فرانك كيسي – من العسكرية والتسنين إلى صحوة الذهب الخارقة
الإثنين، 12 فبراير 2024 - 23:10
كتب : محمد عبد العظيم
في إفريقيا الهدف الدائم من ممارسة كرة القدم يكون كسب الأموال في محاولة للابتعاد تماما عن شبح الفقر، وفي ولاية أوراجاهيو كان يانيك كيسي والد الصغير فرانك، مجبرا على ترك كرة القدم للالتحاق بالتجنيد.
فرانك كيسي
النادي : الأهلي
هناك حصل على وظيفة دائمة وبدأ حياته المهنية كعسكري تاركا خلفه حلم كرة القدم، ولاية أوراجاهيو هى أحدى الولايات التابعة للعاصمة الإيفوارية أبيدجان.
لا تشتهر أوراجاهيو بالتجارة أو الثقافة أو الزراعة مثل باقي ولايات كوت ديفوار لكن سبب شهرتها شخصين فقط ولهما علاقة بكرة القدم، هم سيرجي أورييه وفرانك كيسي، وكأن القدر كتب لكيسي الأبن أن يكمل حلم والده في كرة القدم.
البداية والبنية القوية
بدأ فرانك كيسي لعب الكرة مثل جميع الأطفال في الشارع، كان لديه حلم واضح بأن يصبح لاعب كرة قدم ويكمل ما بدأه والده، في سن الحادية عشر ذهب للاختبار في نادي ستيلا أحد الأندية الكبيرة في العاصمة أبيدجان، قوة فرانك كيسي البدنية وقدراته الفنية أذهلت مسئولي نادي ستيلا سريعا من أول يوم في الاختبارات.
تواصل Filgoal.com مع عبد القادر جويلافوجوي أحد كشافي نادي ستيلا سابقا وعضو مجلس ادارة النادي حاليا للحديث عن بداية فرانك كيسي مع نادي ستيلا.
"بدأ كيسي مسيرته معنا في عمر 11 عاما، كان حاضرا للاختبارات وكانت تحت إشرافي مع طاقم التدريب وكشافي النادي. أعجبنا به حين لمس الكرة لأول مرة، وكذلك لأكون صادقا معك لم نصدق عمره في البداية، كان قويا من الناحية البدنية مقارنة بباقي اللاعبين في سنه، كذلك كانت لديه قدرات هائلة في لعب كرة القدم".
"بعد نهاية الاختبار تحدثت معه للتأكد من عمره، في ذلك الوقت والده كان حاضرا معه في الاختبارات وتأكدنا أنه يبلغ 11 عاما وتعاقدنا معه واصبح لاعبا في الفريق، منذ بدايته مع الفريق وهو شخص محبوب من الجميع وهادئ لا أتذكر أنه افتعل مشكلة أو سبب لنا أزمة".
وتابع عبد القادر:"فرانك كان يلعب في وسط الملعب الدفاعي وبالرغم من ذلك كان يسجل الكثير من الأهداف عندما تكون معه الكرة كان من المستحيل أن يقطعها أحد منه، كان يراوغ كل من في الملعب ويتخطي الجميع ويستفيد أيضا من قوته البدنية والجسمانية لقد كان مذهلا".
خبر صادم واحتفال دائم
في نفس عام انضمامه لنادي ستيلا تلقى فرانك كيسي خبرا صادما بوفاة والده بسبب المرض. وفاة والده كانت صعبة للغاية عليه خاصةً أنه كان يحضر دائما لمشاهدته رفقة أشقاءه الست.
وحكى عبد القادر جويلافوجوي عن وفاة والد كيسي: "كانت وفاته محزنة للغاية لفرانك وكان محبطا جدا، فكر كثيرا في الابتعاد عن لعب الكرة ولكننا أقنعناه بمواصلة اللعب مع الفريق، بعد كل هدف كان يسجله كان يرفع يده ويقوم بالتحية العسكرية مثلما كان يفعل والده حينما كان يعمل في الجيش، وهو مازال يحافظ على هذا الاحتفال حتى الأن".
