
كتب : أحمد أباظة | الثلاثاء، 25 مارس 2025 - 03:19
أزمة القمة - أهلا بك في الكرة المصرية.. حيث لا أحد على حق حتى غطاء الزجاجة

غطاء الزجاجة
يوافق اليوم ذكرى مرور 14 يوما على اندلاع أزمة مباراة القمة الشهيرة، وانسحاب الأهلي من مباراة الزمالك، أو اعتذاره عن عدم لعبها، أو امتناعه، أو رفضه، أو طلبه للتأجيل.. أيا يكن.
يوافق اليوم أيضا ذكرى مرور بضع ساعات على اكتشافنا أن الكرة المعروضة بشكل جمالي قبل أن يأخذها الحكم لبداية المباراة، يتم تثبيتها على غطاء زجاجة مياه بلاستيكية، في مشهد يعكس دقة توجيه الإنفاق، أو ترشيد الإنفاق، أو طريقة غزل الشاطرة إن وجدت، أو شيء ما لا يصح ذكره هو الأم الشرعية للاختراع، ولكن صاحب المثل الأصلي فضل تسميته بـ "الحاجة" تفاديا لخوض العوائق في طريق الانتشار المجتمعي.
وفي الحقيقة، فإن غطاء الزجاجة يبدو مفتاحا مثاليا لتلخيص كل ما يحدث في الكرة المصرية.. هذه أشهر خدعة في كتاب الكرة المصرية بالمناسبة، فهذه المقولة ستجدها صالحة للاستخدام على أي لقطة لم تشاهد مثلها إلا هنا، سواء كان انسحاب الأهلي الحالي، أو أي من انسحابات الزمالك السابقة، أو انسحاب يوسف أوباما بعد إهدار ركلة الجزاء مع الاتحاد، أو ذلك الحكم الذي اتهمه سمير محمود عثمان بنزع "فيشة الفار" من أجل الشاي.. أو حتى رجل الشاي شخصيا.. الحاج المُفترى عليه دائما أبدا عامر حسين.
سنعود للحاج عما قريب، ولكنه ليس مشكلتنا، فما حدث لم يسبق حدوثه في أزهى عصوره، هذا الرجل الذي لم يجعلنا نحمل هم مواجهة الأهلي والزمالك في الجولات المبكرة أبدا، فهي دائما في النهايات، وإن تظاهر بالخطأ مرة ووضعها مبكرا، فأنت تعلم أنه سيؤجلها لاحقا.
سنوات وسنوات، ورغم مهامه الجسام في الجمع بين 47 وظيفة على أقل تقدير، لم يورطنا عامر حسين أبدا في فضيحة تضاهي الإعلان عن مباراة للأهلي والزمالك قبل إقامتها بـ 5 أيام. حين يعلن هذا الرجل عن موعد مبدئي لمباراة قمة، فأنت تعلم جيدا أنها لن تُلعب قبل 6 أشهر من ذلك التاريخ.. بما لا يدع مجالا لأي من طرفيها للاعتراض بحجة المفاجأة.
ولكن في عهد الحاج -بصفته الوظيفية لحين أداء الفريضة- طه عزت، صار أمرا طبيعيا أن تعلن رابطة الأندية يوم 8 مارس، أن الأهلي والزمالك سيلتقيان يوم 13 مارس، في وجود لائحة تلزم بالإبلاغ بطلب الحكام الأجانب قبلها بـ 14 يوما، على فرض استحالة الإعلان عن إقامة مباراة "في بطولة دوري" قبل إقامتها بمدة أقل من هذه.
بطبيعة الحال، نعرف جميعا أن هذا العبث لا يمكن أن يتحمله طه عزت منفردا، لكن ضع نفسك مكاني.. إنه وبوضوح شديد للغاية، الهدف الأسهل في كل هذه القائمة.. من في القائمة؟ سؤال جميل سأفترض أنك طرحته وأشكرك عليه.. بسم الله.
رغم أن البداية من نقطة البداية تبدو أسهل دائما، سنبدأ هذه المرة من النقطة التي نقف فيها على وجه التحديد: شكوى النادي الأهلي أمام اللجنة الأولمبية.. من هنا يمكننا العودة إلى البداية.
