بصفتي مشجعًا لكرة القدم منذ فترة طويلة، فأنا على دراية تامة بالعواطف المضطربة، وبصفتي مشجعًا لبروسيا دورتموند منذ 15عامًا، فإن لديَّ خبرة خاصة في التعامل مع الإحباط والحسرة المرتبطة بالرحيل المفاجئ لللاعبين الذين استولوا على جزء من قلبي قبل أن يقولوا وداعًا، بل وأصابوا عددًا من الأنسجة المحيطة بالأعضاء الحسية بداخلي.
لذا، عندما نشر ماتس هوملز بيانًا في عام 2017؛ يقول فيه أنه سيغادر إلى بايرن ميونيخ، أقسمت أنني لن أتعلق بأي شئ مجددًا، مما ترك لاعبًا آخر يزعج توازني العقلي والعاطفي. ضحك الكون وقدم لي لاعبًا جديدًا انضم للنادي في ذلك الصيف.
منذ ظهوره لأول مرة، في 21 أكتوبر 2017 في المباراة أمام فرانكفورت، كان من الواضح أن جادون "مالك" سانشو لاعبًا مميزًا، لاعب الجناح الإنجليزي كان واعدًا بشكل مذهل.
اكتب هذه السطور لكي أتحدث عن سبب كونه مميزًا بالنسبة لي، بخلاف جودته التي لا شك فيها؛ هذا تقدير لعبقريته ومدى تأثيره في حياة مشجع كرة القدم. إنه تكريم في الوقت الذي لا أزال قادرًا فيه على الاستمتاع بسحره على أرض الملعب.
بحلول الوقت الذي وصل فيه جادون إلى دورتموند، كنت من مشجعي الفريق لما يقارب عقدًا من الزمان، وبكل أمانة، كانت المشاعر حقيقية.
لقد أحببت هذا النادي أكثر مع كل موسم يمُر به، أحببته واحترمت الرجل الذي يديره، ولكن كانت هناك أيضًا مسافة معينة بيني وبين بعض اللاعبين - ثم جاء هذا الصغير- بابتسامته الجميلة وسعادته المُعدية التي بدت وكأنها انتقلت بشكل غريزي في مدينة تعشق كرة القدم، حتى أنه وبشكل سريع فهم فلسفة الكرة الألمانية والطريقة التي يجب أن تُلعب بها اللعبة هناك.
مع سانشو، تعلمت ما يعنيه الاستمتاع بكرة القدم من أجل كرة القدم، سواء كانت الحركة من غير جهد سواءً بالكرة أو بدونها، أو قدرته على الرؤية قبل أن يمرر، أو المساحة التي لم تكن موجودة قبل أن ينجح في خلقها، أو طريقته في التحكم بالكرة بكل هدوء في الوسط، أو الطرف، أو حتى في الأمام.
أعادني سانشو إلى رياضة ربما كانت تفقد جاذبيتها، عدت طوعًا، من كان ليرفض مشاهدة كرة القدم المبهجة والإبداعية؟
أداء سانشو المفضل بالنسبة لي هو الأداء الذي قدمه أمام باير ليفركوزن في رحلة الباي أرينا، في 29 سبتمبر من عام 2018، لم يكن دورتموند قد فاز بمباراة خارج أرضه بعد في ذلك الموسم.
جاء من مقاعد البدلاء وتحديدًا في الدقيقة 68 وقلب نتيجة المباراة من خسارة 2-1 إلى فوز 4-2؛ كان هذا هو الأداء الذي جعل كريستيان بوليسيتش، يلزم مقاعد البدلاء حتى نهاية الموسم قبل أن ينتقل إلى تشيلسي في نهاية المطاف.
لكن الحافز لكل ذلك، الشيء الأهم من الانتصار، كان سانشو البالغ من العمر 18 عامًا حينها. لقد شاهدت وأعدت مشاهدة أبرز لقطات المباراة، جعلنا فافر نلعب على الهجوم المضاد وكان سانشو، الجناح الأيمن الذي صنع كل شيء، أنهى المباراة بـ 18 لمسة فقط، ومعدل إكمال التمرير 92٪، وقدم تمريرتين حاسمتين.
بعض اللحظات الأكثر إثارة من المباراة لا علاقة لها بالنتيجة النهائية؛ لكن بمدى السرعة التي تمتع بها سانشو، وجودة تحكمه في الكرة.
في لقطة هدف التعادل، كان بعيدًا خارج منطقة جزاء دورتموند مباشرةً، استلم الكرة بقدمه اليمنى وموَّه لاعب ليفركوزن الذي تحرك للركض معه نحو مرمى ليفركوزن، كل هذا في حوالي ثانية، ثُمَّ، في ما كان الأكثر روعة في مجرى المباراة بأكملها، هو تبادله الكرة مع ماركو رويس متجهًا نحو منطقة عمليات خصمه، دار إلى اليمين لتجنب المدافع المندفع، وتهرَّب منه، كان لا يزال يحتفظ بالكرة ويركض نحو هدفه، قبل أن ينظر مرة أخرى إلي رويس ويمرر له على طبق من ذهب.
