كتب : عمرو عبد المنعم
كيب كوست.. مدينة صغيرة على شاطئ المحيط الأطلنطي أسفل جنوب غانا، مكان اتخذته البحارة الأوروبيين في بدايات القرن العشرين مكانا للتوقف للراحة خلال رحلاتهم البحرية الطويلة المتجهة إلى الشرق الأقصى.
مع المرور المستمر للقوافل البحرية الأوروبية على كيب كوست وصلت بعض الصحف الإنجليزية إلى هناك.
عدد قليل جدا من الصحف الإنجليزية وقعت في يد بعض الطلاب الشباب الذين أعجبوا بقراءة الأخبار والتقارير الخاصة بكرة القدم.
بالفعل، أحبت هذه المجموعة من الطلاب كرة القدم فقط من خلال القراءة عنها في الصحف التي وقعت بين أيديهم، دون أن يشاهدوها ولا مرة.
وفي عام 1903 دفع حب هذه المجموعة من طلاب مدرسة Cape Coast لكرة القدم التفكير في طريقة للممارسة اللعبة والاستعانة بما قرأوه في الصحف الإنجليزية عن الساحرة المستديرة.
فكرة غريبة وصعبة التنفيذ تحمس لها مدير مدرسة " Cape Coast Government Boys School" التابعة للحكومة وقتها، وأشرف بنفسه على تدريب مجموعة الطلاب الصغار لممارسة كرة القدم.
التدريبات ستكون سرية لا يعلم أحد بأمرها.. والموعد هو منتصف الليل على ضوء القمر الكامل في منتزه فيكتوريا لاستغلال مساحة العشب الأخضر الكبيرة.
22 طالبا استمروا لعدة شهور في أداء التدريبات بعد منتصف الليل تحت إشراف مدير المدرسة.
والآن، أصبحنا جاهزين لمعرفة ما حدث في أول مباراة كرة قدم في غانا.
بدأ تجهيز كل شيء من أجل خوض المباراة.
الملعب تم تجهيزه في (كيب كوست فيكتوريا بارك) والمرمى تم تركيبه.
قمصان اللاعبين ذات اللونين الأحمر والأصفر والشورت من اللون الأبيض.
الأحذية أيضا وجدت وبهذا كانت كرة القدم تلعب منذ بدايتها في غانا بارتداء الأحذية عكس بلدان أخرى بسبب الفقر اضطر لاعبوها إلى خوض المباريات بأقدام حافية.
سؤال خطر في بالك.. من أين ستأتي الكرة التي ستُلعب بها أول مباراة على أرض غانا؟
لا توجد أزمة لأن بعض البحارة الذين يذهبون إلى "كيب كوست" بانتظام أحضروا معهم بعض كرات كرة القدم كهدية لأهل "كيب كوست".
علم الجميع في "كيب كوست" بموعد المباراة وهو يوم 26 ديسمبر وتحمس البحارة الأوروبيين الزائرين لمشاهدتها ووصل الخبر إلى الحاكم الإنجليزي للبلاد الذي قرر حضور المواجهة.
أطلقت مجموعة الطلاب على الفريق اسم (إكسيلسيور).
في (كيب كوست فيكتوريا بارك) اصطفت الجماهير حول الملعب وحضر كبار مسؤولي الحكومة وأيضا الحاكم الإنجليزي كان حاضرا.
ظلت الجماهير تهتف وتشجع وهي تشاهد 22 لاعبا يركضون حول الكرة في مباراة لُعبت دون أي قواعد محددة ولا قوانين.
انتهت المباراة والجميع كان سعيدا ومع مرور الأيام انتشرت شعبية فريق (إكسيلسيور) خارج منطقة (كيب كوست).
وبعد أن أتقن الفريق أساسيات كرة القدم حان الوقت لفريق (إكسيلسيور) أن يخوض أول مباراة له أمام فريق خارجي.
وبالفعل تم تنظيم أول مباراة لفريق (إكسيلسيور) ضد فريق أوروبي يضم مجموعة من بحارة وطاقم عمل سفينة رست في ميناء كيب كوست مع بعض الأوروبيين المقيمين هناك.
خسر فريق إكسيلسيور المباراة أمام مجموعة البحارة الأوروبيين 2-1 لكنهم قدموا أداء جيدا، وتم ترتيب مباراة أخرى بين الفريقين وخسرها أيضا بنتيجة 3-1.
بمرور الوقت تكررت المباريات بين فريق إكسيلسيور ضد فرق القوافل البحرية التي تزور كيب كوست ما ساعد في تطور مستواهم بسرعة فائقة.
