كتب : أحمد العريان
تخيل أن تقطع نصف ساعة إلى وجهتك، تقضيها تفكر في مدخل لتحقيق صحفي تنوي كتابته، وما أن تصل، فتقابل الموقف الأمثل ليكون بداية كتابتك.
دخلت المقهى المحبب إلى قلبي. مكان هادئ لا يرتاده الناس كثيرًا، ومناسب جدًا لأكتب. هناك تمامًا أحب الكتابة كلما أتيحت لي الفرصة، لكن هذه المرة كانت مختلفة.
مختلفة لأنني جئت هذه المرة لكتابة هذا التحقيق، إذ أعتبرها مساهمة بسيطة في محاولة تضييق الخناق على دولة تشن عدوانًا غاشمًا معتادًا على شعب عربي أعزل بمباركة غربية، فلربما تجد كلماتي صداها ويُعمل بها.
التحقيق المنشود عن مواجهة محتملة للعرب ضد الكيان الصهيوني في أولمبياد باريس. FilGoal.com حقق في كل الاتجاهات. كل الأطراف تحدثوا لنا، ورصدنا التاريخ للاستدلال على المستقبل المتوقع، ثم جاء وقت الصياغة، فإليكم ما قابلنا، وما رصدنا.
رٌب صدفة خير من ألف ميعاد
فور ما دخلت، قابلت رجلًا يزور المقهى لأول مرة، رجل في العقد السابع أو الثامن من عمره كما يبدو من ظهره المنحني، وصوته الخافق، مرتديًا ملابس بسيطة وحزام متهالك. كنا في السادسة إلا الربع مساًء والشاشة تعرض لقاء مانشستر سيتي مع بورنموث، حين طلب الرجل من النادل أن يأتي بالمباريات المصرية (يقصد الدوري المصري). فجاوبه بأن مباراة الأهلي بعد ساعة وربع، وسنأتي بها حين يحين الموعد، فكان رد الرجل (إحنا مالنا يابني بالأجنبي، هاتلنا المصري).
ابتسمت للعجوز وجلست لأبدأ الكتابة، لكنه بدأ الحديث معي. سألني "أنت بتلعب رياضة؟ فأجبته بـ نعم أحيانًا ولكني صحفي رياضي. فاستمر في حديثه. أخرج هاتفه القديم وأطلعني على صور قديمة، يمارس فيها رياضة القفز بالزانة في النادي الأهلي حسبما قال، وإنه كان بطلًا للجمهورية في يوم من الأيام.
ابتسمت وجلست مرة أخرى، لكنه سرعان ما جاء مجددًا إلى طاولتي. أطلعني على صور جديدة أثناء تأديته للخدمة العسكرية. قال إنه شارك في حرب أكتوبر رفقة توأمه وكلاهما مهندسين، وساهما في إسقاط 13 طائرة إسرائيلية. تفاخر أمامي بإصبعه المبتور نصفه، وبقايا شظية إسرائيلية تبقى أثارها في جبينه، قبل أن يعود إلى طاولته مجددًا، وقد أريته ابتسامة أعرض على شفتاي هذه المرة.
ثوان قليلة قبل أن يعود مجددًا ليريني صورًا جديدة من حياته. صور يحصل فيها على تكريم من الرئيس الراحل محمد أنور السادات وغيرها فابتسمت له وشكرته وأخبرته بأن ليس عليه القيام، فإن أردت سآتي لك أنا.
دقائق قبل أن يأتيني للمرة الرابعة، وهذه المرة ممسكًا إيصالًا بنكيًا، ويطلب مني قراءة رصيده المتبقي. فجاوبته "34 جنيهًا"، ليبتسم لي هو هذه المرة بهداوة، ويعود ليكمل الشاي الذي طلبه.
سألت نفسي هنا، هل هي رسالة قدرية قبل أن أكتب تحقيقًا عن العلاقات العربية-الإسرائيلية في الرياضة؟ أم هي مجرد صدفة ولا دخل لما يلي من موضوع بما سبق؟ على كل حال عاد الرجل إلى طاولته وتابع مباراة الأهلي أمام المقاولون وتفاعل مع الأهداف.
مع مرور الوقت، رأيته يعيد حواره السابق معي عن الحرب، لكن هذه المرة مع فتاة تجلس رفقة والدتها. تيقنت حينها بأن هذا فقط ما تبقى لهذا البطل، ويا له من رصيد أكبر وأشرف كثيرًا من أي رصيد بنكي، وإن امتلأ بأموال الدنيا.
