كتب : محمد رؤوف
"جافريل كاتشالين كان مدربا سابق عصره، ويعتمد على الاستحواذ، وجميع اللاعبين يشتركون في كل مراحل اللعب، عكس ما كان منتشرا في هذا الوقت"
- مايكل كوكس صحفي موقع ذا أثلتيك.
ربما لم تسمع بهذا الاسم من قبل، ولكنه واحد من أهم العلامات في تاريخ كرة القدم، ليس فقط لأنه أول مدرب يضع يده على كأس الأمم الأوروبية، بل لتأثيره الممتد على اللعبة إلى يومنا هذا.
اخترع كاتشالين طريقة لعب جديدة لكرة القدم في وقته، إذ بدأ مسيرته التدريبية عام 1949، وكان من الأوائل الذين استخدموا شكلا خططيا بطريقة مختلفة، يستخدمها حاليا بيب جوارديولا والعديد من المدربين.
الاختراع على الاختراع
تمكن المدرب السوفيتي كاتشالين من اختراع شكل خططي جديد في كرة القدم قبل بطولة يورو 1960 ولكن بطريقة مختلفة عن جميع المدربين في ذلك الوقت.
في تقرير لموقع ذا أثلتيك كشف فيه أن كاتشالين كان سابقا لعصره، واعتمد على الاستحواذ بشكل كبير، وكذلك إشراك اللاعبين في جميع مراحل اللعب.
من المهم معرفة أن في ذلك الوقت كان المدافع عمله الأساسي هو الدفاع فقط، والمهاجم كذلك، عكس ما يحدث الآن أن للاعبين أدوار مركبة، فأكثرية المدربين حاليا يهتمون بأدوار مركبة للاعب الواحد على سبيل المثال، يجب على المدافع أن يستطيع الخروج بالكرة والتمرير بشكل جيد.
لكن كاتشالين كان لديه فكرة مختلفة عن ذلك، وهو اللعب بالشكل الخططي المنتشر وقتها وهو WM أي 3-2-2-3 ولكن بالأدوار المركبة التي نعرفها حاليا.
ثنائية الشجاعة والمرونة
لعب كاتشالين مباراة ودية قوية للغاية ضد ألمانيا في ثاني المباريات له مع الاتحاد السوفيتي، لكن نظرا لقوة ألمانيا فاضطر إلى أن يكون مرنا.
في المباراة الثانية ضد ألمانيا إذ يعتبر أقوى بكثير من روسيا وقتها، خرج كاتشالين بتصريح معلقا على اللقاء قائلا: "لا يجب أن تخاف من الخسارة، وإلا فلن تفوز أبدا على رجل قوي ولن تختبر أبدا قدراتك الحقيقية".
وفقا لموقع TASS الروسي فإن الخطة التي كان اتبعها كاتشالين كانت هو الدفاع في الشوط الأول حتى يتم استنذاف قدرات ألمانيا، ولذلك قرر التراجع قليلا عن طريقة لعبه المعتادة، وفي الشوط الثاني يتم الهجوم بقوة كما يلعب دائما.
وتمكن الروس من الخروج بالتعادل في الشوط الأول بهدف لكل فريق، وانتهت المباراة لصالح روسيا 3-2.
فلسفة غريبة
توجد فلسفة غريبة يتبعها كاتشالين ربما لم تر أي مدرب يستخدمها حاليا تقريبا.
كان كاتشالين يعتمد على اللعب بخط ما في الملعب من نفس الفريق، على سبيل المثال إذا لعب كاتشالين بمهاجمين فيجب أن يكون الثنائي من نفس الفريق.
وفي حال أصيب أحدهما فسيخرج المهاجم الآخر ويشرك ثنائي آخر من نفس الفريق.
وهنا يرى كاتشالين أن ذلك يؤثر على التفاهم بين اللاعبين، لأنه يؤمن بأن إذا كان اللاعبين من نفس الفريق فأكثرية التدريبات والإقامة يكون في النادي، ولذلك كل اللاعبين من نفس الفريق يعرفون بعضهم البعض أفضل.
إقالة غير مبررة
أي مدرب في العالم معرض للإقالة في حال تحقيقه نتائج غير جيدة، ولا أعتقد أن هناك حاجة لإخبارك بأن النتائج السلبية في مباريات رسمية.
لكن في حالة كاتشالين كان غير منطقي، فتمت إقالته بسبب الهزيمة من إنجلترا في مباراة ودية بخماسية دون رد.
كاتشالين لعب قبلها بطولة كأس العالم 1958 وخرج من دور ربع النهائي وفاز على إنجلترا بهدف دون رد خلال مشوار البطولة، وحصل على ذهبية في الأولمبياد عام 1956.
وحتى في تصفيات اليورو كان متقدمًا بالفعل في الذهاب على المجر 3-1، ولكن يبدو أن صبر اتحاد الكرة السوفيتي انتهى عند تلك الودية وقرر إقالته.
العودة والمجد
سرعان ما تراجع اتحاد الكرة السوفيتي عن قراره وأعاد التعاقد مع كاتشالين في عام 1960، ومن هنا بدأت الأمجاد.
في الطريق كان المنتخب السوفيتي محظوظا للغاية، فبعد أن أتم اجتياز المجر إيابا بمدرب آخر، انسحب منتخب إسبانيا القوي من طريقه في التصفيات لأسباب سياسية.
