كتب : عمرو عبد المنعم
وصلت القوافل البحرية البرتغالية بقيادة البحار (ديوجو كاو) إلى غرب قارة إفريقيا في عام 1482 على شاطئ الكونغو بهدف إنشاء قاعدة على ساحل المحيط الأطلنطي بهدف تزويد السفن البرتغالية المسافرة إلى الشرق بالطعام والمؤن التي تحتاجها الرحلات البحرية الطويلة.
مع مرور الوقت والسنوات أصبحت العلاقة بين البرتغاليين وحكام الكونغو قوية مع تزايد المصالح والتجارة بينهما.
لماذا نتحدث عن الكونغو وأين أنجولا؟ هذا ما سنعرفه معا في السطور المقبلة.
مع اقتراب بطولة أمم إفريقيا 2023 في كوت ديفوار، يقدم لكم FilGoal.com مجموعة من التقارير عن المنتخبات والشخصيات المؤثرة في كرة القدم الإفريقية، والدور يأتي على منتخب أنجولا.
العلاقة القوية للبرتغاليين كانت مع مملكة الكونغو الشمالية فقط، أما علاقتهم بالمملكة الغربية والتي من بينها أنجولا كانت مضطربة بسبب تجارة بيع العبيد وإرسالهم للعمل في مزارع السكر الخاصة.
ازداد النفوذ البرتغالي في المنطقة ومعها ازدادت تجارة العبيد ليرتفع معدل التوتر بين البرتغاليين وحكام الكونغو الشمالية والغربية، وبدورهم طالبوهم بإنهاء تجارة العبيد لكن الجانب الأوروبي رفض ذلك.
لتصبح أنجولا في بدايات القرن الـ17 أكبر مكان لتجارة العبيد في العالم تحت الحكم البرتغالي من أجل إرسالهم للعمل في المستعمرات البرتغالية في البرازيل.
وكان هذا الاحتلال البرتغالي الأول لـ أنجولا.
بدأ القرن الـ16 واحتلت إسبانيا البرتغال لتنشغل الأخيرة عن مستعمراتها في غرب إفريقيا وتستغل هولندا الموقف وتحتل لواندا (عاصمة أنجولا حاليا) ولكن بعد عدة سنوات جاءت المساعدة للبرتغاليين من البرازيل بقوات كبيرة نجحت في استعادة السيطرة على لواندا ومنح الحكم مرة أخرى للبرتغال.
بالفعل كان هذا الاحتلال البرتغالي الثاني لـ أنجولا.
استمرت أنجولا تحت حكم البرتغال حتى عام 1913 إلى أن احتلتها ألمانيا، ولكن كما حدث في المرة الثانية حدث أيضا لثالث مرة وعاد البرتغاليين لاحتلال أنجولا مجددا في عام 1932.
وبعد احتلال دام لأكثر من 500 عاما انتهى الاستعمار البرتغالي لأنجولا في 1975.
احتلال برتغالي لأكثر من 5 قرون اعتمد بشكل كبير على شراء العبيد من أنجولا وإرسالهم للعمل في البرازيل كان له تأثيرا كبيرا على البلد في سنوات ما بعد الاحتلال وانعكس أيضا على كرة القدم.
ولضرب المثل فقط بعد أكثر من 25 عاما من الاستقلال لعب منتخب أنجولا ضد البرتغال مباراة ودية عام 2001 لكن يبدو أن آثار الاستعمار ظلت عالقة في أذهان اللاعبين.
وأثناء تقدم منتخب البرتغال بنتيجة 5-1 في المواجهة التي أقيمت في لشبونة قرر منتخب أنجولا إنهاء المباراة بطريقته وتعمد الفريق طرد 4 لاعبين لينهي الحكم اللقاء قبل نهاية وقته الأصلي.
الإنجاز الأول لكرة القدم في أنجولا
مرت سنوات كثيرة ما بعد الاستعمار البرتغالي في أنجولا وبدأت كرة القدم في الانتشار وكسب حب الناس هناك بالتساوي مع كرة السلة.
وعلى غرار العديد من الحالات المعروفة في كرة القدم يبدأ الإنجاز الكروي من منتخبات الشباب والناشئين ثم ينتقل للمنتخب الأول وهو ما حدث أيضا مع أنجولا.
تكوين منتخب شباب قوي يمثل بلاده في المحافل الدولية بشكل مُشرف كان الشغل الشاغل للمدرب لويس أوليفيرا جونكالفز في الثمانينات.
