كتب : FilGoal
أجرت صحيفة جارديان الإنجليزية حوارا مع لاعب الوسط المصري سام مرسي قائد إبسويتش تاون الصاعد حديثا للدوري الإنجليزي، والذي يخوض المباراة الأولى ضد ليفربول ونجمه محمد صلاح.
وتطرق الحوار إلى قصة بداية مسيرته الكروية، حين تم تسريحه من فريق وولفرهامبتون للناشئين ولعب مع بورت فيل تحت 18 عاما مباراته الأولى..
"كارثة. خرجت بعد 60 دقيقة كأسوأ لاعب في الملعب. لقد كانت صدمة حضارية متكاملة، فقد كنت أفكر بداخلي: لقد أتيت من وولفرهامبتون، سأكون أفضل لاعب هنا. مباراتي الأخيرة هناك كانت ضد مانشستر يونايتد، ولكن هنا نواجه موركامب".
"هذه المباراة كانت نداء إيقاظ صارخ، فهكذا تبدو كرة القدم، وقلت لنفسي: يجب أن أتدبر أموري إن كنت سأصبح لاعب كرة قدم".
كان ذلك في عام 2008، والآن مرسي -33 عاما- يستعد لحمل شارة قيادة فريقه في مواجهة ليفربول بعد 15 موسما احترافيا، وبعد مسيرة مذهلة لإبسويتش الذي تأهل من الدرجة الثالثة إلى الثانية ثم إلى الدوري الممتاز مباشرة.
"المعركة دائما مع نفسك. هناك الكثير من الموهوبين الذين يخشون رؤية مدى جودتهم".
حياة سام مرسي في إنجلترا ترجع لما يسبق ولادته، حين وصل والده مكاوي وعمره 21 عاما إلى مدينة مانشستر قادما من مصر، والرحلة التي خاضها حتى التقى بوالدته كارين.
"لفد بدأ بحمل الحقائب في الفنادق، وقبل أي عمل كان يمكنه أن يؤديه. ثم عمل في مطعم بيتزا وبدأ بادخار بعض المال، وهناك التقى بوالدتي التي كانت تعمل هناك، ولا تتوقف عن العمل حتى وهي حامل".
ببعض الادخار تمكن الثنائي من شراء شقة متواضعة، وبعد قرابة 30 عاما من نقطة الانطلاق تلك، يدير مكاوي الآن عمله الخاص الناجح في العقارات بمدينة وولفرهامبتون.
"لقد واصلا بناء امبراطورية. لقد عملا بكل جد، وفي حالة والدي لم يكُن هناك ما يكفيه أبدا وأعتقد أني ورثت ذلك عنه، وهذه إما نعمة وإما لعنة، ولكنه طبع العائلة في النهاية: الضغط والقدرة على العمل الشاق والمواصلة".
يمتلك سام 3 أشقاء أكبر منه، وعن ذلك قال مبتسما: "حين تكون الأخير في ترتيب كل شيء يجب أن تقاتل. ربما من هنا تولدت تنافسيتي".
نادر شقيق سام كون جزءا هاما في شخصيته بنزعته الدينية، فقد درس العلوم الإسلامية والآن يعلم اللغة العربية لمتحدثي الإنجليزية والعكس.
"ما تعلمه من الدين والقرآن وحديثه بالعربية بطريقته الحالية شيء لم تتمكن عائلتي من تصديقه، فنحن لم نولد متحدثين بالعربية. لقد ظنوا ذلك مستحيلا، ولكن هذه هي شخصيته، فحين يدرس شيئا يقضي في ذلك 16 ساعة يوميا".
الأمر منتشر في العائلة، فهكذا بدأ سام مرسي علاقته مع كرة القدم..
"في الشارع، في الحقول، بالقفز فوق أسوار المدرسة بعد انتهاء ساعاتها، اللعب من لمستين، الرأسيات والكرات الطائرة، كل شيء".
وهكذا انضم سام لأكاديمية وولفرهامبتون بعمر 7 سنوات، بينما كان شقيقه نادر الذي يكبره بـ 3 سنوات يلعب هناك بالفعل، ويرافقه للتدريبات. كل شيء سار كما يجب حتى قرر النادي التخلي عنه بعمر 16 عاما.
"ذهب تركيزي بعيدا، وكنت أكثر انشغالا بالخروج مع أصدقائي، ولم تعد كرة القدم هي أولويتي. كنت أعود للمنزل بعد المدرسة وأستلقي على الأريكة، ولم يكن يقلقني أن لدي تدريب في المساء. كل ذلك انعكس على أدائي. وولفرهامبتون حذرني عدة مرات، وكان يمكنني الاستجابة لما يطالبوني به، ولكن كنت أريد الاستمتاع في ذلك الوقت".
