كتب : إسلام أحمد
"عندما تأهلنا وكنا نحتفل، كان هذا أحد أول الأشياء التي قالها لاعبو فريقي: من فضلك، ويلي، لا نريد الذهاب إلى ألمانيا للتسوق أو السياحة"، تبدو رغبة لاعبي منتخب جورجيا واضحة، فهم ذاهبون للمشاركة في يورو 2024 للمنافسة والوصول لأبعد مدى ممكن.
يشارك منتخب جورجيا لأول مرة في تاريخه ببطولة أوروبا بعدما تأهل على حساب بطل نسخة 2004 منتخب اليونان بركلات الترجيح، ووفقا لمنصة أوبتا فإن نسبة تأهل جورجيا لدور الـ 16 تمثل 37.2% فيما تمثل فرصة حصد اللقب 0.1%.
بالتأكيد لن أخبركم في هذا التقرير أن جورجيا مرشحة لكنها تحاول عبر مشاركتها الأولى في اليورو أن تكون أفضل من مقدونيا الشمالية وألبانيا وفنلندا على سبيل المثال في نتائج المشاركة الأولى.
ورغم أن جورجيا قدمت عدة أسماء للكرة العالمية أبرزها كاخا كالادزة مدافع ميلان الإيطالي وشوتا أرفالادزي مهاجم أياكس ورينجرز السابق، لكن لا تعد كرة القدم الرياضة الأكبر في البلاد.
الرياضة الوطنية هي الرجبي، حيث وصل "ليلوس" الفريق الوطني للرجال إلى كل نهائيات كأس العالم منذ عام 2001، محققا بعض النتائج المبهرة خلال مشاركاته.
وقعت جورجيا تحت حكم الاتحاد السوفييتي بين عامي 1921 و1991، وخلال تلك الفترة، شجبت القيادة في موسكو لعبة الرجبي باعتبارها لعبة برجوازية، وبدلا من ذلك حاولت تمرير لعبة كرة القدم لهم.
خلال تلك الفترة قرر لافرينتي بيريا -أحد رجال جوزيف ستالين ورئيس الشرطة السرية (NKVD)- أنه سيحافظ على لياقة موظفي NKVD باستخدام كرة القدم.
أدى ذلك إلى تشكيل الفريق الأكثر شهرة في جورجيا، دينامو تبليسي، وهي فرقة مكونة من رجال شرطة معروفين باستخدامهم للتعذيب.
ومع تطور الفريق، بدأ بيريا وأتباعه في تجنيد أبناء من أعدموهم، ومنها تشكلت رياضة كرة القدم في جورجيا.
كالادزة وأرفالادزي أبرز من خرجا من دينامو تبليسي لكرة القدم الأوروبية، وهو النادي الأكثر تتويجا في البلاد حتى الآن محليا والوحيد الذي فاز بلقب أوروبي بالتتويج بنسخة 1981 من كأس الكؤوس الأوروبية.
وبعد أن استعادت البلاد استقلالها، أصبحت لعبة الرجبي وسيلة لإعادة ترسيخ الفخر الوطني، والآن فقط، بعد 33 عاما، بدأت كرة القدم في إعادة وضع نفسها على الساحة بالبلاد.
رحلة طويلة
"إن التأهل لليورو لا يتعلق فقط بكرة القدم، بل هو أيضا وسيلة للبلد لقول: مرحبا، جورجيا موجودة. ربما لسنا دولة كبيرة، لكن بالنسبة لهم، كان الأمر كما لو: الآن سيعرف الناس أن جورجيا دولة يمكن أن تكون ذات أهمية"، هذا ما صرّح به ويلي سانيول المدير الفني لـ جورجيا عقب التأهل ليورو 2024 عبر شبكة ذا "أثليتك".
وسيكون سانيول هو أول فرنسي على الإطلاق يدرب منتخبا أجنبيا في بطولة أوروبا بعدما شارك من قبل في 3 نسخ من البطولة بين 2000 و2008 وحمل لقبها في الأولى.
