كتب : محمد رؤوف
بالتأكيد أنت كمصري شاهدت من قبل لاعبين من القارة الإفريقية يتألقون رفقة منتخباتهم وفي الخارج سواء من السنغال أو كوت ديفوار أو الكاميرون أو المغرب وغيرهم وقد طرحت على نفسك سؤالا لماذا لا يوجد العديد من اللاعبين المصريين كذلك؟
وعندما تشاهد لاعب ما من الزمالك أو الأهلي يتحدث عن مدربه الأجنبي ويقول "علمنا الكورة من أول وجديد" ويقصد الاستلام والتمرير.
وتطرح على نفسك نفس السؤال البسيط وباطنه عميق جدا لماذا لا نملك ذلك بالرغم من أننا نمتلك إمكانيات أكبر من تلك الدول.
من هنا يجب أن نعلم أولا ما يحدث تلك البلاد الإفريقية ونحن لا نفعله.
ومع اقتراب إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية 2023 يستعرض FilGoal.com في التقرير التالي أسباب تلك القضية وكيفية العمل معها.
"علمنا الكورة من أول وجديد"
قال أحمد سيد زيزو لاعب فريق الزمالك عبر قناة إم بي سي مصر في 3 سبتمبر 2022: "من الممكن أن الفريق يمتلك الإمكانيات الفردية، لكن كيفية الدفاع والخروج بالكرة ومتى والمدة الزمنية لذلك، فيريرا علمنا كل ذلك فهو جاء وعلمنا الكورة من أول وجديد".
تصور أن زيزو لاعب يعتبره البعض من الأفضل في مصر والأكثر ثباتا في المستوى يقول تلك الكلمات.
بالإضافة إلى ذلك فهو لاعب رفض الزمالك الكثير من العروض الضخمة للإبقاء على نجمه.
فماذا عن باقي اللاعبين؟ مع العلم أن زيزو تأسس كرويا في أكاديمية JMG الشهيرة في مصر وتخرج منها عمر مرموش لاعب فريق أينتراخت فرانكفورت الألماني ومحمد هلال لاعب البنك الأهلي أيضا.
ومن هنا يأتي السؤال، لماذا لا يتم تخريج لاعبين إلا قليل جدا من الأكاديميات ويحققوا أشياء بارزة مع المنتخب؟
لنلقي نظرة على عرب إفريقيا
أكاديمية محمد السادس
"مركز تدريبات أكاديمية محمد السادس مثير للإعجاب" كارلو أنشيلوتي المدير الفني لفريق ريال مدريد الإسباني 10 فبراير 2023.
أنشيلوتي واحد من أفضل المدربين في التاريخ والأنجح على الإطلاق في المستوى الأوروبي وكذلك الأفضل في تاريخ ريال مدريد الأوروبي ولذلك عندما يقول تلك الكلمات فعليك التصديق بذلك وبالتالي ليس غريبا بأن تخرج تلك الأكاديمية التي طلب محمد السادس ملك المغرب بأن تقام على أفضل المعايير 3 لاعبين في نصف نهائي كأس العالم 2022.
منتخب المغرب يعتمد أولا على اللاعبين الذين ولدوا في الخارج وبالتالي تأسسوا خارج المغرب ومن ثم هؤلاء الذين احترفوا من داخل المغرب وغالبا ما تأسسوا داخل البلاد.
ففي نصف نهائي كأس العالم تواجد كل من يوسف النصيري لاعب إشبيلية الإسباني وعز الدين أوناحي لاعب مارسيليا الفرنسي ونايف أكرد لاعب وست هام الإنجليزي وجميعهم تأسسوا في أكاديمية محمد السادس.
إنريكي يمدح أوناحي "ليست مرة واحدة"
بعد مباراة المغرب ضد إسبانيا في دور الـ16 في كأس العالم الماضي وفوز المغرب بركلات الترجيح خرج لويس إنريكي مدرب إسبانيا وقتها ليمدح أوناحي بشكل خاص وقال: "لقد فوجئت بشكل إيجابي باللاعب رقم 8، آسف لأنني نسيت اسمه".