لويس أوليفيرا جونكالفز وهو في الأساس كان يعمل في إحدى شركات الهندسة وليس له أي علاقة بكرة القدم، لكن حبه للساحرة المستديرة جعله يذهب للحصول على دورة تدريبية في كرة القدم وبدأ في تكوين فريقا لشركته في السر دون علم أحد لأن أصحاب الشركة كانوا غير مقتنعين بهذه الفكرة.
مع الوقت تغيرت أفكارهم وقاد لويس أوليفيرا هذا الفريق لدوري الدرجة الثانية في أنجولا وبعدها حصل على وظيفة في اتحاد كرة القدم.
عمل لويس أوليفيرا جونكالفز مع المنتخبات الوطنية في أنجولا منذ عام 1992 وفي 2001 قاد منتخب الشباب للفوز بكأس الأمم الإفريقية والتأهل لكأس العالم للشباب في الأرجنتين.
شارك منتخب أنجولا لأول مرة في كأس العالم للشباب وتصدر مجموعته التي ضمت كل من التشيك وأستراليا واليابان، قبل أن يخرج من الدور الثاني أمام هولندا.
جيلبيرتو نجم الأهلي السابق كان أحد نجوم منتخب أنجولا في هذه البطولة.
وأصبح هذا الجيل نواة لمنتخب أنجولا المشارك في كأس العالم 2006.
الإنجاز الكروي الأكبر في تاريخ أنجولا
بدأ منتخب أنجولا تصفيات كأس العالم 2006 من الدور التمهيدي وخسر مباراة الذهاب خارج ملعبه أمام تشاد بنتيجة 3-1 ليقرر الاتحاد الأنجولي إقالة المدرب وتعيين لويس أوليفيرا صاحب إنجاز منتخب الشباب بدلا منه.
ليأتي جونكالفز ويقود منتخب أنجولا لكأس العالم 2006 بالتأهل على حساب نيجيريا والجزائر.
ويقول جونكالفز: "كان يمكننا التغلب على جميع الصعوبات التي تواجهنا إذا لعبنا خارج أنجولا، فقط سننتظر طائرة شركة الطيران الوطنية ثلاثة أيام في المطار وبعدها نذهب لخوض المباراة.
ويكمل المدرب "خصصت 4 طهاه للاهتمام بالنظام الغذائي للمنتخب وأعطانا الاتحاد الأنجولي مكافأة مالية جيدة ساهمت أيضا في تأهلنا لكأس العالم".
وواصل تصريحاته "في هذه التصفيات لم يكن لدينا لاعبين محترفين مثل نيجيريا والجزائر لذلك كان يجب علينا أن نصبح منظمين بشكل أكبر في الملعب وهو ما حدث بالفعل وتأهلنا للمونديال".
حرص جونكالفز للسفر إلى الدول الأوروبية لمتابعة اللاعبين ذو الأصول الأنجولية وبالفعل نجح في إقناع بعضهم بتمثيل منتخب بلاده.
لويس أوليفيرا جونكالفز ذو العين الثاقبة في اكتشاف المواهب الكروية يحكي: "ذات مرة كنت في البرتغال لمتابعة اللاعبين وشاهدت لاعبا جاء من البرازيل ليختبر مع نادي إستريلا دا أمادورا. كان اسمه رونالدو ويبلغ من العمر 17 عاما لكن النادي رفض منحه راتب يبلغ 2500 دولارا وتركوه يرحل، وقتها عرفت أن هذا القرار كان خاطئا لأنني شاهدت اللاعب يمتلك إمكانيات فنية رائعة رغم بنيته الجسدية الضعيفة".
ويفصح جونكالفز "ترك هذا اللاعب البرتغال وذهب إلى فرنسا وغير اسمه من رونالدو إلى رونالدينيو ثم انضم لباريس سان جيرمان وأصبح لاعبا قويا كما يعرف الجميع".
ثم ضحك وأكمل حديثه "أعتقد أن النادي البرتغالي خسر كثيرا من الأموال بعدما رفض منحه 2500 دولار".
أفقر دولة في كأس العالم تمر من ألغام البرتغال
تأهلت أنجولا للمونديال وهي واحدة من أفقر دول العالم وبالفعل كانت في ذلك الوقت أفقر منتخب مشارك في البطولة مع ترينيداد وتوباجو.
آثار الحرب مع البرتغال لا تزال موجودة في أنجولا.. الكثير والكثير من الألغام تهدد حياة المواطنين.
