كتب : عمر الجراحي | الجمعة، 29 سبتمبر 2017 - 18:20
الكرة الألمانية والاستثمارات.. المستحيل الرابع
لمجرد أن أرادت رابطة المحترفين الألمانية والاتحاد الألماني مسايرة الحاضر لأن تدخل الاستثمارات في الكرة الألمانية، كان الرد عنيفا من الجماهير.
كل الجماهير بداية من بايرن ميونيخ وحتى الصاعدين هانوفر وشتوتجارت تحمل لافتات الإهانات وتستنكر الفكرة وتبعث برسالة واضحة.. لا مكان للاستثمارات في الكرة الألمانية!
الموقف العجيب من الأندية الألمانية في مدرجاتها كان متوقعا، ففي ألمانيا، تسير الأمور على الطريقة التقليدية، أو بما تسميه الصحافة وإدارات الأندية دائما بـ"العادات والتقاليد". الأندية تعتمد فقط على مواردها وإذا تدخل أي عنصر خارجي فيكون بمثابة الجاسوس ويتحول النادي إلى مكروه من الجميع بلا استثناء.
بالتأكيد أن المثال الشهير هو آر بي لايبزيج الذي يلقى الدعم الكبير من شركة ريد بول، وهو ما يجعل الجميع ناقم عليه، بما فيه بايرن ميونيخ وجماهيره حتى وإن كانت إمكانيات البافاري المادية مثله وأكثر، لكن الأمر هنا حياة أو موت، رغم أن ظاهريا لايبزيج لا يجلب النجوم كباريس سان جرمان بل إن مشروعه كله متركز على جلب الشباب وتنميتهم وبيعهم في النهاية كما تفعل الأغلبية في البوندسليجا.
العادات والتقاليد داخل الكرة الألمانية جعلت الاتحاد الألماني يعاني الأمرين في إطار سعيه لزيادة عوائد البث التلفزيوني من خلال تغيير مواعيد المباريات، الإجابة من الجمهور أيضا كانت واضحة "لا مباريات يوم الاثنين" ومباريات السبت كلها إلا مباراة في موعد واحد، هذا ما اعتدناه وهي عاداتنا ولا مجال لتغييرها، الاتحاد الألماني فقط لعب مباراة واحدة يوم الاثنين بين فيردر بريمن وشتوتجارت وقوبلت برد جماهيري قوي بالرفض، ربما تحل القضية في الفترة المقبلة، لكنها مثالا صارخا لقيمة العادات والتقاليد في المجتمع الألماني الرياضي.
ولكن، الهزائم المتتالية التي يتلقاها الألمان أوروبيا طرحت عديد الأسئلة عن المستقبل، وهل ستستطيع الأندية المواصلة بدون الاعتماد على استثمارات خارجية، الأمر الذي دعانا للحديث عن القضية من بدايتها لنهايتها في هذا الموضوع.
50+1
في ألمانيا، لديك المقدرة كمستثمر أن تشتري فقط 49 % من أسهم النادي، على أن يكون 51% أي أكثر من النصف ملكا للجمعية العمومية حتى تكون الإدارة مشتركة، فالنادي يُدار بجماهيره التي تختار الإدارة ويُمثّل فيها مالك بقية الأسهم، لكن هناك فرصة وحيدة للذي يمتلك 49% من الأسهم أن يمتلك النادي كله في حالة شاذة تعرف بـ "Lex Leverkusen".
هذا الاستثناء يحدث عندما تمتلك الأسهم وتدعم النادي لمدة تزيد عن العشرين عاما، تماما كما يحدث في أندية مثل باير ليفركوزن مثلا، الذي أسسته شركة باير للأدوية والآن هي المالكة له، وكذلك أندية مثل هوفينهايم وفولفسبورج، وحديثًا مارتن كيند في هانوفر، وهنا، يكون الأمر مقبولا بشكل أو بآخر للجماهير وإن كان توجد عديد الانتقادات لأندية مثل هوفينهايم وفولفسبورج مثلا التي في كثير الأحيان لا تمتلئ مدرجاتها وهو عكس "العادات والتقاليد".
هناك حالة أخرى من دخول الاستثمارات ولكن بشكل مقبول أيضا، وهو أن يتحول النادي من جمعية مسجلة إلى شركة مساهمة، مثل بوروسيا دورتموند وعدد آخر من الأندية آخرها شتوتجارت، وهنا تحدث عمليات اقتصادية كثيرة في النهاية ترفع من رأس المال وتزيد من قيمة النادي وتظل الأندية هي المالكة لأسمهما وتعمل على الاستثمار بشكل أو بآخر من الأرباح، وتتواجد بعض المجازفات لكنها في النهاية إن نجحت يكون نجاح اقتصادي كبير جدًا واستقرار مهم، تمامًا كحالة دورتموند.