تتناول المصادر رد "رابطة الأندية المحترفة" على اللجنة الأولمبية، مؤكدة سلامة كل إجراءاتها المتبعة في المباراة وبالتالي العقوبات التي صدرت ضد الأهلي بحكم انسحابه.
وفقا لهذا الرد، فإن اللوائح تتضمن طلب الحكام بخطاب رسمي من أحد طرفي المباراة وهو ما لم يفعله أي من طرفي المباراة، وأن الأهلي كان يمكنه الاحتجاج على العقوبات خلال 48 -وفقا للوائح أيضا- وهو ما لم يفعله كذلك.. حسنا.. ماذا تتضمن اللوائح أيضا؟
لنرى، اللوائح تتضمن مهلة مدتها 14 يوما قبل المباراة لاستقدام الحكام الأجانب، وهو ما لم توفره الرابطة من الأساس في أيامها الـ 5 بين إعلان الجدول المفاجئ الذي تدعي الرابطة أن خط سيره كان معلنا منذ البداية، ولا يوجد مسؤول واحد في أي من الأندية على علم بهذا المعلن من البداية، بل لا يوجد حتى صحفي واحد كان على علم بهذه الأسطورة.
ماذا تتضمن اللوائح أيضا؟ حل رابطة الأندية بنهاية كل موسم وإجراء انتخابات جديدة لإدارة الموسم الجديد.. هل حدث هذا؟ للأمانة الإعلام لم يتغاضَ عن هذه النقطة، فقد ظل يسأل ثروت سويلم نفس السؤال طيلة 3 أشهر بين نهايات الموسم الماضي والإعلان عن الشكل الجديد للدوري الحالي، وأنت تعلم مدى سهولة استخراج إجابة صريحة من سويلم تشعل فتيل أزمة ما فيضطر لتوضيحها أو نفيها أو الالتفاف حولها في اليوم التالي، وأنا بكل صراحة لن أعيد الاستماع لمداخلات سيادة اللواء لأعثر على تلك الإجابة. الأعمال الكاملة متاحة عبر يوتيوب والمداخلة الواحدة مدتها 25 دقيقة.. حظ سعيد.
هذا هو أساس "رابطة الأندية المحترفة" لهذا الموسم.. لدينا رابطة لا وجود قانوني لها سوى "تفويض موقع من الأندية في بداية الموسم" لن يصمد أمام أولى درجات التقاضي بمحامٍ من كلية الألسن، مما قد ينزع عنها صفة الرابطة في أي لحظة، تضم أندية لا تنفك عن شكواها والشكوى أمامها، وبينما نقف في هذا الوضع بالفعل.. هل نحن بحاجة حقا للنقاش في صفة "المحترفة"؟
ربما لا يبدو من المنطق أن تتحدث رابطة تضرب اللائحة في شرعية وجودها من الأساس عن "تطبيقها للوائح"، ولكن هل يبدو الموقف بأكمله غريبا عن مشهدنا الرياضي؟ عوار قانوني نعرفه جميعا، ونرتضيه جميعا بشكل أو بآخر، حتى ينتج عنه ضرر ما، فيقرر الطرف المتضرر اللعب على وتره بشكل أو بآخر، بينما يحدد الطرف المضاد موقفه من هذا العوار بناء على موقعه من الصراع.. أهلا بك في عالم القطبين.
دورهما قادم لا محالة، ولكن لنمر سريعا على اتحاد الكرة.. الذي ربما لم يمنحنا دليلا واضحا على ما سنفتريه عليه الآن، ولكن، هل تعتقد أن "الكيان الحاكم للكرة المصرية" يشعر بالراحة في ظل وجود أهم منتجاتها ومكتسباتها "الدوري المصري" تحت سيطرة جهة لا تتبع سلطته؟
أعِد الشريط سريعا.. رابطة الأندية أكدت بعد ساعات من مهزلة إعلان موعد القمة قبل إقامتها بـ 5 أيام، أنها طالبت اتحاد الكرة بحكام أجانب لمباريات الأهلي والزمالك وبيراميدز ضد بعضهم البعض.. اتحاد الكرة في المطلق لا تصله أي خطابات، وإن وصلته فإنه لا يرد عليها، وإن اضطر للرد عليها فإنه سيتعذر بكل ما أنزلته البيروقراطية من سلاطين، وهذا بالضبط ما حدث.
