ملاعب أمم إفريقيا – استاد القاهرة.. هنا حيث بدأ كل شيء لا يُنسى
الأربعاء، 19 يونيو 2019 - 14:54
كتب : لؤي هشام
كانت جنبات المكان مظلمة، لا يبدو هنا أي أثر للحياة، فقط صمت مطبق يحيط بكل الأرجاء، ومدرجات خاوية على عروشها. كأن حربا مرت من هنا فنزح الجميع تاركين ديارهم دون أن يمسسوا حتى بأثاثها.
ولكنها لم تكن الحقيقة، فلا الحرب مرت من هنا ولا أصاب المكان أي دمار. فقط كما هو راسخا ولكن هذه المرة بلا أي روح، فقيمة الأشياء تُستمد من أرواح ساكنيها وذكرياتهم وليس من الشيء ذاته مهما تعاظم المعمار وتجمّل البناء.
في ذلك المكان قبل عدة سنوات وحتى عقود لم تكن الصورة ذاتها حاضرة، بل على النقيض تماما.. صرخات الحناجر كانت تدب بالحياة في أرجائه.
أصوات مرتفعة، وهتافات قوية وصرخات جنون وهيستريا ولحظات تاريخية. كان هذا ما زرع روح متفردة جعلته قبلة للمتيمين أولا ورهبة للزائرين ثانيا.
ظل هذا المكان دائما شاهدا على انتصارات أسعدت أمة بأكملها، وانكسارات أحزنت شعب بكل أطيافه. هنا حيث احتفل الجميع وحيث حزنوا، هنا حيث انفجروا في لحظة هادرة وحيث كمدوا في لحظة خانقة.
هنا حيث بدأ كل شيء لا يُنسى، وما كان قبله يمكن أن تتناساه.
في مدرجات هذا المكان يُمكنك أن تؤرخ لتاريخ مصر الشعبي. تغيرات عدة مر بها المصريون اجتماعيا ونفسيا منذ إنشائه، فرحلتهم عايشت بين جدرانه نكسة وحرب فانتصار فمعاهدة سلام وانفتاح فإرهاب وأوضاع اقتصادية متأزمة فثورة ثم تقلبات سياسية عدة.
ووسط كل ذلك كان هذا المكان متنفسهم حيث يمكن أن يسخطوا ويسبوا ويلعنوا دون أي قيود، وحيث يمكن أن يتغنوا ويهتفوا ويعبروا عن رضاهم وسعادتهم بكل بساطة.
عَكَس هذا المكان كل ما مر به أجيال عدة من المصريين من أوضاع سياسية واقتصادية ونفسية ليظهر على السطح حقيقة ما يشعرون به.
هنا تقاسم متعصبو الأحمر والأبيض جنباته وتبادلوا السباب، وهنا كانت أهدافا قاتلة في الثواني الأخيرة تمنحك جرعة معتبرة من الأدرينالين فلا تدرك لماذا تحتضن هذا الغريب ولماذا تمزق قميص آخر من الهيستريا، ولماذا تتفوه بكلمات غير مفهومة بينما تتدفق دموعك وأنت تضحك.
تغيرت ملامح المدينة كثيرا، وكما الكاميرا المثبتة باتجاه الشمس لتنقل لك مشهد شروقها حتى غروبها في عدة ثوان كان ذلك الحال أيضا مع هذا المكان.
ثبتت الكاميرا عدساتها صوبه ونقلت لنا المشهد في عدة ثوان: يظهر الملعب ثابتا كما هو بينما تتغير معالم البناء والمعمار من حوله في تسارع واضح.
ولأنه قطعة راسخة من المدينة كالأهرامات وأبو الهول كان لزاما أن يحمل اسما يدل على صفاته، أو دعونا نقول إنه كان اسما على مسمى.
هنا استاد القاهرة.
الملعب التاريخي الذي شهد لحظات مترسخة في الذاكرة الكروية يعود إليكم من جديد بعد أعوام من غياب ساكنيه. قُبلة الحياة مُنحت له، وجنباته لن تكون تلك المرة مظلمة.
