كتب : رامي جمال
لندخل في الموضوع سريعا، أعي تماما أنك مع قراءة العنوان ربما قررت أنني أقارن محمد صلاح مع ليونيل ميسي، ربما تكون هممت بكيل السباب لكاتب ذلك التقرير في عقلك الباطن.. أليس كذلك؟
حسنا أنا هنا لا أقارن بين مستوى صلاح أو مستوى ميسي، مع أنه من حق من شاء في كوكب الأرض أن يقول ما شاء.. أليس كذلك أيضا؟
لكننا هنا نعيش معضلة "أزمة" بطلها صلاح وكان بطلها من قبله ميسي، ربما عاشها كريستيانو رونالدو بدرجة أقل.
الأزمة كالتالي: هل البطولات الدولية هي أساس الحكم على أسطورة ونجم منتخب بلادك؟ أم أن كل ما قدمه من أهداف وصناعة وأداءات فردية رائعة يكفيه؟
يبدأ منتخب مصر مساء اليوم الأحد مشواره في كأس أمم إفريقيا 2023 آملا في الفوز بالبطولة للمرة الثامنة في تاريخه.
لكن بشكل خاص تتجه الأعين إلى صلاح.. والسؤال هو: ماذا سيفعل في مشاركته الرابعة في البطولة؟
الطريق إلى صناعة الأزمة
يبلغ صلاح الآن من العمر 31 عاما، ومع متوسط أعمار اللاعبين في الوقت الحالي فإننا ربما سنراه في نسخة أو اثنتين تاليتين من البطولة، أي أن المشوار مازال أمامه ليحاول الفوز بها مجددا إن لم يظفر بها الآن.
بل ربما يحاول مضاعفة عدد مرات الفوز بها إن تم التتويج في كوت ديفوار، معقل ديدييه دروجبا الذي تخطاه قبل عدة أسابيع ليصبح أفضل هداف إفريقي في تاريخ الدوري الإنجليزي.
خاض صلاح في أمم إفريقيا 17 مباراة سجل خلالهم ستة أهداف وصنع ثلاثة وبلغ النهائي مرتين.
وفي مسيرته الدولية كاملة خاض 94 مباراة سجل خلالهم 53 هدفا وصنع 31.
لكن هل اتُهم صلاح بالتقصير؟ نعم طالته من البعض والمبررات معروفة ومحفوظة وأدركها جيدا منذ الصغر "بيخاف على رجله" و"مبيلعبش معانا زي مع ليفربول" إلى آخره.
على الناحية الأخرى خاض ميسي كوبا أمريكا ست مرات قبل أن يتوج باللقب، بينهم مرتين بلغ فيهما النهائي في عامين متتاليين وخسره وبالطريقة ذاتها.. ركلات الترجيح ضد تشيلي.
بل ما زاد الطين بلة هو إهداره لركلة ترجيح في نسخة 2016.
بعدها توترت العلاقة بين ميسي ووسائل الإعلام وما هي إلا أيام قليلة وأعلن اعتزاله الدولي.
مع مقارنة كلا الموقفين فإن علاقة صلاح بالجمهور أو الإعلام لم تتوتر بشدة إلى درجة تدفعه للاعتزال الدولي بل كان هناك من يدافع عنه، ولكنه ربما قد ألمح إلى إمكاية حدوث ذلك بعد الخسارة من السنغال في ملحق تصفيات التأهل لكأس العالم 2022.
حينها قال صلاح:
أبلغت اللاعبين قبل مواجهة الإياب أنني فخور باللعب معهم وهم من أرجل من لعبت معهم.
لحقت بعض الوقت مع الجيل السابق مع وائل جمعة ومحمد أبو تريكة ثم عبد الله السعيد والجيل التالي وسعيد بالجيل الحالي.
فخور باللعب معكم وكان شرفا لي، وما حدث لا يمكن لأي أحد التدخل فيه لأنها ركلات ترجيح ولثاني مرة.
لا يوجد الكثير من الكلام الذي يمكنني قوله ولكن كان شرفا لي اللعب معكم سواء كنت موجود بعد ذلك أو لا.
أما الموقف الذي أحدث شرخا كبيرا وحقيقيا في العلاقة بين صلاح والجمهور هو ما وقع عقب احتفاله بهدفه ضد أوغندا في كأس أمم إفريقيا 2019 بعد أزمة عمرو وردة الشهيرة.
