كتب : أحمد أباظة
"ما الذي تحصل عليه إذا ألقيت سائق شاحنة وعامل نظافة وطالب في علم الحيوان ومجموعة من أصحاب الوظائف الأخرى في ملعب كرة قدم؟ في حالة أوكلاند سيتي، تحصل على ناد يحقق عوائد بملايين الدولارات ويجتاح العالم".
هكذا وصف تقرير NZherald الحالة في 2014، حين بلغ أوكلاند نصف النهائي التاريخي في كأس العالم للأندية أمام سان لورنزو الأرجنتيني، وحصد 2.57 مليون دولار نظير ذلك.
بالبحث عن هذا النادي، تجد عدة تقارير تصفه بـ "شبه محترف" أو "Semi Professional"، لوهلة قد تظن أن هناك ناد آخر باسم مشابه، فلا يمكن أن يكون ذلك وصفا دقيقا للنادي الذي لا نكاد لا نرى غيره من أوقيانوسيا، قبل أن يتضح أن هذا كل ما يتطلبه الأمر لحكم أوقيانوسيا، أو أن هذا تحديدا هو السبب الذي دفع أستراليا لمغادرة منافسات أوقيانوسيا..
أوكلاند تأهل لنصف نهائي مونديال 2014 بالفوز على وفاق سطيف بطل إفريقيا آنذاك، فوجد مدافعه ماريو بيلين رسالة على هاتفه تقول: "مباراة عظيمة. أنت مطرود. توقيع: مديرك".
"بيلين يعمل في مجال الإنشاءات ونحن جميعا سنضطر للبقاء هنا لوقت أطول مما توقعنا". هكذا فسر زميله إميليانو تادي الأمر، قبل أن يوضح أن الرسالة -لحسن الحظ- كانت مجرد مزحة تواطأ فيها مع بقية اللاعبين.
هل تذكرت شيئا مشابها؟ بالتأكيد.. السيد المندوه صاحب هدف بني عبيد الشهير في مرمى الزمالك، والذي كان في "ورشة النجارة" واتصلوا به خصيصا لمواجهة الزمالك على حد قوله، ولكن بني عبيد كان ينتمي للدرجة الثالثة آنذاك، وربما لا يزال، الحديث هنا عن النادي الأكثر نجاحا في الدرجة الأولى والضيف شبه الدائم على كأس العالم للأندية، كيف يحدث ذلك؟
ربما لأن النادي نفسه تأسس عام 2004 مع بداية الشكل الجديد -وقبل الأخير- للدوري النيوزيلندي، وربما لأن هذا كان قبل 9 أعوام وبعد 10 فقط من تأسيسه. ربما تغير الوضع الآن أليس كذلك؟
حسنا.. إلى سبتمبر 2022، وتقرير آخر من "مارتن فان بينين" عبر موقع Stuff النيوزيلندي:
"وفقا لقوانين الكرة في نيوزيلندا، اللاعبون إما هواة وإما محترفون. اللاعب المحترف ينال عقدا موقعا ويتلقى مبلغا يكفل له أن العائد أكبر من الإنفاق، أما بقية اللاعبين فيصفنون كهواة، وفي هذه الحالة فإن مصطلح "الدفع لهم" واسع لدرجة تسمح لحافلة بالمرور من خلاله".
التقرير يهدف لتسليط الضوء على تحايل أوكلاند في مسألة الدفع للاعبيه بينما يجني الكثير كون ميزانيته غير مثقلة بالمحترفين، وهو ما يقوله النادي نفسه: "لاعبينا هواة وأغلبهم يملكون أعمالهم خارج كرة القدم".
فان بينين لم يهدأ هنا، إذ بحث في حسابات اللاعبين أنفسهم عبر "فيسبوك"، فلم يجد سوى واحدا فقط -لم يذكر اسمه- يكتب عملا حقيقيا على حسابه: كهربائي مبتدئ.
