قبل بضعة أسابيع، وجدت نفسي أمام سؤال قد سأله لي أحد أصدقائي -ليس عربيا- عما إذا كنا سنري كرة القدم مرة أخرى بتحرير اللاعبين من التكتيك حيث يلعبون فقط حينها دون الالتزام بتطبيق شيء.
كانت لحظة حرجة لم أكن متأكداً من أنني فهمت السؤال بشكل صحيح، أدرك أن الكلمات تختلف تفصيلاً من لغة إلى أخرى، لذا لم أستطع التعبير بشكل كاف عما كان يدور بداخلي، وبالتالي غمغمت في الحديث عن تكتيك اللاعبين ومدى استجابتهم لذلك، لكن القضية التي أثارها السؤال مهمة، غامضة ومثيرة، ربما كان السؤال الأكثر جوهرية للجميع ما هي التكتيكات؟
عندما شاهدت مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا منذ أيام تذكرت السؤال جيدًا. لقد كانت مباراة بلا منطق، والتكتيكات هي بالتأكيد محاولة لفرض النظام على فوضى كرة القدم، إلى حد ما، هي مفردات كرة القدم ، لذا إلى أي مدى تم تطبيق التكتيكات؟
كان ريال مدريد في أفضل حالاته، وقد حاول بايرن الدفاع أكثر، هدد مدريد مرمى بايرن مرتين في الشوط الثاني، لكن في المرتين كان نوير في الموعد ومع ذلك، فإن هذا ليس دقيقًا بما يكفي لوصف ما حدث، فهو لم ينقذ الكرة بمعنى قيامه بإنقاذ رائع تصوره الكاميرات، لكن لتوقيت ميل ذراعه بشكل صحيح وتوجيه الكرة بعيدًا وجعل نفسه في المكان الصحيح فاصطدمت به تسديدة فينيسيوس الصاروخية وارتدت بعيدًا، ولكن كان هناك أيضًا عنصر كبير من الحظ وربما كان هناك عنصر صغير من الرعونة من جانب مهاجمي الميرنجي.
ثم بعد ذلك، الثلث ساعة الأخيرة، ريال مدريد يبحث عن تسجيل هدف، تاركين أنفسهم عرضة للخصم، ديفيز يستفيد من تمريرة كين الرائعة ليسدد بقوة على يسار لونين وبايرن يسجل.
يستمر الملكي بنفس أسلوبه بتوجيه اللعب في ناحية ثم التوجيه للجهة الأخرى لوضع فينيسيوس في مواقف فردية مع كيميتش أو دي ليخت، مصيدة التسلل التي يطبقها بايرن فعّالة حتى ذلك الحين، يصعد لايمر من مكانه لخنق وسط مدريد، لكنه يكتشف أنه ترك مكانه نتيجة تمريرة مودريتش السريعة نحو كامافينجا، لتصل الكرة إلى بيلينجهام، الذي يضعها بسرعة نحو فينيسيوس، يحاول البرازيلي اختراق الفريق البافاري لكنه يسدد كرة ضعيفة، لتصل إلى العملاق نوير الذي بدا وكأنه على ثقة شديدة من إمساك الكرة، لكن وبغرابة شديدة تسقط الكرة من يديه، قبل أن يسجلها البديل خوسيلو.
بعدها بثلاث دقائق، يرسل فينيسيوس كرة عرضية يقابلها نصير مزراوي لكنه لا يبعدها على الطرف بل يضعها هدية أمام ناتشو داخل الصندوق، الذي يمرر ببراعة إلى روديجر، وبدوره يضع خوسيلو بمواجهة نوير للمرة الثانية على التوالي خلال 180 ثانية ليستغل الفوضى؛ مسجلاً الهدف الثاني ومشعلاً فتيل سانتياجو برنابيو.
الأهداف الثلاثة الأخيرة كانت مثالاً في الرغبة والعاطفة والخطأ معًا، إلى جانب الفكرة الأساسية حول أين يمكن أن يضعك الموقف نفسه، بدا أن لا علاقة للأمر بالتكتيكات وحتى في هذا الوصف الأساسي، تظهر المصطلحات التكتيكية بأن مدريد قد ترك نفسه عرضة للهجمات المرتدة القاتلة، حاول بايرن اللعب على مصيدة التسلل، ولكن روديجر لم يكن متسلاً.