استمر فرانك كيسي في صفوف نادي ستيلا وحصل على استدعاء لمنتخب كوت ديفوار تحت 17 عاما وهو في عمر 15 عاما فقط، وقاد فرانك بلاده للتأهل لكأس العالم للناشئين 2013 والتي أقيمت في الإمارات.
شكوك مجددا حول سن كيسي الحقيقي
قدم فرانك كيسي أداء مبهر في كأس العالم للناشئين ووصل رفقة كوت ديفوار للدور ربع النهائي حين خرجت الأفيال على يد منتخب الأرجنتين، لكن في مباراة دور الـ 16 قدم منتخب المغرب شكوى رسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم، لوجود شكوك حول عمر فرانك كيسي الحقيقي.
كيسي قدم مباراة كبيرة وسجل هدف خلالها قاد بلاده للفوز على أسود الأطلس بهدفين لهدف، المنتخب المغربي قال في شكواه أن عمر كيسي الحقيقي هو 22 عاما وليس 16 عاما كما هو معلن.
فيفا بالفعل فتح تحقيقا موسعا في الأمر ولكن في النهاية تم التأكد أن العمر الحقيقي للاعب هو 16 عاما وليس 22 كما يزعم المنتخب المغربي.
وقال عبد القادر جويلافوجوي في هذا الأمر: "علمنا وقتها من فرانك ما حدث لأنه تواصل معنا وطلب أوراق إضافية تثبت أنه غير مزور في عمره الحقيقي، قمنا بإرسال له ما يثبت ذلك وقام فيفا بمراجعة الأوراق التي لدى منظمي البطولة وأيضا الأوراق التي أرسلناها وهذا ما أكد صحة موقف اللاعب".
وتابع عبد القادر: "القوة الجسمانية لفرانك تجعل من يتابعه لأول مرة يظن أنه كبير في السن لكن هذا غير صحيح، فرانك يحب التدريب البدني بشكل كبير ويتدرب كثيرا كما أنه عندما كان صغيرا كان يلعب في الشارع وبين الأشجار لذلك كل هذه أمور ساعدته على أن يكون قويا بدنيا. فرانك يلعب مع الفريق الأول لستيلا منذ أن كان 15 عاما".
وأتم عبد القادر تصريحاته في هذا الشأن: "بعد هذه البطولة تلقى فرانك عدة عروض من أندية في أوروبا كان أبرزها عرضا من ستاندرلياج البلجيكي لكن بدون سبب سحبوا عرضهم".
استمرار فرانك كيسي في الدوري الإيفواري كان له توابع إيجابية بعدما حصل على استدعاءه الأول لمنتخب كوت ديفوار الأول وهو لم يكمل عامه السابع عشر، تحت قيادة المدرب الفرنسي هيرفي رينار، وجاءت أول مباراة رسمية له بقميص الأفيال في سبتمبر 2014 ضد منتخب سيراليون.
الانطلاق نحو أوروبا وتغيير المركز
في يناير 2015 أعلن نادي أتالانتا الإيطالي تعاقده مع فرانك كيسي قادما من ستيلا الإيفواري، وفي الصيف رحل كيسي للإنضمام لفريق تشيزينا الإيطالي على سبيل الإعارة لكسب الخبرات.
وتواصل في الجول مع ماسيمو دراجو المدير الفني السابق لفريق تشيزينا والذي أشرف على تدريب فرانك كيسي خلال فترة الإعارة.
