أحمد الجندي الأول من اسمه.. قاهر الجسد والمنطق وحاكم الرياضات الخمس

الأحد، 11 أغسطس 2024 - 11:24

كتب : أحمد أباظة

أحمد الجندي - الأول من اسمه

أحمد الجندي بطل مصر في رياضة الخماسي الحديث ويبلغ من العمر 18 عاما، ونجح في ذلك السن الصغير في اعتلاء منصات التتويج ببطولات العالم والأولمبياد في مرحلة الشباب.

توج الجندي بذهبية أولمبياد الشباب بالأرجنتين هذا الأسبوع وكانت تلك هي الذهبية الثالثة للبطل المصري الذي حصد ذهبيتي بطولة العالم للناشئين وللشباب.

طوكيو 2020:

زاد الترقب للبطل المصري بعد تتويجه بذهبية أولمبياد الشباب مع ما حققه في بطولتي العالم للناشئين والشباب، وتعالت الأصوات بانتظار ميدالية من الجندي في دورة الألعاب الأولمبية المقبلة بطوكيو في اليابان.

لكن هل الجندي قريب من المنافسة على تلك الميدالية؟

الأفضل هو إعداد اللاعب بصورة جيدة من أجل أولمبياد باريس 2024 والتي يكمل فيها عامه الـ24 بعد ست سنوات من الآن.

كل ما قرأته حتى الآن كتبه FilGoal.com في 17 أكتوبر 2018 تحت عنوان " أحمد الجندي.. مشروع بطل للتواجد بمنصة تتويج أولمبياد باريس 2024".

تاسع أبطال الذهب المصريين في الحدث الرياضي الأهم والأكبر، وسابع مصري يحقق ميداليتين، وبين هؤلاء السبعة لا يوجد سواه هو وكرم جابر بذهبية وفضية، أضِف إلى كل ذلك أنه حطم الرقم الأولمبي لرياضته في نصف نهائي باريس، ثم لم يكتفِ فحطم الرقم العالمي أيضًا في النهائي.. لا يوجد شيء حول أحمد الجندي لا يثير الإعجاب، لا شيء سوى تواضعه المستفز.

التواضع صفة حميدة بالطبع، ولكن الرجل الذي أنقذ مشاركة محبطة لأكبر بعثة أولمبية في تاريخ مصر رفقة سارة سمير في رفع الأثقال ومحمد السيد في السلاح اكتفى كالعادة بالحديث عن أنه كان موفقًا، بينما يجب على أي شخص في مكانه أن يملأ الدنيا ضجيجًا، لأننا -على الأرجح- سننسى الأمر بحلول سبتمبر المقبل، ثم نعاود تذكره مع بدء الأولمبياد التالي، ثم ننساه، وهكذا.. وبما أنه لم يُسمعنا هذا الضجيج، قررنا أن نتكفل نحن بهذا الأمر.

"أندي دوفرين.. الرجل الذي سبح عبر نهر من القذارة وخرج نظيفًا من الجهة الأخرى" – The Shawshank Redemption

من الصعب أن تجد شخصًا لا يصنف هذا الفيلم ضمن أفضل 10 أفلام شاهدها، وبكل تفاصيله تظل هذه اللقطة هي الأكثر تأثيرًا بمعناها المجازي أكثر من الحرفي، فهي الجامعة لكل ما حدث عبر 28 عامًا تدور فيهم الأحداث، ولكننا نقدم لكم الآن رجلًا فعلها 3 مرات.. سبح عبر المرض فصار رياضيًا، ثم سبح عبر جائحة فحصد فضيته الأولمبية الأولى، ثم فقد أعز ما يملك -حرفيًا- في رياضته، فحصد الذهبية.

النهر الأول

هذه قصة طفل حاول التأقلم مع عقبة مبكرة واجهها، وقطعًا لم يكُن هذا الطفل يُدرك أنه سيصبح رجلًا منيعًا ضد العقبات، والفضل كله لصدفة غريبة للغاية. دعونا نبدأ من حيث بدأ كل شيء، من نقمة الطفولة التي يدين لها الجندي بكل الفضل الدنيوي، بعد والديه بالطبع.