وأضاف "يا إلهي من أين جاء ذلك الرجل، لعب بطريقة جيدة بشكل لا يصدق، لقد كان اللاعب الوحيد الذي لم نعرفه".
تذكر اسمه
في المرة الثانية التي تحدث فيها إنريكي عن أوناحي تذكر اسمه جيدا.
قبل مباراة باريس سان جيرمان الذي يدربه إنريكي ضد مارسيليا قال المدير الفني الإسباني: "لا يسعدني كثيرا بأن أتذكر المباراة، لقد كانت مباراة دافع فيها منتخب المغرب بطريقة جيدة جدا وخاصة أوناحي الذي كان جيدا للغاية في تلك المباراة".
نادي بارادو
استعان نادي بارادو الجزائري بجيان مارك جيلو اللاعب الفرنسي لنادي نيس بعدما كان المدير الفني السابق لأسيك أبيدجان الإيفواري من أجل اكتشاف المواهب.
ونجح جيلو في بارادو من خلال طريقة تدريبه المميزة والتي استخدمها في أسيك من خلال تدريب اللاعبين حفاة القدمين، وأيضا استغلال الأموال الكبيرة التي تصرف في فترات الانتقالات للتعاقد مع لاعبين وصرفها على تطوير البنية التحتية للملاعب واكتشاف اللاعبين الصغار.
وأخذت الأكاديمية على عاتقها مسؤولية توفير سكن للاعبين وطعامهم وتعليمهم في المدرسة الخاصة بالأكاديمية بالإضافة إلى تدريباتهم الكروية بالطبع، شيء أشبه بمدرسة الموهوبين الشهيرة.
نظرية جيلو تكمن أن تدريب اللاعبين وهم حفاة يجعل أقدامهم وعضلاتهم أقوى بكثير بالإضافة إلى إحساسهم على الكرة وتحكمهم فيها يصبح أفضل، فهذه النظرية تشبه التدريب في الرمال والصحراء والشواطئ وهكذا.
وأخرجت تلك الأكاديمية رامي بن سبعيني لاعب بوروسيا دورتموند الألماني ويوسف عطال لاعب فريق نيس الفرنسي وفريد الملالي لاعب فريق أنجيه الفرنسي وهشام بوداوي لاعب فريق نيس.
جيلو في كوت ديفوار
كان جيلو في كوت ديفوار قبل الجزائر وشارك نادي أسيك في إنشاء أكاديمية في البلاد باستخدام نفس فلسفته في اكتشاف وتأسيس اللاعبين، وتمكن من اكتشاف يايا توريه وحبيب كولو توريه وجيرفينيو وديديه زوكورا وإيمانويل إبويه وجيليس يابي يابو وسالومون كالو.
لكن لم تكتمل الشراكة بسبب خلافات في ملكية الأكاديمية ووصفهم جيلو "بالمستبدين" بعدما أخرج مجموعة كبيرة من الجيل الذهبي للأفيال، وقرر من بعدها تأسيس JMG، والتي امتلكت فرعا في مصر وأخرجت لنا عدة لاعبين من بينهم زيزو.
أكاديمية عالمية بشراكه مصرية
أكاديمية رايت تو دريم هي ملك توم فيرنون ولديه ملكية نادي نوردشيلاند الدنماركي وقرر محمد منصور رجل الأعمال المصري بأن يستثمر فيها بـ100 مليون يورو ومن ثم أصبح المالك لها وافتتح فرعا في مصر.
ويعتبر أهم اكتشاف لهم هو محمد قدوس لاعب وست هام الحالي إذ انتقل من الأكاديمية إلى نوردشيلاند ومنه إلى أياكس الهولندي مقابل 9 ملايين يورو ومن ثم إلى الهامرز مقابل 43 مليون يورو وقيمته السوقية حسب موقع ترانسفير ماركت 45 مليون يورو.
وأيضا سيمون أدينجرا لاعب برايتون الإنجليزي الذي انتقل لهم من نوردشيلاند مقابل 8 ملايين يورو.
