كتب : عادل كُريّم | الأربعاء، 01 نوفمبر 2017 - 11:22
وداعا عم حسين..
"القمر من فرحنا هينور أحمر".
صوت أجش متحشرج يغني في منتصف مدرجات الدرجة الثالثة (يطلقون عليها الثانية حاليا لكنها ستبقى الثالثة بالنسبة لكل من عاصرها بهذا المسمى) .. ومن خلفه الآلاف يرددون وراءه .. ينتظرون فقط أن يبدأ هو الأغنية أو الهتاف لينطلقوا دون توقف، فيما هو يفكر في الهتاف التالي، وهو يتابع أرض الملعب بعين ضيقة تحاول التقاط كل التفاصيل .
إشارة من يده الغليظة توقف الهتاف فجأة .. ليبدأ آخر .. ربما تحفيزا للفريق الذي تراجع أداءه قليلا .. ربما للضغط على الخصم .. ربما إشادة وفرحة بهجمة كادت تسفر عن هدف ..
المهم أن الكل في النهاية ينتظر قائد الأوركسترا ليبدأ هو الهتاف ، وينطلقون هم من خلفه على الفور ..
"كل الناس بتقول يارب" ..
الوقت يمضي والهدف المنتظر لم يأت .. هنا يقرر "عم حسين عفيفي" أن تتوقف الهتافات والأغاني ويبدأ الدعاء .. وفي الغالب يكون باب السماء مفتوحا ليتحول الدعاء إلى فرحة لن يطول انتظارها كثيرا ..
كل من دخل مدرجات الأهلي في السبعينيات والثمانينيات وحتى بدايات الألفية الثالثة كان يبحث عنه .. يسرع ليتخذ مكانا خلفه "في السنتر" حتى يكون أول من يردد الأغاني والهتافات من وراءه ..
هو لا يتعب أبدا رغم الإرهاق والمرض البادي على وجهه والذي يشير للجميع أن الرجل مريض بالفعل .. ينهي مباراة كرة القدم ويبدأ في التفكير في مباراة أخرى في كرة اليد أو الطائرة .. هذا هو البيت الوحيد الذي يعرفه ، والأبناء الذين لم ينجبهم في الحياة لكنهم ينتظرونه في كل مكان ليقودهم إلى ما يحبه ويحبونه ..
عم حسين لم يتزوج .. نسي في غمرة تنقله من ملعب إلى آخر ومن صالة مغطاة إلى أخرى أن يكوّن أسرة .. أو ربما اكتفى بهذه الأسرة الكبيرة التي تحبه وتبحث عنه في كل مباراة للأهلي ..
لكن هذا القلب المريض لم يحتمل البعد عن الملاعب .. زاده فراق المدرج مرضا وألما .. وحينما رفعت الجماهير صورته في مباراة داخل صالة الأهلي كان يبكي .. حزنا على الأيام التي ولت ولن تعود ، وفرحا لأنه نجح .. ولأن أولاده لم ولن ينسوه ..
القلب المريض لم يتحمل أكثر من ذلك .. توقف عن النبض أخيرا مثلما سيحدث للجميع إن آجلا أو عاجلا .. لكن الصوت الأجش الذي طالما تردد في أذهان وقلوب من أسرعوا ليقفوا خلفه في "الدرجة الثالثة" سيبقى حاضرا كلما دخلوا إلى هذه المدرجات ..
وداعا عم حسين .. ولنلتق في عالم أفضل بمشيئة الله ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
مقالات أخرى للكاتب
-
يورجن.. سنعيدها مرة أخرى إلى ليفربول ! الأحد، 02 يونيو 2019 - 11:36
-
وداعا عم حسين.. الأربعاء، 01 نوفمبر 2017 - 11:22
-
مقال رأي - كاس العالم .. كاس العالم الأحد، 08 أكتوبر 2017 - 22:01
-
مارتن يول.. ماذا قبل وماذا بعد؟ الثلاثاء، 19 يوليه 2016 - 13:11