أول سباق خاضه الطفل أحمد الجندي كان ضد حساسية الصدر التي عانى منها، وكل ما كان بحاجة له هو نصيحة الطبيب لوالدته بتدريبه على السباحة لتحسين التنفس، ومع الوقت أعجبت والدته بفكرة إمكانية ممارسة 5 رياضات مختلفة في رياضة واحدة، فشجعته على بدء تجربته مع الخماسي الحديث، كم كان عمره آنذاك؟ 6 سنوات.

"في 2016 أتاني بعكاز بعد جراحة في الركبة، وطلب مني تدريبه وتأهيله في السر حتى يتمكن من المشاركة في البطولات الدولية دون أن يستبعده أحد بسبب إصابته".

هذا ما رواه لنا مدربه عبد الرحمن عيسى، وهذا كان تفكير فتى يبلغ من العمر 16 عامًا، وبعد عامين في 2018 حين تكرر الموقف وأصيب في الركبة الأخرى، لن تستغرب ما سيرويه لك عيسى الآن..

"في 2018 أصيب الجندي بالصدفة في ركبته يوم الفحص الإجرائي الاعتيادي، فاكتشفنا الإصابة قبل 29 يومًا من أولمبياد الشباب وقال الطبيب أنه لا حل سوى الجراحة. بدأنا التأهيل بعد 10 ساعات من إجراء الجراحة، وبعد 16 يومًا فقط لعبنا بطولة كاملة ضمن تأهيله دون مشاكل، وفي النهاية فاز بذهبية أولمبياد الشباب".

"الرياضة يمكنها أن تحدث فارقًا في حياتك".. يراها الجندي مقولته المفضلة، والسبب واضح للغاية.

لعبة كلها إنسانية

"الرجال الرياضيون الأكثر روعة هم المبدعون في المسابقات الخماسية.. لأنهم يجمعون بين القوة والسرعة" - أرسطو

هذه ليست إحدى المقولات الملفقة للروائي الروسي فيودور دوستويفسكي أو الممثل الأيرلندي كيليان ميرفي في دور توماس شيلبي أو أحمد الغندور مقدم برنامج الدحيح، بل قالها الفيلسوف الإغريقي بالفعل، لأنك كما استنتجت من تسمية هذه اللعبة بالخماسي "الحديث"، فإن هذا يعني قطعًا أن هناك خماسي قديم.

هذا الخماسي القديم كان ضمن الأولمبياد القديم أيضًا بـ 5 ألعاب مختلفة، هي الجري بطول الملعب والقفز ورمي الرمح ورمي القرص والمصارعة، ثم حل محلها الخماسي الحديث كمحاكاة لتجربة جندي سلاح الفرسان في القرن التاسع عشر، فهو مضطر لركوب حصان غير مألوف -نعم سنتطرق لحصان القرعة اللعين هذا- والقتال بالمسدس والسيف والسباحة والجري بالطبع إن لزم الأمر.

في وعينا الجمعي -الذي يشمل كاتب السطور حتى قبل ساعات قليلة- طوال الوقت كنا نعرف الخماسي الحديث، أو بالأحرى كنا نعرف آية مدني، فبعضنا كان يظنها رياضة خماسية قبل أن يكتشف أنها لعبة فردية أصلًا، فدعونا الآن نتوقف مرة أخرى، لأننا سنحتاج هذه المعلومات فيما يلي..

الخماسي الحديث يتكون من 5 رياضات: السلاح - الفروسية - السباحة - الرماية - الجري. تُقام على 4 فعاليات لكل منها حساباتها وصولًا إلى المجموع النهائي.

السلاح في الأولمبياد يشهد تنافس اللاعبين في نزالات فردية (واحد ضد واحد) تجمعهم جميعًا في 35 مباراة لكل لاعب وتحتسب النتائج من لمسة واحدة، وإذا لم تحدث اللمسة خلال دقيقة تحتسب المباراة هزيمة للاعبين.

متوسط الحساب هو 25 فوزًا بـ 250 نقطة، وكل انتصار إضافي يمنح 6 نقاط إضافية، وكذلك كل هزيمة إضافية تخصم 6 نقاط.

ثم تُقام جولة إضافية في اليوم التالي تُلعب بناء على ترتيب الجولة الأولى، بحيث يلعب الأخير ضد من سبقه في الترتيب وهكذا، وتُقلص المدة الزمنية إلى 45 ثانية بدلًا من دقيقة، ويحصد الفائز نقطة واحدة ولا يتعرض الخاسر لأي خصم في النقاط، أما إذا انقضى الوقت دون اللمسة المطلوبة، يتأهل اللاعب الأعلى ترتيبًا لمواجهة الأعلى منه وهكذا.

