زكي السعيد

"العروبة دُفنت مع عبد الناصر"

هل كان طارق دياب جائرًا في طرحه؟ هل حقًا دُفنت العروبة مع عبد الناصر؟ وهل وُجدت تلك النظرية من الأساس؟
الأحد، 04 ديسمبر 2022 - 20:10
ليونيل ميسي - الأرجنتين أمام السعودية

-أبارك لكل الشعب العربي والوطن العربي ومصر والمصريين...

-بارِك للشعب المصري، معادش تحكي على العروبة، احكي على مصر، العروبة دُفنت مع عبد الناصر، في الوطن العربي 90% ضد مصر، تحديدًا شمال إفريقيا، 90% يحبوا مصر تنهزم، وفي مصر 90% يحبوا الجزائر تنهزم...

-خلينا نتكلم عن الـ 10% بفرض إن فعلا في 90% ضد، احنا بنتكلم في واقع...

-... معادش في عروبة، في العراق اختلفنا، في غزة اختلفنا، في جنوب لبنان اختلفنا، فقط في الرياضة نحكي عن العروبة؟ هذا الواقع

تلك المحادثة دارت منذ 12 عامًا عبر محطة الجزيرة الرياضية، طرفها الأول نادر السيد، والآخر طارق دياب، بعد دقائق من نهاية مباراة مصر ونيجيريا في كأس الأمم الإفريقية 2010.

لحظة كانت فارقة وشكّلت صدمة هائلة للمشاهدين، وجلبت وبالًا من الكراهية على لاعب القرن في تونس من مصر.

القومية العربية

في كأس العالم 2022 عاد جدال القومية العربية في كرة القدم ليطفو على السطح من جديد، خصوصًا مع النتائج الرائعة للمنتخبات العربية -على غير العادة بصراحة- مما أكسبهم مزيدًا من التعاطف بين ذويهم العرب.

ولكن، هل كان طارق دياب جائرًا في طرحه؟ هل حقًا دُفنت العروبة مع عبد الناصر؟ وهل وُجدت تلك النظرية من الأساس؟

ربما جزء كبير من التعاطف مع العرب نابع من نظرية الـ Underdog، قلبك يميل إلى الطرف الأضعف، فدائمًا عندما يفوز المقهور تكون قصة رومانسية، ونحن العرب أمم غير متفوقة كرويًا، لم نعرف أبدًا ربع نهائي كأس العالم على مر التاريخ، وبالتالي فنحن حاضرون دائمًا في تلك الفئة غير المرشحة للفوز.

البعض يرى أن عدم التعاطف مع المنتخبات العربية صفة خسيسة، أمّا تشجيع المنتخب المنافس لها فهي جريمة.

لو كنت عاشقًا لـ ميسي أو متابعًا للأرجنتين منذ حقبة مارادونا، وساندتها أمام السعودية -تمامًا كما تساندها أمام أي منتخب آخر-، فقد يُنظَر إليك باحتقار.

وأنا شخصيًا بصدد مساندة إسبانيا أمام المغرب، إنه المنتخب الذي شجّعته طوال حياتي، وهي الدولة التي تجمعني بها روابط أعمق بكثير من كرة القدم، أكثر بكثير مما يجمعني بـ المغرب كدولة.

ولا عيب في ذلك، ولا يجرّمه القانون بالمناسبة، أمّا الأعراف التي يتشدق بها البعض، فأحيانًا تنقلب نفاقًا.

ولا أظن أن البلجيكي مُجبر على مساندة هولندا بحكم الجيرة واللغة، أو أن ابن الأرجنتين مُلزم بتشجيع أوروجواي رغم أن نهرًا صغيرًا يفصلهما، بل حتى يفشل الناطقون بالإسبانية في التفرقة بين اللكنتين.

والإسباني على الأرجح لن يوالي البرتغال وهي شريكته الوحيدة في شبه الجزيرة الإيبيرية، وسيفضّل الموت قبل أن يرفع علم فرنسا.

كرة القدم أبسط من ذلك بكثير، ليس في الأمر أي خيانة، ولساني العربي لا يوجّهني بالضرورة لمساندة منتخبات معينة، هذا ليس تنصلًا من أصولي.

نحن 22 دولة تجمعنا اللغة، ولكن في النهاية المصالح السياسية تتحكم والخلافات الطاحنة تنفجر وتخمد.