منتخب جورجيا في التصفيات سجل فارق أهداف (-6) واحتل المركز الرابع خلف إسبانيا واسكتلندا والنرويج، كأسوأ أداء دفاعي لفريق متأهل، لكن وبفضل نتائجه في دوري الأمم الأوروبية حظى بفرصة ثانية عن طريق الملحق الذي تأهل منه.
في شهر مارس الماضي وعلى ملعب بوريس بايتشادزي دينامو أرينا في تبليسي، سجل نيكا كفكفيسكيري الركلة الترجيحية الأخيرة في شباك اليونان معلنا تأهل منتخب جورجيا لليورو لأول مرة.
يقول سانيول: "كانت الاحتفالات مثل ثقافة جورجيا، فلا يوجد وسط بينها. إنهم إما في غاية السعادة أو في حالة من الحزن الشديد. رأيت الكثير من الناس يبكون، وكان هناك الكثير من المشاعر. بعد هذا الارتفاع، يستغرق الأمر دائما بعض الوقت للنزول. ولكن يا لها من تجربة."
تولى سانيول المهمة منذ 3 سنوات بعدما خسر منتخب جورجيا بطاقة التأهل في الملحق أمام مقدونيا الشمالية لـ يورو 2020
ومنذ ذلك الحين تحولت النتائج للأفضل مصحوبة بنهضة كروية في البلاد وصعود أكثر من اسم شاب لسماء الكرة الأوروبية والعالمية، كما حقق سلسلة رائعة من 11 مباراة دون خسارة.
تنمو الرياضة في جورجيا بشكل واضح ويتم التركيز على تطوير اللاعبين الشباب. استضافوا بطولة أوروبا تحت 19 عاما في عام 2017 ثم بطولة أوروبا تحت 21 عاما بتنظيم مشترك مع رومانيا العام الماضي. كما ارتفع عدد اللاعبين المسجلين في الاتحاد بنسبة 100% خلال السنوات الأخيرة ليتخطى حاجز الـ 30 ألف.
يتذكر المدرب الفرنسي "عندما قررت تولي هذه الوظيفة، سألني الكثير من الناس -حتى في بيئتي القريبة-: لماذا تذهب إلى هناك؟ " لكن الآن أستطيع أن أقول: انظروا، لقد عملنا بجد وحققنا شيئا ما. كمدرب ولكن أيضا كرجل، أنا سعيد جدا بهذا الأمر”.
"نحن نعرف من أين أتينا وما مررنا به للوصول إلى هناك. الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله هو أننا لن نتصرف مثل الفريق الصغير. سنلعب بطموح وسنحاول إظهار قدراتنا."
وقال سانيول إنه حاول مساعدة فريقه بالاعتماد على تجاربه الخاصة كلاعب.
وأوضح قائلا: "لقد لعبوا حقا برؤوسهم، أكثر من قلوبهم، وأمام اليونان كانت تلك إحدى المرات الأولى (التي فعلوا فيها ذلك) خلال السنوات الثلاث، هذا ما كنت أحاول أن أخبرهم به. بالطبع، ما لديك في قلبك مهم جدا، ولكن أولا وقبل كل شيء، يجب أن يكون دائما رأسك. وقد فعلوا ذلك بشكل رائع وأعتقد أن ذلك يرجع إلى تجربتي الخاصة".
"هذا النوع من المسابقات والتصفيات حيث يكون هناك ضغط كبير يتعلق كثيرا بالأعصاب وكيفية الحفاظ على الهدوء."
"عندما تأهلنا وكنا نحتفل، كان هذا أحد أول الأشياء التي قالها لاعبو فريقي: من فضلك، ويلي، لا نريد الذهاب إلى ألمانيا للتسوق أو السياحة". "وقلت: "حسنا، هذا رائع لأنني أعرف ألمانيا عن ظهر قلب، لذا لا أحتاج إلى القيام بأي سياحة هناك." لذا فهم طموحون للغاية.