توضيح: منافسات الخماسي الحديث الأولمبي تضم 36 لاعبًا.. المنافسات أقيمت بصورة جماعية في طوكيو 2020، أما في باريس 2024 فقد أقيمت منافسات السلاح فقط بصورة جماعية، بينما تم تقسيم اللاعبين في بقية المنافسات إلى نصفين، يلعب كل 18 منهم ضد بعضهم البعض في نصف النهائي، ويتأهل 9 من كل مجموعة إلى النهائي ليصبح العدد الإجمالي 18 متسابقًا في النهائي.

السباحة أقل تعقيدًا، فهو سباق 200 متر سباحة حرة وأمامك دقيقتين و30 ثانية لإنهائه، إن أنهيته في الوقت المحدد تحصد 250 نقطة، وكل ثلث من الثانية أقل يتحول لنقطة إضافية في صالحك، والعكس صحيح، كل ثلث من الثانية يفوق الدقيقتين والنصف يخصم منك نقطة، وبالطبع تلك الأخيرة نادرة الحدوث في الأولمبياد، فلك أن تتخيل أن السباح الأسوأ في نهائي باريس 2024 هو الفرنسي جان بابتيست مورسيا، وقد أنهى السباق في دقيقتين و10 ثوانٍ و5 أجزاء من الثانية، وحصد 290 نقطة.

الفروسية هي الأسوأ بلا منازع، لأنك ستنال حصانك عبر القرعة، ولديك 20 دقيقة و5 تدريبات إحماء للتعرف عليه ويا له من وقت كافٍ بالطبع، ثم ستبدأ سباق القفز بـ 12 حاجزًا، ولديك 300 نقطة تنالها إن أنجزت السباق بلا خطأ في الوقت المحدد.

احتمالاتك السيئة التي تُحاسب عليها تبدأ بخصم نقطة لكل ثانية تتأخرها عن الوقت المحدد، و7 نقاط إن صدم حصانك أحد الحواجز أثناء القفز، و10 نقاط إن رفض الحصان القفز من الأساس عند الحاجز، والنقاط الـ 300 بأسرهم إن لم تكمل السباق لأي سبب، كما حدث لمهند شعبان حين سقط بشكل مفاجئ في السباق.

كل هذا العناء للوصول إلى السباق الأخير الذي يدمج بين الجري والرماية بمسدس الليزر، أو سباق "الليزر رن" الأخير، حيث تركض 4 دورات بواقع 800 متر في كل دورة، وحين تصل يجب أن تصوب بمسدس الليزر على الهدف 5 مرات حتى تواصل الركض وتبدأ الدورة التالية وهكذا.

هنا فقط تنال تنال ثمار كل النقاط التي تجمعها في بداية الطريق عبر الفروسية والسلاح والسباحة، فكل نقطة إضافية تسمح لك ببداية متقدمة على بقية منافسيك، بواقع ثانية لكل نقطة.

مثال: إن جمع المتسابق الأول 800 نقطة، وجمع الذي يليه في الترتيب الإجمالي 780 نقطة، يدخل الأول بفارق 20 ثانية عن الثاني، وهذا ما حدث في حالة الجندي الذي امتلك أفضلية 17 ثانية عن أقرب ملاحقيه في السباق الأخير لأولمبياد باريس، ولكنك لا تظن أنه حصد هذا الفارق بتلك السهولة التي نروي القصة بها.. أليس كذلك؟

النهر الثاني

نعود إلى الجندي في 2018، عمره 18 عامًا ولديه 3 ذهبيات بالفعل: بطولة العالم للناشئين مرتين –– أولمبياد الشباب. ولكن حتى مثل هذا البطل المراهق يملك ندمًا في مسيرته.

"أحب الركض والسباحة، لست مميزًا في السلاح بقوة وذلك لأن السلاح والفروسية يحتاجان لخبرة كبيرة وأن تمارسها بشكل مستمر. بدأت ممارسة السلاح متأخرًا عن سني الطبيعي، فقد بدأتها في عمر 15 عامًا، وأحاول بالتدرب تعويض نقص الخبرات".