تلك كانت ظروف الكتابة، وعذرًا على الإطالة. فقط أحببت توثيقها في التحقيق ذاته الذي نويت كتابته، حتى وإن رأيتم إنها -محشورة- أو لا علاقة لها بموضوعنا.
بين اتهام التطبيع ورواية "تسهيل مهمتهم"
نفس العدو الذي أجهز عليه بطلنا العجوز السبعيني، والذي احتفظ في جبينه ببقايا شظية يفتخر بها إلى اليوم، هو نفسه العدو الصهيوني الذي يغتال أحلام الأطفال الفلسطينيين الآن في غزة، وهو نفسه الذي قد يضطر العرب لملاقاته رياضيًا بعد عدة أشهر في أولمبياد باريس 2024.
في كل مرة توقع القرعة رياضيًا عربيًا أمام آخر ينتمي للكيان الصهيوني، يكون الرياضي العربي أمام أحد الخيارين الصعبين.
إما رفض خوض المباراة لتوصيل رسالة برفض اللعب مع ممثل للمحتل الغاصب، وهو ما يعني التضحية بحلمه الرياضي أحيانًا، أو أن يقرر خوض المواجهة، وهنا سيكون فريسة لهجوم شرس إذا خسر، ومتهمًا بالتطبيع حتى لو فاز.
وإليكم قائمة بأبرز محطات الصراع العربي-الإسرائيلي الرياضية:
- في 1992 رفض لاعب الجودو الجزائري مزيان دحماني المشاركة أمام لاعب إسرائيلي في بطولة العالم، وفي نفس العام تكرر الأمر ذاته مع لاعب إسرائيلي أيضا في أولمبياد برشلونة وانسحب كذلك.
- في 2003 رفض لاعب الجودو الجزائري عمر رباحي، نزال لاعب إسرائيلي وقع أمامه في قرعة بطولة العالم.
- في 2003 رفض أحمد حسن القائد التاريخي لمنتخب مصر إتمام انتقاله إلى جالاتاسراي بسبب تعاقدهم مع حاييم بن ريفيفو اللاعب الإسرائيلي.
- في 2009 رفض مروان الشماخ النجم المغربي، مرافقة فريقه بوردو إلى إسرائيل لمقابلة مكابي حيفا في دوري أبطال أوروبا.
- في 2011 انسحبت المصارعة الجزائرية مريم بن موسى، من بطولة العالم بعد أن أوقعتها القرعة مع لاعبة إسرائيلية، وفي نفس البطولة، رفضت المبارزة التونسية عزة بسباس، لعب المباراة النهائية مع نظيرتها الإسرائيلية نعوم مريتس.
- في 2012، أعلن منتخب مصر للهوكي، رفضه اللعب ضد إسرائيل في بطولة العالم للهوكي التي أقيمت في أورجواي.
- في 2012، انسحب عوض الحربي لاعب تنس الطاولة الكويتي من نصف نهائي بطولة رومانيا المفتوحة لذوي الإعاقة كي لا يواجه جيفا ليران الإسرائيلي.
- في 2016، كشف عزمي مجاهد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد المصري لكرة القدم مفاجأة كبيرة قائلا: "إسرائيل أرسلت خطابا رسميا إلى مصر في 2010 لخوض مباراة ودية معنا ورفضنا طبعا، وكرروا الأمر قبل أيام ورفضنا كذلك".
- في 2019، انسحبت الملاكمة التونسية ميساء العباسي من البطولة الدولية للملاكمة لتفادي مواجهة لاعبة إسرائيلية.
في المقابل يوجد قائمة بمن واجهوا خصوما إسرائيليين، سواء فازوا أو خسروا.
- في 2012 انتصر رمضان درويش لاعب الجودو المصري على لاعب إسرائيلي في نصف نهائي بطولة العالم ورفض مصافحته.
- في 2013، لعبت المصارعة المصرية إيناس خورشيد مع الإسرائيلية إليانا كارتيش، خلال بطولة جولدن جراند بيري، وانتصرت اللاعبة المصرية.
- في 2013، سافر محمد صلاح إلى تل أبيب رفقة بازل السويسري وسجل صلاح وانتصر بازل. ورفض صلاح مصافحة اللاعبين الإسرائيليين وسجد لله شكرا بعد الهدف، قبل أن يلتقط صورة عند المسجد الأقصى.
- محمد النني خاض 5 مباريات أمام فرق إسرائيلية حينما كان لاعبا في بازل كذلك.
