أمم إفريقيا - إبريما داربوي.. من ضحية تجارة البشر للتدرب مع مورينيو
الأربعاء، 10 يناير 2024 - 19:28
كتب : محمد رؤوف
كيف تكون هي الحياة عندما يقع الشخص فريسة للإتجار بالبشر والاستمرار على قيد الحياة عن طريق قطعتين من الخبز يوميا؟!
يستعرض FilGoal.com حكاية اللاعب الجامبي إبريما داربوي الذي يلعب لصفوف لاسك النمساوي، وسابقا مع روما ومعاناته التي عاشها حتى أنقذ حياته من أجل مساعدة عائلته قبل بطولة كأس الأمم الإفريقية 2022 المقرر إقامتها في كوت ديفوار.
لا مال.. لا عيش
توفي والد إبريما في سن مبكر عندما كان يبلغ 14 عاما ومن هنا بدأت الحياة الحقيقية وتحمل المسؤولية في وقت مبكر للغاية.
وقرر داربوي ترك عائلته في ذلك الوقت التي تتكون من والدته و3 أشقاء ليقلل من عدد المتواجدين في المنزل وبالتالي تتحمل والدته مصاريف أقل بالإضافة إلى مساعدة إبريما في جلب المال.
رحيل داربوي لم يكن بطريقة عادية وبسيطة بل واجه العديد من العقبات والتعذيب للوصول إلى حياة آمنة ومن ضمن المعاناة التي عاشها كانت مع تجار البشر.
بداية الرحلة
قرار داربوي بالرحيل والانتقال إلى إيطاليا لم ينجح في البداية بسبب معرفته مسبقا بصعوبة الحصول على تأشيرة السفر.
وقال داربوي: "لم يكن الأمر سهلا للحصول على تأشيرة السفر إلى إيطاليا، والداي حاولا لكن لم يحدث الأمر ولم يكن لدي اختيار آخر".
"هربت بسرعة رفقة اثنين من أصدقائي وكان الأمر صعبا لكن الحمد لله وبفضل إيطاليا تم وضعي مع عائلة لطيفة وأنا شاكر لها".
الإتجار بالبشر
كشف داربوي عن حلم طفولته "عندما كنت طفلا كنت أرغب في اللعب في أوروبا، وأن أصبح مشهورا وألعب لبلدي، كنت أعلم أنني سأصبح محترفا، ولم أكن أعتقد أن ذلك سيحدث قريبا، هذا كل شيء".
"منذ اليوم الذي غادرت فيه منزلي في جامبيا، كانت الرحلة صعبة للغاية، لا أستطيع حتى أن أقول كل ما مررت به، لقد مررت بلحظات أردت فيها فقط العودة إلى المنزل".
"لم أستطع العودة للمنزل، لإنني اخترت الرحيل، أما العودة فكانت غير واردة، إنه مثل شارع ذو اتجاه واحد، عندما تذهب لا يمكنك العودة، بل إن استئناف طريق العودة أكثر خطورة بعد كل شيء".
"لقد كدت أن أستسلم في ليبيا، في أحد معسكرات الاعتقال لقد تعرضت للتعذيب، وتعرضت لسوء المعاملة، كنت آكل شريحتين من الخبز يوميا، لقد تم احتجازنا هناك لأن الأشخاص الذين دفعنا لهم المال لم يعطوا الأموال للمتاجرين بالبشر".
"استمر الأمر أكثر من أسبوع، لكنه كان صعبا للغاية، حصلنا على المساعدة من أجل تدبر أمورنا، وأرسلت لنا عائلاتنا الأموال وتمكنا من دفع ثمن إطلاق سراحنا، لذلك شرعت في الوصول إلى ركوب قاربا وبعد وقت في البحر رأينا سفينة وذهبنا مع مسافريها إلى صقلية مع مهاجرين آخرين، سنغاليين وماليين وسودانيين وآخرين".
