كتب : أحمد خالد
خلال المواسم الخمسة الأخيرة من الدوري الأمريكي لكرة السلة NBA، لم يحصل أي لاعب أمريكي على جائزة أفضل لاعب في الموسم "MVP".
الجائرة التي لم تعرف منذ نشأتها في موسم 1955-1956 وحتى موسم 2017-2018 سوى اللاعبين الأمريكان إلا في 4 مرات فقط، وفي حال استثناء الكندي ستيف ناش بما أن الـ NBA يضم فريقا كنديا وهو تورنتو رابتورز، فيمكننا القول إن الجائزة ذهبت للاعب خارج أمريكا الشمالية مرتين فقط، حكيم أوليجوان (1994)، ديرك نوفيتسكي (2007).
تلك الهيمنة الأمريكية التي كانت عنوانا دائما لـNBA استبدلت منذ بداية موسم 2018-2019 بسيطرة أوروبية بدأها اليوناني يانيس أنتيتوكونمبو، ومعه الصربي نيكولا يوكيتش، وصاحب الجنسية الفرنسية من أصل كاميروني جويل إمبيد، والذي حصل مؤخرا على الجنسية الأمريكية ليدعم المنتخب في أولمبياد باريس، ومواهب أوروبية أخرى أبرزها لوكا دونشيتش.
وهنا يُطرح سؤالا هاما وهو: هل انتهى زمن النجم الأمريكي الذي يمثل واجهة الـ NBA ويسيطر على اللعبة هناك؟
البحث عن كابتن أمريكا
إذا نظرنا إلى النجوم الأمريكيين البارزين الحاليين في NBA يمكننا أن نقسمهم إلى ثلاث فئات رئيسية:
المخضرمون:
وهم اللاعبين الذين يتبقى في مسيرتهم مواسم معدودة لكنهم لا يزالوا ضمن الصفوة ولم يقترب لهم أي لاعب أمريكي آخر في المستوى من الأجيال التالية. تتضمن القائمة لاعبين أمثال: ليبرون جيمس، ستيف كري، كيفين دورانت.
جيل الوسط: وهو الجيل الذي كان من المفترض أن يكون واجهة NBA في الوقت الحالي، ويصل مستواهم لمستوى جيل المخضرمين عندما كانوا في نفس عمرهم، لكن هذا الجيل لم يقدم حتى الآن النجم الذي يستطيع أن يحمل الراية من الجيل السابق.
ما بين إصابات أنثوني ديفيز المتكررة التي عطلت مسيرته، وآراء كايري إيرفينج التي كلفته الكثير في مسيرته، وغيرهم من المواهب التي لم تصل إلى المستوى المأمول منهم، فإن جيل الوسط أثبت أنه لا يزال بعيدا عن إفراز نجم يمكن تصنيفه بين الأساطير مستقبلًا.
جيل الشباب: أعطى جيل الشباب الأمل للجماهير والمسؤولين عن NBA أنهم قادرون على تقديم أكثر من لاعب يمتلك مقومات النجم الأمريكي المثالي للعبة، لكن سرعان ما تبين العكس، وتنوعت أسباب مشاكلهم.
فمنهم من يعاني في الأوقات الحاسمة ويظهر بمستوى باهت عندما يحتاجه فريقه، مثل: جيسون تاتوم، تراي يونج، وديفين بوكر. ومنهم من أثرت عليه الإصابات سلبًا وهو لا زال في بداية مسيرته مثل: زيون ويليامسون.
ومنهم من أمتلك كل المهارات والمقومات ليكون نجما استثنائيًا، لكن عقليته تعيق مسيرته حاليًا، وتعرض للإيقاف عدة مرات، وهو نجم فرق ممفيس جريزليس جا مورانت.
