كتب : محمود عزت
"أعتقد أننا باركنا الله أن يظهر هذا اللاعب بعد محنة موت كريستيان بينيتيز هداف الإكوادور بشكل مفاجئ" رينالدو رويدا مدرب المنتخب الإكوادوري السابق
فالنسيا يتناسب بالتأكيد مع فئة اللاعبين "التي لم تسمع بها من قبل"، الصبي المزارع في حقول سان لونرينزو في الإكوادور حمل ثقل أحلامه التي كانت تثقل كاهل كتفيه مثل الحليب الذي كان ينقله إلى المدينة.
ومن أجل شراء زوج من أحذية كرة القدم، كان إينر يستيقظ في ساعة مبكرة ليحلب الأبقار في المزرعة حيث يعمل والده، ثم يذهب إلى المدينة لبيعها.
وهناك 4 أشياء ربما لا تعرفها عن بلد إينير فالنسيا، أن الإكوادور هي أول دولة في العالم تعترف رسميًا بحقوق الطبيعة.
وثانيًا، كانت الدولة أيضًا أول من ألغى عقوبة الإعدام من قوانينها، وأخيرًا تم الاعتراف رسميًا بالإكوادور كأكبر مصدر في العالم للفاكهة الصفراء اللذيذة "الموز".
رابعا، الجميع يعرف أن فالنسيا هو الجناح الإكوادوري الذي لعب لمانشستر يونايتد، لكن لم يكن أحد يعرف فالنسيا الآخر صاحب 5 أهداف لمنتخب بلاده في كأس العالم، وبات الهداف التاريخي لبلاده.
ويستعرض Filgoal.com قصة المهاجم إينر فالنسيا قائد الإكوادور الذي عرف في صباه باسم "سوبر مان" لينجح في قيادة بلاده في تحقيق الانتصار بثنائية على قطر في افتتاح كأس العالم نسخة 2022.
كرة القماش
ولد إينر فالنسيا في 4 نوفمبر 1989، هو ينتمي إلى أصول أفرو-إكوادورية تعود إلى إفريقيا، أجداده هم من نسل العبيد الأفارقة الذين جلبهم المستعمر الإسباني إلى الإكوادور.
وبالطبع، الفقر أحد أصعب الأشياء في هذا العالم، ولم يكن بوسع عائلته البقاء على قيد الحياة إلا ببيع الحليب، ساعد الطفل الصغير والده في بيع حليب البقر في شوارع سان لورينزو.
كانت إحدى أكبر احتياجاته، عندما كان طفلاً أن يكون لديه كرة قدم خاصة به، لسوء الحظ لم يستطع رامبيرتو والد فالنسيا شراء أفضل كرة قدم لابنه، وتمكن رمبرتو من صنع كرة من القماش لابنه كهدية.
وبعد حوالي عقد من الزمان، وجد الطفل الصغير الذي لعب بـ كرة من القماش نفسه في منتخب بلاده، يركل كرة برازوكا 2014 الشهيرة لتسجيل الأهداف في نهائيات كأس العالم في البرازيل، واستمر بركل "الرحلة" الاسم الرسمي لـ كرة مونديال 2022.
والدته دونا بوليفيا اكتشفت حبه لكرة القدم مبكرا، حيث قالت "أحب فالنسيا أن يركل أي شيء على شكل كرة عندما كان صغيراً، ركل بقوة في بطني عندما كانت حاملاً به" تقول ضاحكة.
بدأ إينر فالنسيا بلعب كرة القدم صغيرا في ملعب جيرانه بالقرب من مصب نهر سالادو، في ذلك الوقت وأثناء لعبه بين الجيران، حرص فالنسيا دائمًا على أن يكون صاحب أكبر عدد من الأهداف لينضم في عام 2008 إلى أكاديمية كاريبي جونيور المحلية.
ولم يكن كاريبي جونيور فريقًا كبيرًا في كرة القدم الإكوادورية، ولكنه كان دائمًا ما يدفع اللاعبين الشباب إلى فرق أكبر في البلاد، وواصل إينير فالنسيا تسجيل الأهداف مع شباب كاريبي جونيور، وفي غضون عامين انتقل إلى إيمليك أحد أبرز الأندية في الإكوادور.
وفي الأسابيع الأولى له مع النادي، عانى إينر من مشاكل الإقامة بسبب نقص الأموال لذلك مكث بالنادي.
إهانات عنصرية
قام مدربه جوستافو كوينتيروس بتحويله من جناح إلى مهاجم بسبب جودة تسديداته، وبعد وصول خورخي سامباولي مدرب إشبيلية الحالي، أصبح إينر الاسم الأول في قائمة فريق إميليك الأولى.
وخلال عامين تحول إينر فالنسيا إلى أحد أبرز أفضل لاعب كرة القدم في البلاد، ومن ثم بدء اللعب مع منتخب الإكوادور لتطارده أندية كرة القدم الأجنبية من أجل التوقيع معه.