واستغرقت الرحلة كاملة منذ رحيله من جامبيا مرورا بليبيا ونهاية إلى إيطاليا 6 أشهر.
كان طول داربوي في تلك الفترة 179 سم ووزنه 50 كيلو جراما بسبب سوء التغذية، فكيف وهو يأكل قطعتين من الخبز يوميا واستمرار الرحلة إلى ليبيا لمدة 3 أشهر!.
ماذا بعد الوصول إلى إيطاليا؟
كان هدف داربوي فقط بعد الوصول إلى إيطاليا هو تكملة تعليمه في بلاد البيتزا، فعندما كان قاصرا تم نقله إلى أحد مراكز نظام حماية اللاجئين وطالبي اللجوء وهناك أكمل تعليمه في المدرسة وانتقل إلى بلدة رييتي في مقاطعة لاتسيو بمدينة روما.
وقال لاعب الوسط: "كان هدفي هو العودة إلى المدرسة، والقيام بكل شيء من أجل النجاح في كرة القدم أو الحصول على وظيفة، لقد تم استقبالي بشكل جيد في إيطاليا، لقد أدخلوني المدرسة وبعد عام التقيت بأشخاص عملوا في كرة القدم ولاحظوا موهبتي".
عائلة إضافية في إيطاليا وتحقيق حلم
استقر داربوي في بلدة رييتي ولديها فريقا من الهواة يدعى Ask Young Rieti ولعب له داربوي وفي يوم ما شارك مع الفريق في ودية فيما بينهم.
وشاهدت المباراة عائلة بيروتزي والتي يعتبر الأب وكيل أعمال ونجلته كشافة لصالح الوكالة وتدعى ميريام بيروتزي.
أعجبت ميريام كثيرا بداربوي وقالت: "هو شاب مهذب للغاية ولطيف والكل يعرفه في روما بسبب هذا، والدي مدرب بجانب أنه وكيل أعمال وقررنا أن نتبناه وسوف يكمل العملية قريبا حتى يتمكن إبريما من أن يصبح جزءا من عائلتنا".
وأضافت: "سيصبح من عائلة بيروتزي، إبريما داربو بيروتزي، لقد قررنا ذلك منذ سنوات عديدة وليس الآن لأنه يلعب في الدوري الإيطالي، أنا سعيد حقا، فهو يستحق ذلك وهو مندمج تماما في عائلتنا".
وشددت "عندما رأيت إبريما للمرة الأولى، أدركت أنه يتمتع بمهارات تكتيكية رائعة، وكان دائما يدير رأسه بحثا عن أفضل حل للتمرير، لقد لعب دائما في الملاعب الترابية في إفريقيا وقد مر بالكثير في حياته".
وأنهت حديثها قائلة: "لقد وصل إلى إيطاليا قادما من ليبيا، وعندما خضع لفترة معايشة مع روما، لم يتمكن من التحدث بكلمة واحدة باللغة الإيطالية".
وتمكنت عائلة بيروتزي من إقناع روما النادي المملوك آنذاك لجيمس بالوتا بالاستثمار في لاعب خط الوسط الشاب.
وبدأ داربو التدريب مع روما في تريجوريا، ثم ظهر لأول مرة مع فريق تحت 21 عاما في كأس إيطاليا، بعد بداية بطيئة بسبب الروتين في استخراج أوراق تعطيع لقب لاجئ.
وأصبح لدى داربوي عائلة إضافية في إيطاليا بعد أيام عديدة صعبة من التعذيب.
ووقع على عقد لاعب محترف وزاد وزنه ليصل إلى 70 كيلو جراما وحصل على 50 ألف يورو كراتب سنوي وكان يرسله جميعه تقريبا إلى والدته لتصرف على العائلة وتمكن من تحقيق حلمه.
