كثيرون حاولوا ومعظمهم فشل، لا يمكنك أبدا أن تفوز على ذلك المدرب الجديد المسمى بأليكس فيرجسون في معركة عقلية، منذ أن تولى تدريب مانشستر يونايتد وقد أصبحت تصريحاته علامة مسجلة.
في يوم 6 نوفمبر من كل عام يتذكر عشاق مانشستر يونايتد بشكل خاص وكرة القدم بشكل عام تولي أليكس فيرجسون مهمة تدريب الشياطين الحمر لتبدأ حقبة جعلت النادي على قمة كرة القدم الإنجليزية وأحد أقوى الأندية الأوروبية كما كان في الماضي.
فيرجسون لم يمزح قط، حاول الكثيرون أن يخلقوا حروبا نفسية قبل مواجهة يونايتد في كثير من المباريات لكنه ببساطة لم يكن يسمح بذلك. كان يتحرك بحذر ليمتك أفضلية في الملعب على منافسه ويستغل عقله بأفضل طريقة ممكنة.
جاءت سمعة وروعة فيرجسون من قدرته على السيطرة وقوته في إيمانه بامتلاك الجميع القدرة على إحداث الفارق، واللعب بلاعبين متوسطي المستوى لم يكن ليجرؤ أي منافس على الدفع بهم في أي مباراة كبيرة أو ضد فريق وسط الجدول حتى كانوا ليصبحوا مجرد لاعبين للمداورة.
على عكس مدربين كثر لم يكن نجاح فيرجسون نابعا من أسلوب لعب كروي معين بالعكس كان ذلك من خلال قوة شخصيته، كل الظروف كانت ضده بكل الطرق.
رون أتكينسون ذلك المدرب الذي سبق فيرجسون في يونايتد صرف الكثير لبناء فريق قوي، ضم برايان روبسون وريمي موسيس من وست بروميتش ألبيون وفرانك ستابليتون من أرسنال وراي ويلكينز من ميلان وجوردون ستراتشان من أبردين (في ذلك الوقت كان فيرجسون هو مدرب الفريق) وبول ماكجراث من باتريكس أثليتيك ونومان وايتسايد، احتل معهم المركز الثالث في الدوري موسمي 81-82 و82-83 وفاز بلقب كأس الاتحاد مرتين، ووصل لنصف نهائي الأندية أبطال الكؤوس.
لكن في نهاية موسم 85-86 وبعد سلسلة من النتائج السيئة خصوصا وأن يونايتد كان قد بدأ ذلك الموسم بـ10 مرات فوز متتالي جعله يتراجع في جدول الترتيب كثيرا، وساءت الأمور أكثر في موسم 1986-1987 خصوصا عقب الخسارة من ساوثامبتون بنتيجة 4-1 في بطولة كأس الرابطة ليرحل أتكينسون.
البداية لم تكن بذلك البريق، لنراجع سويا قائمة فيرجسون عقب ذلك المؤتمر الشهير الذي قال خلاله إنه سيزيح ليفربول من على عرش إنجلترا الكبير.
- الكثير من الإصابات
- الأداء السيء
- ثقافة الفريق في تحقيق مراكز متقدمة فقط وليس البطولات
- إسراف اللاعبين في شرب الخمر
- انعدام اللياقة البدنية
وكل ما سبق يمكن إضافة الشيء الأهم إليه وهو صراع الشخصيات القوية في الفريق بين نجومه من جهة وبالطبع قوة مدربه من جهة أخرى، رحل العديد من اللاعبين وليس المدرب على خلفية تلك الصراعات في 1989.
نورمان وايتسايد رحل إلى إيفرتون بمبلغ 600 ألف جنيه إسترليني، وبول ماكجراث المدافع القوي الملقب بـ"الجبل" رحل إلى أستون فيلا بمبلغ 400 ألف جنيه إسترليني.
رسالة فيرجسون كانت واضحة للجميع خصوصا من تبقى منهم وبالتحديد برايان روبسون، كان هناك مدرب جديد لا يقبل أبدا بتلك المشاكل وتلك التصرفات لا يرغب في تحديد أسلوب لعب لكنه خلق حالة من الانضباط.
لم تكن مشاكل فيرجسون بتلك البساطة، العمل مع النادي لبعض الوقت اكتشف أن بنية الفريق لخلق جيل شاب ضعيفة للغاية لا تصلح أبدا لخلق بطل جديد على الساحة الإنجليزية، لا يوجد نظام كشافة لدى الشياطين الحمر للحديث عنه.
وما زاد الضغط أكثر أن ليفربول كان قد فاز بالثنائية المحلية الدوري والكأس ليصبح خامس فريق يفعل ذلك خلال تلك الفترة، ويونايتد عانى كثيرا من تهكم الصحافة "المدرب الذي قال إنه سيزيح ليفربول من على العرش لم يفز بدوري الأبطال منذ 1986 ولم يفز بالدوري منذ 1967".
كتب دانييل تايلور في كتابه هذا هو: سير أليكس فيرجسون القصة غير المختصرة لعبقري كرة القدم في 2007 عن أنه لم يكن يهتم سوى بالالتزام، بدا ذلك عليه في المؤتمرات الصحفية :"كان يدخل كما لو أنه وصل لحفلة، كنا نعرف أنه سيكون لاذعا ونظراته حادة، خاصة لمن يفوت بداية المؤتمر كان ذلك أمرا غريبا على مدرب أتى في ظروف مثل تلك".