وساعدت أهداف إينر في انتزاع لقب الدوري الإكوادوي الذي انتظره النادي لمدة 11 عامًا، ومن ثم انتقل إلى باتشوكا المكسيكي، وكان الأسبوع الأول من إقامة اللاعب في المكسيك معقدًا للغاية، حيث عانى من إهانات عنصرية من جانب مشجعي النادي.
وبدأ إينر شيئًا فشيئًا في إسكات منتقديه من خلال تدمير شباك المنافسين باستمرار، ومع هذه الأنواع من الأهداف التي سجلها لباتشوكا، كانت هناك شائعات كثيرة حول اهتمام أندية أوروبية به.
وبدأ رينالدو رويدا مدرب المنتخب الإكوادوري، الاعتماد عليه بعد وفاة مهاجم كريستيان بينيتيز نتيجة مضاعفات في الزائدة الدودية، وظهر فالنسيا لأول مرة مع الإكوادور في 12 فبراير 2012 في مباراة ودية ضد هندوراس.
وبدأ اللاعب الجديد يظهر علامات على أنه سيتصدر عناوين الصحف في الإكوادور، وفي كأس العالم 2014، ظهر إينر فالنسيا بشكل رائع وسجل في مباراة الإكوادور الافتتاحية ضد سويسرا ثم هدفين في ضد هندوراس، وجاء هدف آخر في مونديال 2014 ضد بوليفيا.
واصل إينر أهدافه الرائعة بعد نهائيات كأس العالم 2014 جعله أحد أفضل لاعب كرة القدم في بلاده.
"أعتقد أننا باركنا الله أن يظهر هذا اللاعب بعد محنة كريستيان بينيتيز هداف الإكوادور بشكل مفاجئ"الهروب من الشرطة
الهروب من الشرطة
وفي تصفيات كأس العالم بين الإكوادور وتشيلي في 2016، وفي الدقائق القليلة الأخيرة من المباراة، تم وضع اللاعب على نقالة وتم إعطاؤه الأكسجين لتلقي العلاج اللازم.
وعندما أخرجه عربة الإسعاف من الملعب، قام أفراد من الشرطة المحلية بمطاردة فالنسيا وحاولوا الركض خلفه إذ تبين أنه يخدع الجميع في محاولة للهرب.
وشارك حوالي 12 ضابطًا في محاولته القبض عليه، حيث تبين أن الشرطة تلاحق اللاعب الدولي مقابل 13 ألف جنيه إسترليني بسبب فواتير إعالة أطفاله غير المدفوعة، وبشكل مثير للسخرية، تمكن فالنسيا بالفعل من الهرب من الشرطة.
بول مارين المحامي الذي يمثل والدة طفل فالنسيا، كان غاضبًا للغاية مما حدث، حيث قال "من المؤسف أن بعض ضباط الشرطة لم يتعاونوا بشكل كبير أجل اعتقا إينر فالنسيا، لضمان الامتثال لأمر قضائي".
"قالوا إن هذا الشخص يكسب الكثير، فلماذا لا يدفع النفقة شهريا لابنته التي تستحق الرعاية" رينالدو رويدا مدرب المنتخب الإكوادوري السابق.
هدف استثنائي
حاول وست هام يونايتد التعاقد مع اللاعب، لكن المعضلة الرئيسة هي أنه لا أحد يستطيع الوصول إلى فالنسيا الذي سافر إلى أحد المدن الساحلية لقضاء عطلة مع عائلته.
"كنت مع عائلتي وأغلقت هاتفي، وست هام أرسلوا لي شخصًا ليخبرني أنهم اتفقوا مع نادي باتشوكا على التعاقد معي".
وأخيرا، نجح وست هام يونايتد في الحصول على خدمات بتوقيعه مقابل 12 مليون إسترليني خلال كأس العالم 2014، أخيرًا وجد إينر نفسه في الدوري الإنجليزي الممتاز.
كان المهاجم البالغ من العمر 24 عامًا حينها جزءًا من فريق سام ألاردايس، وخاض أول مباراة له مع وست هام في 16 أغسطس 2014 في هزيمة بنتيجة 1-0 على أرضه أمام توتنهام هوتسبير ليحل محل كارلتون كول في الدقيقة 81.
وجاء هدف فالنسيا الأول لوست هام في أول ظهور له بالدوري الإنجليزي ضد هال سيتي في 15 سبتمبر 2014، بعد التعادل 2-2.
ووصف الصحفي هنري وينتر من صحيفة "الديلي تلجراف" التسديدة التي تبلغ كانت من مسافة 25 ياردة (98 كم/ساعة)، بأنها "هدف استثنائي".
وخاض مع وست هام يونايتد 68 مباراة، نجح في تسجيل 10 أهداف فقط خلال موسمين لينتقل على سبيل الإعارة ومع خيار انتقال دائم بقيمة 14.5 مليون جنيه إسترليني في صيف عام 2017، وسجل فالنسيا هدفه الأول في الدوري مع إيفرتون عندما سجل في الفوز 3-0 على ساوثامبتون في 2 يناير 2017.
