كتب : إسلام أحمد
عندما سئل لويس دي لا فوينتي عقب تعيينه مديرا فنيا لـ منتخب إسبانيا تحت 21 عاما في 2018 عن كيف يتعامل مع منصبه كان رده: "التطور دون التخلي عن أسلوبنا".
لم يحظ المدرب البالغ 63 عاما بمسيرة تدريبية مميزة على مستوى الأندية، لكن وجد متنفسا رائعا عندما تولى تدريب منتخب إسبانيا تحت 19 عاما في 2013.
متنفس مستمر حتى الآن بعد تدرج في تدريب فئات اللاروخا، ثم أصبح مدربا للفريق الأول ويستعد الآن لخوض نهائي يورو 2024.
وكل ما يلي صرّح به لا فوينتي عبر موقع "coaches voice": "الموهبة وحدها لا تكفي، وأقول دائما إن العمل الجاد يتفوق على الموهبة عندما لا تعمل الموهبة بجد".
"في كرة القدم كما الحال في الحياة نهتم فقط بالمنتج النهائي، ونسعى لتحقيق النجاح في أسرع وقت ممكن".
"انتصارنا بلقب أمم أوروبا تحت 21 عاما في إيطاليا عام 2019 جاء في نهاية عملية طويلة".
أمم أوروبا تحت 19 عاما في 2015
بدأ منتخب إسبانيا البطولة بفوز كبير على ألمانيا 3-0 والبعض ظن أن الفوز باللقب سيكون سهلا، لكنهم سقطوا في فخ الخسارة 3-1 ضد روسيا في الجولة الثانية.
كان الإسبان على وشك توديع البطولة، "كان الموقف معقدا بسبب حقيقة أن هؤلاء الشباب كانوا في التاسعة عشرة من العمر وكانوا معتادين على الفوز في كل الأوقات تقريبا مع أنديته، وفي النهاية، نجحنا في التأهل بصعوبة بالغة بعد التعادل المؤلم أمام هولندا".
فازت إسبانيا على فرنسا بثنائية ماركو أسينسيو في ربع النهائي، ثم التقت مع روسيا مرة أخرى، وتوجت إسبانيا باللقب.
"وهذا يشير إلى قوة نفسية كبيرة بين أفراد المجموعة. أظهروا مدى قوتهم مرة أخرى بعد أربع سنوات".
أمم أوروبا تحت 21 عاما في 2019
"ضعوا قلوبكم وعملكم وجهدكم، وفوق كل ذلك، العمل الجماعي. وهذا يعني أن الأفراد، الذين كانوا استثنائيين، يجب أن يخضعوا لمصلحة الجماعة، لو فعلنا ذلك، سيكون لدينا كل الفرص لأن نصبح أبطالا"، هذا ما قاله دي لا فوينتي للاعبيه قبل بداية البطولة في إيطاليا.
وعلى المستوى الداخلي، كانت هذه هي الرسالة: "سنصبح أبطالا". وكنا نكرر هذه الرسالة مرارا وتكرارا لأننا أردنا أن تجد صدى لدى المجموعة.
خسرت إسبانيا ضد إيطاليا المستضيفة في الجولة الأولى.
وكرر الفريق ما فعله في 2015 فاز في أجواء حارة على بلجيكا ثم سحق بولندا بخماسية دون رد.
قلب الطاولة على فرنسا في نصف النهائي وصعد للنهائي لمواجهة ألمانيا.
يتحدث دي لا فوينتي عن نفسه قائلا في حواره: "يقول بعض الناس إنني أشتهر بكوني مصدر إزعاج للاعبين عندما أتحدث إليهم. وفي بعض الأحيان يسخر اللاعبون مني عندما أغضب أثناء الحديث لفترة طويلة".
"أعترف بأنني أجد صعوبة في اختصار الحديث، ولكنني أحاول التحكم في الوقت. لا يمكنك أن تقدم للاعب فردي محاضرة مدتها 30 دقيقة. فبعد 20 دقيقة، سوف يفقد اللاعب اهتمامه".
"لكنني أحب التحدث معهم كثيرا. ندخل في تفاصيل محددة. وسأكون دائما صريحا معهم، أعتقد أنه من المهم أن تعرف ما يفكر فيه لاعبوك، وكيف يشعرون في أي لحظة".
"أدركت ذلك عندما كنت لاعبا في أتليتك بلباو وإشبيلية وألافيس. في ذلك الوقت، كنت أراقب كيف يتفاعل زملائي في الفريق مع المواقف التي يضعهم فيها المدربون".
"أعطتني هذه التجارب شيئا لأخذه في الاعتبار أثناء تدريبي".