- في 2016، لعب إسلام الشهابي أمام لاعب إسرائيلي في أولمبياد ريو دي جانيرو، وخسر الشهابي ثم رفض مصافحة خصمه.
- في 2020، لعبت التونسية أٌنس جابر رفقة زميلتها شيراز البشري تحت اسم منتخب تونس في مسابقة الزوجي لكأس العالم للتنس في فنلندا ضد منتخب إسرائيل، وفازت تونس.
- في 2021، انتصر عماد أشرف لاعب المصارعة المصري على لاعب إسرائيلي في دور الـ16 من بطولة العالم للشباب وزن 77 كج في روسيا.
- في 2021، فاز منتخب مصر لكرة السلة 3x3 على إسرائيل في بطولة العالم ورفضوا مصافحتهم.
- في 2022، انتصر أحمد السيد لاعب السلاح المصري على منافسه الإسرائيلي يوناتان كوهين في بطولة العالم للسلام بالقاهرة وبنتيجة 15-12.
- في 2022، حقق المصريان، إسلام الجيزاوي، وشريف كمال، ذهبية وفضية بطولة العالم للكاراتيه في سلوفينيا، فيما حقق لاعب إسرائيلي الميدالية البرونزية. ليحتفل اللاعبان المصريان برفع علم فلسطين على المنصة سويا، ويبقى اللاعب الإسرائيلي وحده في مكان المركز الثالث رافعا علم الكيان الصهيوني.
_ _ _
مقاطعة إسرائيل في الألعاب الرياضية ظاهرة مكررة ومرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي ودعم القضية الفلسطينية، إذ يمتنع اللاعبون العرب على الأغلب، بل وبعض المنتمين إلى الدول الإسلامية وحتى الأجنبية من اللعب والمنافسة مع الرياضيين الإسرائيليين، ويرى أنصار هذا التوجه أن الرياضة التي تُمارس في إسرائيل لا يمكن اعتبارها مجرد رياضة، بل هي أداة تستعملها السلطات الإسرائيلية لتحقيق أهدافها السياسية والأيديولوجية، التي كان وما زال التمييز ضد أصحاب الأرض من الفلسطينيين أبرز مظاهرها وتجلياتها.
وعلى غرار السيناريوهات السابقة، سنكون في موقف سخيف محتمل في الصيف المقبل، حينما يشارك المنتخب الأولمبي المصري رفقة منتخبات عربية أخرى في منافسات كرة القدم بـ أولمبياد باريس 2024.
كيف ستكون المواجهة المحتملة؟
تأهلت مصر والمغرب بجانب مالي إلى منافسات كرة القدم في أولمبياد باريس بشكل رسمي عن قارة إفريقيا.
وفي أوروبا، تأهل الكيان الصهيوني إلى المنافسات للمرة الثالثة تاريخيًا، ولأول مرة منذ عام 1976.
كأس أمم آسيا تحت 23 سنة والمؤهلة للأولمبياد ستقام في شهر مايو المقبل -قبل الأولمبياد بشهرين فقط-، وبين المشاركين فيها منتخبات قطر، والسعودية، والعراق، والأردن، والإمارات، والكويت.
يتأهل أصحاب المراكز الثلاثة الأوائل إلى الأولمبياد مباشرة، على أن يلعب صاحب المركز الرابع مباراة فاصلة مع غينيا رابع قارة إفريقيا لحسم التأهل.
في وجود مصر والمغرب، فإن تأهل منتخب عربي أو اثنين من عرب آسيا، سيعني حتمية وقوع أحد المنتخبات العربية مع الكيان الصهيوني بنفس المجموعة على الأغلب في الأولمبياد. القرعة ستقام في شهر أبريل المقبل، أي قبل حتى تحديد المتأهلين عن قارة آسيا.
FilGoal.com تواصل مع كل الأطراف. قرأ التاريخ وحلله، محاولين قراءة الموقف قبل حدوثه، وفي محاولة للوصول إلى حل ربما يجنبنا هذا السيناريو من الأساس، وإليكم التفاصيل.
ماذا سيحدث وماذا حدث من قبل؟
قبل عدة أشهر، كان يفترض لـ كأس العالم تحت 20 سنة أن يقام في إندونيسيا لأول مرة في تاريخ البلد الشرق آسيوي المسلم.
إسرائيل تأهلت للبطولة، وبعد مظاهرات حاشدة في البلاد رافضة لاستضافة المنتخب الصهيوني، أخطرت اللجنة المنظمة، الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" برفض استضافة إسرائيل خلال البطولة.