هكذا قيَّم الجندي نفسه في حواره مع FilGoal.com في يوليو 2021، قبل أيام من سفره لخوض منافسات أولمبياد طوكيو (2020). هذه بحد ذاتها مشكلة أخرى، فقد عصفت جائحة كورونا بالكثير من مقدرات العالم، أحدها -وربما من أقلها شأنًا- إجبار الرياضيين على وقف منافساتهم تمامًا لأشهر، وتأجيل دورة الألعاب الأولمبية لعام كامل، حُلم كل رياضي في العالم تأجل لعام، وظروف الاستعداد خلال هذا العام ليست كالمعتاد إطلاقًا، بكل ما شاب هذه الفترة من كمامات ومطهرات كحولية وتباعد اجتماعي.

ولكن وكما عرفنا بالفعل، فإن مصائب القوم عند الجندي فوائد حتى وإن كان الجندي من هؤلاء القوم، وأحيانًا حتى وإن كان هو كل القوم.

"تأجيل الأولمبياد أفادني بالفعل لأنني تحسنت في كل الرياضات واكتسبت العديد من الخبرات. خلال فترة كورونا لم نستطع التدرب على السباحة بسبب الإغلاق، لكنني وشقيقي الأصغر استلمنا أسلحة من الاتحاد المصري وتدربنا بها في باحة المنزل".

قفزة سريعة للأمام، ليس بعيدًا للغاية، بل إلى الشهر التالي: أحمد الجندي يحصد فضية طوكيو في الخماسي الحديث، بعد أن أخبرنا أنه يبحث عنها ولكن إن لم يحصدها فلا مشكلة، لا يزال سنه صغيرًا وسيحاول مرة أخرى في باريس. الرجل استعد للذهبية بالفضية، تسلسل منطقي للغاية.

ولكن، مرة أخرى، لم يكُن الأمر بهذه البساطة.. إطلاقًا.

من سجل هدف التاريخ؟

"أهم شيء ألا تكون خارج أول 10 في كل الألعاب لتنافس حتى النهاية. بعض اللاعبين ليسوا جيدين في بعض المنافسات ولكنهم يعوضون ذلك بقوة في ألعاب أخرى".

ترتيب الجندي في منافسات السباحة كان الخامس كما قال إنه جيد فيها، أما في السلاح فكان الخامس عشر بـ 18 انتصاراً في الجولة الأولى وانتصار وحيد في الجولة الإضافية، لم يخدعنا، فلم يكُن السلاح أبدًا نقطة قوته، وكذلك لم يزعم شيئًا في الفروسية، فقد أنهى السباق في المركز السابع عشر، أي أنه بحلول سباق الجري والرماية "الليزر رن" كان في المركز الثالث عشر إجمالًا.

الثالث عشر، وبفارق 50 نقطة كاملة عن المتصدر البريطاني جو تشونج، أي 50 ثانية تأخير في الانطلاق عن أول الراكضين.. هل يبدو هذا كلاعب سيحقق ميدالية أولمبية من الأساس؟ راقبه جيدًا.

بطريقة ما، أنهى الجندي السباق في المركز الثاني خلال 10 دقائق و32 ثانية و47 جزءًا من الثانية، بفارق نقطتين فقط (ثانيتين و34 جزءًا) عن الأول الذي لم يكُن تشونج بالمناسبة، بل التشيكي مارتن فلاتش، لأن تشونج الذي امتلك كل أفضليات العالم أتى في المركز الخامس عشر، ولكنه احتفظ بالذهبية على كل حال، لأن تفوقه السابق ونقاطه الإجمالية (التي فاقت الجندي بـ 50 نقطة في بداية السباق) شفعت له ليحتفظ بالصدارة.

عودة الجندي الخارقة للطبيعة جعلته يقفز من المركز الثالث عشر إلى الثاني في الترتيب الإجمالي لمنافسات الخماسي الحديث ليحصد الميدالية الفضية بـ 1477 نقطة، بفارق 7 نقاط عن الكوري جون وونج تاي الذي نال البرونزية، وأعلم جيدًا أن هناك شيء من الوقاحة في الفرضية التي سنبنيها معًا الآن بكل سهولة، ولكن حين نخبرك أن الفارق بين الجندي وبين تشونج الذي خرج بالذهبية تحول من 50 نقطة إلى 5 نقاط فقط، علمًا بأن الجندي بدأ السباق متأخرًا عنه 50 ثانية.. أحيانًا نحن لا نجيد الاحتفال، والحمد لله أننا لم نكن نعرف القواعد جيدًا بذلك الوقت.