"أحاول أن أبحث عن شيء يمكن للاعبين أن يتفاعلوا معه؛ طريقة للتحدث معهم يستجيبون لها. قد لا تنجح هذه الطريقة مع كل لاعب أو كل فريق، ولكنني سأحاول مع ذلك العثور عليها".
"كان عليّ أن أتعامل بإيجابية مع العديد من اللاعبين الذين شاركوا في البطولات التي ذكرتها دون أن يكون لهم دور بارز في فرقهم. فبدلا من الشكوى، بحثنا عن الإيجابيات. إذا لم تلعب كثيرا، فسوف تكون أكثر نشاطا من اللاعبين الآخرين الذين خاضوا 50 مباراة".
"منحهم ذلك الثقة. لقد صدقوا أفكاري ثم احتاجوا فقط إلى لعب مباراتين أو ثلاث حتى يجدوا إيقاعهم. وعندما فعلوا ذلك، كانوا يشعرون بالنشاط والحيوية".
"كان الحديث الذي دار قبل المباراة ضد ألمانيا عاطفيا. من الناحية التكتيكية، لم يكن هناك الكثير للحديث عنه. لقد لعب الفريق بشكل جيد حقا في المباريات السابقة للبطولة".
"قلت للاعبين، إنها فرصتنا، إنها لعبتنا، إنها المكافأة على كل ما بنيناه خلال الفترة التي قضيناها معا".
"قدمنا شوطا أول جيدا للغاية، وأظهرنا أيضا أننا نعرف كيف نتحمل المعاناة في بداية الشوط الثاني في ظل دفاع منخفض. لقد أظهرنا أننا وحدة متماسكة".
انتصرت إسبانيا بفضل المرتدات بنتيجة 2-1 وتوجت باللقب، وتأهل المنتخب لنهائيات أولمبياد طوكيو 2020.
"غيّر هذا الفوز حياة اللاعبين، وكان بوسعك أن ترى ذلك على وجوههم عندما عادوا إلى ديارهم، كان العديد منهم يلعبون بالفعل في أندية كبيرة، لكن قيمتهم ارتفعت بشكل كبير، مما منحهم المكانة والاعتراف"
"كما كنت أتمنى أن يكون هذا الفوز بمثابة استعراض لموهبة لاعبي كرة القدم الإسبان".
"ولكنني متأكد من أنني سأراهن دائما على نوع لاعبي كرة القدم الذين كان لدينا في فرق الشباب في إسبانيا، أعلم أنهم مصدر موثوق، وقد استفدت كمدرب من تألقهم".
"وبالإضافة إلى امتلاك جودة اللاعبين التي تعني أن فريقي قادر على لعب كرة القدم التي أريدها، فقد سمحوا لي أيضا بالتطور كمدرب بمرور الوقت".
"لقد سمحوا لي، أكثر من أي شيء آخر، أن أكون سعيدا في الحياة وراضيا جدا عن عملي".
كتائب تحت قيادته
في نسخة 2015 تواجد مع دي لا فوينتي كل من ميكيل ميرينو صاحب هدف الفوز على ألمانيا في يورو 2024، وداني سيبايوس وماركو أسينسيو وكلاهما يغيب عن يورو 2024، وأوناي سيمون ورودري الثنائي الأساسي في تشكيل اللاروخا في يورو 2024.
وفي نسخة 2019 تواجد تحت قيادته كل من أوناي سيمون وفابيان رويز وكارلوس سولير وميكيل ميرينو وسيبايوس وداني أولمو وبابلو فورنالس وميكيل أويارازبال، 5 منهم في قائمة يورو 2024.
أكمل دي لا فوينتي مهمته مع نفس الفريق في أولمبياد طوكيو 2020 والتي أقيمت في صيف 2021 بسبب تفشي فيروس كورونا، خسر اللقب لصالح البرازيل في المباراة النهائية، لكن تشكيله أضيف عليه بيدري وعدة أسماء أخرى مع نفس الأسماء التي تواجدت في نسختي 2015 و2019.
كما تدرب أيضا تحت يده كل من أليكس ريميرو وفيران توريس وأليكس بينا وبيدري ومارك كوكوريا مع منتخبي تحت 19 و21 عاما، حتى خيسوس نافاس البالغ 38 عاما دربّه دي لا فوينتي عندما كان مدرب لفريق الشباب في إشبيلية.