إحصائية في عام 2006 وقت تأهل الغزلان السوداء لكأس العالم تشير إلى أن كل طفل في أنجولا مهدد بالموت منفجرا بسبب الألغام.
وتعد أنجولا أكثر بلد في العالم مدفون في أرضها الألغام بعدد يتخطى المليون لغم تم زرعها أثناء الاستعمار والحرب مع البرتغال.
ليست الألغام فقط الخطر الذي كان يهدد حياة الناس في أنجولا عام 2006.. الإحصائيات وقتها أوضحت أيضا أن واحدا من بين كل 7 من سكان أنجولا يعاني من الجوع ومتوسط دخل الفرد هناك لا يصل إلى 5 جنيهات إسترليني في الأسبوع الواحد.
وما يقرب من ثلثي سكان أنجولا تحت سن الـ16 عاما ويموت واحد من بين كل 3 أشخاص قبل بلوغه سن الخامسة، بينما يبلغ متوسط الأعمار هناك 45 عاما فقط.
وبعد مرور سنوات على الاحتلال نجح منتخب أنجولا في المرور بالكرة من بين ألغام البرتغاليين المدفونة في أرضهم والتأهل لكأس العالم.
ورغم كل هذه الصعوبات والأزمات إلا أن أنجولا واحدا من أغنى بلدان إفريقيا بسبب كثرة البترول والمعادن هناك، إلا أن الأموال الطائلة التي تأتي من وراء استخراج البترول والمعادن كانت تذهب إلى أشخاص بعينها من المتحكمين في إدارة البلاد، بينما الشعب ظل يعاني من الفقر والجوع.
كل هذا وأكثر من الصعوبات تغلب عليه منتخب أنجولا وتأهل لكأس العالم 2006 في ألمانيا على حساب الجزائر ونيجيريا.
الصدفة والقرعة أوقعت منتخب أنجولا في المجموعة الرابعة لكأس العالم ومنحتهم الفرصة لمواجهة مستعمرهم لأكثر من 500 عاما وهو البرتغال، بجانب المكسيك وإيران.
لكن منتخب أنجولا خسر أمام البرتغال بهدف وتعادل سلبيا مع المكسيك وفي المباراة الأخيرة له تعادل بنتيجة 1-1 مع إيران وسجل الهدف أمادو فلافيو نجم ومهاجم الأهلي وقتها.
بينما لم يشارك في البطولة جيلبيرتو ظهير أيسر الأهلي بسبب إصابته في الكاحل رغم أنه كان واحدا من نجوم أنجولا في التصفيات رفقة فلافيو.
هذا الجيل الذهبي في أنجولا الذي بدأ من بمنتخب الشباب في 2001 ثم المنتخب الأول في كأس العالم 2006 الكثير من لاعبيه كانوا يعانوا من الأضرار التي خلفها الاستعمار والحرب والفقر هناك.
يحكي بيدرو مانتوراس مهاجم بنفيكا وأنجولا في كأس العالم 2006 في تصريحات نقلتها صحيفة "جارديان" الإنجليزية: "توفي والدي عندما كان عمري 3 أشهر، ثم توفيت والدتي وأنا في سن الـ16 وأصبحت ربا لأسرتي وأنا صغيرا جدا".
وتابع "لعبت كرة القدم منذ صغري في الشارع مع أصدقائي بكرة من القماش وأنا حافي القدمين وفي أحد الأيام أخذني رجلا وعمري 11 عاما إلى المدرسة ومع مرور الوقت أصبحت لاعب كرة قدم".
بيدرو مانتوراس توفي شقيقه أيضا وهو صغيرا بسبب كرة القدم عندما كان يلعب حافي القدمين وتعرض لجرح في القدم بسبب قطعة من المعدن الصدأ تسببت في وفاته بعد ذلك.
كرة القدم في أنجولا
رغم الحرب والاستعمار البرتغالي إلا أن الرياضة وكرة القدم كان لهما دورا هاما في أنجولا.
أليكسيو أمارال وهو لاعب منتخب أنجولا السابق يحكي قائلا: "على الرغم من الحرب التي استمرت لأكثر من 30 عاما إلا أن الحكومة في البلاد جعلت الظروف جيدة دائما للعب كرة القدم وبعض الرياضات الأخرى مثل كرة السلة".