نحن دول مثل أي دول أخرى في العالم، عندما تشتد النزاعات يمكن أن تهطل الصواريخ، أو تُفرَض الحصارات، أو تُمسي دولة وتستيقظ المحافظة 19، أو يُسحَب السفراء وتُقطع العلاقات.

يمكنك أن تشجع المغرب وتونس والكويت وجزر القُمر وجيبوتي وموريتانيا (هل كنت تعرف أن آخر 3 دول عربية أيضًا؟) تمامًا كما يمكنك تشجيع إسبانيا أو ألمانيا أو الأرجنتين.

يمكنك تشجيع أي منتخب لأي سبب في العالم، لأنك تتقن لغتهم، أو لأن عشيقتك من هناك، أو لأنك ذهبت في زيارة منذ 20 عامًا وأعجبك الطعام، أو لأن السلام الوطني وقعه جميل على نفسك، أو لأن العلم يحمل لونًا مريحًا لعينيك.

لكن ما لا يمكنك فعله، هو أن تفرض تشجيع منتخب بعينه على بقية الناطقين بنفس اللغة فقط لأننا نتشارك اللسان كما هو الحال مثلًا بين 400 مليون ناطق بالإنجليزية، أو 500 مليون ناطق بالإسبانية، أو 100 مليون ناطق بالفرنسية.

ليس من المنطقي لأن حتى منتخباتنا العربية تضم في صفوفها لاعبين كثر لم يُولدوا في الوطن العربي ولا يتحدثون لغته، وهذا أمر لا بأس به، لا مشكلة في الاستفادة من كل حاملي جنسيتك حول العالم، ذلك لا يقلل من أصالة المنتخب أو من أحقيته. سويسرا وكندا وأستراليا وغانا والكاميرون كلها منتخبات مشاركة في مونديال 2022 وتحمل عددًا هائلًا من اللاعبين مزدوجي الجنسية ولا مشكلة في ذلك على الإطلاق.

وحجة أننا نتشارك العرق والثقافة والدين، بالإضافة إلى اللغة، أراها واهية للغاية، لأن لكل بلد عربي ثقافته الخاصة، ولكناته -التي قد لا نفهمها بالكامل حتى-. والتنوع قوة وثراء بالمناسبة، تجده داخل حدود الدولة نفسها أيضًا، فما بالك عند اجتياز الحدود للدولة المجاورة، أو أن تطير -بعد استخراج تأشيرة السفر لأننا لسنا في الاتحاد الأوروبي بالطبع- نحو دولة عربية في قارة أخرى!

بل هذا التقارب الجغرافي إن أنتج شيئًا، فإنه يسفر عن ندية طبيعية ومنطقية للغاية، فأعنف دربيات العالم تكون بين بلدان تتلاحم حدودها بالضرورة.

ولا يجب أن يكون هذا الطرح برمته من المحرّمات، فأن تجعل من تشجيع منتخب دولة أخرى نظرية رسمية غير قابلة للمناقشة هو أمر أراه سياسيًا أكثر، فرئيس الدولة العربية x لن يخرج ليقول إنه يساند المنتخب الذي يلعب أمام الدولة العربية y, لاعتبارات دبلوماسية، ما علاقة ذلك بالعبد الفقير إذًا؟

وفي المنصات الإعلامية، beIN Sports (الجزيرة الرياضية سابقًا) على سبيل المثال، يُتَبَع نهج "كلنا عرب"، ليس لأن العروبة مقطعة بعضها، ولكن لاعتبارات المشاهدين والمتابعين واحترامًا لأذواقهم، سياسة تصل حتى لدرجة التأثير على لا وعي المشاهد.

فالمعلّق ينفعل مع المنتخب العربي ويبدأ الحديث بلكنته وإطلاق نكات أبناء بلده والبكاء تلاوةً لأشعاره، ذلك كله جزء من عمله في النهاية، أن يتقمص شخصية هذا المنتخب لأقصى درجة لأنه جاء هنا غير محايد. ما يحدث أن الأمر يتطور لاحقًا ليؤثر على المتلقي (خصوصًا العاطفي) ويتحوّل هذا "الشو" إلى مشاعر راسخة في نفس المُشاهِد.

ولذلك، فوطني حبيبي الوطن الأكبر وإلى آخره، لكن رجاءً دون إغفال الصورة كاملة.