كتب : أحمد أباظة
هل تظن أن ليف ياشين أسطورة الاتحاد السوفييتي وحارس المرمى الوحيد الفائز بالكرة الذهبية في التاريخ.. هو الحارس الوحيد الجدير بأن يُنحت له تمثال بالحجم الطبيعي؟
بطلنا كان له تمثاله الخاص.. ولكنك لن تجده، ولن تجد قبره أيضًا، ولا حتى التابوت الذي دُفن فيه.
حياة روبرت منساه كانت خليطًا من الغرابة منذ بداية مسيرته في الملاعب وحتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاته.
بطل دوري أبطال إفريقيا بمسماه القديم مع أشانتي كوتوكو، ووصيف كأس أمم إفريقيا 1968 مع غانا، وتاسع أفضل لاعب إفريقي في تصويت فرانس فوتبول عام 1970، والثاني في ترتيب الجائزة في عام 1971 الذي شهد وفاته.
ولكن هذا لم يكن ما يميزه..
هل شعرت بالاستياء مما يفعله إيميليانو مارتينيز حارس مرمى منتخب الأرجنتين وأستون فيلا للتأثير على خصومه في ركلات الجزاء والترجيح؟ هل تتذكر ذاك الحارس الأسترالي الذي ظل يتراقص بصورة غريبة للغاية في تصفيات المونديال؟ نقدم لكم عراب هذه السخافات.
من حين لآخر كان منساه يدير ظهره فجأة للملعب ويتحدى المهاجم القادم بأنه سيتصدى للكرة دون أن يراها، أما حين تكون الكرة في منتصف ملعب الخصم، كان يُخرج جريدة ويقرأها لتسلية وقت الفراغ، ثم يذهب ليمازح الجماهير ويرقص معهم حتى تعود الكرة نحوه.
سلوكيات مزعجة للغاية ومفعمة بالتقليل من الخصوم، ولكنها لم تكن أبدًا الشيء الأكثر إزعاجًا بشأنه، بل تلك القبعة اللعينة التي اعتلت رأسه.
تلقيب منساه بـ "ياشين إفريقيا" لم يكن يرجع إلى جودة المستوى وحسب، بل إلى تشارك الثنائي في ارتداء قبعة على أرض الملعب، ولكن على عكس ياشين، كان المهاجمون يعتقدون جديًا أن منساه يخفي سحرًا في قبعته.
وللأمانة لا يمكن لومهم كثيرًا، فهذه القبعة ما كانت لتسقط مهما أدى منساه من قفزات صعبة، لدرجة أن البعض كان يحاول نزعها بالقوة أحيانًا.
سلوكياته المزعجة قادت جماهير منتخب ليبيريا لضربه بصواريخ الألعاب النارية في مباراة دولية ودية، ولنكن منصفين، فإن سلوكياته خارج الملعب لم تكُن أفضل كثيرا، فقد طرده نادي تيما تيكستايلز برينتينج لتغيبه عن المران، وكانت حجته لاحقًا أنه كان يتدرب مع المنتخب في الوقت ذاته، وليس من الواضح كيف حدث ذلك دون علم ناديه.
بعد التتويج بدوري الأبطال عام 1970، وأثناء حملة الدفاع عن اللقب أمام بطل نسخة 1969 النادي الإسماعيلي، لعب منساه إياب ربع النهائي أمام الدراويش وحافظ على نظافة شباكه ليفوز كوتوكو 3-0.. ولكن القدر لم يمهله للعب نصف النهائي، ولا حتى مشاهدته.
في الساعات الأولى من صباح 2 نوفمبر 1971، كان روبرت منساه يقضي سهرة لطيفة في إحدى الحانات، فشاهد أحد أصدقاءه متورطًا في شجار، وبالطبع حاول التدخل، ليتلقى طعنة بزجاجة مكسورة فشلت بعدها عملية إنقاذه في المستشفى.
على الفور ألقت الشرطة القبض على 3 رجال جراء الحادث، وتم تحديد المتهم بقتل منساه، كهربائي يُدعى إسحاق ميلفاه، ولكن هل كان هو حقًا الفاعل الحقيقي؟ أوسي كوفي، زميل منساه وصديقه المقرب، روى قصة جعلت القاتل يبدو مجرد أداة..
"كنت أنا وروبرت نمر بفترة سيئة في كوتوكو، فذهبنا إلى كاهن لإجراء طقوس، وأثناء خروجنا من عنده سمعته يقول لشخص آخر إن أحدنا سيموت بسبب هذه الطقوس".
"مرت الأيام وسافرت لإجراء عملية جراحية، وفي يوم عودتي كان من المفترض أن يمر بي السائق على منزل روبرت لآخذه معي إلى معسكر الفريق، ولكن الطائرة تأخرت كثيرًا، ولذلك حين وصلت طلبت من السائق أن يوصلني إلى المنزل، على أن نذهب صباحًا لاصطحاب روبرت. كان هذا يوم الحادث واستيقظت على خبر وفاته".
على الجانب الآخر يرى إبراهيم صنداي زميله في منتخب غانا، أن أوسي كوفي قد أخذ الأمر لأبعد مما يحتمل حقًا..
"روبرت كان حارسًا عظيمًا ولكنه كان مثيرًا للمشاكل. لم يكن ملتزمًا ولكنه لعب جيدًا للغاية. سوء سلوكه كان سبب موته".
وبصرف النظر عن مدى صحة الروايات حوله، فقد لفظ الحارس التاريخي أنفاسه الأخيرة في مستشفى تيما العام يوم 2 نوفمبر 1971 وانتهى الأمر.
وبعد جنازة مهيبة في كوماسي واهتمام كبير في من الإعلام الغاني والإفريقي، دُفن التابوت وبداخله جسد منساه في كيب كوست، وأقيم له تمثال بجانب القبر.
ولكن بعد 30 عامًا من الوفاة تقريبًا، اختفت كل هذه المعالم.
أولا تم نبش القبر وسرقة التابوت. ثانيًا تم تدمير التمثال. ثالثًا اختفى شاهد القبر ونبتت شجرة جوز النخيل فوقه، وفيما عدا سرقة التابوت، فكل تلك الأمور سببها تحويل المكان بأكمله إلى منتجع سياحي.
في النهاية لم يبقَ من كل ذلك الإرث سوى بعض الصور القديمة، وملعب فريقه القديم "ميستيريوس دوارفز" (الأقزام الغامضة) الذي صار يحمل اسمه، وأغنية شعبية صدرت باسمه أيضا لمناهضة شرب الخمر.