لا زال NBA يبحث عن الموهبة الأمريكية القادمة التي تستطيع أن تكون واجهته مثل: مايكل جوردن، كوبي براينت، ليبرون جيمس وستيفن كيري وغيرهم. لكن، مع تفوق المواهب الأوروبية الحالية الذين هم الآن في ذروة مسيرتهم (يوكيتش / يانيس)، والمواهب التي اقتربت من الذروة (لوكا دونشيتش)، والفتى الأسطوري القادم من باريس لكي يحتل الدوري في خلال بضع سنوات قليلة (فيكتور ويمبانياما)، فأن أمريكا تحتاج إلى جيل جديد يمكنه منافسة الأوروبيين، ولكن الأمر مستبعد الآن لعدة أسباب.
أين الأزمة
تكمن مشكلة المواهب الأمريكية الآن في النظام الذي يطورهم حتى يصلوا للعب في NBA، ذلك النظام الذي نجح في كل الحقب السابقة لم يعد صالحًا الآن.
لطالما كانت كرة السلة الأمريكية منذ بدايتها تعتمد أكثر على الهيمنة البدنية والقوة والصلابة للاعبين، مما جعل اللعبة ترتكز بشكل أساسي على القدرات الفردية للاعب، والتي لا تحتاج إلى مستوى عالٍ من التدريب، فكان اللاعب المميز هو الذي يستطيع اختراق المنطقة الهجومية بقوته البدنية، متفوقًا على خصومه، ومن ثم تسديد الكرة، أو عمل حركة "دانك" ليؤكد هيمنته على الخصم.
الآن، أصبحت اللعبة مختلفة تمامًا، تعتمد بشكل أكبر على ذكاء اللاعب داخل الملعب أكثر من القوة، وانخفض دور اللاعب المهيمن بدنيًا، وحل مكانه اللاعب الذي يسدد بشكل أفضل ويستطيع من خلال قراءته للعب بأن يتيح لنفسه أفضل مساحة للتسديد.
احتاج اللاعبون الأقوياء بدنيًا إلى اتخاذ قرارات مصيرية تحدد دورهم في كرة السلة الحديثة، إما التمسك بموقفهم، وبذلك يصبح دورهم أقل أهمية ويتعلق فقط بالحصول على الكرات المرتدة من السلة وصد هجمات الخصم، دون القيام بأي دور هجومي مؤثر. أو تعديل أسلوب لعبهم، وتعلم مهارات جديدة، مثل تمرير الكرة بشكل فعال إلى المسددين، أو تسديد الثلاثيات بأنفسهم.
ما يجعل المواهب الأمريكية الشابة تعاني الآن هو أنها تأتي من نظام لا يزال يروج للقدرات الفردية للاعب. يبدأ الناشئون مسيرتهم باللعب ضمن فريق المدرسة ضد المدارس الأخرى، وفي الإجازة الصيفية، يبدأوا في اللعب ضمن بطولات اتحاد الرياضيين الهواة “AAU” ويسعوا في تلك البطولات بإبراز موهبتهم "الفردية" حتى يتمكنوا من جذب انتباه الكشافين المتواجدين للحصول على منحة انضمام لإحدى الجامعات.
يتكرر الأمر في دوريات الجامعات، لكن هذه المرة ليتمكنوا من جذب انتباه كشافي فرق NBA.
لا يلعب الناشئ الأمريكي أي مباراة أمام لاعبين محترفين، أو يتلقى تدريبًا من مدرب محترف قادر على تطويره موهبته الفردية أو الجماعية قبل سن الـ 18 في أفضل الأحوال.
"أكره نظام الـ AAU، لأنه لا يعلم لاعبينا كيف يلعبون بالطريقة الصحيحة، أو كيف يفكرون أثناء المباراة، لقد حالفني الحظ لأنني نشأت في أوروبا، فهم يهتمون بأساسيات اللعبة، ولقد تعلمت ذلك منهم" كوبي براينت – أسطورة كرة السلة الأمريكية.