سبب التألق سابقا
إن نظرنا لأكثر فترات صلاح تألقا مع المنتخب المصري فهي تلك التي تزامل فيها مع محمد أبو تريكة وعبد الله السعيد.
فمع وجود الثنائي كان صلاح لا يغيب عن تسجيل الأهداف لأكثر من ثلاث مباريات متتالية وهذا سببه يمكن معرفته بالعين المجردة.
بدايات صلاح مع المنتخب كان أبو تريكة يتسلم الكرة في منتصف الملعب ويرسل البينية خلف دفاع الخصم فيركض صلاح بسرعته المعروفة والنتيجة هدف.
الأمر ذاته تكرر مع عبد الله السعيد والنتيجة هدف ومن ثم التأهل لكأس العالم 2018.
وفي مرحلة انتقالية للمنتخب مع قدوم كارلوس كيروش، كانت هذه المباريات العجاف في مسيرة صلاح الدولية، حتى في وجود السعيد ذاته واقترابه من ختام مشواره مع الفراعنة، إذ غاب نجم ليفربول عن التسجيل لخمس مباريات متتالية لأول مرة بقميص المنتخب.
وفي فترة أخرى بعدها غاب عن هز الشباك لخمس مباريات متتالية، وفي واحدة أخرى لأربع لقاءات متتالية.
الملاحظ في تلك الفترات كان كثرة تغييرات الجهاز الفني فتارة مع حسام البدري وأخرى مع كيروش ثم إيهاب جلال.
العملية ميسي
بالطبع استقرار الوضع الفني يساعد أكثر على النجاح، فمهما كان أداء ميسي الفردي ثابتا مع الأرجنتين في فترات مارتينو وباوزا وسامباولي، إلا أنه لا شيء يضاهي فترته مع ليونيل سكالوني، لأن الاستقرار حول الأداء الثابت إلى إنجازات فعلية وليس مجرد أرقام سواء كانت أهداف أو إحصائيات أقل قيمة، أو حتى تلك الأشياء التي لا ترصدها الإحصائيات.
ولكن ما أردنا الوصول إليه هنا هو وجه الشبه الوحيد بين ميسي وصلاح في هذه الحالة، وهو أن كل منهما نجم بلاده الأول والأوحد الذي تعقد عليه كل الآمال، ولكنهما ليسا نفس الشيء.
ميسي هو محرك منتخب الأرجنتين الأول، الصانع والمسجل والمهاري الفردي وكل ما يتطلبه الأمر، وبالتالي ما يحتاج إليه حقا هو نظام يحمي ظهره وأفراد يحولون جهوده لحصيلة ملموسة، لأننا في مغالطة النجم الأوحد دائما ما نضطر للاصطدام بحقيقة واحدة لعينة نتذكرها حين نبرر وننساها حين نريد شحذ أسلحة الذبح: كرة القدم لعبة جماعية.
صلاح على الجانب الآخر هو أهم وأفضل لاعب في منتخب مصر، ولكن كما أوضحنا قبل قليل، فإن ذروة أرقامه وتألقه أتت في زمن وجود صانع ألعاب حقيقي مثل أبو تريكة أو السعيد.
ببساطة الرجل له دور طبيعي ولا يمكنه ارتداء العباءتين، ولسوء حظنا جميعا، فالأمر لا يتعلق الآن بقلة صناع الألعاب من هذا النوع في مصر، بل في اختفائهم من العالم بأسره.
صلاح ماكينة أهداف ولا جدال على ذلك، ولكن سلاحه الأقوى دائما ما كان يكمن في عدم الاكتفاء. صلاح لا يرضى بسهولة ولا شيء يوقف رغبته في التطور، وبالتالي كان أول من يتحدث عن رغبته في اكتساب المزيد من الإمكانيات لترسانته الكروية، مثل الرأسيات والتسديد بالقدم اليمنى وصناعة الأهداف أيضا.