سبب نجاحه في تحقيق حلمه
أوضح داربوي سبب نجاحه في تحقيق حلمه قائلا: "أعتقد أنني فعلت ذلك بسبب الإيمان الذي كان لدي وما زلت أمتلكه بنفسي، لقد آمنت به بشدة كان لدي ثقة في صفاتي وكنت أعرف أنني يمكن أن أكون ناجحا، ولكي يحدث هذا كان من الضروري مغادرة جامبيا بكل الوسائل".
وتابع "لا أعرف إذا كنت سأنجح لو بقيت، لكنني شعرت أنه يجب علي الرحيل، لقد تطلب الأمر الكثير من الشجاعة للقيام بهذه الرحلة إلى إيطاليا والوصول إلى ما أنا عليه اليوم".
الحلم لم ينته بعد
قال داربوي عقب تولي جوزيه مورينيو تدريب روما وقتها: "الآن ألعب تحت قيادة مورينيو، عندما علمت أنه سيتولى تدريب روما كان ذلك بمثابة حلم".
واستمر "ارتعشت وقلت لنفسي لا، لا يمكن أن يكون هو نفسه مورينيو الذي كنت أشاهده على شاشة التلفزيون في جامبيا في مباريات برشلونة ضد ريال مدريد، يمكنني أن أتخيل كل شيء في حياتي باستثناء أن يدربني مورينيو".
مورينيو لم يرحم داربوي
معروف أن عندما يأتي الأمر في العمل فمورينيو لا يرحم أحد ويهاجم الجميع، ففي الموسم الأول له مع روما هاجم داربوي بشكل كبير مرتين.
المرة الأولى في إحدى المباريات مرر داربوي الكرة بدون أي لاعب بطريقة سيئة للغاية ومن هنا التقطته الكاميرا يهاجم الجامبي علنا إذ قال له: "أستيقظ عليك اللعنة".
وفي المرة الأخرى قال المدير الفني البرتغالي تعليقا على إحدى المباريات: "لم يكن الأداء عظيما وارتكبنا العديد من الأخطاء الفنية، خاصة في الشوط الأول عندما بنينا اللعب من الخلف، في كل مرة تذهب الكرة إلى فيريتو أو داربوي نخسرها".
وتوج داربوي ببطولة دوري المؤتمرات وخرج معارا إلى لاسك بأمر من مورينيو وحتى يوجد في عقد الإعارة بند أحقية الشراء.
تحقيق داربوي لحلمه الأكبر
تمكن داربوي من تحقيق حلمه الأكبر رفقة منتخب بلاده بعدما اشترك في بطولة كأس الأمم الإفريقية 2021 التي أقيمت في الكاميرون.
لعب داربوي في 3 مباريات في البطولة بواقع واحدة في دور المجموعات ومباراتين في دور الـ16 وربع النهائي بسبب مرضه بفيروس كورونا.
ويعلق داربوي على اللعب في البطولة رفقة جامبيا قائلا: "إن لعب كأس أمم أفريقيا مع جامبيا هو حلم أصبح حقيقة وعظيم وآمنت به رغم أنني كنت أعلم أنه سيكون صعبا، لكنني كنت أؤمن دائما أن جامبيا ستلعب في هذه الكأس يوما ما، ولماذا لا تشارك حتى في كأس العالم يوما ما".
واختتم حديثه "ليست الموهبة هي ما ينقصنا هناك، بل الوسائل، والآن أصبح لدينا المزيد والمزيد من الشباب الجامبيين الفرصة للتباهي، إن لاعبي المنتخب الوطني هم اليوم مثال من شأنه أن يلهم الشباب بشكل أكبر لسنوات قادمة".
بعد كل المعاناة التي عاشها داربوي الآن تمكن من تحقيق حلمه ولعب كرة القدم بشكل احترافي حتى إذا لا يلعب الآن لفريق كبير وهو لاسك، لكن مازال لديه فرصة كبيرة للانتقال إلى فرق أكبر وهو يبلغ من العمر 22 عاما فقط.