المفارقة أن اتحاد الكرة معذور نسبيا في هذه الأزمة، فالوقت -ولأول مرة تقريبا- كان ضيقا بالفعل، والرجل الأول في اتحاد الكرة هاني أبو ريدة كان منشغلا للغاية في حدث أكثر أهمية من الكرة المصرية: انتخابات كاف ومنصبه في فيفا. صدقا هذه ليست سخرية، فهذا الأمر أهم من أيا كانت تلك الرياضة التي نمارسها.. بينما الرجل المكلف بهذه المسائل الثانوية والتي -تخيل- لن يمكننا ذكر اسمه لأننا لا نملك دليلا -رسميا- على ذلك.. قرر التمسك بلائحة الأيام الـ 14، وهذا لأن الرابطة تدير الدوري، والاتحاد يدير الحكام الذين يشكو منهم كل أندية الدوري.. أصلا.
الأهلي -ومعه كل الحق- شعر أنه يتم ضغطه في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل بين الجهتين، ولكن هل يعني ذلك أنه كان محقا في قرار الانسحاب؟ أو بالأحرى.. هل يستحق الحكم الأجنبي التضحية بالمنافسة على الدوري؟ الأهلي معروف جيدا بحساب خطواته التالية دائما.. فهل حسبها جيدا هذه المرة؟
من منظور المشجع العادي.. ليس ذنبي أن أحجز تذكرة لأشاهد القمة فلا يحضر أحد الطرفين، ورد قيمة التذكرة وإن كانت خطوة تحترم فهي لا تكفي لرد كل المصاعب المالية والمعنوية التي تكبدها هؤلاء المشجعين.
من منظور نفس المشجع الذي لم يحضر المباراة، وبالنظر للحالة الحالية للفريقين: هل يخشى الأهلي مواجهة الزمالك بحكم مصري أو أجنبي أو حتى بلا حكم؟ هل كان هناك ما يمنع خوض المباراة والانتصار فيها -الذي يبدو قريبا على الورق حتى رغم التعادلات الأخيرة- ثم متابعة المعركة على أرض صلبة في التوقف الدولي لضمان عدم تكرار هذه المهزلة فيما تبقى؟
لماذا تأخر الأهلي في طلب الحكم الأجنبي وأجل مطالباته العلنية منتظرا إعلان الرابطة الهزلي عن طلبها من اتحاد الكرة قبل إقامة المباراة بيومين ليتمسك به؟ نعرف أنها مباراة الزمالك.. هل كان ينتظر من الزمالك أن يطلب هو الحكم الأجنبي ويتحمل الفاتورة الدولارية في ظروفه الاقتصادية الحالية؟ مستحيل.
في النهاية تمسك الأهلي بموقفه.. وسيضطر الجميع لخوض اللعبة كما هي، فما الذي يرتكن الأهلي إليه في هذا الموقف؟ الخطوة الأولى والأهم وبعيدا عن المعارك داخل الرابطة واتحاد الكرة التي لن تسفر عن شيء على الأرجح هي الدفع بالعوار اللوائحي، وهو المبرر الوحيد على وجه التحديد للجوء إلى اللجنة الأولمبية، والتي -للتوضيح- لا تملك حق تحديد العقوبات أو إصدار قرار بإعادة مباراة القمة، فكل ما ستفعله هو الفصل: هل كان ما حدث سليما من الناحية الإجرائية أم لا؟
من يمكنه الفصل في ذلك؟ وإلى أي درجة؟ فتطبيق الرابطة للائحة الانسحاب سليم 100%، ولكن تعارض الإعلان قبل 5 أيام مع لائحة الحكام الأخرى ذات الـ 14 يوما ماذا نصنع به؟ ولو تتبعت اللجنة الأولمبية الإجراءات اللوائحية واستمرت في العودة بالشريط للخلف، يمكنها أن تجد أن الدوري بأكمله ليس قانونيا، بناء على عدم قانونية الرابطة "المفوضة بالمخالفة للوائح".