12 و13 و16.. هذا عدد الأهداف التي صنعها صلاح في آخر 3 سنوات على التوالي، ولكن هذا ليس المقياس الصحيح للتطور بهذا الجانب، بل حقيقة أن يورجن كلوب مدرب ليفربول بدأ يزج به في أدوار تتعلق بالصناعة أكثر من بداية الموسم الماضي، بعد انحلال تركيبته الثلاثية الشهيرة برحيل ساديو ماني إلى بايرن ميونيخ، وهنا صار صلاح مضطرا لخلق المزيد من الفرص.
ورغم جوعه وطمعه الصحي في التسجيل، إلا أنه لم يمتنع عن التطور في هذا الجانب المقيد لشراهته.. هل يبدو لكم هذا كرجل متخاذل؟ لنرى..
التحام الجماهير مع اللعنة
حسنا، الأمر كالتالي..
في بداية مسيرة صلاح مع المنتخب حينما كان لاعبا شابا كان هدف كل الجمهور هو التأهل لكأس العالم بأي طريقة وقطع السنوات المستمرة من الغياب، ولم يكن الكثير من الأشخاص مهتمين بفكرة الفوز بكأس أمم إفريقيا مجددا والمبرر "عندنا منه كتير".
حدث الأمر وقاد صلاح المنتخب للتأهل إلى كأس العالم بعد 28 عاما من الغياب بل وسجل هدفين في مباراتين ليصبح الهداف التاريخي لمصر في المونديال بالتساوي مع عبد الرحمن فوزي.
وفي كلا المرتين كان هداف مصر في التصفيات بشكل خاص وهداف التصفيات ككل بشكل عام مرة بالتساوي مع أبو تريكة ومرة بالتساوي مع البوركينابي بريجوسي ناكولما.
بعدها بدأت المطالبات بالفوز بكأس أمم إفريقيا وتلك المطالبات بدأت مع استضافة مصر لنسخة 2019.
لكن الخروج المهين من دور الـ16 على يد جنوب إفريقيا جعل أصابع الاتهام تشير نحو صلاح.
بعدها تأهلنا إلى نهائي أمم إفريقيا في الكاميرون وخسر المنتخب من السنغال بركلات الترجيح قبل الخسارة بالأمر ذاته في تصفيات كأس العالم 2022.
ومع إهدار صلاح لركلة الترجيح الخاصة بعد ضد السنغال في ملحق المونديال تجددت إشارات أصابع الاتهام نحوه.
أزمة ميسي كانت مقارنته الدائمة مع مارادونا وأنه لن يستطيع قيادة الأرجنتين للفوز بكأس العالم مثلما فعل دييجو في مونديال 1986، رغم أن ليو قدم أحد أروع البطولات من حيث المستوى الفردي في 2014.
وبعدها ورغم تحطيمه لكل شيء مع الأرجنتين ومعاندة الحظ له كثيرا خاصة في ركلات الترجيح وإهدار إيجوايين الفرصة تلو الأخرى ضد ألمانيا، أصبح ميسي صوب نيران الاتهامات.
وحتى كونه الهداف التاريخي لراقصي التانجو لم يشفع له، حيث ظل الحكم على مسيرة ميسي الدولية ينتهي بنفس السؤال: "هل توج بألقاب"؟
ما قلل من حدة تلك الأزمة هو فوزه بكوبا أمريكا 2021 في قلب البرازيل وعلى راقصي السامبا أنفسهم في النهائي.
وقبل كأس العالم 2022 سوُّق كل جماهير الكرة لفكرة أن هذا هو الظهور المونديالي الأخير لميسي، وأنه يجب أن يفعل كل شيء للفوز باللقب، إما الآن أو لا للأبد.
الآن يتعرض صلاح لنفس السؤال، فهو على مقربة ليصبح الهداف التاريخي لمصر ولكن السؤال دائما نحوه: "هل توج بألقاب"؟
السؤال إليكم الآن.. هل يمكن أن يكتفي الحكم على مسيرة صلاح الدولية بكل تلك الأهداف والتأهل لكأس العالم نظرا لأننا لسنا ذلك المنتخب الذي سيفوز به؟ أم أن لقب أمم إفريقيا فقط هو من سيجعله ناجحا في أعيننا؟
الإجابة ستظل مفتوحة إلى أن يفنى جمهور الكرة، أو يجد صلاح ضالته تماما كما وجدها ميسي، حينها فقط لن نضطر لخوض هذا النقاش أبدا.