في ثمانينيات القرن الماضي استثمرت حكومة أنجولا بقوة في كرة القدم والرياضة بإرسال العديد من الأشخاص لدراسة علوم الرياضة والتدريب في الاتحاد السوفيتي وألمانيا والبرازيل وكوبا وغيرها من البلاد لتطوير اللعبة وغيرها من الألعاب.
ويوضح أليكسيو أيضا: "بعد 8 أو 10 سنوات من الدراسة عاد هؤلاء الأشخاص مرة أخرى إلى أنجولا ليساهموا في تطوير الرياضة في البلاد. الحرب لم توقف ممارسة الرياضة وكرة القدم لأن القتال أثناء الاستعمار البرتغالي كان أكثر في الغابات وليس داخل المدن".
أزمة الألغام
أليكسيو يكمل "في الماضي كانت الظروف صعبة للغاية ولا يمكن لأي فريق الانتقال من مدينة إلى أخرى بالحافلة بسبب الألغام وكانت الانتقالات بالطائرة فقط، ولكن الآن يمكننا الانتقال بالسيارات والحافلات، بالتأكيد في البداية كنا نشعر بالخوف من الألغام ومع مرور الوقت اعتدنا على ذلك".
في قارة إفريقيا من الصعب توفير المال لتحسين البنية التحتية في البلاد لذلك عقدت حكومة أنجولا عدة اتفاقيات مع شركات النفط لرعاية أندية كرة القدم لتطوير اللعبة.
وبدورها استثمرت السلطات في أنجولا بشكل مباشر في بعض الأندية، ودعم الجيش هناك نادي بريميرو دي أجوستو وتتولى الشرطة دعم إنتر كلوب، أما شركات النفط تتدعم بشكل مباشر نادي بترو أتليتكو وشركات الطيران يذهب دعمها إلى نادي أتليتكو سبورت.
بالتأكيد كل هذا الدعم ساهم في تطور كرة القدم في أنجولا.
تاريخ أنجولا في بطولات إفريقيا
وبعد الكثير من المحاولات نجح منتخب أنجولا أخيرا من التأهل لبطولة أمم إفريقيا للمرة الأولى عام 1996 في جنوب إفريقا وخرج من الدور الأول.
ثم شارك منتخب أنجولا مرة ثانية على التوالي في بطولة 1998 في بوركينا فاسو وودعها من الدور ذاته.
وعاد منتخب أنجولا مع جيله الذهبي للظهور في أمم إفريقيا 2006 في مصر بعد تأهله من ذات التصفيات لكأس العالم وهو الإنجاز الأكبر في تاريخه. قبل أن يودع البطولة مرة ثالثة من الدور الأول.
زاد عدد المحترفين في منتخب أنجولا وتعددت نجوم الغزلان السوداء ليشارك المنتخب في بطولة 2008 ويتخطى دور المجموعات لأول مرة ويتأهل للدور الثاني قبل أن يخسر من مصر.
ليأتي الدور على أنجولا لتستضيف البطولة على أرضها ووسط جماهيرها عام 2010 وبالتأكيد التحضير لها كان مختلفا.
لم يمنع استعمارا لأكثر من خمسة قرون ترك خلفه الكثير من الأضرار في البلاد أن يأتي الاتحاد الأنجولي لكرة القدم بمدرب برتغالي لتولي تدريب المنتخب في كأس أمم 2010 ووقع الاختيار على مانويل جوزيه بعدما ترك الأهلي.
افتتح منتخب أنجولا البطولة بمباراة مثيرة وتعادل ضد مالي بنتيجة 4-4، ثم حقق فوزا على مالاوي بهدفين دون رد وتعادل سلبيا مع الجزائر ليتأهل للدور الثاني ويخرج مرة رابعة من الدور الذاته بالخسارة أمام غانا.
ثم شارك منتخب أنجولا مرتين متتاليتين في كأس الأمم الإفريقية أعوام 2012 و2013 وودع البطولة في النسختين من الدور الأول.
وبعد غياب 6 سنوات عن البطولة عاد منتخب أنجولا ليشارك في أمم إفريقيا مصر 2019، ثم غاب عن أمم إفريقيا 2021 في الكاميرون، وعاد مرة أخرى للمشاركة في البطولة المقبلة في كوت ديفوار.
والآن.. وبعد 500 عاما من الاستعمار والاحتلال والمرور من الألغام والتغلب على الفقر وسرقة موارد البلاد، لن يواجه منتخب أنجولا أصعب مما مر عليه طوال التاريخ عندما يذهب ليشارك في كأس الأمم الإفريقية في كوت ديفوار.