موقع “IraqiNews” الناطق بالإنجليزية نشر خبرًا بتاريخ 26 مارس 2023 وهو نفس تاريخ تأجيل قرعة البطولة لأجل غير مسمى، كان مفاده "ألغى فيفا قرعة كأس العالم تحت 20 سنة بعد طلب مقدم من الاتحادين العراقي، والإندونيسي برفض اللعب أمام إسرائيل".
فيفا قرر نقل البطولة من إندونيسيا إلى الأرجنتين، وأجريت القرعة بمشاركة إسرائيل والعراق، وفي غياب إندونيسيا، ولكن العراق لم يقع رفقة الكيان الصهيوني بنفس المجموعة.
هنا ذهبنا إلى اللجنة الأولمبية العراقية وسألنا: هل تقدم الاتحاد العراقي بطلب حينها فعلًا إلى فيفا لتجنيبكم اللعب أمام إسرائيل في البطولة؟
مصدر من اللجنة الأولمبية العراقية قال لـFilGoal.com: "لا، هذا لم يحدث. لم يتقدم الاتحاد العراقي لكرة القدم بأي طلب مثل هذا، ولكن الاتحاد الإندونيسي هو من تقدم بهذا الطلب وعلى إثره نقلت البطولة إلى الأرجنتين".
وأضاف "عدم وقوعنا بنفس المجموعة مع الكيان الصهيوني كان محض صدفة".
كان السؤال الثاني هو، إذا فهل ستلعبون بشكل طبيعي أمام إسرائيل إذا تأهل العراق إلى أولمبياد باريس في كرة القدم، وأوقعتكم القرعة رفقة الكيان الصهيوني؟
رد المصدر من اللجنة الأولمبية العراقية كان حاسمًا في هذا الصدد، فقال باللهجة العراقية: "أستطيع أن أؤكد لك إننا لن نلعب مع إسرائيل. الكيان الصهيوني عفوا، لأن ماكو إسرائيل، نحن لا نعترف بدولة تدعى إسرائيل".
هكذا كان الرد العراقي، فماذا عن مصر التي تأهلت فعلا إلى الأولمبياد؟
توجهنا إلى وزارة الشباب والرياضة المصرية، وتحديدًا عبر محمد الشاذلي المتحدث الرسمي باسم الوزارة.
سألنا نفس السؤال، هل ستلعب مصر ضد إسرائيل إذا أوقعت القرعة الفريقين بنفس المجموعة؟
وكان رد وزارة الرياضة المصرية لـFilGoal.com: "نعم، بالتأكيد سنلعب المباراة. دائما نشجع لاعبينا على اللعب والفوز ليرفعوا علم مصر على حساب علم الكيان الصهيوني".
وأضاف "في النهاية حين تنسحب، لا أحد في العالم يعرف سبب الانسحاب ولا تصل الرسالة، ولا يلحظ أحد أن مصر أو أي دولة عربية أخرى قد انسحبت أساسًا، لكن تُسهّل فقط مهمة الخصم في التأهل للمرحلة التالية وتخسر فرصتك في التنافس رياضيًا".
الشاذلي أكمل "لذلك نشجع اللاعبين دائمًا على خوض غمار المنافسات الرياضية، وأن يكونوا فيها أكثر تركيزًا وحماسًا وقوة لتحقيق الفوز أكثر من أي مباراة أخرى، بل على العكس أتمنى أن نواجههم وأن أشاهد هذه المباراة كمشجع مصري، حينها سأكون واثقًا أن لاعبينا سيصبحوا 11 مقاتلًا وليس مجرد 11 لاعبًا، يحاولون تحقيق النصر ولكن في مجالهم الرياضي".
FilGoal.com لم يكتف برأي وزارة الشباب والرياضة، فتوجه إلى اللاعبين أنفسهم.
أحمد عيد القائد الثالث في صفوف منتخب مصر الأولمبي، ولاعب النادي المصري لم يكن على علم بتأهل إسرائيل إلى البطولة وانزعج بشدة حين سمع الخبر.
وفور علمه وردًا على سؤال هل سيلعب المباراة إن حكم الأمر، قال أحمد عيد لـFilGoal.com: "لن ألعب المباراة أصلًا إن حدث ذلك".
ولكن ماذا لو كان القرار الرسمي هو خوض المباراة؟ قال عيد عن ذلك "لن ألعب أيضًا. هذا موقفي الواضح".