حسنًا، الآن حاول أن تتذكر هذه النتائج لأننا سنحتاجها مرة أخرى في باريس، ولكن قبل باريس، أنت الآن صرت أكثر خبرة وتمرسًا، وتعرف قطعًا أن لا شيء في هذه القصة ولا هذا العالم يسير بتلك البساطة..

النهر الثالث

"لدينا الآن 3 أعوام للعمل على الميدالية الذهبية وأقولها من الآن.. لقد ناقشنا كل أساسيات خطة باريس 2024 بالفعل ونحن في الحافلة العائدة من الملعب للقرية الأولمبية بعد تحقيق الفضية. لقد أنهى الجندي تحليل المنشطات لتوه ثم بدأ يسألني عما سنفعله في الأولمبياد التالي".

تخيل أننا بكل ما رويناه لم نخبرك بكل شيء يعظم من إنجاز الجندي في طوكيو؟ سنترك الأمر لمدربه عبد الرحمن عيسى ليخبرك بما أخبرنا به في سبتمبر 2021 بعد الأولمبياد مباشرةً. هذا اللاعب كان يصنف كناشئ حتى أسابيع قليلة قبل الأولمبياد، ولتوه بدأ مرحلة الكبار.

نزيدك من الشعر بيتًا؟ الجندي أصيب بخلع في الكتف قبل أشهر قليلة من انطلاق أولمبياد طوكيو، وكان مهددًا بعدم المشاركة، ولكنه لجأ مع عيسى لتدريبات القوة للحفاظ على استقرار الكتف بدرجة كافية حتى انتهاء المنافسات، وبينما كانت الأمور تسير بشكل جيد، تعرض بطلنا للخلع الثاني في كتفه عام 2022، ولم يعُد هناك مفر من التدخل الجراحي.

وكما نعرف فإن خلع الكتف في حد ذاته قد لا يكون بالخطب الجلل، ولكن في رياضات مثل السباحة والسلاح والرماية وحتى الجري؟ جرب وأخبرنا.

بعد الجراحة، تكرر الخلع مرة أخرى في 2023 قبل كأس العالم، ولكنه عاد وواصل طريقه حتى تجددت الإصابة في أسوأ توقيت ممكن: 13 يونيو 2024، قبل انطلاق منافسات باريس بـ 7 أسابيع.

وبمعجزة أخرى، بجهاز فني وطبي مصري بالكامل، وبتعاون مذهل بين مدربه عبد الرحمن عيسى ومحمد أبو العلا طبيب منتخب مصر لكرة القدم، هل شعرت أو تخيلت للحظة أن هذا الذي حصد الذهبية كان يسير بكتف مخلوع قبل أقل من شهرين؟ هل ملأ الدنيا صياحًا حول تلك الإصابة قبل البطولة ليهيئنا نفسيًا لاحتمال الفشل أمام الآمال المعقودة عليه كأحد الأسماء المرشحة للميداليات في هذه المشاركة المصرية المحبطة؟ لم يفعل ذلك.. ولم نسمع عنها شيئًا حتى رأينا الميدالية الذهبية معلقة على رقبته، ثم خرج ليتحدث عن هذه الإصابة وكأنها ذاك الألم الناتج عن اصطدام إصبع القدم الأصغر بالسرير في الشتاء، ألم أخبركم منذ البداية؟ متواضع لدرجة الملل.

سحقًا لنقاط الضعف

في منافسات نصف النهائي حقق الجندي الرقم الأولمبي العالمي برصيد 1516 نقطة، وكأي شخص طبيعي بعد تحقيق مثل هذا الإنجاز، قرر إنه "مش حاسسها" ليحطم الرقم العالمي برصيد 1555 نقطة في النهائي.

بدأ الجندي النهائي برصيد 245 نقطة جمعها من منافسات السلاح، والآن سنحتاج أرقام فضية طوكيو سالفة الذكر، فقد حققها بـ 24 انتصارًا، 24 مقابل 18 في أولمبياد طوكيو، ليتقاسم صدارة النقاط الأساسية مع الأوكراني أوليكساندر توفكاي الذي تفوق بانتصارين في الجولة الإضافية، ولكنه لم يتأهل أصلًا من نصف النهائي، ليصبح الجندي متصدر ترتيب السلاح في النهائي.