قرر فيرجسون أن النظام هو ما يحتاج إليه يونايتد. أدخل نظاما لتحليل مباريات وتدريبات الخصم، وهو نظام لم يختبره الفريق سوى نادرا جدا، وكان جديدا للغاية على الشياطين الحمر، وقرر أيضا أن يبدأ معركته الأولى مع الإعلام ولم يضيع وقتا في هذا وجعل لاعبيه مثله مشيرا إلى أنهم ضحايا وليسوا جناة.
جاءت مشادة فيرجسون الأولى مع الإدارة سريعا حينما قرر أن يغير نظام الشباب في الفريق، إذ أنه قرر أن يحصل على 40 جنيه إسترليني من أموال النادي لكي يزور أعضاء مجلس الإدارة الشباب ليشرح لهم الموقف، لم يرضخ أحدا لما طلبه فيرجسون، فقرر التهديد بالاستقالة إلى أن تراجعت الإدارة وقررت تلبية مطالبه.
قام فيرجسون سريعا بإنشاء شبكة كشافين شابة للغاية ورسم خرائط للتحرك قام بشرائها من منقطة مانشستر العظمى ليغطي أولا كل ركن في مدينته ومن ثم يتوسع حولها، وكانت إحدى أبرز صفقاته في ذلك الوقت هي ضم ذلك الطفل الواعد صاحب الـ14 عاما والذي يسمى بـ ريان جيجز من مانشستر سيتي لينضم لما أسماه فيرجسون فيما بعد بـ"الثورة"، إضافة لعدة مراهقين مثل نيكي بات وبول سكولز وجاري نيفيل وشاب أخر هو ديفيد بيكام.
حاول المدرب الإسكتلندي تأمين المستقبل للفريق لكن الحاضر كان صعبا للغاية، في 1990 ولم يكن يونايتد قد حقق شيئا بعد مع فيرجسون ولم يكن الأخير قد أوفى بوعد واحد من وعوده الكثيرة.
مواجهة الجولة الثالثة من بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي وبعد عامين حافلين ممتلئين بالمشاكل، كان عليه مواجهة نوتينجام فورست ومدربه الأسطوري برايان كلوف، وبالتالي فخسارته لوظيفته ممكنة للغاية، إذ أنه ضم عددا من اللاعبين بمبالغ كبيرة مثل برايان ماكلير وستيف بروس وفيف أندرسون وجيم ليتون ونيل ويب وبول إينس وجاري باليستر، لكنه وعلى غير المتوقع قد فاز بالمباراة.
بعد ذلك خرج مارتن إدواردز وإدارة مانشستر يونايتد لتقول إن عمل فيرجسون ملحوظ للغاية وإقالته لم تكن أمرا مطروحا.
كانت تلك المباراة بمثابة فجر جديد ليونايتد مع مدربه الذي عانى كثيرا، تلك اللحظة التي سجل فيها لي مارتين هدف الفوز على كريستال بالاس بنهائي بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1990 أول بطولة يحققها المدرب الإسكتلندي الطموح مع مانشستر يونايتد.
قال عنه جرامي رانسي جاره في مدينة أبردين "إنه شخص طيب للغاية وكان يدعونا دوما للطعام مع بقية مدربين الدوري الإسكتلندي، لقد كان مهووسا بكرة القدم الأكثر هوسا بها كان يسافر حول أوروبا بالقطار لمشاهدة المباريات جميعها بالكامل، فيرجي كان جيدا كفاية لدرجة أنه كان يجلب لنا تذاكر المباريات لنشاهدها إنه شخص رائع".
في حين أن الصحفي جرهام هانتر قال عنه "دائما يمتلك فيرجسون عقلية أنا ضد العالم، إنه أمر خاص، لقد أحدث ثورة لفن علم النفس فيما فعله في مانشستر يونايتد، أين كان الفريق قبله؟ لقد عاش أياما صعبة للغاية وعانى من ضغوط مستحيلة أي شخص أخر غيره كان ليفشل، يذكرني هذا بمن حاولوا كثيرا أن يقفوا في طريقه لكنهم فشلوا ولم يسعهم سوى احترامه وتقديره".
ما جعل فيرجسون عبقريا وأسطورة لم يكن اختراعه لأسلوب لعب جديد مثل رينوس ميتشيلز المدرب الهولندي صاحب التاريخ الكبير والذي درب هولندا وبرشلونة وأياكس مثلا وليس لأرقامه التي حققها، كثيرون هم الفائزون والمخترعون، لكن بكل بساطة فيرجسون كان الفوز بعينه الشخصية التي جعلت العديد يطلقون عليها طريقة فيرجسون.
في الفترة من 1986 وحتى 1990 كانت أصعب الأوقات على جماهير مانشستر يونايتد بل إن بعضهم لم يكن يذهب للاستاد من الأساس، خاصة وهم يشاهدون ليفربول يستمر في إنجازاته لكن بالعمل وحده مع فيرجسون تحول كل شيء ونجاحه محليا كان أكبر من أي شيء.
حينما ستفكر بما كان عليه مانشستر يونايتد وما كان يعينه الفريق في الماضي وحاليا كونه أصبح اسما كبيرا سواء على الصعيد التجاري أو المكانة في عالم كرة القدم خاصة في القرن الـ20 فعلينا أن نتذكر أين كان الفريق قبل 6 نوفمبر 1986.