يبقى جورج ويا أسطورة منتخب ليبيريا والقارة السمراء، صاحب الإنجاز الفريد رغم كثرة نجوم وأساطير إفريقيا على المستوى العالمي.
فإذا توجهت بسؤالك لأي من نجوم إفريقيا في ملاعب أوروبا، ما هو الحلم الذي تتمنى تحقيقه؟ ستكون الإجابة قطعا كتابة اسمي بين عظماء كرة القدم وحصد جائزة الكرة الذهبية "بالون دور".
فمنذ إنجاز جورج ويا في 1995 عندما حقق لقب الكرة الذهبية كأول لاعب إفريقي يتوج بالجائزة، لم ينجح أي لاعب حتى الآن في معادلة هذا الإنجاز من القارة السمراء.
ويأتي ذلك بالرغم من أن بطلنا اليوم من دولة مغمورة كرويا، وتاريخها لا يذكر باستثناء حقبة ويا الشهيرة.
ومع اقترابنا من بطولة كأس أمم إفريقيا 2023 يستعرض FilGoal.com أبرز القصص عن شخصيات تاريخية في البطولة.
الموت من أجل فينجر
"لولا أرسين فينجر، لما نجحت أبدا في أوروبا" بتلك الكلمات كشف جورج ويا عن الدور التاريخي الذي لعبه الفرنسي فينجر في إنجازات لاعب ليبيريا فيما بعد.
كعادة أغلب أطفال القارة السمراء في هذه الفترة، عانى جورج ويا من فقر عائلته بالإضافة إلى الحروب الأهلية في بلاده ليبيريا، وقادت الظروف ويا للتنقل بين الفرق المختلفة لتحقيق حلمه في كرة القدم حتى قادته إلى تونيري ياوندي الكاميروني.
وقادت الصدفة جورج ويا تجاه فينجر صائد المواهب والذي كان يدرب موناكو آنذاك، إذ تواصل المدرب الفرنسي مع مواطنه كلود لوروا مدرب منتخب الكاميرون وقتها للحديث عن المواهب في الكاميرون وهنا بدأ الحديث عن اللاعب القادم من ليبيريا والذي يمتاز بالسرعة والإجادة.
وأتم فينجر صفقة ضم ويا إلى موناكو مقابل ما يقارب من 12 ألف جنيه أسترليني في ذلك التوقيت، ليستهل أسطورة إفريقيا أولى خطواته في طريق الإنجازات".
كان للعلاقة بين فينجر وويا دورا هائلا فيما وصل إليه اللاعب، والذي صرح في حوار سابق: "كان فينجر بمثابة الأب، كان يعتبرني ابنه".
وكشف "أظهر فينجر لي الحب في وقت كانت العنصرية في ذروتها، تعلمت من فينجر أن الرجل الأسود يمكنه العيش مع الرجل الأبيض دون مشكلة".
كان لتعامل فينجر الدور الأبرز في خروج موهبة ويا إلى الجميع، فمهاجم ليبيريا التاريخي، لم يكن يلعب لمجرد تحقيق انتصار أو إنجاز ولكنه يلعب من أجل الأب فينجر والذي لن يمانع إذا مات في الملعب من أجله.
وعن ذلك قال ويا في حوار سابق "كنت ألعب من أجل فينجر، أردت أن يصل له أنني أفعل ذلك بسبب ما فعله معي، فقد كنت مستعدا لكسر ركبتي أو يدي أو وجهي للفوز بالمباراة من أجله".
ولعب ويا تحت قيادة فينجر أربعة مواسم في موناكو وساهم في 80 هدفا خلال 149 مباراة وهو رقم غير معتاد في تلك الفترة.
وقاد ويا فريق موناكو للتتويج بلقب كأس فرنسا مرة، بالإضافة لحصده جائزة أفضل لاعب في إفريقيا عام 89 كأول جائزة فردية كبيرة يحصل عليها.
توهج ويا خلال تلك الفترة لينتقل من موناكو إلى فريق العاصمة في فرنسا، باريس سان جيرمان ويلعب ثلاثة مواسم ويحصد أربعة ألقاب ثم يكتب التاريخ كأول إفريقي يتوج بالكرة الذهبية عام 1995 وقبل انتقاله إلى ميلان عملاق إيطاليا.
سطّر ويا اسمه ضمن قائمة العظماء بعد مجاورة نجوم بقيمة ماركو فان باستن ورود خولييت وروبرتو باجيو ويوهان كرويف وميشيل بلاتيني وفرانز بيكنباور وغيرهم من المتوجين بجائزة الكرة الذهبية وقتها.
واصل ويا رحلته الأوروبية وبعد أربعة مواسم ونصف مع ميلان انتقل إلى تشيلسي معارا لستة أشهر ثم انتقل إلى مانشستر سيتي في رحلة قصيرة ليعود مجددا إلى فرنسا وهذه المرة مع مارسيليا لمدة موسم ويختتم مشواره رفقة الجزيرة الإماراتي لمدة موسمين.
