الباليه والهروب من شبح كرويف أعادا اكتشاف فان باستن لذاته
الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017 - 13:49
كتب : خالد وهبة
يستيقظ أحد مشجعي ميلان في صباح الثامن عشر من أغسطس عام 1995، يذهب إلى المقهى ليتناول قهوته الصباحية بينما تدور عيناه بين أغلفة الصحف.
تقع عيناه على هذا العنوان على الصفحة الرئيسية لـ "جازيتا ديللو سبورت"
"أين سنجد لاعبا اخر مثله؟"
لقد أعلن ماركو فان باستن اعتزاله في الليلة السابقة بعد استسلامه للإصابة.
في مثل هذا اليوم، ولد ماركو فان باستن عام 1964، ويحتفل –ونحتفل معه- اليوم بعيد ميلاده الـ53.
هناك اعتقاد سائد بأن اللاعبين طوال القامة لا يمكنهم أن يكونوا أكثر مهارة. علميا، يبدو الأمر صحيحا نوعا ما، لكن كرة القدم علمتنا أن هناك دوما من سيأتون ليكسروا كل ما هو متعارف عليه.
ماركو فان باستن مثلا وصل طوله لـ189 سم، ومع سراويل الثمانينات القصيرة، يبدو عند دخوله أرض الملعب بأقدامه الطويلة كزرافة صغيرة.
الخليط الذي كان عليه فان باستن، الطول الفارع والمرونة والمهارة الفائقة، يبدو لي كل ذلك وكأنه لاعب غشاش يلعب ألعاب الفيديو مستخدما شيفرة ما.
ربما يصيغ كين شولمان الأمر بطريقة أكثر دقة وبراعة، وهو صحفي معروف، فيقول:
"تماما كتحركات تيد ويليامز (لاعب بيسبول) على الصحن وكريم عبدالجبار (لاعب كرة سلة) على الدائرة، تحركات فان باستن حول وداخل منطقة الجزاء عبارة عن رقصة باليه رفيعة وسامية جدا، رقصة مصممة من أقواس وزوايا متكاملة"
هناك أيضا تلك المفارقة – والدة ماركو كانت راقصة باليه شهيرة في مدينة اوتريخت وهولندا بأسرها. هل تنتقل مثل هذه الأمور عن طريق الجينات أيضا؟ في حالة فان باستن، ربما.
أما فان باستن نفسه فيقول:
"كان حلمي الأول كفتى صغير أن أصبح لاعب جمباز، ثم اكتشفت أنني أستطيع أن ألعب كرة القدم.
أعتقد أن خلفيتي عن الجمباز والألعاب البدنية ساعدتني كثيرا لأصبح أكثر رشاقة عندما قررت أن آخذ كرة القدم بجدية أكثر"
كعادة هذا الجيل، إذا سألته عن قدوته أو لاعبه المفضل أو بطل طفولته سيخبرك دون تفكير.. يوهان كرويف، وفي هذا الأمر لم يكن فان باستن مميزا عن الجميع فكان كرويف لاعبه المفضل.
لكن كرويف كان من طينة أخرى، وإذا كان فان باستن عبقريا فكرويف هو العبقرية ذاتها. كان ماركو يدرك ذلك جيدا لذلك اتخذ مساره الخاص بعد أن أدرك حقيقة الأمر، لن يصبح كرويف آخر في أي يوم من الأيام.
يقول فان باستن:
"كان يوهان واحدا من أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة.
حاولت محاكاة ما كان يفعله على أرض الملعب: أن ألعب في كل مكان، أن أؤسس الهجمات، أن ابدأ الهجمة المرتدة، أن أدافع. لكنني لم أستطع القيام بكل ذلك.
كان باستطاعته فعل كل شيء، وأنا لست على هذا المستوى. أنا مهاجم كلاسيكي أكثر، لاعب منطقة الجزاء. واتضح لي بعد فترة أن هذه هي الطريقة المثلى لمساعدة فريقي."
عندما توقف ماركو عن محاكاة طريقة لعب يوهان كرويف، عندما قرر أن يكون مهاجما فقط، وعندما قرر أن يكون مهاجما بأفضل طريقة ممكنة، حينها فقط أصبح واحدا من الأفضل في تاريخ هولندا وأوروبا، ولعبة كرة القدم.
يخلد العظماء لقدرتهم على انتاج لحظات من الابداع الخالص. لحظة ماركو الخاصة كانت في الملعب الأولمبي في ميونخ، المانيا – نهائي بطولة أمم أوروبا 1988.
ظلت تلك التسديدة العجيبة في مرمى الاتحاد السوفيتي تجسيدا للبراعة الكروية لسنوات طويلة، ومثالا عمليا على كرة القدم التي كان باستطاعة منتخب هولندا تقديمها في ذلك الوقت.
التقنية، الاتزان، القوة، المرونة، الثقة، والابداع; جمع ماركو فان باستن بين كل هذه الخصائص في لعبة واحدة أسفرت عن واحدا من أكثر الأهداف الايقونية في تاريخ اللعبة.
يان ووترس أرسل كرة عرضية نحو فان باستن، وكان يدرك أنه ما عليه إلا التمرير وفان باستن سيتصرف على طريقته.
الكرة في الهواء والجميع ينتظر لقطة إبداعية جديدة من فان باستن. ربما يستلم الكرة ويراوغ المدافع ليسدد أو يمرر الكرة لأحد المهاجمين.
فان باستن لم يفعل ذلك، فقد اخترع قانونا جديدا بالكرة. فان باستن سدد مباشرة وأحنى جسده كما لو أنه مازال طفلا يتمرن مع والدته على رقص الباليه.
أن تحكم السيطرة على كلا من دقة التسديدة والطريقة التي سددت بها، ربما كانت هذه أنسب لقطة لشرح التقنية في تاريخ كرة القدم.
"فان باستن هو أفضل مهاجم دربته في حياتي، إنه كالبجعه يركض بسرعة ويتحرك برشاقة" هكذا وصف فابيو كابيلو ماركو فان باستن، وربما أنه وجد الوصف الأنسب.
عندما سئل مارادونا عن أفضل لاعب شاهده في الملعب قال: "الأمر معلق بين روماريو وفان باستن"
لقد كان اعتزاله "مصيبة" كما قال كابيلو، مصيبة لفان باستن، لكرة القدم، ولميلان. ودّع ماركو الملاعب قبل أن يتم عامه الـ29 حتى بسبب الإصابات والعنف الذي عانى منه على يد مدافعي الدوري الإيطالي.
في حياة أخرى، كان فان باستن ليكون مهندسا بارعا.