وقال دراجو لـ FilGoal.com: "التعاقد مع كيسي كان صدفة، كان آخر يوم في فترة الانتقالات وقتها كيسي في فريق الشباب في أتالانتا كان يلعب كمدافع ثالث، كنا بحاجة للتعاقد مع مدافع خامس في الفريق تحدثت مع المدير الرياضي لأتلانتا عنه بترشيح من كشافي تشيزينا وأتمننا التعاقد معه، في أول أيام التدريب لم أرى مدافعا جيدا لم يمتلك تلك المهارات التي تجلعه مدافعا قويا"
وأضاف دراجو "قررت تغيير مركز فرانك لوسط الملعب خاصةً بعد أول مقابلة جمعتني به قال أنه يجيد اللعب في المركزين وقمت بتجريبه في كل المراكز، وبعد تحويله لوسط الملعب أصبحت معجبا بما يقدمه كان يستطيع مراوغة الجميع ولم يقدر أحد على إيقافه، في رأيي الأن هو لاعب وسط متكامل يمكنه اللعب وحده في وسط الملعب أو ضمن ثنائي أو ثلاثي في وسط الملعب، هو يستطيع تقديم كل شئ".
وأكمل "فرانك كان لاعبا محترما وشخصا عطوفا وهادئا يحب الجميع، وشخصيته قوية جدا بمعنى أنه منذ أن كان صغيرا كان يمكنه اللعب أمام 80 ألف مشجعا كما لو كان يلعب أمام 800 مشجعا، وأتمنى أن يستمر في التطور ويحظى بمسيرة رائعة".
عاد فرانك كيسي مجددا إلى أتالانتا وبدأ مسيرته مع فريقه حتى أصبح أحد أفضل لاعبي الوسط في أوروبا ثم انضم لميلان، وشارك معه في رحلة العودة حتى توج الفريق بالدوري الإيطالي مرة أخرى، بالتزامن مع نهاية عقد النجم الإيفواري.
وفي هذا الشأن قال ماسيمو دراجو :" يجب على فرانك كيسي فصل الجانب الاقتصادي عن مستقبله الكروي، لقد قدم الكثير لميلان وهو الآن عليه اختيار الأفضل له، الجانب المالي أمر مهم جدا ولكن الجانب الفني هو الأهم، ولابد أن يفكر جيدا قبل أن يتخذ قراره، هو يحظى بدعم وإعجاب وحب الجماهير ولكن في النهاية القرار راجع له وعليه اختيار الأفضل".
رب ضارة نافعة
وبالفعل اتخذ كيسي قراره ببدء فصل جديد في إسبانيا، تحديدا في مقاطعة كتالونيا، وعلى وجه الدقة في نادي برشلونة، الساعي بدوره لعودة منتظرة في ظروف اقتصادية طاحنة، وفي حقبة ما بعد الأسطورة ليونيل ميسي.
ولكن بعد موسم وحيد فشل فيه بإقناع تشافي هيرنانديز بمنحه دورا أساسيا، انتقل الإيفواري إلى أهلي جدة السعودي، العائد من الهبوط والذي يحتل المركز الثالث الآن بعد صحوة الدوري السعودي ككل، حيث انضم إليه هناك رياض محرز وإدوارد ميندي وألان سان ماكسيمان وروبرتو فيرمينو وغيرهم من النجوم.
وتوقف الدوري السعودي لظروف خوض بطولة آسيا، التي تزامنت معها بطولة إفريقيا، وبدأت رحلة الإيفواري مع بلاده مستضيفة البطولة تحت قيادة الفرنسي جان لوي جاسيه.
فوز عادي على غينيا بيساو، ثم خسارة محبطة أمام نيجيريا، ثم كارثة وقعت أمام غينيا الاستوائية برباعية بيضاء، تركت مصير كوت ديفوار معلقا بين يدي المغرب التي هزمت زامبيا وحسمت تأهل الأفيال.
أقيل جاسيه فورا وأتى إيميرس فاي في مهمة طوارئ لخلافته، فصعقت كوت ديفوار الجميع.. أسقطت السنغال حامل اللقب في دور الـ 16، ثم تخطت مالي والكونغو الديمقراطية، قبل أن ترد الدين لنيجيريا في النهائي وتعلق النجمة الثالثة بالتساوي معها، وراء مصر (7) والكاميرون (5) وغانا (4).
في وسط هذه الظروف قدم كيسي واحدة من أروع النسخ الفردية للاعب وسط في تاريخ بطولة أمم إفريقيا، ليرفع لقبا مستحقا له على المستوى الشخصي، بعيدا عن كل الأحداث المصاحبة.