سانيول ارتدى قميص بايرن ميونيخ لمدة 9 سنوات بين 2000 و2009 واعتزل بقميص البافاري كما عمل ككشاف لاعبين ثم مدرب قبل تولى مهمة تدريب جورجيا.
ليس كفاراستخيليا فقط
أبهر الجناح الأيسر العالم بقميص نابولي في موسم 2022-23 وقادهم لاستعادة لقب الدوري الإيطالي لأول مرة منذ 33 عاما، لكن مع الانخفاض الملحوظ في مستوى الفريق بالموسم المنقضي تأثر اللاعب المُلقب بـ "كفارادونا".
لكن مع جورجيا فهو التهديد الرئيسي لها، فكان اللاعب الأكثر تسجيلا خلال التصفيات (4 أهداف، تمريرة حاسمة واحدة). كما أكمل جناح نابولي أكبر عدد من المراوغات لأي لاعب في التصفيات بالتساوي مع البلجيكي جيريمي دوكو (كلاهما 44).
يلعب كفارا بحرية حيث يؤدي أدوار المهاجم الثاني في المنتخب.
أوضح سانيول كيف استفاد من لاعبه قائلا: "في العامين الماضيين، عملنا على جعله يلعب في مركز أكثر حرية عندما تكون لدينا الكرة لأنه شخص يمكنه تسجيل الكثير من الأهداف وتقديم الكثير من التمريرات الحاسمة".
"بالنسبة لي، كان من المهم وجود هذا النوع من اللاعبين في الجزء الأكثر أهمية من الملعب لأنني لا أملك الكثير من اللاعبين مثله".
"كشخص، من السهل جدا العمل معه لأنه طموح للغاية لكنه سيعمل بجد لتحقيق طموحاته."
ورغم تراجع مستواه لكن يظل النجم الجورجي واحد من أبرز الأوراق التي يعوّل عليها المدرب الفرنسي وكذلك ارتبط اسمه بكبار القارة العجوز وأبرزهم برشلونة الإسباني.
تعرف أكثر على ميسي جورجيا. (من هنــــــــــــــــــــــــــا)
تعتمد جورجيا على خطة 5-3-2 وكفارا ليس النجم الوحيد في القائمة.
فهناك مامارداشفيلي حارس فالنسيا الإسباني صاحب الـ 23 عاما وواحد من أبرز الحراس الشباب في أوروبا، وأبدى تشيلسي ونيوكاسل وأتليتكو مدريد اهتماما به.
هناك أيضا جورجي تشاكفيتادزه لاعب واتفورد الإنجليزي الذي تألق بشكل واضح في النصف الثاني من الموسم المنقضي في الدرجة الإنجليزية الأولى ما جعل النادي يشتري عقده بشكل نهائي من جينت البلجيكي مقابل مليوني ونصف يورو.
يبرز كذلك جورجيس ميكاوتادزي لاعب ميتز الفرنسي الذي انضم له من أياكس الهولندي، ورغم محاولاته التهديفية العديدة إلا أن الفريق هبط للدرجة الثانية بالخسارة في مباراة فاصلة ضد سانت إيتيان بنهاية الموسم في الدوري الفرنسي.
على خطى أنشيلوتي
في حوار سابق لـ سانيول مع FilGoal.com قبل كأس العالم 2022 أبدى سعادته بالتعلم مع كارلو أنشيلوتي الذي عمل مساعدا له أبان فترته في بايرن ميونيخ.
فقال سانيول لـFilGoal.com: "عملت لأربعة أشهر مع كارلو قبل رحيله. هذه الأشهر الأربعة كانت أشبه بدراسة كرة القدم لمدة 10 سنوات".
"إنه شخص استثنائي ولطيف وقدراته التدريبية مذهلة. أعتقد أن اليوم ما أحققه مع جورجيا يرجع لاستخدامي لبعض من طرقه".
قاد المدرب البالغ 47 عاما منتخب جورجيا في 34 مباراة فاز في 17 أي النصف وتعادل في 5 وخسر 12، سجل لاعبوه 62 هدفا واستقبلوا 48 في الفترة من مارس 2021 وحتى قبل بداية يورو 2024.