عمل دي لا فوينتي لم يتوقف عند هذا الحد بل درّب مدربين أخرين من بينهم تشافي هيرنانديز المدير الفني السابق لبرشلونة وتشابي ألونسو المتوج مع باير ليفركوزن بثنائية تاريخية محليا في ألمانيا، وأيضا ليونيل سكالوني المدرب المتوج بـ 3 ألقاب مع منتحب الأرجنتين.
فسبق أن صرّح قائلا: "كنت محظوظا بما فيه الكفاية لتدريس دورات تدريبية مختلفة. علمنا هذا الجيل من لاعبي كرة القدم مثل تشافي هيرنانديز وتشابي ألونسو وراؤول. نجوم كرة القدم يريدون الآن أن يصبحوا مدربين، وقد حالفني الحظ لتدريب ليونيل سكالوني بينهم".
أجواء صحية
تولى دي لا فوينتي مهمة تدريب منتخب إسبانيا الأول خلفا للويس إنريكي بعد نهاية المشوار في كأس العالم 2022 من دور الـ 16 بمفاجأة مدوية ضد المغرب.
وفقا لتقرير شبكة "ذا أثليتك" فإن دي لا فوينتي تسلم مهمة تدريب إسبانيا ومن المتوقع أن يكون كبش الفداء المقبل بعد إنريكي خاصة في ظل معدل الأعمار السنية الصغير، وفقا لمصدر من الاتحاد الإسباني.
لكن دي لا فوينتي حقق لقب دوري الأمم الأوروبية وأعاد اللاروخا لمنصات التتويج بعد ثلاثية اليورو وكأس العالم بين 2008 و2012، لأول مرة بعد 11 عاما.
وأشار التقرير إلى أن "أفسحت المخاوف بشأن معرفته التكتيكية المجال لتقدير نهجه المتماسك. كان هدفه الرئيسي مع هذه المجموعة هو خلق أخوة، وأجواء يرغب الجميع في أن يكونوا جزءا منها. ونجح في ذلك".
وقال مصدر من الجهاز الفني للمنتخب: "دي لا فوينتي يكره حقا رؤية وجه أو إشارة سيئة تجاه الفريق".
ومنذ توليه المهمة، كلف دي لا فوينتي نفسه بإرسال رسائل نصية لكل أعضاء طاقم الاتحاد الإسباني بعد نهاية كل معسكر تدريبي لشكرهم، وفي بعض الأحيان، لا يكون أحد الطهاة أو العاملين في مجال الأمن أو المتدربين جزءا من مجموعة تطبيق "واتس آب" الخاصة بالطاقم بأكمله، لذلك يطلب دي لا فوينتي من الاتحاد تفاصيلهم ويرسل لهم رسالة نصية شخصية واحدا تلو الآخر.
كل هذا هو جزء من هوسه لجعل كل عضو من أعضاء الفريق يشعر بأهميته والقضاء على أي أجواء سامة حول الفريق.
وأوضح المصدر من المنتخب الإسباني لاحقا: "لست متأكدا من أنني رأيت معسكرا لإسبانيا بمثل هذا المزاج الممتع من قبل، ربما ليس حتى في عام 2008".
خوسيلو لاعب الغرافة القطري أوضح كيف تعامل معهم دي لا فوينتي في حديثه لشبكة "ذا أثليتك" قائلا: "أعتقد أنه بنى عائلة هنا، وهو ما أوصلنا إلى هذه النقطة. لقد فزنا بدوري الأمم الأوروبية في الطريق، وقدمنا بعض العروض الرائعة، وكانت المجموعة المجتمعة هنا هي التي صنعت الفارق".
يورو 2024
منذ توليه المسؤولية، تحدث دي لا فوينتي كثيرا عن جعل فريقه أكثر لعب عمودية أو مباشرة، فقال لاعب تلو الآخر إنهم سيتجنبون الاحتفاظ بالكرة لمجرد الاستحواذ.
فصرّح رودري لاعب وسط إسبانيا ومانشستر سيتي لشبكة "ذا أتلتيك" في معسكر المنتخب قبل البطولة: "كانت الفلسفة متشابهة دائما، لكن كل مدرب لديه لمساته الخاصة. (دي لا فوينتي) يريد أن يكون أكثر مباشرة، وأن يستخدم الاستحواذ دائما لإلحاق الضرر بالخصم. علينا تغيير أسلوبنا".
إسبانيا كانت تستحوذ على الكرة في العديد من المباريات خاصة في البطولات الكبرى لكن في أغلب الأوقات تفوز بفارق هدف وحيد، فمثلا فازوا بلقب كأس العالم 2010 باستحواذ بلغ 63% خلال 120 دقيقة في النهائي ضد هولندا بهدف أندرياس إنييستا.
