"فاشهدوا" في وداع رشيد مخلوفي.. ولادة منتخب الجزائر من رحم "جبهة التحرير"
السبت، 09 نوفمبر 2024 - 00:44
كتب : أحمد العريان
توفي الأسطورة رشيد مخلوفي عن عمر يناهز 88 عاما، تاركا خلفه إرثا تاريخيا سيظل ممتدا ما دام منتخب الجزائر يلعب كرة القدم إلى فناء العالم.
مخلوفي إلى جانب كونه لاعبا تاريخيا ومدربا فائزا بميداليتين ذهبيتين مع الخضر، فقدأسهم بصورة كبيرة في تكوين منتخب الجزائر الأول، أو فريق "جبهة التحرير" في نهايات عصر الاستعمار الفرنسي.
والآن لنتعرف معا على قصة تأسيس منتخب الجزائر التاريخية في مواجهة الاستعمار..
مؤتمر الصومام
من هنا بدأت القصة، في العشرين من أغسطس لعام 1956 اجتمع العديد من أعضاء المنظمة الجزائرية السرية بدعوة من عبان رمضان أحد ضباط الصف في الجيش الجزائري.
وخلال الاجتماع الذي استمر لعشرة أيام في بلاد القبائل بجبال أطلس، ناقشوا كيفية استمرار الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، ليتم الاستقرار على إنشاء جبهة التحرير الوطني.
لم تمر سوى أيام قليلة حتى رأى أعضاء جبهة التحرير أن الرياضة أرض خصبة أيضا للنضال، فلماذا لا ننشر قضيتنا مستغلين كرة القدم؟ ومن هنا ظهرت فكرة تأسيس منتخب لـ الجزائر لأول مرة.
الجزائر قضية عالمية
في 14 أبريل من عام 1958 كان بمقدور جبهة التحرير الجزائرية أن تعلن بفخر "عددا من اللاعبين الجزائريين المحترفين غادروا فرنسا وإمارة موناكو من أجل النضال وتلبية لكفاح الجزائر".
الزيتوني ومخلوفي تركوا فرصة اللعب لفرنسا في كأس العالم 1958 بعد أن وقع الاختيار عليهم، وكل اللاعبين الجزائريين في فرنسا تقريبا اتخذوا قرارهم بمغادرة فرنسا وتكوين المنتخب الجزائري.
ولأن كرة القدم ليست مجرد لعبة، فقد كان للخبر وقع الذهول على الإعلام الفرنسي.
كتبت ليكيب عن الحادثة "الرياضة أداة رائعة للتقريب بين الأفراد، إنهم يتعلمون في الملاعب كيف يتعرفون ويتفاهمون بأفضل صورة، لكن من العبث أن نعتقد بأنهم من الممكن أن يكونوا في مأمن من تأثير التيارات السياسية أو الاقتصادية الكبرى المولدة للنزاعات العالمية الحالية.. جبهة التحرير المسؤولة عن الحدث المفاجيء الذي جرى ظهيرة يوم الإثنين استوحت المقل من فيدل كاسترو، المتمرد الكوبي الذي قام، كما نتذكر، باختطاف بطل العالم للسيارات مانوال فانجيو. لقد تصرفت بنفس الطريقة، لا شيء يمكن فعلا أن يؤثر في الأذهان بقدر الانسحاب المفاجيء لزيتوني ورفاقه عشية مناقشة البرلمان.. ومباراة دولية كبرى في كرة القدم".
"من غير الُمجد أن ننكر الدوي الذي سيحدثه هذا التصرف. العدوى قد تتوسع، في ذهننا بعض الأسماء الكبيرة لرياضة ألعاب القوى مثل عامر، براقشي، ميمون، وفي الملاكمة مثل حليمي، وحامية، بل وفي السباحة مثل خمون، باعتباره عنصرا من الدرجة الأولى".
هكذا نقلت صحيفة "ليكيب" الفرنسية خبر انسحاب اللاعبين الجزائريين من الدوري الفرنسي، وكذلك أيضا قضية فرنسا بعد هذا الموقف الجليل لم تعد كما كانت قبله، فقد تحولت قضية "استقلال الجزائر" من قضية محلية أو عربية، إلى قضية عالمية تتناول صحف العالم أخبارها في صفحاتها الأولى.
يقول عباس فرحات أحد الزعماء الجزائريين في جبهة التحرير "هذا الفريق أكسب الثورة الجزائرية ما يساوي عشر سنوات من العمل".
ضد الفيفا
كانت المشكلة بعد ذلك أن الاتحاد الفرنسي تقدم بشكوى إلى الاتحاد الدولي "فيفا" لعدم الاعتراف بهذا المنتخب كممثل للجزائر ومنعهم من اللعب في أي مناسبة دولية، وهو ما وافق عليه فيفا.
لكن ورغم تهديدات الفيفا بمعاقبة أي دولة تستقبل الفريق، إلا أنهم تمكنوا من كسر هذا الحظر ولعب أكثر من 80 مباراة في مختلف الدول.
يقود رشيد مخلوفي "لعبنا في العديد من دول أوروبا الشرقية مثل الاتحاد السوفيتي وبلغاريا ورومانيا المجر وتشيكوسلوفاكيا، لعبنا كذلك بآسيا: في الصين وفيتنام، وبالطبع في بعض الدول العربية".
"تونس، ليبيا، الأردن، المغرب وغيرهم. جولاتنا كانت تمتد لعدة أسابيع".
"ولكن ستظل اللحظة الأهم بالنسبة لي في العراق. رُفع حينها العلم الجزائري لأول مرة وعُزف النشيد الوطني".
الهدف من رحلات منتخب التحرير لم يكن كرة القدم، لكن نشر الفكرة. نحن الجزائر ولنا قضية يجب أن تنظروا إليها ضد المحتل الفرنسي.
يقول مصطفى معزوزي مهاجم فريق جبهة التحرير "أعجز عن وصف شعوري تجاه تلك الفترة، لقد شعرنا بالفخر للمشاركة في الثورة الجزائرية، وازددت فخرا عندما شعرت الحكومة الفرنسية أن هروبنا بمثابة صفعة على وجههم".
"على مدار أربع سنوات، عشنا حياة من الترحل. خضنا عشرات المباريات وحققنا العديد من الانتصارات وكونا ذكريات رائعة لا ننساها".
"لم تكن انتصاراتنا معجزة، فنحن منتخب مكون من أفضل لاعبي كرة القدم في الجزائر".
من بوخاريست إلى هانوي، مرورا ببغداد وبكين صوفيا وطرابلس وبيلجراد. يتجول المنتخب الجزائري عبر البلاد ويعرف مئات الآلاف من الناس بمآسي الجزائر، كأفضل سفير للبلاد.
هكذا نشأ منتخب الجزائر، وحصل على صفته الرسمية بعد الاستقلال الرسمي عام 1962، ومن هنا قد تفسر سبب الارتباط غير الطبيعي للجزائريين بمنتخبهم، على يد هؤلاء الأساطير المخلدين في التاريخ.
الآن يغادر رشيد مخلوفي دنيانا، ولا يجد من يودعه من رفاق درب الماضي سوى دحمان دفنون ومحمد معوش، آخر من بقيا على قيد الحياة من "جبهة التحرير".