كتب : عمر مختار | الجمعة، 06 أغسطس 2021 - 17:51

ليونيل ميسي.. دليل هندسي وفطري سيدعوك للتفكير بمنطقية

ليونيل ميسي - برشلونة

برشلونة مدينة السياحة والتاريخ، مدينة الجمال والعاطفة المصحوبة بالعبقرية الحية الفريدة، أطلقت العنان لخيالي للحظات وقلت لنفسي تُري لماذا تُفتن هذه المدينة بكرة القدم؟

ليونيل ميسي

النادي : إنتر ميامي

وفي الحقيقة ألهمني هذا للتفكير في خطوة ربما أكون قد تأخرت كثيرًا فيها، دليل هندسي وفطري على سبب كَون ليونيل أندريس ميسي أفضل لاعب قد يكون لمس ملعبًا لكرة القدم.

الكل يريد أن يشاهد فريقه يفوز ويقضي على خصومه، لترتفع هتافاتنا بصوت أعلى. نحن نحب إثارة الفوز ولكن ما نحبه أكثر هو اللعبة الجميلة. بالتأكيد، الدقة مهمة ومطلوبة للتنفيذ، ولكن لنكن صادقين، الإبداع هو ما يغذي روحنا ؛ التسديدة التي لم نعتقد أبدًا بإمكانية تنفيذها، التمريرة التي تفادت أكثر المدافعين ثقة، والمسرح الذي لم نحلم به أبدًا ولكن الآن محفور في أذهاننا ولا يمكننا التوقف عن التفكير فيه حتى لو حاولنا.

أليس هذا هو السبب الذي يجعلنا نشاهد كرة القدم؟ إذا كان الأمر يتعلق فقط بالأهداف، فلماذا نشعر أحيانًا بعدم الإنجاز أو حتى بالملل عندما تفوز فرقنا؟ الحقيقة هي أننا نشاهد كرة القدم لتلك اللحظات التي لا يمكن تصورها مما يجعلنا نقفز من مقاعدنا سواء في أرضية الميدان أو في غرف المعيشة لدينا.

بالنسبة لميسي، لا يتعلق الأمر بنفسه فقط، لقد علمَته رحلته التواضع ، القدرة على مساعدة زملائه والبحث عن خلق سحره الخاص. هذه السمة ليست دورًا ولكنها انعكاس حقيقي لشخصيته الفطرية، والتي أثبت صحتها لأكثر من 15 عامًا من خلال إظهار الشغف والحماس. عندما يسجل، فإن فريقه عادةً يفوز.

إن تسجيل ميسي لهدفه في شباك أتليتك بلباو جعله حدث يحدث مرة واحدة في العمر. إذا كنت تتوقع ظهور ميسي جديد في السنين القادمة، فيجب أن تفكر في ذلك مرة وإثنين وثلاثة وتعيد حساباتك من جديد.

لم اتخيل أبدًا عندما قررت ربط الرياضيات بكرة القدم أن النتيجة ستكون كذلك، لكن هذا ما حدث عندما قررت التركيز مع ميسي عن قُرب.

إن جمال ميسي لا يقتصر فقط على مهارته في التعامل مع الكرة، لكن في فهمه للمساحة وخلقه لها بطريقة لا نستطيع نحن كبشر استيعابها.

هنا مثلا اختار أن يقف على بعد مسافات متساوية من لاعبي بلباو الثلاثة، إلى أن وجد طريقة جديدة يستطيع بها المرور منهم.

في البداية يلاحظ حركة خصمه.

ثم يقوم بعدها بتغيير اتجاهه ويتخلص منه وبالتالي يستطيع خلق المساحة.

في كل مرة ستري فيها ميسي يتحرك، ستشعر انه يتحكم بشكل رهيب في المكان والزمان، ومثلما يقول ألبيرت أينشتاين في نظريته للنسبية، يقوم ميسي بوضع عقل أفضل المدافعين في حالة ذهنية رهيبة للتفكير في كل الاحتمالات الممكنة للحدوث.