بعد تسعين دقيقة شعرت بالأسف على توماس توخيل، لم يؤد فريقه بمعاييره المعهودة، علاوة على ذلك، بدا ريال مدريد رابحًا محببًا أكثر من بايرن وبالتالي فإن وجودهم في النهائي جعل من المحتمل أن تكون المباراة أشد إثارة، لذا الخطة التكتيكية أم العاطفة كانت السبب وراء الفوز؟
الحقيقة هي ربما كلاهما، التكتيك يصنع اللاعبين واللاعبون يصنعون التكتيك والعلاقة بينهما أمر حيوي، لإعطاء مثال بسيط للغاية على ذلك، لا يمكنك القيام بالضغط إلا إذا كان لديك لاعبون منضبطين للغاية، لكنها ليست الحقيقة الكاملة، انها نسخة مبسطة من الحقيقة
القاعدة وما لا يمكن التخطيط له
يبدو مثال مانويل نوير وسقوط الكرة من يده مهم جدًا، هي عملية تتكون من مرحلتين، يستخدم حارس المرمى قراءته للعبة وقدراته البدنية للوصول إلى موقعه لزيادة فرصه في الدفاع عن مرماه.
هذه هي القاعدة. لقد فعل مثل ما يقول كُتيِّب حراسة المرمى وتمركز بشكل جيد، إذا كنت تضع للعبة نماذج فستضعه في أفضل حالاته لتغطية الزوايا المختلفة وانتظار الكرة، لكن ما يأتي بعد ذلك هو الجزء الذي لا يمكن التخطيط له مقدمًا؛ إنها ردود الفعل، الحظ ، والتنبؤ ربما.
هذا يبدو مماثلاً للمباراة ككل، فهناك الأساس، أي الهيكل الأساسي وهو توزيع اللاعبين على أرض الملعب ومواجهة بعضهم البعض، على سبيل المثال سيطرة فريق واحد على الكرة، أو أن الجناح الأيمن يعزل الظهير الأيسر للخصم بشكل مستمر.
القاعدة تخلق شكل الفريق، أما الجزء الذي لا يمكن التخطيط له هو ما يأتي بعد ذلك، هل يمكن لهذا الجناح الأيمن الاستفادة القصوى من عزل الظهير الأيسر؟ هل يمكنه التغلب عليه بالسرعة أو المهارة؟ هل يستطيع لعب عرضيات دقيقة؟ هل يستطيع خلق فرص؟
ثم هناك بالطبع المستوى التالي، هل يستطيع المهاجم الاستفادة من هذه الفرص؟ هل يستطيع التغلب على مَن يراقبه للفوز بالكرة الرأسية؟ هل يستطيع توجيه الكرة نحو المرمي؟ وبأي قوة؟ ثم هناك المستوى التالي، هل يستطيع حارس المرمى أن ينقذ المرمى؟ وبالطبع فإن قدرة المهاجم على انتهاز الفرصة مشروط جزئياً بالقاعدة، هل هو في الوضع الصحيح للاستفادة من العرضية؟ هل تفوق لاعبو الخصم عليه وهو مُراقب من لاعب خط وسط مثالاً؟ هل صعد للكرة مع وجود مدافع جيد أم لا؟
أو لنجعل الأمر أكثر بساطة، تتحكم القاعدة في أي جانب يخلق المزيد من الفرص ونوع الفرص المتاحة، وما لا يمكن التخطيط له يحدد ما إذا كانت تلك الفرص قد تمت الاستفادة منها، ولكن في حين أن هذا التعريف مناسب، فإنه يخفي التعقيد الكامل للوضع، والترابط بين القاعدة وما لا يمكن التخطيط له.
هناك دائمًا مرحلة قبل ذلك، فالأشياء التي لا يمكن التخطيط لها لا يمكن الحديث عنها ما إذا كانت هناك فرص، ولكن ما إذا كانت فرص إنشاء الفرص قد تمت الاستفادة منها، وما إذا كانت فرص إنشاء الفرص لإنشاء فرصة قد تم الإستفادة منها أيضًا، وما إلى ذلك في تراجع لا حصر له (بدون ذكر ما إذا كانت فرص القيام باعتراضات وتمريرات قد تمت الاستفادة منها)، وهذا التعقيد بالطبع هو جزء أساسي في أن كرة القدم رغم كل العمل الجيد الذي تم القيام به، ما زالت تقاوم التحليل الإحصائي.