وكمال الدين سوليمانا لاعب ساوثهامبتون الذي انتقل إلى ستاد رينيه الفرنسي من نوردشيلاند مقابل 17 مليون يورو.
وأخيرا إيرنيست نواما الذي رحل إلى مولينبيك البلجيكي من نوردشيلاند مقابل 25 مليون يورو.
التدريب العلمي الصحيح منذ الصغر
كل شيء يبدأ منذ الصغر في الأكاديميات، السر كله في الأكاديميات، إذ لم تكن الأكاديمية بها منشآت وملاعب ومدربين حاصلين على الشهادات اللازمة فستكون النتيجة هي عندما يبلغ اللاعب 26 عاما يقول مدربي في الزمالك أو الأهلي "علمنا الكورة من أول وجديد".
لن تكون مبالغة إذ ذكرت أن المدرب الأجنبي في الأكاديمية أهم من وجوده في الفريق الأول لأي فريق، لأن المدير الفني الحاصل على شهادات التدريب من الاتحاد الأوروبي وهي الأفضل في العالم سيكون اللاعب جسديا وعقليا وثقافيا ومن ثم فنيا أفضل.
ماذا يفعلون في بوركينا فاسو؟
أريدك أن تقرأ السطور التالية وتستخرج سبب نقطة التحول في مسيرة ذلك اللاعب الكروية.
يحكي إيدموند تابسوبا مدافع فريق باير ليفركوزن الألماني وواحد من أفضل المدافعين في العالم لشبكة "ذي أثلتيك" الإنجليزية قائلا: "أنا من عائلة فقيرة فكان من الطبيعي بأن أخرج لأحاول جني الأموال بطريقة ما من أجل عائلتي في سن مبكر، ومن لعبي كرة القدم في الشوارع، ذهبت إلى أكاديمية نادي ساليتاس وحصلت على المال لمساعدة عائلتي وأفعل ذلك حتى الآن".
نادي ساليتاس ملك للاعب بوركينا فاسو السابق بوريما مايجا.
ولعب رفقة فريقه في الدرجة الثالثة والثانية والأولى وكان الفريق الأصغر في متوسط الأعمار وكانوا يلعبون ضد لاعبين أكبر منهم بضعف عمرهم وكذلك البنية الجسدية.
وأرجع تابسوبا الفضل في تطوره إلى هذه المواجهات بالإضافة إلى البنية الجيدة للأكاديمية والفريق والتدريب الجيد.
وكان مدرب تابسوبا برتغالي وصديق للمدير الرياضي لنادي ليتشويس البرتغالي وأقنعه بضم تابسوبا في فترة معايشة وإذا كان جيدا فيتعاقد معه ونجح في ذلك بالفعل.
وحكى تابسوبا قصة انتقاله إلى فيتوريا جيماريش قائلا: "في يوم ما تحدث ديكو معي في الهاتف وقال لي أنا ديكو، لم أصدق ذلك أبدا واعتقدت أنها فقط مزحة لكن قلت له حسنا، قال لي إن فيتوريا جيماريش يريدني واستفسر مني إذ كان لي وكيل أعمال وقلت له لا، اجتمع معي في البيت وفي ذلك الوقت أدركت فقط أنه ديكو بشكل حقيقي، ولم أتردد في الموافقة لأن عندما يتحدث ديكو يجب أن تسمعه".
ومن ثم انتقل تابسوبا إلى باير ليفركوزن مقابل 20 مليون يورو.
ويحتل فريقه حاليا صدارة جدول ترتيب الدوري الألماني تحت قيادة تشابي ألونسو ولم يتعرض لأي هزيمة طوال الموسم الجاري وسجل 3 أهداف في جميع البطولات.
وتواجد في التشكيل المثالي لبطولة كأس الأمم الإفريقية 2021.
أعتقد أنك اكتشفت ما أقصده من هذه القصة.
ولذلك الأمر لا يكمن الأمر في الأموال الكثيرة بل في كيفية استخدامها بالتعاقد مع الرجل المناسب الحاصل على ما يلزم لتعليم اللاعبين منذ الصغر كرة القدم وكذلك يضيف للمدربين المحليين وللمستقبل.