وبتكرار ذلك فإنه يضع احتمالات جديدة لا يمكن لأي شخص آخر التفكير فيها أو فعلها.

لا يأتي تلاعب ميسي بالمساحة فقط من طريقته في المراوغة، لكن أيضًا من الطريقة التي يتحرك بها بدون كرة، هنا في مباراة الديربي كان لاعبو إسبانيول يقفون بشكل منظم لكن في ثانية واحدة وبسبب تحرك ميسي ظهر خلل ومساحة في نظامهم.

ميسي +10 خشبات ؛ ميسي، مارتينيز +9 ؛ ميسي، مارتينيز، دي باول +8 ؛ ميسي، مارتينيز، دي باول، دي ماريا +7 ؛ ميسي، مارتينيز، دي باول، دي ماريا، لو سيلسو +6 وما إلى ذلك حتى نحصل على 11 لاعبًا، 23 في قائمة الفريق و 70 شخصًا يشكِّلون الفريق الفني، وملايين المشاهدين الذين يضعون أنفسهم فجأة في دور الناقدين.

ملعب ماراكانا. إذا سألت ميسي عما كان يشعر به حيال ذلك المكان قبل شهر من الآن، فستجد نفس حسرة القلب التي عانى منها قبل سبع سنوات. لقد كانت واحدة من خيبات الأمل التي تعيَّن عليه أن يمر بها.

في تلك السنة وبعد الانتصار في الدور نصف النهائي، كانت دموع الفرح على وجهه، كان أسعد رجل على هذا الكوكب. لم يكن لديه ولا نحن أي فكرة أن تلك الدموع ستتحول إلى حزن قاتل في الثالث عشر من يوليو. بعد الصيف الكئيب الذي مر به ليو، زعم الكثيرون بأنه لن يتعافى أبدًا من تلك المباراة وأن ذكريات تلك الليلة ستطارده إلى الأبد، لكنهم لم يعرفوا ميسي، ولم يعرفوا مرونة روحه وعقله. لهذا السبب كان العالم في حالة صدمة عندما قدم عرضًا رائعًا طوال موسم 2014-2015.

لقد عاد أقوى من أي وقت مضى، وأصبح أكثر جاذبية وفاز بكل شيء، وحطم الأرقام القياسية. في تلك السنة بالضبط أدركت أنه مثل طائر العنقاء وقد قام للتو من رماده، وسيفعل ذلك دائمًا. لكن ميسي كان أمامه طريق طويل يسير في دروب الخيبة والحزن. ولسوء الحظ، وجد نفسه مرة أخرى في غرفة مظلمة خلال بطولات كوبا أميركا 2015، 2016 و 2019. قام بسحب فريقه إلى القمة رغم عدم انتماءهم إليها واضطر إلى تحمل الكثير من ضجيج أولئك الذين ألقوا باللوم عليه لعدم القيام بالمستحيل من خلال الفوز بالمباريات بمفرده.

حسنًا.. يقع اللوم عليه هنا بالتأكيد! لقد جعلنا نعتقد طوال تلك السنوات أنه يمكنه الفوز بالبطولات والمباريات الكبيرة بمفرده. اعتقدوا أنه لن يفوز بأي شيء مع منتخب بلاده وربما لن يكون هو نفسه بعد تلك الإخفاقات. لكنهم ربما نسوا أن لديه عروق أسطورية بداخله وسيجد يومًا ما النهاية السعيدة التي يستحقها بعد المعاناة والألم تمامًا مثل قصص الأبطال.