يرمي التقرير مجددا إلى إمكانية كون ادعاء النادي غير حقيقي هذه المرة، وأن هؤلاء اللاعبين لا يخفون أعمالهم الأخرى، بل ببساطة لا يجدون الوقت لشغل وظائف أخرى بوضع التدريبات والتحضير للمباريات والسفر واللعب في الاعتبار.
من هنا عاد فان بينين من جديد ليسأل أوكلاند عن وظائف اللاعبين، فأتاه الرد: "نحن سعداء وواثقون بتصريحنا عبر الموقع الرسمي حول كون أغلبية لاعبينا (ما يعني 13 أو أكثر) لديهم وظائف طبيعية خارج كرة القدم... نعتقد أن الدخول في تفاصيل عملهم سيعد خرقا لاعتبارات الخصوصية وإلزام السرية".
ربما رفض أوكلاند الحديث مباشرة، ولكن رامون تريبوليتش المدرب التاريخي للنادي، وجيرارد جاريجا لاعبه الحالي نجم نهائي دوري أبطال أوقيانوسيا، قد منحا الزميل زكي السعيد في حواريهما عبر FilGoal.com تفاصيل قد تساعدنا في الوصول لإجابة:
"اللاعبون نصف احترافيين، ولكن دعني أخبرك أن كل لاعبي أوكلاند مكرسين لكرة القدم، ربما بعضهم لا يزال يدرس، والبعض الآخر يعملون كمدربين في النادي، وبالتالي يدربون ناشئي النادي، ثم يكرسون أنفسهم للعب كرة القدم. صحيح أنهم نصف محترفين لكن ذلك يحدث في ظروف جيدة للغاية لتستطيع اللعب وتكريس وقتك تمامًا للعب بشكل احترافي".
رامون تريبوليتش المدرب التاريخي لفريق أوكلاند سيتي - طالع الحوار الكامل من هنا
"تأتي إلى نيوزيلندا وتجد أن الدوري غير احترافي، هناك فوارق كبيرة. ما أقوله لا ينطبق على أوكلاند سيتي، إنه أكثر فريق احترافي في الدوري، فهو يمتلك المنشآت والطاقم الفني، ولهذا هو النادي الأكثر نجاحًا ويشارك باستمرار في مونديال الأندية. لكن هنا عمومًا الدوري نصف احترافي، كل اللاعبين لديهم وظائف أخرى".
جيرارد جاريجا نجم أوكلاند سيتي - طالع الحوار الكامل من هنا
نعرف جميعا أن الدوري المصري ليس المنتج الأفضل، ونعرف أن مقارنته بكبار الدوريات الأوروبية لن ننال منها سوى الاكتئاب، ولكن صدقا، اسمعوا هذه..
"أكثر ما توقفت عنده هي الملاعب، تجد نفسك تخوض المباراة في حدائق عامة حيث يضعون المرمى ويرسمون خطوط الملعب. في إسبانيا أينما تلعب سواء أقل مستوى أو الدرجة الأولى فإن الملعب هو ملعب، ولكن هنا تلعب في حديقة حيث غرف خلع الملابس ودورات المياه مشتركة".
"لقد حدث معي هذا العام مرتين أو 3 قبل المباريات أنني كنت أذهب لدورة المياه قبل الخروج للملعب لأجد مشجعين حاملين البيرة يتحدثون إليّ أثناء تبولهم وشعرت أن ذلك يمكن أن يحدث هنا فقط. هذا مستحيل الحدوث في مصر مثلًا، أن تجد لاعبًا من الفريق المنافس في دورة المياه قبل دقيقتين من المباراة، ولكن هذا ما تجده هنا في نوزيلندا".
نعرف جيدا أن كرة القدم لا تعرف المستحيل، ولكن ما نعرفه أيضا أن ما ننتقده في الكرة المصرية ونعتبره أساسيات غائبة قد يعد أقصى سبل الرفاهية في نظيرتها النيوزيلندية. نحن نشكو من أرضية الملاعب، هم يملكون بعض المساحات الخضراء ويجدون طريقة أو أخرى لإطلاق عليها لفظ ملعب.. We are not the same