هراء النتيجة
لذلك، بالعودة إلى القضية الأصلية المتعلقة بعلاقة اللاعبين والتكتيك، التكتيك هو الذي يحكم القاعدة، واللاعبون هم الذين يحكمون الأشياء التي لا يمكن التخطيط لها، يمكن للمدربين تغيير القاعدة بالتغييرات التكتيكية، لكن كل ما يمكنهم فعله مع الأشياء التي لا يمكن التخطيط لها هو التأكد من أن اللاعبين في أفضل حالة بدنية وذهنية.
تحديد هذا مستحيل تقريبًا، ولكن ربما، نظرًا لتكرار الأهداف، فإن أفضل طريقة للتأكد من الهيمنة على المباريات هي خلق الفرص، هذا مجرد دليل تقريبي لأنه يفترض أن جميع الفرص متساوية وهو أمر غير واضح.
ثق بالعملية
أجيل اولسن وهو مدير فني نرويجي ولاعب كرة قدم سابق، بعد أن قام بتحليل المباريات التي تقسم الفرص إلى ثلاث فئات من الصعوبة، لخص ذلك إلى أنه نادرًا ما خلق فريقًا فرصًا صعبة فقط أو فرصًا سهلة فقط، ولكن تخيل مباراة يُتوقع من الفريق A أن يخلق فيها 20 فرصة مقابل 10 للفريق B، إذا كان مدرب الفريق B يمكنه تحويل ذلك إلى 14-8 مثلا، فقد قام بعمل جيد، سواء فاز فريقه في المباراة أم لا.
يتم تحديد ذلك بواسطة الأشياء التي لا يمكن التخطيط لها، ربما يكون مهاجم الفريق A في يومه فيفوز الفريق 5-0 أو ربما حارس مرمى الفريق B في يومه، فيفوز الفريق 1-0 فقط، في تقييم المهمة التكتيكية التي قام بها المدرب تصبح النتيجة تقريبًا غير متعلقة بالأمر لكن ما يهم هو العملية.
الهدف هو الرحلة والعملية، في السباق يمكنك أن تتقدم أولاً بأميال وأميال عن أي شخص آخر، وبعد ذلك، على بعد أمتار من الخط تسقط، ماذا بعد هل ستكتب بعد السباق لقد ركضت ببراعة ولكنني خسرت؟ وهو أكثر تعقيدًا من أن تقول فوز انت جيد، لا تفوز أنت سيء - الشئ الذي يجعلك متفوقًا هو العملية وليس النتيجة - النتيجة هي جزء من البيانات، معدل المواليد يرتفع هل هذا إثراء؟ لا، لكن العملية التي أدت إلى ذلك؟
أنت تناقش اللعبة وليس النتائج، النتائج ليست قابلة للنقاش، هل تذهب إلى ملعب لكرة القدم في اللحظة الأخيرة من المباراة، تلقي نظرة على لوحة النتائج وتغادر؟ لا، ولكنك تشاهد 90 دقيقة وهي العملية، لا يمكنك التحقق من صحة العملية من خلال النتائج، فالبشر يميلون إلى تبجيل ما تم إنجازه بشكل جيد، وليس ما تم تنفيذه جيدًا، وليس ما تم القيام به بشكل سيء.
إذاً، للعودة إلى السؤال الأصلي: هل سنرى أي لاعبين محررين من التكتيكات؟ فأعتقد بأن الإجابة لا، لأنه على الأقل هناك خلط بين الفئة، لا يمكن فصل اللاعبين عن التكتيكات أكثر مثل أنه لا يمكنك فصل العمال عن الإنتاج الملائم لمرحلة معينة من التطور، هل يمكن منح اللاعبين حرية أكبر في نظام تكتيكي؟ حسنًا ، بالطبع ، لكنهم لا يستطيعون الهروب من القاعدة، حتى في الدقائق الأخيرة الفوضوية من مباراة ريال مدريد وبايرن.