كتب : محمد السيد حجر
لن نسألك بمجرد قراءتك العبارة المذكورة في العنوان عن صاحبها، يكفيك فقط أن تكون متابع جيد لكرة القدم، حتى تتمكن من معرفة أشهر من تُتنسب إليه الكلمات الماضية.
لن نلعب معك هذه اللعبة الآن، النتيجة محسومة. أنت الفائز بكل تأكيد. العبارة للرجل الأهم في كل فترة انتقالات، والصحفي الرياضي الأكثر ثقة ربما في العالم بالنسبة للجمهور بل وحتى اللاعبين، في كل ما يتعلق بسوق الانتقالات.
فابريزيو رومانو، ليس مجرد صحفيًا عاديًا، بل ظاهرة تستحق منا التوقف عندها، ومحاولة نبش أسرارها؛ لذا ندعوك لنخوض هذه الرحلة معًا، خلف كواليس عالم أخطر صحفي انتقالات في العالم.
أكثر من مجرد صحفي
صحفي رياضي يبلغ من العمر 29 عامًا فقط، يتابعه على فيسبوك أكثر من 11 مليون متابع، وعلى تويتر أكثر من 16 مليون متابع، وأكثر من 19 مليون متابع على إنستجرام، وهي أرقام تمت كتابتها وقت كتابة المقال، ومُعرضة للزيادة، خاصةً أننا في ذروة سوق الانتقالات الصيفية.
تُشير هذه الأرقام لمحة سريعة عن مدى انتشار شعبية رومانو، لكن الموضوع يمتد لما هو أبعد من ذلك.
أصبح فابرزيو علامة مسجلة وموثوقة ليس للجماهير فقط بل لأهم لاعبي العالم. في ديسمبر 2022، وبينما كانت تتصاعد التكهنات عن انتقال فيران توريس نجم مانشستر سيتي إلى برشلونة، وعندما اقتربت الأمور من تمامها، وأراد توريس أن يخبر جماهيره بذلك، ماذا فعل؟
قام بنشر فيديو له على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يقوم بالتدريب في المنزل، وعنونه بجملتين "التدريب في المنزل، ها نحن ذا..."
استخدم جملة فابرزيو الشهيرة، وهذا هو أفضل مقياس لتأثير الرجل، الذي لم يعد يُعتبر كصحفي لسوق الانتقالات، بل مصدر موثوق تتهافت عليه المواقع والصحف لمعرفة آخر مستجدات الصفقات.
والسؤال الآن، كيف وصل فابرزيو لما هو عليه الآن؟
رُبَّ صُدفة
بدأ فابرزيو الكتابة عندما كان في الثامنة عشر فقط من عمره، مراهق يقبع في نابولي، يؤلف قصص رياضية، ويرسلها للمواقع الرياضية على أمل نشرها، دون عائد مادي بكل تأكيد، إلى أن حدث ما لم يكن يتوقعه.
ذات مساء تلقى رومانو مكالمة هاتفية من وكيل أعمال لاعبين إيطالي يعمل في مدينة برشلونة الإسبانية، كان تخصصه بالتحديد هو لاعبي "لاماسيا" -أكاديمية نادي برشلونة-. على حد وصف رومانو، كان يأمل هذا الرجل في تمثيل لاعبين من شباب اللاماسيا، وهم "جيراد ديليفو" الجناح الإسباني الشاب حينها، والمهاجم الأرجنتيني الواعد ماورو إيكاردي.
طلب الرجل من فابرزيو أن يكتب لمحة ولو بسيطة عن اللاعبين في أحد المواقع الإيطالية، ربما تُصيب هذه الطريقة، وتتفتح لهما أعين أحد الأندية الإيطالية، بالفعل كتب رومانو عن اللاعبين، وحصل الوكيل على خدماتهما، وظل الرجلين على تواصل.
في صيف عام 2011، خرج فابرزيو بخبرٍ حصري عن انتقال إيكاردي من برشلونة إلى نادي سامبدوريا الإيطالي، وهو ما يفخر به فابرزيو إلى الآن باعتباره أولى حصرياته في عالم سوق الانتقالات، بالرغم من عدم انتشار الخبر، أو بالأحرى عدم اهتمام الجماهير بانتقال لاعب يبلغ من العمر 18 عام لنادٍ يقبع في دوري الدرجة الثانية.
لكن في نوفمبر 2013، تلقى فابرزيو اتصال آخر من نفس الرجل، كان مفاده: " لقد ساعدتني في بداية حياتي المهنية، حان وقت رد الدين..