أما الفروسية التي حل فيها في المركز السابع عشر وقبل الأخير في مجموعته بنصف النهائي، والرابع والثلاثين بين 36 لاعبًا في في تلك المرحلة، والسابع عشر أيضًا في منافسات طوكيو 2020، أخيرًا قهر الجندي فيها نقطة ضعفه الثانية وحصد النقاط الـ 300 كاملة دون نقصان، ضمن 6 لاعبين فقط حققوا العلامة الكاملة في النهائي.

في السباحة حل الجندي في المركز السادس فعليًا برصيد 312 نقطة، ولكنه كان متساويًا مع 3 لاعبين آخرين، في الحقيقة لم يتفوق عليه سوى لاعبين اثنين فقط جمعا 315 نقطة، بفارق 3 نقاط ليس إلا.

أضف كل هذه الأرقام معًا قبل سباق "الليزر رن" الأخير.. هل تذكر الفتى الذي كان عمره 21 عامًا قبل 3 أعوام ودخل السباق في المركز الثالث عشر متأخرًا بـ 50 ثانية عن الأول فحقق الفضية؟ كبر وصار الأول بفارق 17 ثانية عن أقرب ملاحقيه، ولن يفاجئك الآن أنه حقق الذهبية بعمر 24 عامًا وبرصيد 1555 نقطة، محطمًا الرقم القياسي العالمي الذي سجله المجري سابا بوم في بطولة العالم 2024 (1551 نقطة).

قلت لكم أننا لا نجيد الاحتفال

ولا الجندي أيضًا، فحين باغته عمرو نجيب فهمي مراسل قنوات بي إن سبورتس -رجل خارق آخر للأمانة- بسؤال عن تطلعاته لأولمبياد لوس أنجلوس 2028 بنبرة اعتذارية نوعًا ما عن قطع الاحتفالات والحديث عن المستقبل، أجاب الجندي كما فعل مع مدربه بعد دقائق من فضية طوكيو بإجابة عملية للغاية: "دورة لوس أنجلوس ستختلف لأن الفروسية ستُلغى ويحل بدلا منها لعبة الموانع، وأتطلع لتحقيق ميدالية في الأولمبياد بلعبة مختلفة وجديدة".

"منذ 2016 يتدرب أحمد بشكل يومي بعدما بدأ في مرحلة المشاركة الدولية لمدد تتراوح بين 4 لـ 7 ساعات دون النظر لأي شيء آخر، بالإضافة لجلسات يوجا وتدريبات نفسية". – عبد الرحمن عيسى مدرب البطل الأولمبي أحمد الجندي

بصراحة وإلى جانب تواضعه، هناك شيء آخر مزعج بشأن الجندي، فهو إثبات آخر لنظرية تفوق طالب الهندسة حين يقرر الاتجاه لمجال آخر، وكأن كبرياء طلاب الهندسة بحاجة للمزيد من التغذية. إنه يبدو تمامًا كصديق يملكه أغلبنا، هذا الفتى المجتهد الذي تشعر دائمًا بجهد أبويه في تربيته، ودائمًا ما يرمقك بنظرة مستاءة أو ضحكة مكتومة إن أطلقت لفظًا خارجًا أمامه.

والآن، هل يمكنني إخباركم في النهاية أننا -في الظروف الطبيعية التي نأملها- ننتظر الميدالية الثالثة من الجندي في لوس أنجلوس 2028 ليصبح أول مصري يحصد 3 ميداليات على الإطلاق؟ وأن هذه الميدالية ستكون الذهبية ليصبح أول عربي يحقق ذهبيتين في الأولمبياد؟ حينها سأعود وأخبركم أني أيضًا صاحب رؤية، فقد أصبحت في نادي محبي الخماسي الحديث قبل قرابة 8 ساعات من الآن، أنا عضو معروف جدًا، وإن وصلت -أخيرًا- إلى هنا، يمكنك قول الشيء ذاته.

شكرًا أحمد الجندي، قتالك المستمر أسعدنا جميعًا وجعلنا نعرف الكثير عما لم نكُن نعرفه.

التعليقات