رأي محمد مغربي لاعب سموحة المعار من الأهلي كان مغايرًا، فقال لـFilGoal.com: "لنلعب المباراة طبعًا ونكتسحهم. سأكون متعطشًا للفوز في تلك المباراة دونًا عن أي مباراة أخرى".
وأضاف: "هو في النهاية قرار المدرب واتحاد الكرة وسألتزم به، ولكن بصفتي أحد قادة الفريق، سيكون رأيي هو اللعب والفوز عليهم في أكثر اللعبات شعبية في العالم".
مغربي أتم: "لا يمكن أن يكون شكلنا أمام العالم كأننا نخاف منهم. لنلعب ونهزمهم أمام العالم كله".
محمد شحاتة لاعب طلائع الجيش كان اللاعب الثالث الذي أبدى رأيه في الأمر، فقال لـFilGoal.com: "لا بد أن نتشاور جميعًا نلعب أولا قبل أن نتخذ القرار في تلك الحالة، لكن أعتقد أن القرار سيكون بالانسحاب في النهاية".
وأضاف: "حلمي بالمشاركة الأولمبية ومجهودنا في التأهل؟ نعم سيكون الأمر صعبا بكل تأكيد، ولكن سنتشاور أولًا. فإما أن ننسحب ولا نلعب المباراة، أو أن نلعب و(نطلع عين أبوهم)".
العربي بدر قائد منتخب مصر الرابع، ولاعب المقاولون العرب كان رابع اللاعبين المشاركين برأيه، وكان ينتمي لرأي خوض المباراة.
عربي بدر قال لـFilGoal.com: "هل تريدون ألا نلعب؟ لنلعب ونـ......(لفظ خارج)".
وأضاف: "أتمنى أن يكون لي شرف التواجد في البطولة. وسندخل الملعب بعلم فلسطين، ولن نصافحهم -إذا سمحت لنا قواعد البطولة- ثم نهزمهم".
طلب استباقي محتمل؟
لن يلعب العراق ضد إسرائيل إذا أوقعتهما القرعة معا إذن، وفي مصر تنقسم الآراء بين مؤيد ومعارض، ولكن الرأي الرسمي هو خوض اللقاء.
لكن هل يمكن للعرب أن يتقدموا بطلب استباقي من الأساس لتجنبيهم التواجد في نفس المجموعة رفقة الكيان الصهيوني؟
الاتحاد الأوروبي مثًلا كان يجنب روسيا وأنديتها التواجد مع أوكرانيا وأنديتها في كافة التصفيات بمختلف الأعمار وفي بطولات الأندية منذ اندلاع حرب جزيرة القرم عام 2014.
طرحنا هذا السؤال على محمد الشاذلي المتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة المصرية، فرد لـFilGoal.com قائلا: "لا أعتقد إن هذا الأمر منطقي، ومن الممكن أن يكون عدد المنتخبات العربية المشاركة كبير، فكيف سيجنبوننا جميعا؟".
وأضاف: "قد يكون هذا الإجراء منطقي بين بلدين، بينهما صراع مباشر مثل روسيا وأوكرانيا مثلًا أو بين إسرائيل وفلسطين، لكن لا يوجد شيء اسمه (قرابة من الدرجة الثانية) عند المنظمات الدولية ليجنبنا نحن أو أي دولة عربية أخرى الوقوع مع إسرائيل لمجرد اتخاذنا موقف المساند لفلسطين. لن ينظروا أصلًا لهذه الخطابات ولن يكون منها فائدة إن أرسلناها".
الشاذلي أتبع: "وماذا سنفعل إن تأهلنا من المجموعات وواجهناهم في الدور التالي؟ في النهاية ستكون هذه مسألة قدرية لا يمكن التحكم بها، وسنقاتل للفوز ورفع العلم المصري".
حري بالذكر إن تجنيب روسيا وأوكرانيا الوقوع سويًا كان في التصفيات وفي بطولات الأندية بدور المجموعات، لكنه لم يحدث في بطولات مجمعة مثًلا كـ كأس العالم، أو اليورو.
الأمر الآخر يكمن في إن روسيا وأوكرانيا دولتين متحاربتين بشكل مباشر فعلًا وبينهما صراع عسكري، لكن ورغم الصراع السياسي الطويل بين إيران وأمريكا مثلًا، فقد تواجها من قبل في كأس العالم مرتين، عامي 1998 ثم أخيرًا في 2022، لأن الرياضة أمر آخر غير الصراع السياسي، والدولتين لم يسبق لهما الدخول في حرب مباشرة بالأساس وبشكل صريح.