أخبره الوكيل عن موافقة إيكاردي للانتقال إلى نادي إنتر ميلان، في الصيف المقبل، قبل ستة أشهر كاملة من إتمام الصفقة.
انهمار الغيث
" بحلول هذا الوقت، تغير كل شيء"، فابرزيو رومانو عن صفقة إيكاردي لإنتر ميلان.
بفضل هذه الصفقة انتقل رومانو من العمل في الصحافة المستقلة، للحصول على وظيفة ثابتة في قناة إيطالية تُدعى Sky Sport Italia والخبر الأول له كان بكل تأكيد تحت عنوان:
" إيكاردي الهداف إلى إنتر"
لطالما كان لدى كرة القدم بشكل عام شهية لا تشبع للقيل والقال والشائعات والثرثرة من سوق الانتقالات. في إنجلترا، تظهر شذرات الأخبار في النسخ القديمة من الصحف الرياضية والتي يعود تاريخها إلى عام 1930، هوس عميق الجذور بهذا النوع من الأخبار.
الحال لا يختلف كثيرًا في إيطاليا. يقول إنريكو مينتانا، مذيع ومخرج ومنتج تلفزيوني في صحيفة جازيتا ديلو سبورت: "عليك أن تتذكر أنه لفترة طويلة، كانت لدينا أربع صحف يومية مخصصة للرياضة، كان السبيل الوحيد لبيع هذه الصحف في الصيف، هي أخبار الانتقالات."
بحلول الوقت الذي وصل فيه لـ Sky Sport Italia، كان ملك سوق الانتقالات هو الصحفي الإيطالي "جيانلوكا دي مارزيو"، ملك سوق الانتقالات، وصاحب البرنامج الليلي الذي يُبث كل نافذة انتقالات.
عمل رومانو مع دي مارزيو في القناة، بل وساعده في إنشاء وتطوير موقعه الخاص على الإنترنت، لكنه في المقابل تعلم خبايا المهنة، لاسيما صحافة سوق الانتقالات.
الانفجار الأعظم بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي
بسرعة بديهة أدرك رومانو أن المشهد يتغير من حوله، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الحيز الذي يمكن أن يقدم له الخطوة التالية في مسيرته.
يتحدث رومانو أن مثلاً في البداية كان يستخدم إنستجرام بشكلٍ شخصي. يقوم بنشر صورة ما للغيوم والسماء، فما أن تلبث الجماهير بسؤاله عن آخر التحديثات في صفقة ما في إيطاليا.
تعود اللحظة الأهم التالية في تاريخ فابرزيو لعام 2020، حينما ارتبط اسم لاعب الوسط البرتغالي "برونو فيرنانديز" بنادي مانشستر يونايتد. اتخذ حينها رومانو خطوة الخروج خارج حيذ الوطن، قلل رومانو حينها من احتمالية انتقال برونو لليونايتد، ثم كانت الضربة الكبرى بعدها بعدة أشهر، حينما عنون اقتراب برونو فعليًا من النادي الإنجليزي، بعبارته الشهيرة: " ها نحن ذا...."
يتحدث رومانو أن الصفقة لم تكن خفية على الجمهور، بل كانت معروفة منذ شهور، فقط هو استطاع الوصول إلى موعد إتمامها، ومن ثمَّ قام بإخبار الناس، التي تفاعلت مع الخبر لأنه صدقهم القول على حد تعبيره.
جزئيًا، يمكن أن يُعزى تأثيره المتزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أضاف خمسة ملايين متابع على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الثمانية عشر الماضية وحدها، هذا بالإضافة إلى أخلاقياته في العمل.
فعندما لا يقوم رومانو بإرسال قصص إلى The Guardian أو Sky Sport ، فإنه يقوم بوضعها على Twitter و Instagram و Facebook و YouTube ، أو يتحدث عنها في البودكاست الخاص به أو على قناة Twitch الخاصة به أو في دوره الأخيرمع CBS Sports.
شعرة ما بين هذا وذاك
لم يعد رومانو مجرد صحفي في سوق الانتقالات، بل تخطى ذلك ليصبح قوة وسلطة داخل هذه النوافذ، لتفهم الفرق تابع معنا القصة التالية.