كان ويا أول إفريقي يحصد جائزة الكرة الذهبية ويظل وحيدا حتى الآن في قائمة المتوجين من القارة السمراء.
ورد ويا الجميل بعدما وصل للمنصب الأعلى في بلاده عقب توليه رئاسة ليبيريا، وكرّم الأسطورة الإفريقية كل من أرسين فينجر وكلود لوروا في اليوم الوطني بليبيريا في 2018 بأرفع وسام في بلاده تقديرا لمساهمة الثنائي في مشواره.
الحرب الأهلية والتمسك بـ ليبيريا
قادت الظروف الصعبة جورج ويا للانتقال إلى الكاميرون واللعب مع فريق تونيري ياوندي، ورفض ويا اللعب لصالح منتخب الكاميرون.
وخلال انطلاقته في كرة القدم، شهدت بلاده - المغمورة كرويا- حرب أهلية أولى كادت أن تنهي مسيرته الدولية قبل انطلاقها، وبالرغم من ذلك تمسك ويا بحلم تمثيل بلاده رغم الإغراءات.
وكما تناقلته وسائل الإعلام، رفض ويا عروض تمثيل أي من منتخبي الكاميرون وفرنسا وتمسك بمنتخب ليبيريا.
وقاد ويا منتخب بلاده لتحقيق الإنجاز الأبرز والأهم في تاريخ ليبيريا وهو التأهل إلى أمم إفريقيا مرتين، الأولى في نسخة 96 والأخرى كانت بنسخة 2002.
وسجل ويا هدفا من بين خمسة أهداف هي حصيلة مشاركتي ليبيريا في أمم إفريقيا.
وودع منتخب ليبيريا نسخة 96 بطريقة درامية بعد الخروج من دور المجموعات بفارق الأهداف عن منتخبي زئير والجابون، وكان يفصل رفاق ويا هدفا واحدا من أجل التأهل.
وأثرت الحرب الأهلية على مسيرة ويا مجددا ولكن هذه المرة كقائد لمنتخب ليبيريا، فقد اندلعت الحرب الأهلية الثانية في البلاد خلال الفترة من 1999 وحتى 2003.
وفشل ويا وقتها في تحقيق حلمه بالتأهل رفقة بلاده إلى كأس العالم بعد إنجاز التأهل لأمم إفريقيا.
وبالرغم من الظروف الصعبة التي تعرضت لها البلاد إلا أن نقطة واحدة فقط كانت تفصل جورج ويا عن التأهل مع بلاده، إذ حلت ليبيريا ثانية في المجموعة بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2002 برصيد 15 نقطة خلف نيجيريا المتأهلة بـ 16 نقطة.
نصيحة مانديلا والتحول السياسي
جمعت مقابلة بين جورج ويا ونيلسون مانديلا المناضل الجنوب إفريقي في منتصف التسعينات، وكان لها تأثيرا على تفكيره السياسي.
اهتم جورج ويا منذ تلك المقابلة والتي وصف فيها مانديلا لاعب ليبيريا بـ "فخر إفريقيا"، بالأمور السياسية.
وخرج ويا بعد تلك الرحلة متحدثا في وسائل الإعلام عن ضرورة قيام الأمم المتحدة بدورها لمساعدة بلاده من الحرب الأهلية، وأثر ذلك على المقربين من ويا في رد فعل عنيف من المتمردين.
وعقب اعتزال كرة القدم قرر ويا الترشح لرئاسة ليبيريا في 2005 ولكنه خسر الانتخابات وقتها.
وبالرغم من الخسارة كان لويا شعورا جيدا كما صرح سابقا لصحيفة جارديان قائلا: "يرى البعض أنني فشلت، لكن بالنسبة لي هي خطوة تحضيرية لما أفعله الآن".
وكشف "أجريت محادثة مع نيلسون مانديلا منذ سنوات وأخبرني أنه إذا طُلب مني خدمة بلدي فيجب أن أفعل الشيء الصحيح، وأنا أتصرف بناء على هذه النصيحة".
واهتم ويا بما ينقصه بالفعل وحصل على المؤهلات التعليمية التي كانت تنقصه وبعد 12 عاما نجح في انتخابات الرئاسة، وتحول أفضل لاعب في العالم 95 إلى رئيس بلاده.
وانتهت رحلة ويا مع رئاسة ليبيريا بعد خسارة الانتخابات الأخيرة، ليفقد مقعده في يناير 2024 بعد انتهاء فترته الرئاسية عقب قضاء ست سنوات.
وربما خسر ويا الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ليبيريا، ولكنه ربما يعود مجددا، وحتى وإن لم يعد ستظل بصمة وإنجازات ويا محفورة في أذهان شعب ليبيريا والعالم أجمع كأسطورة رياضية إفريقية.