وبسبب الشهرة التي اكستبها الفريق تكونت فرق أخرى داخل المدينة وفي غيرها من مدن غانا.
في هذه الحقبة الزمنية السفر غالبا كان سيرا على الأقدام، ورغم ذلك خرج فريق إكسيلسيور لمواجهة فرق من مدن أخرى وبدأت كرة القدم تنتشر أكثر وأكثر في معظم مدن غانا.
ومع سفر الفريق لأكثر من مدينة وانتشار شعبية كرة القدم في غانا وصلت اللعبة إلى العاصمة الحالية أكرا في عام 1910.
وبعد مرور ما يقرب من 20 عاما على إقامة أول مباراة كرة قدم في غانا، وصلت اللعبة أخيرا إلى مدينة كوماسي معقل قبيلة الأشانتي.
وفي عام 1926 تأسس نادي أشانتي لكرة القدم الذي تغير اسمه أكثر من مرة إلى أن أصبح كما يعرف الآن أشانتي كوتوكو.
وظلت اللعبة في الانتشار أكثر وأكثر في كل مدن غانا، وكان هذا بداية كتابة تاريخ كبير للنجوم السوداء في كرة القدم الإفريقية والعالمية.
والآن وبعد أكثر من 10 عقود ستلمع النجوم السوداء في سماء كوت ديفوار بحثا عن اللقب الخامس من كأس أمم إفريقيا.
مع انتشار الساحرة المستديرة في غانا تأس اتحاد كرة القدم عام 1957 لتولي مهمة إدارة اللعبة هناك، وحان موعد المشاركة في بطولة الأمم الإفريقية للمرة الأولى عام 1963.
كانت تلك هي النسخة الرابعة فقط من أمم إفريقيا وضمت 6 منتخبات وهم مصر وإثيوبيا والسودان وتونس ونيجيريا بالإضافة إلى منتخب غانا الذي استضاف البطولة.
فاز منتخب غانا بالبطولة على أرضه ووسط جماهيره في أول مشاركة له.
عاد النجوم السوداء للمشاركة للمرة الثانية في أمم إفريقيا عام 1965 في البطولة التي أقيمت على أرض تونس.
وكما حدث في مشاركتهم الأولى حدث أيضا في المشاركة الثانية وفاز منتخب غانا بالبطولة بعدما تغلب في النهائي على تونس أصحاب الأرض بنتيجة 3-2.
دفعة معنوية كبيرة لكرة القدم في غانا كادت تقود المنتخب لتحقيق إنجازا لم يحدث في التاريخ عندما وصل لنهائي أمم إفريقيا للمرة الرابعة على التوالي لكنه خسر اللقب مرتين متتاليتين أعوام 1968 و1970 أمام الكونغو والسودان.
ثم جاءت فترة غياب طويلة لغانا عن أمم إفريقيا منذ عام 1970 إلى أن ظهر مرة أخرى في البطولة عام 1978.
بطولة ثانية تستضيفها غانا والنتيجة هي لقب ثالث للنجوم السوداء من كأس أمم إفريقيا.
قرابة الـ80 عاما مرت على قراءة الطلاب الصغار لأخبار كرة القدم في الصحف الإنجليزية التي أحضرها معهم البحارة الأوروبيين إلى مدينة "كيب كوست"، والآن أصبحت غانا أكبر قوة في كرة القدم الإفريقية وأكثر من فاز بلقب كأس الأمم.
تفوق غانا استمر والنجوم السوداء أنارت سماء قارة إفريقيا بالكامل، ولم ينتظرون كثيرا للفوز باللقب الرابع لكأس أمم إفريقيا الذي جاء عام 1982 بالتغلب على ليبيا في النهائي.
إلى هنا يبدو أن سر الصحف الإنجليزية التي كانت سببا في معرفة غانا لكرة القدم نفذ من النجوم السوداء في بطولات أمم إفريقيا.
الكأس الإفريقية أصبحت محرمة على غانا.
وصل النجوم السوداء 3 مرات للنهائي خلال 37 عاما ولكن دون أي نتيجة.
وبعدما كان منتخب غانا صاحب الرصيد الأكبر من الفوز بكأس أمم إفريقيا تراجع للمركز الثالث خلف مصر الأول بـ7 بطولات والكاميرون الثاني بـ5 ألقاب.
وخلال بطولات إفريقيا النجوم بالفعل أصبحت سوداء لا تشع ضوء كما حدث في بدايات مشاركة غانا في كأس الأمم.