أحلام سانيول اختلفت لكنه سعيد بعمله مع جورجيا خاصة بعد فترة تفشي فيروس كورونا كما صرّح من قبل لـ FilGoal.com: "على سبيل المثال جورجيا مشروع يجعلني سعيدا للغاية، لأنها ليست أشبه بالتعامل مع لاعبين كبار في منتخبات كبرى، بل عملية تطور مستمرة تجعل اللاعبين أفضل خصوصا الشباب".
"لذلك أنا سعيد للغاية في جورجيا، ولكن ربما غدا قد أكون في أمريكا اللاتينية أو آسيا. هناك الكثير من الأماكن في العالم التي يمكنني إيجاد مشروع مشابه فيها. أريد رؤية العالم بفضل كرة القدم".
"العالم كبير للغاية ويضم الكثير من القارات والبلدان والمشاريع. أنا لا أملك أهداف أو طموحات معينة، أنا ببساطة أؤدي عملي بشكل جيد أينما كنت".
قائمة صعبة
ليست صعبة من حيث قلة المواهب أو لوجود مشاكل بل ربما تكون هذه القائمة هي الأصعب في تاريخ بطولة يورو بسبب صعوبة أسماء اللاعبين المنضمين.
وتأتي قائمة المنتخب الذي يُلقب بـ الصليبيين كالآتي:
حراسة المرمى: جورجي لوريا (دينامو تبليسي)، جورجي مامارداشفيلي (فالنسيا) لوكا جوجيشاشفيلي (كاراباج)
خط الدفاع: جورام كاشيا (سلوفان براتيسلافا)، أوتار كاكابادزي (كراكوفيا)، سولومون كفيركفيليا (الأخدود)، لاشا دفالي (أبويل)، جيمال تابيدزي (بانيتوليكوس)، لوكا لوكوشفيلي (كريمونيزي)، جورجي جوكوليشفيلي (شاختار)، جورجي جفيليسياني (بيرسيبوليس)
خط الوسط: جابا كانكافا (سلوفان براتيسلافا)، نيكا كفيكفيسكيري (ليش بوزنان)، أوتار كيتيشفيلي (ستورم جراز)، سابا لوبزهانيدزي (أتلانتا يونايتد)، زوريكو دافيتاشفيلي (بوردو)، جورجي شاكفيتادزي (واتفورد)، ليفان شينجيليا (بانيتليكوس)، جورجي تسيتايشفيلي (دينامو باتومي)، أنزور ميكفابيشفيلي (أونيفرسيتاتيا كرايوفا)، جورجي كوشوفاشفيلي (فولفسبورج).
خط الهجوم: جورجي كفيليتايا (أبويل) خفيشا كفارتسخيليا (نابولي)، بودو زيفزيفادزي (كارلسروهر)، جورجيس ميكاوتادزي (ميتز).
يتواجد منتخب جورجيا في مجموعة تضم تركيا والبرتغال والتشيك، منتخبات متمرسة وتعرف كيف تحقق الفوز.
يستهل منتخب جورجيا مشواره في البطولة يوم 18 يونيو بمواجهة تركيا، ثم يعقبها بمباراة التشيك يوم 22 من نفس الشهر، ويختتم مشواره يوم 26 أمام البرتغال إحدى المرشحين لحصد اللقب.
"تأهلوا الآن، ويريدون محاولة التقدم في المجموعة وربما الوصول إلى دور الـ16 أو الدور ربع النهائي. سنمضي بهذا الطموح. نحن نعلم أن الأمر سيكون صعبا جدا جدا. لكنهم حلموا لفترة طويلة بالوصول إلى بطولة كبيرة، وسيكون من المؤسف الذهاب إلى هناك وعدم بذل كل ما في وسعنا للمنافسة".
فهل يحقق لاعبو جورجيا طموحهم بأرجلهم في أرض الملعب؟