جادون سانشو هو ذلك المزيج النادر والعقلي من الناحية البدنية والتقنية؛ إبقاء الكرة تحت ضغط هائل، في المناطق الضيقة، الدخول في صراع مع المنافس وقطع الكرة منه قبل القيام بدوران سريع، وتغيير الاتجاه أكثر من مرة في بعض الأحيان، وتفادي عدد أكبر من لاعبي الخصم من أجل اختيار تمريرة إلى الأمام أو القيام بمراوغة - لديه مرونة غير عادية - سواء تمريرة تقسم ظهر الدفاع، أو مراوغة دون عناء يتجاوز بها مجموعة من المدافعين.
ربما كان تكتيكًا غريزيًا للحفاظ على ما تبقى من الشغف والذي تم شحذه خلال سنوات من حسرة كرة القدم أو مجرد تداعيات رحيل يورجن كلوب، فقط عندما جلست وفكرت في ما يعنيه سانشو بالنسبة لي لهذه الحقبة، حول لحظاته المفضلة في دورتموند، قمت بفتح أبواب دون قصد لم أكن أعلم بوجودها، وقد نسيتها مغلقة وأنا أتعامل مع المشاعر التي تبعث بشكل كبير فرحة نقية وبسيطة كانت لدي في كل هدف سجله لنا
لقد توجَّب عليَّ التعامل مع رحيل سانشو إلى مانشستر يونايتد في صيف عام 2021، وكم تركت الأمل يحجب الحقيقة في كل مرة أعلن فيها أنه على وشك مغادرة الفريق، كان يجب عليا التعامل مع مدى عدم عدالة كونه اللاعب الوحيد الذي حاول جاهدًا خلال الفترة الحاسمة من سباق اللقب 2018-2019، وكم من التعاسة شعرت عندما خسرنا اللقب.
في رياضة قاسية بقدر ما هي سحرية، كنت آمل بشدة أن أرى سانشو بجانب جاكوب بلاسكوفيسكي (كوبا)، مُفضَّل آخر في دورتموند يستحق إشادة كبيرة.
عندما تفكر في سانشو فإنك ترى الأهداف والتمريرات الحاسمة تسير في شريط سحري أمامك، اللاعب الرائع أمام برشلونة في كامب نو، تمثيل المنتخب الإنجليزي في سن الثامنة عشر، الهدف الأول لمنتخب بلاده في 10 سبتمبر 2019، وصوله إلى 20 هدف و20 تمريرة حاسمة مع دورتموند في 44 مباراة في جميع المسابقات خلال ذلك الموسم.
سانشو هو تذكير أيضًا بأن الأشياء الجيدة تحدث لأناس طيبون، وأنك يجب أن تقاتل مع كل شيء فيك للحصول على فرصة لمواصلة فعل ما تحب والأهم من ذلك، أنه ليس من الضروري أن يغيَّرك الزمن أو يغيَّر نظرتك الإيجابية بطبيعتها في الحياة، في بعض الأحيان، كل ما يمكنك فعله هو اتخاذ الخطوة التالية، بغض النظر إلى أين ستقودك، ثم اتخاذ خطوة أخرى، وهكذا.
اللاعبون مثله هم رؤيتي في اللعبة الحديثة، الذين يذكرونني لماذا أحب هذه اللعبة، عن السعادة التي لا حدود لها.
لقد عاد سانشو مجددًا إلى دورتموند، بعد أن عانى لسنوات في جحيم أولد ترافورد، لكن هذه المرة معارًا حتى نهاية الموسم مع عدم أحقية الشراء. لقد تغيرت أشياء عديدة، لكن ليس من بينها شغفي تجاه هذا الرجل؛ الذي جعلني أؤمن بأن كل شيء ممكن، واستمر في إجباري على التمسك بذلك في كل مرة.
بينما أستمع إلى أغنية إنديلا -الرقصة الأخيرة- أجد نفسي أتسائل كيف سأشاهد سانشو مرة أخرى وأنا على علم بأنه سيغادر في النهاية؟ إنها مشاعر تسري في النفس ولا يتسع لها الصمت ولا الحروف، مشاعر تسبب القشعريرة في جسدك وتطيح بعواطفك.
خذلتنا الكرة كثيرًا تحت ظلامها وحزنها، يأسها وغضبها، في كل مرة أراك فيها تداعب الكرة، آمل أن يكون ذلك كافيًا، على الرغم من صعوبة اللحظة التي نخاف كلانا منها والتي أخشى أن تكون قريبة.