في قصة أخرى وبين أكثر قصص تزاوج الرياضة والسياسة شهرة تاريخيًا، كانت تحت اسم "دبلوماسية كرة الطاولة" في بطولة العالم لكرة الطاولة عام 1971 بين أمريكا والصين.
أمريكا الرأسمالية كانت تنظر إلى الصين الشيوعية على أنها عدو بسبب الاختلاف الأيدولوجي بينهما. ووصل التوتر إلى أوجه مع دخول الصين للحرب الكورية عام 1950 لدعم حليفتها كوريا الشمالية الشيوعية ضد كوريا الجنوبية الرأسمالية والتي تدعمها الولايات المتحدة.
وبعد 20 عامًا من انقطاع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، كانت مشاركة أمريكا والصين في كأس العالم لكرة الطاولة عام 1971 في اليابان، فرصة لإعادة العلاقات مجددًا.
تلقى فريق تنس الطاولة الأمريكي دعوة لزيارة الصين أثناء تواجده في ناجويا اليابانية عام 1971. في 10 أبريل 1971، أصبح الفريق والصحفيون المرافقون أول وفد أمريكي يطأ قدمه أرض العاصمة الصينية منذ عام 1949، فكانت تلك مقدمة لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972.
القصتان السابقتان تعززان رأي وزارة الشباب والرياضة المصرية بأن طلب تجنيب العرب من الوقوع مع إسرائيل لن يكون منطقيًا على الأغلب، ولن يؤخذ به.
ولماذا لا يحرم الكيان الصهيوني من المشاركة أصلا؟
إن كان لقرار اللعب ضد إسرائيل أو الانسحاب مساوئه، فلماذا لا نعمل على غيابهم هم أساسًا؟
بعدما أخذت حرب القرم منحى آخر، وتحول الأمر إلى ما يسمى بـ "الغزو الروسي لـ أوكرانيا" عام 2022، قررت اللجنة الأولمبية الدولية، حرمان روسيا من المشاركة في التظاهرات الرياضية بمختلف أنواعها، وبالتالي الحرمان طبعًا من المشاركة في أولمبياد باريس المقبلة.
ألا يمكن للعرب أن يطلبوا حرمان إسرائيل من المشاركة في أولمبياد باريس، أسوة بما حدث لـ روسيا بعد غزوها لـ أوكرانيا؟
كان هذا السؤال موجهًا إلى محمد الشاذلي المتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة المصرية، فهل يمكن لمصر أن تتزعم حملة عربية لتحقيق هذا الهدف؟
وكان رد الشاذلي لـFilGoal.com: " من الممكن جدًا حدوث هذا الأمر، بل وأتمنى ذلك، ليس فقط في الرياضة بل في جميع المجالات".
وأوضح: "لا يجوز أن تكون إسرائيل عضوًا في المنظمة الدولية للحفاظ على التراث (إيكروم) وهي تساهم في هدم تراث الدول الأخرى، ولا يجوز أن تكون عضوًا في مؤسسات رياضية وهي تمنع الرياضيين الفلسطينيين من ممارسة حياتهم الطبيعية وبالتالي أتمنى ذلك".
**تصريح وزير التراث الإسرائيلي مساء أمس السبت: "قصف غزة بالقنابل النووية خيار مطروح".
المتحدث باسم وزارة الرياضة المصرية عاد وشرح كيفية حدوث ذلك في رأيه، فقال: "لكي يحدث ذلك يجب أولًا أن تتحرك الدول العربية جمعاء لإدانة إسرائيل مثلما يحدث الآن، ومثلما فعل البرلمان الكويتي مثلًا لإحكام الحصار السياسي والشعبي على إسرائيل ومواطنيها".
- مجلس الأمة الكويتي قرر ملاحقة رئيس الكيان الصهيوني وقادة الكيان العسكريين والسياسيين كمجرمي حرب في المحافل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وبرلمانات العالم، وتكليف الشعبة البرلمانية للقيام بجهود قانونية وسياسية بهذا الصدد.
كان هذا القرار ضمن 13 قرارًا اتخذهم مجلس الأمة الكويتي وفق بيان رسمي أصدره، يتضمن كذلك استمرار إغلاق المجال الجوي الكويتي أمام الطيران الإسرائيلي، ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، وتكليف تليفزيون المجلس بترجمة مقاطع من الجلسة إلى مختلف لغات العالم، وبثها فضائيًا.