وبعد أن أتم بورت فيل مهمة تصحيح سلوكه، قدم له عقدا احترافيا، وكانت الأمور تسير جيدا حتى اصطدم بمدربه ميكي أدامز الذي غضب بشدة من بطاقة حمراء متهورة نالها مرسي أمام روتشديل، لينتقل لاحقا إلى تشيسترفيلد، وهناك التقى بمدربه التالي: بول كوك.
"إنه المدرب الأمثل بالنسبة لي. دوره كان كبيرا معي وأظهر لي الكثير من الثقة. احتضنني وعاملني بطريقة رائعة".
عمل مرسي مع كوك مرة أخرى في ويجان، وتأهلا معا إلى الدرجة الثالثة وبلغا ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، وبحلول 2021 صار سام لاعبا ثابتا في الدرجة الثانية وانتقل إلى ميدلسبره، ومع المدرب نيل وارنوك كانت الأمور تسير جيدا، وكان الحديث يدور حول تجديد عقده، ولكن فجأة قرر النادي بيعه لإبسويتش في الدرجة الثالثة في آخر أيام سوق الانتقالات.
"حين ذهبت إلى إبسويتش ظننت أن حلم الدوري الممتاز قد انتهى. الهدف كان العودة إلى الدرجة الثانية، ولكن في كرة القدم الأمور ليست بتلك البساطة أليس كذلك"؟
الانتقال الذي يبدو وكأنه أطفأ شعلته، في الحقيقة أطلق نيرانا أقوى كثيرا بداخله، فعلى الأقل سيعمل مع مدربه المفضل بول كوك، ولكن بعد 3 أشهر فقط أقيل كوك لسوء النتائج.
"بالتأكيد شعرت أن هذا ليس الاتفاق. لقد وافقت على الانتقال إلى هنا لأجله، ولم أكن ألعب جيدا لذلك شعرت بالذنب أيضا، لأنه طلبني بناء على توقعاته مما قدمته معه في ويجان. كنت أظن أني قادر على تقديم الأفضل، ثم لم أدرك ماذا يحدث هنا".
ولكن إبسويتش قرر التعاقد بعد ذلك مع المدرب كيران ماكينا، الرجل الذي قاد الفريق للصعود مرتين على التوالي من الثالثة للثانية ثم للدوري الممتاز.
"أعتقد أني علمت حينها أن هناك شيء جيد سيحدث. لقد قال إنه يريدنا أن نصبح ناديا كبيرا. التدريبات كانت جيدة وخلال أسبوع بدأنا نظن أن كل شيء سيسير جيدا. لقد كان عمري 30 عاما وأريد الاستمتاع باللعب، لم يكن يمكن للأمر أن يتحول إلى مجرد عمل".
وبسرعة تمكن ماكينا من إظهار أشياء لدى سام لم يكن هو نفسه يعرف أنه يملكها. فقد جعله يجرب أشياء جديدة طورت تحركاته وجعلته دائما متاحا لزملائه في وسط الملعب، وقادرا على الهروب من الضغط والرقابة بكفاءة كبرى، مستندا إلى إمكانياته السابقة في الركض والالتحام.
"إذا أتاك شخص تثق به فعلا وقال لك: لمَ لا تجرب ذلك؟ ستجرب ذلك بدون تفكير. في كرة القدم الأمر يشبه الحياة، الناس يحاولون وضعك في قوالب محددة لما يمكنك فعله وما لا يمكنك فعله، ثم يأتي مدربون مثل كيران ويقولون: يمكنك فعل ذلك الذي كنت لا تظن أنك قادر عليه، فتواصل التطور".
نجاحات ماكينا السريعة جعلته هدفا لبرايتون وتشيلسي ومانشستر يونايتد، وكان بالفعل على وشك الرحيل قبل أن يقرر البقاء.
"كنت قلقا من رغبة كبار الأندية في الحصول عليه، ففريق مثلنا يتواجد في السلسلة الغذائية، ولكن بداخلي كنت أعتقد أنه سيبقى، فقد فعل الكثير لنا وللنادي وذلك يظهر حقيقة هذا الرجل".
والآن.. حان موعد مواجهة لم يكن يتوقعها سام مرسي، ضد محمد صلاح قائد منتخب مصر الذي زامله في كأس العالم 2018، والذي قال عنه إنه ساعده في التأقلم داخل المنتخب بذلك الوقت، قبل سطر الختام الذي ينتظر كتابته.
"نريد كتابة تاريخنا الخاص. الأمر يتمحور حول الاستمتاع باللحظة والاحتفاظ بالتنافسية والرغبة في الفوز بنفس الوقت". تلك الرغبة التي لم يفقدها مرسي أبدا، منذ تلك الليلة الصادمة مع بورت فيل.