أجيال وأجيال مرت على منتخب غانا لم تقدر على الفوز بكأس أمم إفريقيا.
عبيدي بيليه أسطورة كرة القدم في غانا الذي حقق لقب كأس أمم إفريقيا مع النجوم السوداء في عام 1982 كان وقتها لا يزال صغيرا ولم يشارك كثيرا في مباريات البطولة.
وعندما أصبح هو النجم الأول لكرة القدم في تاريخ غانا لم يفوز بكأس الأمم.
مايكل إيسيان وأسامواه جيان وجوردان أيو وأندري أيو وسولي مونتاري وغيرهم من النجوم فشلوا جميعا في الفوز بلقب أمم إفريقيا.
لكن النجوم السوداء ستظهر في سماء مصر للبحث عن لقبا غائبا عنهم منذ 37 عاما.
خلال السنوات العجاف لمنتخب غانا في بطولات أمم إفريقيا النجوم السوداء وصلت العالمية وتألق أحفاد عبيدي بيليه في كأس العالم.
وكما يعلم الجميع تأهل منتخب غانا لكأس العالم لأول مرة عام 2006 في ألمانيا وخرج من الدور الأول، ثم كانت المشاركة الأبرز في مونديال جنوب إفريقيا 2010 الذي نجح خلالها النجوم السوداء في التأهل للدور الثاني والتغلب على الولايات المتحدة.
قبل الخروج الشهير للنجوم السوداء أمام أوروجواي من ربع النهائي وهم على بعد ثواني قليلة من تأهل تاريخي لنصف النهائي لمنتخبات إفريقيا، إلا أن أسامواه جيان أهدر ركلة الجزاء التي حصل عليها بعدما أنقذ لويس سواريز مرمى بلاده باليد في الدقيقة 120.
وفي ركلات الجزاء خسرت غانا وتأهل منتخب أوروجواي لنصف النهائي.
أما المشاركة الأخيرة لغانا في مونديال البرازيل 2014 انتهت بخروج النجوم السوداء من الدور الأول بعد خسارة من الولايات المتحدة والبرتغال وتعادل أخير مع ألمانيا.
وفي كأس أمم كوت ديفوار المقبلة يقع منتخب غانا في المجموعة الثانية مع مصر وكاب فيردي وموزمبيق.
خلال أكثر من 40 عاما فشل النجوم السوداء في الفوز بلقب أمم إفريقيا، والآن عليهم تذكر الصحف الإنجليزية التي أدخلت كرة القدم إلى غانا بعد قصة حب عن بعد بين الناس هناك والساحرة المستديرة كانت بداية لسنوات كثيرة تسيد خلالها منتخب غانا كرة القدم في إفريقيا ونجومه السوداء أضاءت القارة السمراء.
وتضم قائمة غانا الذي اختارها كريس هوتون مدرب الفريق لكأس أمم إفريقيا كل من:
الحراس: لاورنس إيت زيجي (سانت جالين السويسري) – ريتشارد أوفوري (أورلاندو بايرتس الجنوب إفريقي) جو وولاكوت (هيبرنيانز الإسكتلندي).
الدفاع: أليدو سيدو (كليرمون فوت الفرنسي) – دينيس أدوي (كلوب بروج البلجيكي) – كينجسلي شيندلر (سامسون سبور التركي) – جيديون مينساه (أوكسير الفرنسي) – حميدو عبد الفتاح (ميدياما الغاني) – نيكولاس أوبوكو (أميان الفرنسي) – دانييل أمارتي (بشكتاش التركي) – محمد ساليسو (موناكو الفرنسي) – أليكساندر دجيكو (فنربخشة التركي).
الوسط: إدريسو بابا (ألميريا الإسباني) – إليشا أووسو (أوكسير الفرنسي) – عبد الصمد ساليس (لانس الفرنسي) – ريتشموند لامبتي (أشانتي كوتوكو الغاني) – ماجيد أشيميرو (أندرلخت البلجيكي) – محمد قدوس (وست هام الإنجليزي) – أندري أيو (لو هافر الفرنسي) – رانسفورد كونيجسدروفر (هامبورج الألماني).
الهجوم: عثمان بوكاري (رد ستار الصربي) – جوزيف باينستل (جينك البلجيكي) – جوردان أيو (كريستال بالاس) – إرنيست نواماه (أولمبيك ليون الفرنسي) – إنياكي ويليامز (أتليتك بلباو الإسباني) – أنتوان سمينيو (بورنموث الإنجليزي) – جوناثان سواه (ميدياما الغاني).