حقيقة لم يكن معلوما تاريخا محددا لعودة الجماهير إلى استاد القاهرة، لكن إسناد تنظيم بطولة أمم إفريقيا إلى مصر كان فرصة إجبارية كي تضيء أنواره مجددا وتمتلئ مقاعده بأكملها.
الملعب التاريخي لمنتخب مصر والأهلي والزمالك يستضيف مباريات الفراعنة في كأس إفريقيا.. مرحبا بكم في استاد الرعب.
القصة من البداية.. قبل أن يعطي ناصر توجيهاته
بدأت أعمال البناء في استاد القاهرة عام 1958 واُفتتح رسميا في الذكرى الثامنة لثورة 23 يوليو عام 1960 في حضور الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس السودان إبراهيم عبود.
لم تكن القاهرة تعرف استادا أولمبيا حتى ذلك التاريخ، ولكن فكرة بنائه تعود في الأساس إلى ثلاثينيات القرن الماضي عن طريق محمد طاهر باشا، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية آنذاك وعضو في اللجنة التنفيذية الأولمبية الدولية ومؤسس دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط.
طالب الطبيب طاهر باشا بضرورة بناء استاد بالقاهرة وجاء بالفعل بالمهندس الألماني فيرنر مارش مصمم استاد برلين من أجل أن تتم عملية الإنشاء على قطعة أرض بجوار نادي الزمالك تمتلكها وزارة الأوقاف لكن الأخيرة أوقفت المشروع.
وعندما تم توفير اعتماد مالي مقدر بـ200 ألف جنيه للبناء أوقف المشروع مرة ثانية وبشكل نهائي إلى أن فكر عبد الناصر ببنائه.
ونقل تقرير لموقع "عرب لايت" مقال لطاهر باشا في صحيفة "المصور" عام 1948 بعنوان "القاهرة: العاصمة الحديثة الوحيدة التي ليس بها استاد".
وفيه يحكي القصة كاملة قائلا: "إنه لمن العار حقا أن تبلغ بلادنا كل هذا الرقي، ثم تنفرد القاهرة بخلوها من ملعب رياضي كبير. مسألة الاستاد مسألة محزنة ومؤسفة معا، فليس هناك بلد متمدين ليس به استاد إلا مصر زعيمة دول الشرق العربي".
وأضاف "ها أنا ذا أقص قصة الاستاد من أولها لكي أبين أن الإيمان بالرياضة ما يزال ينقصنا، ولذلك ترانا نفتقر إلى أكبر دعامة من دعائمها".
"في سنة 1936 خطت اللجنة الأهلية للرياضة البدنية خطوة عملية عقب أولمبياد برلين، فدعت المهندس الألماني (الهر فيرنر مارش) الذي صمم ملعب برلين، فحضر إلى القاهرة ودرس معها المشروع، ثم اتصلت بمصلحة المباني الأميرية حيث وضع تصميم لهذا الملعب، وقد جاء في تقرير اللجنة لسنة 1937 أنها واصلت سعيها لدى السلطات العليا لتحقيق إقامة هذا الملعب، خصوصا وقد زاد شعورها بذلك، عندما رغبت في أن تنال مصر حظها من الدورات الأولمبية".
"وعندما أًنشئت وزارة الشؤون واصلت السعي لتنفيذ المشروع، واقترحت إدارة الرياضة بها إدراجه ضمن برنامج السنوات الخمس، وفي سنة 1944 بمناسبة مشروع مدينة الأوقاف الجديدة بجوار الزمالك، حجزت وزارة الشؤون الاجتماعية قطعة أرض من هذه المدينة مساحتها 211 ألف و567 متر مربع للمشروع، ثم شكلت لجان حكومية أقرت حجز المساحة المطلوبة، فاعترضت وزارة الأشغال بأن ثمن الأرض يبلغ حوالي 211 ألف و567 جنيها (المتر بجنيه واحد)، وطلبت إعادة النظر في الموضوع واختيار قطعة أرض أخرى لإنشاء الملعب، تكون أثمان الأراضي فيها منخفضة".