كرة القدم ليست للاستثمار
الإيمان الراسخ لدى الألمان واضح، كرة القدم هي رياضة وليست حدثا، هم لا يتقبلون أن تكون الكرة صناعة بالشكل الإنجليزي أو الأمريكي، هم يروا أن يوم السبت والأحد أيام للنزهة والتشجيع، وليست لجلب لاعب يلعب فقط من أجل الأموال وجمهور مصطنع لا يؤدي دوره.
دخول الأموال في عالم كرة القدم الألمانية مرفوض إلا إذا كان من أرباح النادي على أرض الواقع وليس بمساعدة طرف خارجي، فمثلا هناك تقبل كبير جدا لبايرن ميونيخ رغم أنه يساهم بشكل أو بآخر بإضعاف المنافسة المحلية، ولكن البايرن جلب الأموال بخطة اقتصادية محكمة وبانتصاراته، وليس بدعم طرف آخر.
لايبزيج وتآمر الاتحاد الألماني
لايبزيج هو الحالة التي أدت إلى انفجار الأمر بالشكل الراهن، النادي الألماني الشرقي هو الوحيد الذي يخالف قواعد الاتحاد الألماني، ورغم ذلك لا يتعرض إلى عقوبات أو النظر مجرد النظر في الأمر، الاتحاد الألماني سعيد به ربما، ويبدو بوضوح أنه لا يعارض دخول الأموال في الكرة من أجل المصلحة العامة، بالتأكيد عكس إرادة الجماهير.
هل تستطيع الأندية الألمانية مقارعة الإنجليز والإسبان بدون أموال؟
النتائج الأوروبية محبطة للغاية حتى الآن، الفشل ذريع في الدوري الأوروبي في آخر السنوات رغم وصول فولفسبورج ودورتموند وآينتراخت فرانكفورت إلى أدوار متقدمة، الأمر كله يقع في يد بايرن ميونيخ في دوري الأبطال ونسبيا دورتموند، حتى الفرق التي كانت تضمن مركزا في ثمن النهائي أصبحت لا تستطيع، مثل ليفركوزن وشالكه وجلادباخ وشتوتجارت وغيرهم.
الأمر ببساطة بدأ في البزوغ في الموسم الماضي والأسبق، الأندية التي تتأهل إلى الدوري الأوروبي تصل على الأرجح بالصدفة، فالموسم الماضي من المركز الخامس للمركز الأخير كانوا مهددين بالهبوط إلى قبل نهاية الدوري بستة أو سبعة أسابيع، مما يوضح تقارب المستويات الكبير جدا، وهنا وصل كولن وهيرتا برلين وفرايبورج، ومن تابع الموسم الماضي جيدًا يدرك أن الثلاثي لم يكن بالفرق القوية بقدر ما كانت محظوظة لانهيار ليفركوزن وشالكه وجلادباخ.
أسوأ شيء من الممكن أن يحدث في ألمانيا هو أن تتحصل إدارات الأندية على الأموال، دائما وأبدا استغلال الأموال بأسوأ طريقة ممكنة، لنا في كولن هذا الموسم عبرة، تحصل على أموال لم يتحصل عليها منذ ما يزيد عن العشرين عاما، والنتيجة صفر، كذلك هيرتا وفرايبورج، أسوأ مديرين رياضين في العالم يمكنك أن تجدهم في ألمانيا، وهذه حقيقة تحتاج إلى موضوع آخر لشرحها.
بالتالي، فإن استمر الأمر على ما هو عليه الآن، وإن لم تحدث تغيرات جذرية، إما بأن تدخل الاستثمارات ويسقط قانون 50+1، أو تبدأ الإدارات الألمانية في تحسين نظرتها في التعاقدات والمدربين والمشاريع الطويلة، فلن تختلف ألمانيا عن فرنسا والبرتغال كثيرا، وسيتراجع تصنيفها كثيرا أوروبيا، ألمانيا في حاجة إلى ثورة كبيرة في السنوات المقبلة.
لكن في ظل تمسك الجميع هناك بالعادات والتقاليد، ووجود فريقت عدده ليس بالكبير من المطالبين بالتغيير، فحتما دخول الاستثمارات إلى عالم الكرة الألمانية سوف يكون.. المستحيل الرابع!
مقالات أخرى للكاتب
-
مقال رأي - تلميذ كلوب ولكن الواقعي.. مشروع مدرب عملاق الأربعاء، 24 يناير 2018 - 16:29
-
الكرة الألمانية والاستثمارات.. المستحيل الرابع الجمعة، 29 سبتمبر 2017 - 18:20
-
دورتموند 2017.. فشل إداري مع مدرب شاب أكثر من اللاعبين الأحد، 30 أبريل 2017 - 12:12