شرفت بمرافقة منتخب الشباب المصري في رحلة كأس الأمم الإفريقية في الجزائر لمدة 15 يوما نجح خلالها شباب الفراعنة في تحقيق اللقب الغالي وسط ظروف صعبة.
الظروف الصعبة أغلبها فني بحت، أغلبها يتعلق بطريقة إعداد الفريق في فترة توقف الدوري وعدم حصوله على الدعم الكافي من المسؤولين قبل بداية البطولة بالإضافة إلى إصابات مؤثرة لاحقته قبل البطولة.
فيكفيك أن تعرف معلومة أن مسعد عوض حارس مرمى الفريق والذي توج بلقب الأفضل في البطولة لم يخض أي مباراة منذ موسمين بسبب انقطاعه عن فريقه الإسماعيلي وتدربه فقط مع خالد مصطفى مدرب حراس المرمى تدريبات منفردة.
فالفريق حقق إنجازا بالتتويج بالبطولة في ظروف مثل هذه خاصة وإذا كانت تقام البطولة في الجزائر، وهذا هو موضوع مقالي.
فكل من تابع البطولة عبر الشاشات اندهش من حجم هجوم الجماهير الجزائرية على منتخب مصر طوال مباريات البطولة خاصة اللقاء النهائي، واستعاد الكثيرون ذكريات مواجهة 2009 في تصفيات المونديال والأزمة الشهيرة عقب مباراة "أم درمان".
ومنذ وصولي إلى القاهرة يتم استقبالي على أني عائد من الجحيم والكل يردد أمامي "كويس أنك جيت بالسلامة" وهو عكس الحقيقة تماما وهو ما يجب توضيحه في شهادتي الشحصية من أجل الإنصاف.
في البداية أؤكد أن الشعب الجزائري بالفعل شقيق بكل ما تحمله الكلمة على المستوى الشخصي والإنساني، فالاستقبال والتعامل مع المصريين على أحسن ما يكون في كل الأماكن بالجزائر إلا مكان واحد وهو "ملعب كرة القدم".
فعندما تبدأ أي مباراة لمصر لن تسمع أذنيك إلا هتافات معادية وذكريات لانتصارات خضراء على الفراعنة وأبرزها هتاف "حرامي حرامي" في إشارة إلى هدف حسين عايشو في مرمى منتخبنا بكأس الأمم 2004 في تونس، وأليه أليه أليه عنتر يحيى للتذكير بهدف أم درمان الذي صعد بالجزائر لمونديال 2010.
ولكن الأمر لا يتعدى كرة القدم بالفعل فالكل في الجزائر يحب مصر على عكس ما يردده البعض هنا، والجميع يتحث بود شديد في قمة الاحترام خارج الاستاد حتى في كرة القدم وإن كنت تشعر في كلامهم بحزن شديد لما حدث في 2009.
إذا لماذا يكرهوننا؟
ما حدث في 2009 فضيحة كبرى، فالتناول الرسمي للدولة المصرية مع قصة هذه المباراة والتبجح الإعلامي الشديد في التعامل معها يجب أن يحاسب كل من ساهم فيه.
في البداية علينا أن نعترف أن القصة المعروفة في مصر عن موقعة أم درمان من هجوم بلطجية واعتداءات وضرب على المصريين في السودان ما هي إلا مبالغات إعلامية من وحي الخيال لمناوشات عادية تحدث في أي مباراة كرة قدم بين فريقين في مسابقة محلية وليست كما صورت لنا.
هذه الواقعة في الأساس والتوتر الذي صاحب المباراة الفاصلة لم يكن صدفة فمباراة مصر والجزائر في مصر استغلت سياسيا بشدة من قبل النظام السابق والحزب الوطني لإشغال الرأي العام عن انتخابات برلمانية قريبة ولتلميع نجل الرئيس في إطار مشروع التوريث.
والبعثة الجزائرية في مصر تم الاعتداء عليها بالفعل في المطار وبتوجيه رسمي وتساهل أمني رغم كل الأكاذيب التي روجها الإعلام الرياضي المصري في ذلك التوقيت بأنهم من ضربوا أنفسهم.
ولكن ورغم كل ذلك إلا أن الجزائريين يسامحون في كل هذا فيما عدا شيئا واحدا حدث ولم نهتم نحن به ولكنه يؤثر نفسيا وبشدة فيهم إلى يومنا هذا وهو إهانة الشهداء.
"كل شئ في كرة القدم ينسى فهذه رياضة حتى لو شابها تجاوزات من الجانبين، ولكن إلا التعدي على الشهداء والمجاهدين" هكذا قالها لي رجل جزائري بسيط يعمل في إحدى المحال التجارية ثم سمعتها عشرات المرات من معظم من قابلتهم في الجزائر.
فقد قام بعض لاعبينا المعتزلين – يطلقون على أنفسهم إعلاميين – بالسخرية والتقليل من قيمة شهداء الجزائر بل ووصل الأمر إلى قول أحدهم "هما دول شهدا أصلا، إحنا بس اللي قدمنا شهدا في الحرب" وأضاف الآخر "دي بلد المليون ***".
وهي عبارات أقل ما يقال عنها بأنها عنصرية توجب محاكمة قائلها وليس مكافأته بملايين الجنيهات كل شهر، هذه وغيرها من العبارات جرحت شعور الجزائريين بشدة لدرجة أنهم أصبحوا يساندون الشيطان ضد مصر. أكرر (في كرة القدم فقط).
ولكم أن تتخيلوا كم الغضب الذي سينتاب المصريون لو تحدث أي أجنبي أو سخر من شهداء الثورة المصرية حتى ولو كان من دولة عربية شقيقة، ومدى الوقت الذي سيحتاجه كل واحد منا لنسيان ذلك وكم الاعتذارات الذي يجب أن تقدم.
ويكفي أن نعرف أن هذه التصرفات والتصريحات غير المسؤولة من نجل الرئيس في ذلك التوقيت والمحسوبين على الإعلام الرياضي تسبب في تقليل العمالة المصرية في الجزائر من 22 ألف اسرة إلى 6 آلاف أسرة، بل وخسارة استثمارات تقترب من 11 مليار جنيه بحسب تصريحات مسؤولي السفارة المصرية لي شخصيا.
ولذلك أسميها مأساة أم درمان، فهي في نظري عار وفضيحة على كل مصري وضللنا فيها جميعا، وقبل أن نلوم الجزائريين على تشجيعهم بنين أو غانا ضدنا علينا أن نراجع أنفسنا.
علينا أن نفهم أولا أن ما يحدث في كرة القدم يجب أن يبقى داخل ملعب كرة القدم مهما كانت شدة المنافسة "ولنا في كارثة مذبحة بورسعيد" عبرة.
ثانيا علينا أن نتعامل باحترافية أكثر مع كرة القدم باعتبارها صناعة منفصلة عن الدولة فهي كانت ومازالت أداة للأنظمة السياسية وتستغل وبشدة في صراعات سياسية قذرة.
فالأزمة يا سادة ليست أنهم دائما يحقدون علينا لأننا رواد كما أشبعونا كلام في الإعلام، ولكن الأزمة أننا نسلم ملفاتنا المصيرية والحياتية لأسوأ من فينا ليعبر عنا فنخسر كل شئ.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: Sherif7assn