم للتأهل لدوري أبطال أوروبا خلال تواجده مرتين على التوالي قبل إقالته في منتصف موسم 2008-2009.
بعد كأس العالم 2010 عاد أجيري إلى إسبانيا مجددا ولكن تلك المرة من بوابة ريال سرقسطة ولم يلبث معهم سوى موسم واحد فقط وأقيل بسبب سوء النتائج.
ومن سرقسطة تولى أجيري تدريب إسبانيول ونجح في إبقاء الفريق بالدوري وتجنب الهبوط للدرجة الثانية، وكان ذلك آخر عهده بالكرة الإسبانية.
ومن إسبانيا قاد أجيري منتخب اليابان في أغسطس من عام 2014 ولكنه لم يستطع التتويج بلقب كأس الأمم الآسيوية في 2015 بعد الهزيمة في ربع النهائي أمام الإمارات رغم عدم استقباله لأي هدف في دور المجموعات.
ومن اليابان ذهب إلى الوحدة الإماراتي في 2015 وقاده لعامين توج خلالهما ببطولتي الكأس هناك قبل أن يقرر الرحيل.
أثناء تولي المدرب المكسيكي قيادة اليابان اتهم في إسبانيا بالتلاعب حينما كان مدربا لسرقسطة.
القصة تعود إلى موسم 2010-2011 وبالتحديد في الجولة الأخيرة حيث ضمن ليفانتي بقاءه وسوف يستضيف ريال سرقسطة الذي يدربه أجيري والذي يحتاج للانتصار لتجنب الهبوط.
وبالفعل نجح سرقسطة في الفوز بهدفين لهدف ليضمن بقاءه بالدوري الإسباني.
وأوضحت التقارير الصحفية آنذاك أن أجيري متهم مع بعض لاعبيه والمسؤولين في ناديه بالاتفاق مع ليفانتي على التلاعب في نتيجة المباراة لضمان البقاء.
ورد المدرب المكسيكي بغضب على تلك الاتهامات قائلا: "عملت في إسبانيا لـ12 عاما ولم أقم بأي تصرف غير احترافي على الإطلاق ولم أقدم هدايا لأي شخص من أجل الفوز".
وأردف "كل من تم اتهامه في تلك الواقعة من لاعبين وحكام وإداريين مازالوا يعملون في أماكنهم بشكل طبيعي وهذا دليل كاف لبرائتي من تلك التهمة".
تظل تلك القضية بابا سهلا لمهاجمة أجيري. الفوز بالبطولة سيغنيه عن الرد مجددا على أسئلة الصحفيين والإعلاميين عنها، أما خسارتها فقد يعني حاجته للرد أو عدم قدرته عليه إن كان خارج مصر حينها، ودون وظيفة.
طالع أيضا - (حسام حسن "الأربعيني" ينهى عجافه الإفريقي)
مجموعة لا تشكل تهديدا كبيرا
المستضيف وقع في مجموعة لم يكن خافيير أجيري ليختارها إذا سنحت له الفرصة، زيمبابوي وأوغندا والكونغو الديمقراطية.
تجنب الفراعنة مواجهة أحد منافسيهم على اللقب في الدور الأول، مع احتمالية تأهل 3 فرق من المجموعة، يبدو أمر عدم استمرار المنتخب في البطولة خياليا.
ولكن مع سهولة المجموعة تزداد المسؤولية، فعدم تصدر المجموعة بـ9 نقاط سيصدر ضغطا كبيرا على المنتخب في قادم المواعيد والتي سيخرج المغلوب منها مباشرة، حينها ستصبح التفاصيل الصغيرة هي الفيصل والحكم.
التأهل لدور الـ16 سيعني وصول الفراعنة كأول منتخب في تاريخ القارة للمباراة المئوية في البطولة، ولكن الفوز بالمباراة 103 في استاد القاهرة يوم 19 يوليو المقبل هو الهدف الوحيد.
محمد صلاح.. محمد صلاح.. محمد صلاح
يقول خافيير أجيري إن "منتخب مصر ليس صلاح فقط"، وهو محق في ذلك.
ولكن على أرض الواقع، آمال المنتخب و100 مليون مصري معلقة في قدمي هداف الدوري الإنجليزي في الموسمين الماضيين، وبطل دوري أبطال أوروبا الموسم المنقضي.
مشاهدة ودية المنتخب ضد غينيا، تثبت أن صلاح أكثر من مجرد لاعب، كما قال أحمد علي كامل مهاجم الفراعنة.
يبحث عنه الجميع لتمرير الكرة إليه، يراوغ عناصر غينيا كطالب في المرحلة الثانوية ضد صغار لم يتخطوا الصف الثالث الابتدائي، يسيطر على الملعب ويأسر أعين الجميع.
باختصار، يملك منتخب مصر لاعبا يصنف بأنه من أفضل ثلاثي على مستوى العالم حاليا، ولديه تحد خاص في 2019.
بطل دوري أبطال أوروبا يحتاج تتويجا مع المنتخب لتقوية حملته لحصد الكرة الذهبية هذا الموسم. والفرصة تبدو مواتية لصلاح هذه المرة.
صلاح، الذي يوصف بأنه يغير نظرة أوروبا والعالم للعرب والمسلمين، أمامه مهمة غير كروية يقوم بها بلعب كرة القدم مثلما يفعل في إنجلترا، وهي توحيد المصريين خلف المنتخب في إطار حملة تحقيق اللقب الثامن.
طالع أيضا - (كل مخاوف 2017 تندثر قبل 2019.. ولكن لدى منتخب مصر مشاكل جديدة)
ضع نفسك مكان أجيري واختر تشكيل المنتخب في مباراة الافتتاح أمام زيمبابوي:
طالع أيضا
بيليات لـ في الجول: نتمنى تحقيق مفاجأة أمام مصر.. ومواجهة صلاح ستكون ممتعة
فيديو في الجول – أشياء لا تستطيع الذهاب بها إلى ملاعب كأس إفريقيا
هل تساعد الأرقام في تحديد مهاجم مصر بين كوكا ومروان محسن وأحمد علي؟
بالفيديو - إبراهيم حسن يحكي لـ في الجول عن كواليس هدفه في شباك ريال مدريد
حسام حسن "الأربعيني" ينهى عجافه الإفريقي