ما الذي يستند إليه الأهلي حقا ويدفعه للتلويح بعدم استكمال الدوري بأكمله؟ حسنا.. اللائحة تقول صراحة إن الأهلي لو نفذ تهديده يجب معاقبته بالهبوط إلى الدرجة الرابعة.. وأنا من موقعي المتواضع هذا.. سأمنحك ما تطلبه لو أخبرتني باسم رجل واحد في المنظومة الرياضية يجرؤ على فعلها في الدوري الذي ألغى الهبوط بأكمله لأجل الاتحاد السكندري.
وللأمانة، الرابطة في ورطة أكثر فداحة من حقيقة وضعها القانوني، فهي ببساطة لا يمكنها التراجع عن احتساب النتيجة للزمالك وخصم النقاط من الأهلي بعدما فعلت نفس الشيء بالزمالك في العام الماضي ولم تتراجع أمام مطالبه الشرعية هي الأخرى في ظاهرها، دون أن تُوصَم بأنها رابطة الأهلي، ودون أن يُوصَم الأهلي نفسه للأبد بأنه نادي الدولة كما يحلو للبعض مناداته.
غياب يهدد عوائد الدوري بأكمله ويهدد حتى عوائد المسابقات الإفريقية. هذه ورقة ضغط في منتهى القوة والخطورة.. ولا يفترض أن تتواجد في يد أي من الأندية سواء كان على حق أو على باطل. والحل؟ يسهل قوله، ويستحيل تطبيقه.. لوائح سليمة، ووضع قانوني سليم، ومنظومة سليمة تقف على أرض صلبة وتحقق أقصى حد ممكن من العدالة لجميع الأطراف.. حينها فقط لن يمثل الأهلي تهديدا وجوديا وإن استمر كأقوى الأندية وأكثرها شعبية وعوائد وأعزها نفرا.. وإلا ستسود للأبد سياسة أخذ ما يمكنني أخذه بأي طريقة يمكنني أخذه بها.
صدق فلا يحق لك ألا تصدق.. الزمالك هو الآخر ليس منزها عن ذلك. لا تخبرني أن النادي الأكثر إصدارا للبيانات ضد الحكام المصريين في آخر موسمين صار يحبهم فجأة، ولكن هل يمكنك لومه على رفض هدية الأهلي؟ في أي "يوتوبيا" ظن الناس أن الزمالك سيلتزم بموقفه إن كان هذا يعني التضامن من الأهلي في المطلق؟ فما بالك لو كان هذا التضامن يعني التفريط في 3 نقاط مجانية وخصم 3 آخرين من الأهلي وعودة للمنافسة لم تكن حتى في الأحلام؟ لماذا نلوم الزمالك على أخذ الدنيا غلابا في نفس الموقف الذي يحاول الأهلي واتحاد الكرة والرابطة أخذ الدنيا بنفس الطريقة؟
والآن هل تذكرون عامر حسين.. هذا الرجل الذي ارتضى الزمالك إبعاده مكسبا له من موقعة طواحين الهواء الشهيرة في الموسم الماضي، هل كان حقا هو المشكلة؟ أعِد النظر في كل هذه المهزلة خطوة تلو الأخرى، ثم أخبرنا ماذا استفادت منظومة الكرة المصرية من ابتعاد عامر حسين عن المشهد سوى انخفاض معدلات استهلاك الشاي في مكاتبها.
مقالات أخرى للكاتب
-
أزمة القمة - أهلا بك في الكرة المصرية.. حيث لا أحد على حق حتى غطاء الزجاجة الثلاثاء، 25 مارس 2025 - 03:19
-
سمعا وطاعة.. لأن كلوب رئيس صلاح وصلاح رئيس أصدقائه رؤساء اتحاد الكرة الإثنين، 22 يناير 2024 - 19:17
-
صمت صلاح.. لأن الكلمة لم ولن تكون بلا قيمة الأحد، 15 أكتوبر 2023 - 23:48
-
ما يحدث مع هاري ماجواير.. حرية شخصية أم قلة أدب؟ السبت، 05 أغسطس 2023 - 23:41
نرشح لكم