منتخب إسبانيا كان يضم لاعبين أقوياء للغاية في ذلك الوقت مثل ألفريدو دي ستيفانو ولويس سواريز وإيلوجو مارتنيزي، وكانوا يعتبرون أن الفوز على الروس مسألة وقت لا أكثر، ولدرجة أن دي ستيفانو حاول معرفة السبب، فأتاه رد رئيس اتحاد الكرة الإسباني وقتها أن القرار جاء بشكل مباشر من الديكتاتور فرانكو، وبالتالي يجب نسيان فكرة لعب المباراة.
الانسحاب من المباراة أدى إلى وصول الاتحاد السوفيتي بشكل مباشر إلى الدورة النهائية ليورو 1960 المكونة من 4 فرق، وهم الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا ويوغوسلافيا.
الفريق الأحمر ضرب تشيكوسلوفاكيا بثلاثية دون رد في نصف النهائي دون أدنى صعوبة، وحانت اللحظة الحاسمة.
"فريقي لعب مباراة النهائي ضد يوغوسلافيا بطريقتنا المعتادة، كان دفاعنا قوي، وتمكنا من فتح الملعب بخط هجومنا واستغلينا الجناحين".
بهذه الطريقة تمكن كاتشالين من الفوز على خصمه يوغوسلافيا في النهائي بهدفين بعد التأخر بهدف.
رفع كاتشالين لقب اليورو الأول في التاريخ وترك الاتحاد السوفيتي على الطريق الصحيح، حيث بلغ نهائي النسخة التالية بمدرب آخر عام 1964، ولكن هذه المرة لعبت إسبانيا المباراة وفازت بها.
مزيج بين جوارديولا وأنشيلوتي
لدى كاتشالين مزيج من جوارديولا وكارلو أنشيلوتي، فيعرف عن الأول بكل تأكيد بأنه من أفضل المدربين من الجانب التكتيكي وهكذا قال أكثر من لاعب.
بينما أنشيلوتي لديه الذكاء الاجتماعي يتفوق على الجانب التكتيكي.
ولذلك قال عنه أنزور كافازاشفيلي مساعده السابق: "لقد علم كاتشالين لاعبي كرة القدم التفكير والبحث المستمر عن شيء جديد، لم يكن أبا للاعبين فحسب، بل كان أيضا مدرسا عظيما، الأشخاص مثل كاتشالين نادرون جدا في كرة القدم".
وأضاف "لقد كان شخصا رائعا بطبيعته، والأكثر ثقافة، والأذكى، والاجتماعي والمتعلم ليس فقط في كرة القدم، بل في كل شيء على الإطلاق، يمكنه شرح أي موقف وترجمته لصالح ما يجب القيام به".
وأكمل "هذا شيء مهم جدا في كرة القدم عندما ينقل الشخص إلى الشباب ما يحتاجون إليه، لم يرفع صوته أبدا، ولكن عندما يريد أن يثبت أي شيء لشخص ما، يلتفت إليه ببساطة ويشرح له بطريقة قاسية، لكن دون رفع صوته".
وأنهى "إذا لاحظ كاتشالين استياء محاوره، يخبره أنه لا يقول ذلك حتى يشعر بالإهانة منه، ولكن حتى يتذكر ما يجب القيام به".
أما أناتولي بيشوفيتش الذي عمل مع كاتشالين أيضا فقال: "هذا المدرب يعتبر نموذجا في العمل وقد حقق نتائج عظيمة، كان العمل معه تجربة تعليمية جيدة وفرصة للتحسين وزيادة فهم اللعبة".
وأتم "في المحادثات الفردية، كان بإمكانه التضحية بالسلطة الشخصية عندما كان من الضروري الاستماع إلى اللاعبين، أنا ممتن لكاتشالين لأنني عملت معه".
فيكتور تساريف مساعد كاتشالين قال من قبل: "كان كاتشالين يتحدث مع كل لاعب ويسأله كيف يرى المباراة المقبلة وكيف سيتصرف، بعد ذلك يعطي تعليماته الفردية لكل لاعب".
وهنا من الممكن الاستنتاج بسهولة المزيج الذي كان لدى كاتشالين إذ يعتبر من المدربين الذين اخترعوا أشياء جديدة في كرة القدم بالإضافة إلى محادثاته مع اللاعبين بشكل شخصي والاستماع لهم دائما وكذلك تمكن من تحقيق إنجازات لروسيا.
تعلم الإسبانية بالخطأ
بعدما تطورت الكرة أكثر ودخلت خطة 4-2-4 واستخدمتها البرازيل في كأس العالم 1962 في تشيلي وتوجت بالبطولة، تأثر بها كاتشالين كثيرا.
وقالت هيلينا نجلة كاتشالين: "قررت اللجنة الرياضية في روسيا إرسال كاتشالين إلى البرازيل، وكان يظن أن البرازيل لغتها هي الإسبانية، ولذلك ظل يتعلم اللغة في سنه الكبير، وهو لا يعلم أنهم يتحدثون البرتغالية، وكان يحب بيليه للغاية".
واختتمت "تمت استضافته في التلفزيون البرازيلي وتحدث معهم باللغة الإسبانية".
في النهاية تمكن كاتشالين من تطوير كرة القدم في وقته وكان ذلك يعتبر تقدما هائلا وظل العديد من المدربين يتبعون خطواته.