الشاذلي يكمل: "تزامنا مع تلك الخطوة، لابد من الحصول على حكم إدانة من محكمة العدل الدولية في لاهاي لتصنيف ما يحدث في غزة كجرائم حرب".
وأتم "نحن نصنف ما يحدث كجرائم حرب طبعًا، ولكن هذا ليس معترفًا به من المجتمع الدولي، وإذا حصلنا على هذه الإدانة من المحكمة الدولية سنملك الحجة وقتها للمطالبة بإبعادهم عن المشاركة في الأولمبياد مثلما حدث مع روسيا. لا تنسوا إن حرمان روسيا من المشاركة جاء ببساطة وبصراحة بسبب انتماء أوكرانيا للتيار الغربي الذي يسهل اتخاذ الإجراءات من هذا النوع".
عنوان آخر غير لاهاي؟
ولكن أما من طريقة أخرى لإبعاد الكيان الصهيوني عن الأولمبياد وحصارهم رياضيا دون انتظار حكم قضائي دولي؟ لنسرد القصة التالية أولًا.
إسرائيل كانت عضوًا في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم خلال الفترة من 1954 و1974، بل كانت عضوًا مؤسسا للاتحاد وقتما انشغلت الدول العربية عن الرياضة بسبب الاستعمار.
احتلوا وصافة بطولة آسيا مرتين عامي 1956، و1960، قبل أن يحرزوا اللقب عام 1964 في بطولة نُظمت في مدينة يافا المحتلة.
ومع الوقت، بدأت الدول العربية تدرك أهمية التواجد في المحافل الرياضية الآسيوية، فانضمت الكويت ولبنان للاتحاد الآسيوي سنة 1964، ثم انضمت البحرين سنة 1969، وانضم العراق، والأردن، وسوريا سنة 1970، ثم السعودية سنة 1972 فقطر، والإمارات سنة 1974.
وتدريجيًا، بدأت الدول العربية تشارك في بطولات آسيا، والتي كانت مشاركة أندية دولة الاحتلال فيها تقليدية.
وفي أول اختبار، كان يفترض أن يلعب فريق هومنتمن بيروت اللبناني مع فريق هابويل تل أبيب، فجاء القرار اللبناني بالانسحاب من نصف نهائي دوري أبطال آسيا سنة 1970، ليفوز هابويل تل أبيب باللقب في النهاية.
في السنة التالية، وصل نادي الشرطة العراقي إلى نهائي دوري الأبطال، وكان يفترض أن يلاقي فريق هابويل تل أبيب أيضًا، فانسحب رجال العراق، ونال هابويل البطولة دون عناء.
رفضت عدة دول عربية وإسلامية التنافس ضد إسرائيل. بلغ الوضع ذروته بعد فوز إسرائيل بمرحلة تصفيات كأس العالم 1958 عن قارتي آسيا وإفريقيا دون لعب مباراة واحدة، مما أجبر فيفا على تحديد مباراة فاصلة بين إسرائيل وويلز لضمان عدم تأهل الفريق الصهيوني دون لعب أي مباراة واحدة، لتفوز ويلز وقتها.
بدأ العرب وقتها إدراك إن الانسحاب ليس إلا حل مؤقت، ولا بد من حل جذري. فاستغل "أحمد السعدون"، رئيس الاتحاد الكويتي حينها تزايد الدول العربية المنضمة إلى الاتحاد الآسيوي، وحالة التضامن العربي والوعي العالمي الذي تشكل مع حرب أكتوبر عام 1973، ومع رئاسة الماليزي عبد الرحمن تونكو لاتحاد آسيا، كان الوقت مناسبًا لإقصاء إسرائيل.
قدم "السعدون" الطلب العربي في اجتماع المجلس التنفيذي لاتحاد آسيا يوم 15 سبتمبر 1974، ليُطرح الأمر للتصويت في المؤتمر السابع للاتحاد الآسيوي لكرة القدم في كوالالمبور يوم 15 أغسطس 1976، ويمُرر القرار بموافقة 17 عضوًا، مقابل 13 عضوًا رفضوا، وستة أعضاء امتنعوا عن التصويت.