ويكشف طاهر باشا أن إدارة الرياضة بوزارة الشؤون أدرجت 200 ألف جنيه في مشروع ميزانية سنة 1946 – 1947 للبدء في مشروع استاد القاهرة ولكن المبلغ لم يدرج فيها، وعادت وزارة الشؤون إلى إدراج هذا المبلغ في ميزانيتها للسنتين التاليتين (أي 1948 – 1949)، إلا أن وزارة المالية حذفته من الاعتماد.
وينهي طاهر باشا تقريره بفقرة قال فيها "إن هذا هو مجمل الخطوات التي تمت بشأن ذلك المشروع وجهود الهيئات الأهلية والوزارات المختلفة لتنفيذه، وبقى أن نجد من يؤمن بقيمة هذا الاستاد وضرورته لمصر، فيدفعه إيمانه لأن يجعل من الحلم حقيقة".
"المصور" كان لها تعقيبا نصحت فيه الدولة أن تقيم الاستاد في أرض نادي الجزيرة (سبورتينج)، حيث هناك 200 فدان تملكها الدولة، وأن الاستاد لن يحتل إلا جزءا بسيطا من هذه المساحة الكبرى.
بالفعل تحقق حلم طاهر باشا بعدها بأقل من عقدين حين أعطى عبد الناصر تعليماته ببناء استاد في المساحة الصحراوية بمدينة نصر شمال غرب القاهرة.
تكلف بناء الاستاد 3 ملايين جنيه، وهو رقم ضخم بمقاييس الستينيات، وصممه المهندس الذي استقدمه طاهر باشا من قبل، فيرنر مارش، تحت إشراف المهندس المصري أحمد الدمرداش.
بُني "استاد ناصر" – قبل أن يتحول اسمه للقاهرة في أعقاب وفاة الرئيس المصري عام 1970 - بتصميم يجعل نصفه تحت الأرض والنصف الآخر فوقها وتواجد به أول لوحة نتيجة إلكترونية في إفريقيا، وأربعة أعمدة إضاءة ضخمة، وقد كان يتسع لأكثر من 100 ألف متفرج ليصبح الاستاد الأكبر في إفريقيا والشرق الأوسط وقتها.
مر الاستاد التاريخي بعدة مراحل تطوير كان أبرزها في عام 2005 قبل استضافة بطولة أمم إفريقيا في 2006 لتجعله يتوافق مع المعايير الدولية في ظل انتقادات لإنشاءاته.
تقلصت سعة الملعب لـ75 ألف متفرج بعدما كانت تصل أحيانا إلى 120 ألف في ظل مدرجاته الأسمنتية التي بلا مقاعد، قبل أن تتواجد المقاعد مع البطولة التي توجت مصر فيها بلقبها الخامس.
في 2008 فكرت الحكومة في خصخصة الملعب وبيعه لمستثمرين لكن البرلمان المصري رفض هذه الفكرة معتبرا إياه "من معالم مصر وكنز قومي".
وقبل بداية بطولة 2019 مر الملعب بتجديدات أخرى لمقاعده وأعمدة الإضاءة ونجيلة الملعب، وبعض من المرافق الأخرى.
لحظات لا تنسي
استضاف الملعب 3 بطولات أمم إفريقيا في 74 و86 و2006، ليشهد خسارة صادمة في نهائي الأولى أمام زائير ثم تتويج بالبطولتين الأخيرتين.
عشرات الآلاف حبست أنفاسها في ركلات الجزاء أمام الكاميرون وكوت ديفوار قبل أن تحتفل بالانتصار، ومثلهم كانوا حاضرين لحظة قاسية أمام زائير سقطنا فيها خلال دقائق.
شهد استاد القاهرة بطولة كأس العالم تحت 17 عاما في عام 97، وأقيمت به مباريات بمونديال تحت 20 عاما في 2009.
ومن أرضه تأهلت مصر إلى مونديال 90 عبر بوابة الجزائر حيث احتفل المصريون بجنون برأسية حسام حسن، وعليه كانت طوبة زيمبابوي الشهيرة في 94 التي أجبرتنا على لقاء إعادة في فرنسا أطاح بحلم المونديال بعيدا.