ثم سحقوا إيطاليا في نهائي يورو 2012 برباعية باستحواذ بلغ 52% في ظل اعتماد فيسنتي ديل بوسكي على سيسك فابريجاس كمهاجم وهمي لتعويض إصابة ديفيد فيا.
كان خصوم إسبانيا يدركون أن أفضل طريقة للتغلب عليهم هي الدفاع بقوة، وامتصاص الضغط، وشن الهجمات المرتدة، أو المخاطرة بالركلات الثابتة. وقد أدى هذا إلى بعض من أكبر المواقف المحرجة في تاريخ كرة القدم في البلاد.
وهو ما ظهر خلال مواجهة المغرب في دور الـ 16 بكأس العالم 2022، استحواذ دون أهداف انتهى بتوديع المونديال مبكرا.
وبعد 136 مباراة متتالية لم يخسر فيها منتخب إسبانيا الاستحواذ، جاء الوقت ضد كرواتيا في افتتاح يورو 2024 ليخسر اللاورخا الاستحواذ لكنهم فازوا باللقاء بنتيجة 3-0.
متوسط استحواذ إسبانيا على الكرة في يورو 2024 هو الأقل مقارنة بالأداء في بطولات أخرى، حيث وصل لـ 54.4% في يورو 2024، مقابل 77% في كأس العالم 2022 و72.5% في يورو 2020 و74.7% في كأس العالم 2018.
وقال دي لا فوينتي "نحن نشكل فريقا يتمتع بالعديد من طرق اللعب. يدرك منافسونا أننا قادرون على إلحاق الضرر بهم من خلال الاستحواذ على الكرة، وبناء الهجمات من خلال التمريرات العديدة، أو أيضا - إذا منحونا الفرصة - فسوف نركض بسرعة كبيرة".
يدرك دي لا فوينتي أن تخطي حاجز الـ 1000 تمريرة في المباراة ربما لن يكون بلا فائدة لذلك فضّل الاستحواذ واللعب المباشر عن التمرير الزائد على الحد.
فعلى سبيل المثال سجلت إسبانيا 1058 تمريرة في الهزيمة المفاجئة 2-1 أمام اليابان في 2022، و1019 تمريرة أمام المغرب في دور الـ 16 ونجحت في تسديد تسديدة واحدة فقط على المرمى في 120 دقيقة تحت قيادة لويس إنريكي.
الآن أصبح منتخب إسبانيا يلعب بنظام قادر على التكيف باللعب المباشر والسريع وكذلك يستطيع الاحتفاظ بالكرة، ويمتلك كل من لامين جمال ونيكو ويليامز اللذان يتمتعان بالمهارة والقوة الكبيرة في الضغط بلا رحمة على المنافس، كما يقدمان الحل لتوسيع اللعب وتوفير ممرات أكثر للتمرير وزيادة زملائهم للأمام.
وقبل التفوق على فرنسا في نصف نهائي اليورو قال دي لا فوينتي: "بالطبع لدي فكرة، وربما تكون فكرتنا أقرب إلى عرض جميل، ومشهد جميل إذا قمنا بذلك بشكل صحيح. أعتقد أننا فريق جميل يستحق المشاهدة".
وأتم "لكن في النهاية، الأمر يتعلق بالفوز، بل وأكثر من ذلك في هذه المرحلة. نحاول أن نلعب كرة قدم جميلة، لكننا نريد أن نلعب كرة قدم عملية أيضا لأن ما ستحلله وتقيمه لاحقا هو النتيجة".
وأصبح دي لا فوينتي أول مدرب في تاريخ اليورو يحقق 6 انتصارات متتالية.
وفي إسبانيا بدأت المقارنات تظهر فقال فيرناندو توريس واحد من أعضاء ثلاثية إسبانيا لصحيفة ماركا عن أوجه التشابه بين الجيل الحالي وجيل يورو 208 قائلا: "هناك أوجه تشابه، مثل الافتقار إلى التقدير الذي حصل عليه الفريقان في البطولة، سواء من حيث اللاعبين أو المدرب. ثم مع تقدم البطولة، سيطر التركيز في البلاد على المشجعين ووسائل الإعلام".
نيكو ويليامز سبق أن صرّح قائلا بعد فوز إيطاليا: "نريد أن نبقى على هذا النحو: الطيران على ارتفاع منخفض. الطيران على ارتفاع منخفض يعني أننا نعيش حياة أفضل بالتأكيد".
والآن الفرصة مواتية لإسبانيا لاعتلاء عرش أوروبا والتحليق في ارتفاع عالٍ للغاية تحت قيادة لويس دي لا فوينتي.