الاستثمارات الأوروبية في إفريقيا
الأكاديميات الإفريقية اتخذت خطوة واحدة على الأقل في الطريق الصحيح لجذب الأنظار إليهم من أوروبا والاستثمارات الكبيرة.. فماذا حدث؟
حسب شبكة "ذي أثلتيك" ففي عام 2003 أقام نادي ميتز الفرنسي اتفاقا حصريا مع أكاديمية جينيراسيون فوت السنغالي واستثمر حوالي مليون جنيه إسترليني سنويا، وذلك ساهم في تطوير إسماعيلا سار وديافرا ساخو وحبيب ديالو والأهم على الإطلاق هو ساديو ماني.
وكذلك حسب نفس الشبكة فنادي بيفيرين البلجيكي هو أول من دخل السوق الإفريقي بشكل جدي بعدما تعاقد مع لاعبين هامين في الألفية الجديدة مثل يايا توريه وجيرفينيو وإيمانويل إيبوي وجيليس يابي يابو وبوباكار باري وغيرهم.
وهذه السياسة كانت مستوحاة من المدير التقني جان مارك جيلو الذي أنشأ أكاديمية أسيك ميموزا وتعاون معها أيضا نادي تشارلتون الإنجليزي.
أنشأت ريد بول التي لديها عدة أندية مثل ريد بول سالزبورج النمساوي وريد بول لايبزيج وريد بول نيويورك وهكذا أكاديمية في غانا ولكن أغلقتها واعتمدت على اتصالات جيلو واستخدام شركة اللاعب السابق فريدريك كانوتيه 12 Management كطريق آخر وبديل لها وكذلك استثمار بطريقة أخرى.
ويوجد أيضا اتفاقات بين نادي نيس الفرنسي وأسيك أبيدجان.
يقول سامويل كارديناس المدير الرياضي لنادي جينت البلجيكي: "أندية عديدة ليس لديهم أي شخص في إفريقيا، لكن قررنا الاستثمار مؤخرا الاستثمار لاستهداف بعض البلدان التي ليس لها حضور للأندية الأوروبية، بدون وجود شخص ما على الأرض، يمكن أن تشعر الأندية بالخوف ولهذا السبب قمت بتحديد شخص نثق به لتنسيق عملياتنا الكشفية في أفريقيا الآن".
المكاسب وراء الاستثمارات
وكالة MRKT Insights تعمل على اكتشاف اللاعبين وبيعهم ولديهم اتصالات مع حوالي 20 نادي أوروبي وأكبر مكسب لهم هو فيكتور بونيفاس النيجيري مهاجم باير ليفركوزن الحالي.
وتمكنوا من نقله إلى يونيون سان جيلوا البلجيكي إلى النادي الألماني مقابل 20 مليون يورو الآن قيمته السوقية 40 مليون يورو حسب موقع ترانسفير ماركت.
ويقول تيم كيش لـ ذي أثلتيك: "لقد عثرنا على بعض مقاطع الفيديو القديمة لبونيفاس وهو يلعب كرة القدم على مستوى القاعدة الشعبية في الدوري الإقليمي في لاغوس عندما كان مراهقا".
ويكمل "لقد سألنا أنديتنا وحتى كشافينا عن ردود الفعل وقالوا إنه من الصعب الحكم أو تقديم توصية بسبب المستوى المتصور، لكن هذا لاعب كرة قدم على مستوى أوروبي كبير بعد خمس سنوات فقط".
وتعتبر المكاسب من الاستثمارات في إفريقيا أكبر بكثير عبر الزمن فمن وقت طويل والأندية الأوروبية تتفق وترسل كشافين لاعبين واستثمار في البنية التحتية والتدريب والملاعب ولذلك بدون الحاجة لأموال كثيرة مثلما لدينا تمكنوا من جعل الأكاديميات كنز لا يقدر بثمن ولاعبين تعلموا كرة القدم منذ الصغر وليس "من أول وجديد".