في الصيف قبل الماضي، مع إبرام فالنسيا صفقة للتعاقد مع ماركوس أندريه، المهاجم البرازيلي الذي قضى الموسم السابق يلعب مع منافسه في الدوري الإسباني ريال بلد الوليد، تم تكليف شركة VCF Media، ذراع التسويق والاتصالات بالنادي، بالعثور على طريقة غير متوقعة ومؤثرة للإعلان عنها.
الانتقال هو فرصة للنادي لجذب الانتباه، والفوز ببعض مقل العيون وربما اكتساب عدد قليل من المشجعين الجدد فيما أصبح الآن معركة عالمية للمشاركة. فالنسيا لا يتنافس فقط مع منافسين محليين مثل فياريال أو إشبيلية لهذا الجمهور، بل يتنافس أيضًا مع فرق من إيطاليا وألمانيا وإنجلترا.
المشكلة أنه لم يكن هناك شيء جديد بشأن اهتمام النادي بالتعاقد مع ماركوس أندريه. كانت هناك سلسلة من القصص تلمح إلى هذه الخطوة لأسابيع. للوصول إلى أوسع جمهور ممكن قررت VCF Media القيام بشيء مختلف قليلاً.
بمجرد اكتمال الأوراق الخاصة بالصفقة، اتصل النادي برومانو، وبمباركة بورخا كوسيه، سأله وكيل ماركوس أندريه عما إذا كان قد يرغب في أن يكون جزءًا من الإعلان. وافق، وقام بتصوير مقطع فيديو قصير لإثارة الصفقة. اختتمت، بالطبع، بشعاره.
كان منطق فالنسيا بسيطًا. رومانو كان لديه حينها 6.5 مليون متابع على تويتر، في حين أن النادي كان لديه 1.3 مليون فقط. من وجهة نظرVCF Media، كان "رومانو مؤثرًا هائلاً في عالم كرة القدم واختصارًا إلى الطريق للجمهور العالمي"، كما قال ممثل النادي. كان رومانو نقطة التقاء "الرياضة والترفيه".
منذ ذلك الحين، حذا آخرون حذوهم. ظهر رومانو في فيديو أحد فرق الدوري الإنجليزي الممتاز حينها مرة أخرى، وهو نادي واتفورد، حيث ظهر إلى جانب مجموعة من اللاعبين في الفيديو لإطلاق قميص النادي الجديد الصيف الماضي.
كما ظهر رومانو في مقاطع فيديو لكل من نادي أوجسبورج الألماني وتورونتو الكندي، إذ أعلن التعاقد مع ريكاردو بيبي المهاجم الأمريكي، وصانع الألعاب الإيطالي لورينزو إنسيني.
هذه المظاهر هي شهادة على حالة رومانو المختلطة. عادةً، تفضل الأندية الأوروبية إبقاء الصحفيين من جميع الأطياف على مسافة ذراع. الوصول إلى غرفة خلع الملابس الذي تقدمه بطولات الدوري الأمريكية الكبرى هو لعنة لا يمكن الاقتراب من أسوارها. إنهم يحرسون خطط النقل الخاصة بهم بسرية خاصة، خوفًا من أن يؤدي التسرب الخاطئ إلى تعريض صفقة في طور الإعداد للخطر.
هذه الشهرة مفيدة من الناحية المهنية بالطبع. فتحت شهرة رومانو الأبواب الموصدة له، يقول رومانو: "أتذكر أن مديرًا رياضيًا اتصل بي في يناير الماضي، لقد تحدثت عنه كثيرًا، وبهذه الطريقة ، اتصل. قال إنه يريد أن يعرف الصبي الذي بدا أنه يعرف كل شيء ".
كان رومانو لفترة وجيزة مجرد نجم صغير. لكن هذه العلاقات تنطوي على مخاطر أيضًا. نفس التأثير الذي يجعل رومانو ذا قيمة للأندية التي تتطلع إلى الوصول إلى أتباعه يجعله أيضًا عرضة لأولئك الذين يتطلعون إلى استغلال سمعته من أجل الموثوقية.
على حد تعبيره، "لا يحتاج الصحفي إلى أن يكون العدو".
هكذا يرى نفسه حتى الآن، حتى مع كل هذا التأثير وكل هذا الامتداد. إنه يرفض مصطلح "المؤثر"، لكنه تجاوز هذا المصطلح منذ مدة. عبر ذاك الخط رفيع. الخط الذي يمتد بين المراقب والمشارك، بين الداخل والخارج. لقد عبرها الآن. عبر فابريزيو من ظلام العمل خلف الشاشات، إلى نور النجومية، حتى بات هو نجم أسواق الانتقالات.