عرف استاد القاهرة كذلك محطات هامة للأندية المصرية، كان أولها بين الإسماعيلي والإنجلبير الزائيري (مازيمبي الكونغولي حاليا) في نهائي دوري أبطال إفريقيا 1970.
حينذاك احتشد أكثر من 120 ألف مشجع في الملعب إضافة إلى الآلاف خارجه لدعم النادي الساحلي، الذي كان مشجعوه يحظون بتعاطف واسع في أعقاب تهجيرهم بعد النكسة.
وفي عام 1971 كان شاهدا على إلغاء الدربي بين الأهلي والزمالك في أعقاب أعمال شغب من الجماهير الغاضبة التي لم تكتف باقتحام الملعب بل بتحطيم كل ما طالته أيديها.
على ذلك الملعب حقق قطبا القاهرة العديدة من الألقاب القارية والمحلية، فمن أصل 5 نهائيات بدوري أبطال إفريقيا توج بها الزمالك لعب الفريق جميعهم على استاد القاهرة.
ومن أصل 8 ألقاب نالها الأهلي بدوري الأبطال توج بخمسة منهم بعدما لعب النهائي في استاد الرعب، بجانب بطولة الكونفدرالية عام 2014، حيث كان هدف عماد متعب القاتل في الثانية ما قبل الأخيرة.
كانت تلك البطولات خيط من فيض إنجازات كبرى للفريقين، وذلك الملعب شهد تتويجات أخرى عديدة للأحمر وللأبيض على الصعيدين القاري والمحلي.
استاد القاهرة لم يكتف بتلك اللحظات الهامة بل لامست أرضيته أقدام العديد من نجوم كرة القدم العالمية.
فعلى نجيلته داعب بيليه وفرانتس بيكنباور ودي ستيفانو وإيزيبيو وبوشكاش وبوبي مور الكرة، ولعب جيوف هورست وستانلي ماثيو وبيتر شيلتون، وسقط زين الدين زيدان وفيجو وروبيرتو كارلوس، وانفجر ورونالدينيو وحضر تييري هنري وبدأ ليونيل ميسي وخسر جابرييل باتيستوتا.
وغيرهم الكثير حضروا في هذا الاستاد، سواء في مباريات ودية أمام الأندية المصرية أو في مباريات لمنتخابتهم ودية كانت أو رسمية.
أندية كسانتوس البرازيلي وبرشلونة وريال مدريد ووست هام وروما وبايرن ميونيخ وبنفيكا مرت بنجومها من هنا.
إفريقيا 2019
يستضيف استاد القاهرة مباريات المنتخب المصري في المجموعة الأولى من كأس إفريقيا.
يفتتح الفراعنة مبارياتهم يوم 21 يونيو بمواجهة زيمبابوي، ثم يواجهون الكونغو الديمقراطية يوم 26 من نفس الشهر، قبل أن تختتم مبارياته في المجموعات يوم 30 يونيو أمام أوغندا.
تلعب الكونغو وأوغندا مواجهتهما على نفس الملعب، وتلتقي الأخيرة ضد زيمبابوي أيضا عليه.
يستضيف الملعب مباريات المنتخب الوطني التالية في الأدوار الإقصائية – حال تأهله – وبالتأكيد سيكون مسك الختام بإقامة المباراة النهائية على أرضه.
شاهد في هذا الفيديو كيف تصل إلى استاد القاهرة بأسهل الطرق:
اقرأ أيضا:
أجيري: سنلعب بنفس أسلوبنا أمام زيمبابوي.. وحسمت اسم حارس المرمى
المحمدي: الضغط سيكون قويا في البطولة.. ووجود صلاح يساعدنا على النجاح
الكونغو الديمقراطية.. لرسم بسمة على الأبرياء من حملة السلاح
حسن شحاتة - دوما تحت الطلب.. وكيف تبني جيلا قويا لمنتخب مصر
مدرب زيمبابوي: نبحث عن الأفضل أمام مصر.. وهذا موقف بيليات من المشاركة
الكشف عن موعد طرح تذاكر الأدوار التالية من أمم إفريقيا وحتى النهائي