الصبر، اللطف، الإخلاص هي مفاتيح الانتصارات، أولئك الذين لا يستسلموا سيصلون إلى أحلامهم. تعلمنا هذه الأقوال كأطفال. عندما أنظر إلى ميسي فلا يزال بإمكاني رؤية ذلك الطفل الخجول، هكذا أعرف أنه لن يتوقف عن القتال لتحقيق أحلامه. لذلك كنت دائمًا على يقين من أن لحظة السعادة التي يستحقها ستأتي. وكان هذا العام دليلاً آخر بالنسبة لي في أنه في جميع الأحوال وضد كل الظروف كان سينهض ثم يقول لك لقد فعلتها.

في بداية الموسم، أُجبر على البقاء في فريق ميؤوس منه، ولم يكن محظوظًا للغاية في نهايته، وعلى الرغم من أنه كان يلعب بشكل رائع بشكل فردي، فقد اختار الناس التركيز على أرقامه ونجاح الفريق.

تحدث الكثيرون منهم على أن المحتوم قادم وأن موعد غروب الشمس قريب لا محالة. لكنه وقف شامخًا أمام كل الضغوطات والشكوك، فلم يحصل فقط على كوبا أميركا لكنه فاز أيضًا بجائزة أفضل لاعب في البطولة، والحذاء الذهبي بعد أن ساهم في تسعة أهداف من أصل 12 هدفًا سجلها المنتخب الأرجنتيني (أربعة أهداف وخمس تمريرات حاسمة).

كما شارك في كل الدقائق الممكنة (630 دقيقة) وكان أكثر من قام بالتسديد إجمالاً، أكثر من قام بالتسديد على المرمي، أكثر من قام بصنع الفرص، أكثر من سجل من خارج منطقة الجزاء، أكثر من لعب كرات بينية وأكثر من قام بتمريرات دقيقة نحو الثُلث الأخير خلال البطولة.

ذكرت أنني كنت أؤمن دائمًا بمقاومته الجيدة وثباته المذهل، حكايات خرافية نعرفها، قصص ملهمة قرأتها عنه لأنه كان لديه قصة حالمة حتى اليوم، كان لديه طموح، أصدقاء مقربون، أشرار، صعود وهبوط .. فقط القطعة المفقودة في هذه القصة البطولية كانت احتضان تلك الكأس. الأمر الذي يعيدني إلى ماراكانا مرة أخرى، إلى بداية لعنته.

لو نظرت على الإحصائيات فستجد أن كثير منها يدعم الفرضية التي تقول بأن ميسي هو أفضل لاعب في العالم وحتى أنه أفضل لاعب جاء في تاريخ الكرة.

لكن العجيب أن ذلك الاستنتاج لا يأتي فقط من الإحصائيات والارقام لكن أيضًا من حركته وعبقريته في فهم المساحة ودقته الرهيبة وسرعة قدميه المذهلة.

فابيو كابيلو كان لديه تصريح مشهور يقول فيه: "قبل المباراة، قد تكون خططت لكل شئ بطريقة مُثلى، لكن ميسي في لحظة يمكنه هدم كل شئ بنيته".

بيب جوارديولا، فابيو كابيلو، روماريو وخوان ماتا، وغيرنا كثير يحاول فهم كيف يفكر ميسي، أعتقد أننا نفشل جميعًا، لكن الأمر يستحق على الاقل أن نركّز ونحاول إلى أن نستطيع. إن متعة كرة القدم سريعة الزوال مثل النباتات الصحراوية.

لقد رافق اصرار ميسي جيلًا كاملاً، واكتسب حبًا كبيرًا ودعمًا وتقديسًا. مع تلك الصافرة الأخيرة، انهار على ركبتيه بفرح وارتياح، وصرخ بسعادة لأول مرة بعد نصف النهائي في عام 2014. لقد ركض الفريق بأكمله نحوه في اللحظة التي سمعوا فيها صوت النصر وبكوا جميعًا معه واحتفلوا بسعادته أكثر من الفوز بالكأس، إنه اشتياق عمال المناجم للحصول على الذهب.

التعليقات