كتب : عبد الرحمن فوزي
"منك قبل 113 سنة" جملة قد تبدو مألوفة لك إذا كنت من المتابعين لمسلسل الرسوم المتحركة هجوم العمالقة.
بالمناسبة إذا بدأت المسلسل ولم تنهيه حتى الآن فقد تجد نسبة قليلة من حرق الأحداث خلال الأسطر التالية.
نعود إلى الجملة السابقة وهي قريبة من عنوان الحلقة الـ 21 من الموسم الرابع من المسلسل والتي كانت تحت عنوان "منك قبل 2000 سنة" .
في تلك الحلقة تم الكشف أخيرا عن سر العمالقة وقصة وجودهم بدخول المؤسسة يومير إلى الشجرة التي وجدت بها الكائن الطفيلي الذي التصق بها ليظهر العملاق المؤسس لأول مرة والذي كان طريقا لبداية أحداث المسلسل وظهور أبطاله في المستقبل وظهور الأنواع المختلفة من العمالقة.
في إفريقيا العملاق المؤسس لكرة القدم هو عبد الحليم محمد، الرجل الذي أسس بطولة إفريقيا ومن المؤسسين للاتحاد الإفريقي ليكون نواة لظهور عمالقة الكرة الإفريقية وللنجوم الذين نشهدهم منذ عقود وحتى يومنا هذا.
ويستعرض لكم FilGoal.com في هذا التقرير قصة عبد الحليم محمد منذ نشأته وكيف أسس بطولة أمم إفريقيا.
نشأته
ولد في مدينة أم درمان بالسودان عام 1910 أي قبل 113 سنة لعائلة معظمها من العلماء والكتاب والسياسين وسمي على اسم جده الأمير القائد العسكري الذي توفي قبل ولادة عبد الحليم محمد.
عانى منذ صغره من مرض الانسداد الرئوي المزمن والذي تسبب في فشل إحدى رئتيه في شبابه.
مؤسس كأس الأمم الإفريقية كان في الأساس طبيبا وليس رياضيا وتخرج من كلية الطب بجامعة الخرطوم عام 1933.
سافر للعمل طبيب في مدينة لندن الإنجليزية ولكنه عاد إلى السودان عام 1939 بسب الحرب العالمية الثانية.
بعد العودة أصبح عبد الحليم محمد أول سوداني يعمل كمدير لمستشفى أم درمان وفي عام 1953 كان قد نجح في توسيع المستشفى لتشمل أقسام جديدة.
عبد الحليم لم يكتف فقط بالعمل الطبي ولكن في نفس التوقيت دخل للمجال السياسي منذ عشرينيات القرن الماضي وبرفقة ابن عمه مؤسس حزب الفجر والذي كان يهدف لنشر التعليم في السودان.
دخول المجال الرياضي
في عام 1936 كان عبد الحليم محمد أيضا قد توغل في المجال الرياضي، ولرغبته في تقدم السودان بجميع المجالات أراد تطوير المجال الرياضي ولذلك أنشأ الاتحاد السوداني لكرة القدم وكان أول رئيسا له.
الاتحاد السوداني كان ثاني اتحاد إفريقي لكرة القدم يتم تأسيسه بعد الاتحاد المصري وتلاهما الاتحادين الجنوب إفريقي والإثيوبي.
عبد العزيز سالم رئيس الاتحاد المصري تحدث مع الثلاثة اتحادات الأخرى وناقش معهم فكرة تأسيس الاتحاد الإفريقي وضمه وضرورة انضمامه للاتحاد الدولي على غرار أوروبا وأمريكا الجنوبية.
عبد الحليم محمد كان من أشد المعجبين بالفكرة وذهب الثنائي بالفعل للاتحاد الدولي لطلب الاعتراف بإفريقيا كعضو في فيفا.
لاقت الفكرة صعوبة كبيرة في التنفيذ لأنها واجهت معارضة كبيرة خاصة من الاتحاد الأرجنتيني الذي رفض انضمام إفريقيا وآسيا لأنه يرى أن مستواهم منخفض في كرة القدم.
استمرت المعارضة لمدة عام وفي 1954 نجح أخيرا الاتحاد الإفريقي بالحصول على الاعتراف الدولي خلال مؤتمر برن بسويسرا ليتكون الاتحاد الإفريقي ممثلا من 4 دول هم مصر والسودان وجنوب إفريقيا وإثيوبيا.
الخطوة التالية كانت ضرورة وجود خطوات فعلية والاستفادة من ذلك الاعتراف الدولي وفي عام 1956 وفي اجتماع فيفا في لشبونة اتفق الرباعي على عقد أول اجتماع رسمي للاتحاد وكان مقره السودان.