العودة إلى الأساسيات
تهتم الفرق الأوروبية بتعليم الناشئين اللعب الجماعي وأساسيات كرة السلة. ويأتي ذلك بسبب وجود نظام يسمح للناشئين بالتدرب تحت قيادة مدربين لديهم قدر من الخبرة في تطوير المواهب وتنميتها بشكل فردي وجماعي. يتمتع جميع اللاعبين الأوروبيين بأساسيات وفهم أفضل للعبة مقارنًة باللاعبين الأمريكيين.
لذا فإن الموهبة الخام في أوروبا التي تخضع لتدريب صارم ومدروس في الأساسيات ستكون أفضل من الموهبة الخام التي لم تتدرب بشكل مناسب في الولايات المتحدة، حتى وإن كانت الموهبة الخام الأوروبية أقل من نظيرتها الأمريكية.
عامل آخر يمنح اللاعب الأوروبي ميزة على اللاعب الأمريكي هو أن اللاعبين الأوروبيين يمكنهم اللعب بشكل احترافي مع أنديتهم في سن مبكر. في سن الـ 16 عامًا وشهرين ويومين، كان لوكا دونشيتش هو أصغر لاعب يلعب مع ريال مدريد في الدوري الإسباني. مشاركة دونشيتش المستمرة مع ريال مدريد في مباريات الدوري الإسباني والدوري الأوروبي جعلته في سن الـ 19 مؤهلًا ليحل محل سيرخيو يول، أسطورة كرة السلة الإسبانية، وأحد نجوم ريال مدريد التاريخيين، والذي تعرض لإصابة في الرباط الصليبي حينها في الصيف أثناء مشاركته مع المنتخب الإسباني.
تلك الإصابة جعلت جمهور ريال مدريد يظن بأن موسم الفريق قد انتهى قبل أن يبدأ، لكن دونشيتش الذي استفاد من تراكم الخبرات التي اكتسبها من اللعب مع الكبار، وقاد ريال مدريد للفوز بلقب الدوري الذي خسره النادي الملكي قبلها بعام في النهائي ضد فالنسيا، وتوج دونشيتش بلقب أفضل لاعب في الدوري. لم يكتف دونشيتش بذلك، بل حقق أيضًا لقب الدوري الأوروبي في نفس العام، وتوج كذلك بجائزة أفضل لاعب في البطولة، كأصغر لاعب يحقق الجائزة في التاريخ.
تأثير كرة القدم
"لو كنت مسؤولًا عن تطوير نظام للاعبين الناشئين في أمريكا، سأطلب من جميع اللاعبين بأن يمارسوا كرة القدم. اللاعبون الأمريكان يرغبون دائمًا في التفوق بشكل فردي على منافسيهم خلال المباراة، لكنهم لا يفهمون متى عليهم أن يمرروا أو كيف يتحركون بشكل مناسب، وهذا ما سيتعلمونه من كرة القدم"
ستيف كير، مدرب جولدن ستيت واريورز، في حواره مع شبكة NBC في نوفمبر 2019.
إذا كان بيب جوارديولا كان نقطة تحول في شكل كرة القدم، فإن ستيف كير هو الرجل الذي غير شكل كرة السلة الأمريكية إلى شكلها الحالي. كير الذي توج بـ 4 بطولات مع واريورز، استوحى أسلوب لعبه الذي منح فريقه هذا التفوق من أسلوب لعب برشلونة مع جوارديولا.
في حواره مع شبكة TNT، صرح كلاي تومبسون، نجم جولدن ستيت، أن ستيف كير حاول تطبيق أسلوب "التيكي تاكا" في كرة السلة، وهو ما نجح بالفعل، وجعل الفريق يتوج بالبطولات، ويغير كرة السلة للأبد.
هيمنة الأوروبيين مستمرة في لعبة الأمريكان ولن تنتهي قريبًا، لكن لمتى ستستمر تلك الهيمنة؟