وبسبب القرار، عاش الكيان الصهيوني سنوات من العزلة الرياضية منذ 1976، حيث لم يشارك منتخبه بأي بطولة قارية، وظل لاجئا في تصفيات كأس العالم، إذ لعب تصفيات 1978 في دورة مجموعة بين آسيا وأوقيانوسيا، واستضافته أوروبا مؤقتا في 1982، ثم انتقل إلى تصفيات أوقيانوسيا في 1986 و1990، حتى حصل على عضوية الاتحاد الأوروبي عام 1994.
كذلك ظلت الأندية مشتتة بلا أنشطة قارية منذ الطرد من الاتحاد الآسيوي وحتى سمح لهم الاتحاد الأوروبي بالمشاركة في مسابقاته عام 1991.
المستفاد من القصة السابقة لطرد الكيان الصهيوني خارج الاتحاد الآسيوي، هو إن للدبلوماسية -سواء الرسمية أو الشعبية- دورها القوي كذلك، والذي بإمكانه استبعاد الكيان الصهيوني من أولمبياد باريس أسوة بما حدث مع روسيا وقبل حتى انتظار الإدانة الدولية لمجازرهم في غزة.
فإن كان الاحتلال يحاصر غزة عسكريًا، فبإمكان العرب العمل على الأقل على محاصرة إسرائيل رياضيًا عالميًا، ونبذ مستوطنيها ليتذوقوا قدرًا من مرارة الحصار كذلك.
وبما أن للعرب سابقة ناجحة من قبل وفعلوها بالفعل في الاتحاد الآسيوي، فالأمر ليس مستحيلًا، حتى لو كانت كتلة العرب ليست ضخمة طبعًا داخل اللجنة الأوليمبية الدولية والاتحادات الرياضية الدولية مقارنة بنسبتهم في الاتحاد الآسيوي.
الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية كثيرًا ما أصدرت قرارات وآراء استشارية تدين إسرائيل -حتى لو لم تطبق على أرض الواقع-، فالحصول على أغلبية الأصوات في قرارات دولية لإدانة إسرائيل وأفعالها دوليًا أو على الأقل لا تتفق مع رؤاها ومصالحها، أمر يحدث فعلًا في محافل دولية كثيرة، وكان آخرها مثلًا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لهدنة إنسانية فورية في غزة بتاريخ 27 أكتوبر الماضي رغم وقوف إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة وحلفائها مع الجانب الآخر الرافض لمشروع القرار. صدر القرار في النهاية، ولم يتم العمل به طبعًا كالعادة، ولكنه يظل معيارًا تقيس به القدرة العربية على حشد الأصوات المناهضة للكيان الصهيوني فور ملاحظتك أنه تم اتخاذ القرار بأغلبية 120 عضوًا، مقابل رفض 14 عضوًا، وامتناع 45 آخرين عن التصويت.
فلسطين ليست قضية عربية فقط ولا قضية إسلامية فقط، بل هي قضية إنسانية عادلة، لذلك فالدعوة إلى منع إسرائيل من المشاركة الأوليمبية، استنادًا إلى ما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حاليًا في الأراضي الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة الغربية، فضلًا عن انتهاكها المستمر لحقوق الرياضيين الفلسطينيين في ممارسة الرياضة بحرية، بل والتسبب في قتلهم أحيانًا، كلها مسوغات يمكن حال العمل بجدية على إثارتها، الحصول على أصوات غالبية العالم، أسوة بما حدث في الحالة الروسية بعد غزو أوكرانيا، خصوصًا في لجنة أولمبية دولية لا يوجد فيها "فيتو" يعيق صدور قرار حاصل على الأغلبية المطلوبة، لكن بشرط التحرك الدبلوماسي الرسمي من الآن بواسطة اللجان الأولمبية العربية، وقبل إجراء القرعة المقررة في شهر أبريل المقبل، والتي قد تجعلنا أمام الأمر الواقع.
فإن كانت إسرائيل تعاقب الأبرياء عسكريًا في غزة والضفة الغربية، فلابد أن يكون الحصار والنبذ العالمي رياضيًا هو أقل جزاء تواجهه، عسى أن يدرك الإسرائيليون شعور العزلة أولًا، وأن يضغطوا على حكومتهم المتطرفة ثانيًا لعودة الحياة الطبيعية لهم.
المصادر
-أرشيف جريدة الرياضية السعودية
-صفحات مختلفة من ويكيبيديا لسرد تفاصيل البطولات السابقة وحكاية دبلوماسية تنس الطاولة بين أمريكا والصين
شكر خاص
-شكرا للزميلين محمد الجزار وحامد وجدي لمساهمتهما في التحقيق.
صورة التقرير
- رسمة شروق عز الدين