روز – سينا – ماريا
في هجوم العمالقة بعد وفاة المؤسسة يومير تم توريث قوتها لبناتها الثلاثة روز وماريا وسينا الذين ورثوا قوة العمالقة للأجيال المتعاقبة لمدة 2000 سنة بعد ذلك وتم تسمية أسوار جزيرة باراديس بأسمائهم.
في قصتنا بعض الاختلافات بالطبع مع قصة المسلسل لأن الاتحادات الإفريقية الأربعة كانت ضمن المؤسسين برفقة عبد الحليم محمد لكاف ولم يتوارثوا الفكرة أو التأسيس من خلاله فقط ولكنه كان فقط صاحب فكرة تأسيس كأس الأمم الإفريقية ولذلك فإن أبطالنا هنا قد يتشابهوا مع روز وماريا وسينا فقط في تأسيس البطولة وليس الاتحاد الإفريقي بالكامل.
في الاجتماع الأول للاتحاد الإفريقي بالسودان عام 1957 كما تم الاتفاق عليه في اجتماع لشبونة الذي ذكرناه سابقا تقرر أن يكون عبد العزيز سالم هو الرئيس الأول لكاف، قرار بكل تأكيد جاء لأنه هو صاحب فكرة تأسيسه من البداية.
خلال الاجتماع كان الشيء الأهم هو فكرة عبد الحليم محمد التي قدمها للأعضاء الآخرين وهي أن يتم تأسيس بطولة إفريقية كما تتواجد بالقارات الأخرى وهي بطولة كأس الأمم الإفريقية.
الفكرة لاقت إعجابا شديدا من الأعضاء الآخرين وبالفعل تم تنفيذها لتقام أول نسخة من كأس الأمم الإفريقية عام 1957 مكونة من مصر والسودان وإثيوبيا وجنوب إفريقيا التي تم استبعادها قبل البطولة بسبب نظام الفصل العنصري فيها بذلك التوقيت.
توجت مصر بأول لقبين الذين أقيما بنفس النظام من 3 منتخبات فقط.
في عام 1963 أقيمت البطولة ب 8 فرق للمرة الأولى وكان التأهل لها مشروطا بتصفيات للمرة الأولى أيضا وأخذت في التوسع على مدار سنوات حتى وصولها للشكل الحالي بمشاركة 24 فريقا وبتصفيات طويلة.
مع كونه رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم كان عبد الحليم محمد هو أيضا رئيس اللجنة الأولمبية السودانية على مدار سنوات.
في عام 1968 أصبح عبد الحليم محمد الرئيس الثالث للاتحاد الإفريقي لكرة القدم ولمدة ثلاث سنوات وبنفس التوقيت كان عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية ولكنه استمر في ذلك المنصب حتى عام 1982.
على مدار سنواته كرئيس للاتحاد الإفريقي وعضو باللجنة الأولمبية السودانية كان له أكثر من موقف مشرف، إذ نادى بالمقاطعة الإفريقية لأولمبياد 1976 لمطالبته بعدم مشاركة نيوزلندا في المنافسات بعد قيام منتخب الراجبي النيوزلندي بجولة في جنوب إفريقيا التي كانت تقوم بأفعال الفصل العنصري.
الموقف الآخر كان أيضا المطالبة بمقاطعة أولمبياد 1980 لاحتجاجه على مشاركة الاتحاد السوفييتي الذي اجتاح أفغانستان
في عام 1978 عاد من جديد عبد الحليم لينتخب كرئيس للاتحاد الإفريقي ولكنه لم يستمر سوى لمدة عام تلك المرة قبل أن يبتعد عن منصبه بسبب مرض مفاجئ تعرض له وليحل محله عيسى حياتو الذي استمر لسنوات.
في 2009 توفي عبد الحليم محمد عن عمر يناهز 99 عاما ولحسن حظه فقد شاهد على مدار سنوات نتائج ما وضع نواته هو ورفاقه قبل أكثر من نصف قرن.
عبد الحليم محمد كان عملاقا في تاريخ كرة القدم الإفريقية وساهم مع رفاقه في صنع بطولة كانت سببا في ظهور عمالقة كرة القدم الإفريقية على مدار التاريح.
في قصة هجوم العمالقة اتجهت يومير نحو الشجرة للهروب من الظلم والبطش والاضطهاد التي واجهته وكان ذلك سببا في ظهور العمالقة، وفي قصة عبد الحليم محمد فقد قاوم الظلم والاضطهاد أيضا الذي واجهته قارة إفريقيا بالكامل وكان نواة ظهور تلك البطولة العملاقة على الرغم من الرفض الدولي ومحاولة قمع الفكرة في البداية.