رحلته انتهت سريعا في الدوري الإنجليزي، حيث لم يقدم إينر فالنسيا المستوى المأمول ليعود إلى الدوري المكسيكي من بوابة تايجرز أونال، ونجح في تسجيل 34 هدف في 188 مباراة، الأمر الذي مكنه العودة إلى أوروبا من جديد.
خطف شقيقته في الغابات
وفي 28 أغسطس 2020، وقع فالنسيا لنادي فناربخشه في صفقة انتقال مجانية ليستمر حتى الوقت الراهن، ونجح في تسجيل 41 هدف في 90 مباراة وقدم 14 تمريرة حاسمة.
وقبل التوقيع مع النادي التركي بحوالي أسبوعين كانت هناك لحظة صعبة لعائلة إينر فالنسيا وأفراد أسرته جميعا، حيث تم اختطاف إرجي، شقيقة المهاجم من المنزل.
ووفقا لـ بيتر فالنسيا عم المهاجم الدولي، فإن المسلحين كانوا حوالي 15 شخصا، اقتحموا منزل فالنسيا حوالي الساعة 10:00 مساء ذلك اليوم.
وكانوا مهتمين في المقام الأول باختطاف والد إينير فالنسيا، الذي لم يتم العثور عليه، ومن ثم بدأوا في البحث عن أفراد الأسرة البارزين الآخرين، كما انهالوا بالضرب على المتواجدين في المنزل.
وبدلا من اختطاف والد اللاعب، نجحوا في خطف إرجي أخت فالنسيا، وعند اختطافها رفضوا الاتصال بهم لعدة أيام، ومن ثم طُلبوا من عائلة فالنسيا دفع فدية بقيمة 1.5 مليون جنيه إسترليني، وبالطبع عائلة اللاعب أبلغوا الشرطة.
"اقتحموا المنزل علينا بالقوة ولكنني تمكنت من الهروب من خلال إلقاء نفسي في النهر، لقد أخذوا زوجتي على ما يبدو في سيارتهم ذات اللون الرصاصي" زوج شقيقة اللاعب.
وشنت الشرطة الوطنية الإكوادورية عملية بحث مكثفة عن إرجي فالنسيا البالغ من العمر 28 عامًا، ونقل الخاطفون ضحيتهم في أحد الغابات.
تمكنت الشرطة من إلقاء القبض على الخاطفين بعد أن قضت شقيقة فالنسيا عشرة أيام مع الخاطفين قبل أن يتم إنقاذها دون أن تصاب بأذى، وبعد تحقيق شامل تم القبض على ستة من الخاطفين المشتبه بهم.
أماريليوس
وبالعودة إلى مسيرته مع منتخب بلاده الإكوادور المعروف بـ "أماريليوس" أي اللون الأصفر، نجح فالنسيا في تسجيل 3 أهداف في نسخة كأس العالم 2014، لتستمر أهدافه الدولية مع منتخب بلاده.
وفي 8 أكتوبر 2021، في مباراة تصفيات كأس العالم 2022 ضد بوليفيا، سجل فالنسيا هدفيه الدوليين رقم 32 و33، ليصبح أفضل هداف للمنتخب الإكوادوري على الإطلاق.
وسجل فالنسيا هدفي الإكوادور في 20 نوفمبر في فوزه 2-0 على مضيف البطولة قطر في المباراة الافتتاحية في كأس العالم 2022.
وبذلك أصبح الهداف القياسي للإكوادور في نهائيات كأس العالم، برصيد خمسة أهداف، وسجل فالنسيا 50٪ من تسديداته في كأس العالم (5 من أصل 10)، وهو ما يعادل أفضل معدل تحويل تسديدات في البطولة منذ عام 1966 على الأقل (أليساندرو ألتوبيلي).
وسجل إينر فالنسيا كل من الأهداف الخمسة الأخيرة للإكوادور في كأس العالم، الرقم القياسي يحمله أوزيبيو (البرتغال 1966) وباولو روسي (إيطاليا 1982)، وأوليج سالينكو (روسيا 1994) الذي سجل ستة أهداف متتالية مع منتخب بلادهم.
ونجح في فك لشراكة مع أجوستين ديلجادو صاحب الـ 3 أهداف بدوره بعدما تجاوزه/ وحصل فالنسيا البالغ من العمر 33 عاما على جائزة رجل المباراة الأولى في المونديال.
وسُجل أول هدف في نسخة مونديالية من ركلة جزاء لأول مرة عبر التاريخ، وهي أول ركلة جزاء تُحتسَب للإكوادور طوال تاريخها في كأس العالم.
وأخيرا، تساوى الإكوادوري فالنسيا مع عدد أهداف ليو ميسي أسطورة الأرجنتين في كأس العالم "5 أهداف" لكل منهما.