كتب : رامي جمال
في الأول من يوليو في ملعب فرانكفورت في ربع نهائي كأس العالم 2006 وقف رونالدو الظاهرة وريكاردو كاكا ورونالدينيو وروبرتو كارلوس وكافو يشاهدون أحد أفضل إن لم يكن أفضل أداء فردي في تاريخ المونديال.
وفي التاسع من يوليو كانت الانتقادات اللاذعة تطوله وصورته وهو يسير بجوار كأس العالم محني الرأس أيقونية لأنها كتبت فصل النهاية في تاريخه كلاعب رسميا.
وبين هذا وذاك حرمته نقطة ضعفه الوحيدة من إنجازه الأخير كلاعب، من اعتلاء عرش العالم مرة أخرى قبل الوداع.
العودة إلى فرنسا
في كأس العالم الذي استضافته فرنسا في 1998 لم يقدم زيدان أروع أداء واكتفى بصناعة هدف وحيد ضد جنوب إفريقيا، لكن في اللحظة الحاسمة تواجد وانتزع الكأس من أنياب فريقه المفضل صغيرا، البرازيل.
سجل زيدان هدفين في شباك البرازيل ساهما في فوز فرنسا في النهائي بثلاثة أهداف دون رد ليتوج الديوك بكأس العالم للمرة الأولى في التاريخ.
وهنا وُلدت أسطورة زيدان الحقيقية، زيدان الحاسم.
زيدان تحدث في حواره لصحيفة "ليكيب" الفرنسية عن هل كان يتوقع الفوز بدوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد بعد تعيينه كمدرب في منتصف موسم 2015-2016، ولكن بعيدا عن سبب السؤال فمن خلال تلك الإجابة يمكن معرفة سر شخصيته التي كانت لا تهاب اللحظات الحاسمة.
وقال زيزو: "عندما أفعل شيئًا، فإني أفعله لأجل الفوز، أمتلك شخصية انتصارية، أعيش لأجل الفوز وإلا فلا. لن تفوز دائمًا، لكني أفعل كل شيء ممكن لأجل الفوز. وعندما أفوز فذلك لا يفاجئني لأني فعلت كل شيء، عملت كثيرًا. وعندما تعمل فإنك تنال المكافأة. عندما تقدّم كل شيء وتفعل كل شيء".
خفوت
جاء كأس العالم 2002 وبالطبع من غير فرنسا بطلة العالم 1998 ويورو 2000 المرشح الأبرز لنيل اللقب؟ لا يوجد.
ولكن غاب زيدان عن أول مباراتين ضد السنغال وأوروجواي ورغم الهزيمة بهدفين من الدنمارك وخروج الديوك من الدور الأول إلا أنه حصل على رجل المباراة الوحيدة التي شارك فيها في تلك النسخة.
الاعتزال الدولي ثم التراجع
في عام 2004 وبعد اليورو والهزيمة من اليونان في ربع النهائي قرر زيدان الاعتزال الدولي بعمر الـ34.
ولكن بعد سنة وحيدة قرر العودة ليقود المنتخب الفرنسي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2006.
وعن اعتزاله وعودته قال زيزو: "في 2004 قررت التوقف، بلغت 32 عامًا، الفكرة راودتني لمدة ثانية فقط ونفذت. في أول توقف دولي بعد الاعتزال ذهبت في إجازة مع زوجتي وأطفالي خلال عدة أيام، استمتعت بذلك، كان رائعًا".
واستدرك "لكني عدت من الإجازة وشعرت أن شيئًا غريبًا يراودني، توجب عليّ أن أعود للمنتخب، أخذت قرار الاعتزال الدولي في ثانية، وقرار العودة للمنتخب في 3 أيام".
أهلا بكم في مسرح الساحر زيدان
عاد زيدان لمنتخب فرنسا في آخر أربع مباريات من التصفيات الأوروبية المؤهلة للمونديال وسجل وصنع مثله ضد قبرص في الجولة الأخيرة ليخطف بطاقة التأهل مباشرة إلى المونديال.
بدايته في المونديال لم تكن الأفضل، وكذلك منتخب فرنسا فقد تأهل بصعوبة لدور الـ16 بعدما تعادل مع سويسرا وكوريا الجنوبية ولم يفز فقط سوى على الوافد حديثا للمرة الأولى والأخيرة حتى الآن منتخب توجو.
وحتى خلال دور المجموعات لم يسجل أو يصنع زيدان أي هدف.
ولكن كل شيء تغير وتوهج زيدان بداية من دور الـ16.
هدف وصناعة ضد إسبانيا قادا فرنسا للفوز والتأهل إلى مواجهة المرشح الأول للبطولة وحامل اللقب، منتخب البرازيل.
عادة ما يكون زيدان متجهما قبل المباريات بسبب رغبته في التركيز ولكن على غير العادة، ظل يتبادل الابتسامات مع زميله في ريال مدريد رونالدو، والمصافحة مع زميله الآخر روبينيو.
"كان هناك سحرا في الهواء في ذلك اليوم على أرض الملعب، شعرت أنا وزملائي ذلك" زيدان في تعليقه في وقت لاحق على المباراة.
ولكن يبدو أن ذلك السحر في الهواء كان مجرد جرس إنذار للسحر الحقيقي الذي سيحدث داخل أرضية الملعب بعد دقائق.
البداية كانت بعد 35 ثانية فقط من المباراة، نعم 35 ثانية فقط احتاجها زيزو لينثر سحره حينما تسلم الكرة ومر من كاكا وزي روبرتو سويا ببراعة شديدة.
صاحب القميص رقم 10 وابن الـ34 عاما كان يراوغ لاعبي البرازيل كأنهم مجرد هواة، فذلك رونالدو استقبل "تشميسة على الماشي" وكاكا ابن الـ24 عاما لا يستطيع مجاراته بدنيا، ولوشيو يستقبل "كوبري".
"كرة القدم صعبة وسهلة في الوقت نفسه" مارسيل ديسايي لاعب منتخب فرنسا السابق كتب تلك الجملة في مقاله لصحيفة "جارديان" الإنجليزية وقت البطولة، وتلك الجملة تصف أداء زيدان بدقة في المباراة.
الأيقونة البرازيلية بيليه وصف أداء زيدان في المباراة بالساحر وقال: "زيدان كان ساحرا في تلك المباراة، هو أستاذ".
وفي الدقيقة 57 أرسل زيدان تمريرة عرضية من ركلة حرة قابلها تيري هنري بتسديدة مباشرة في الشباك ليسجل هدف المباراة الوحيد والذي يؤمن لفرنسا التأهل لنصف النهائي.
ذلك السحر لو شاهدت فيديو له مرارا وتكرارا لن تشعر بالملل لكن ربما يزيد مدى انبهارك إن عرفت أن زيدان خاض المباراة وهو يعاني من آثار إصابة تعرض لها في لقاء إسبانيا.
وقال زيزو: "لقد أصبت أمام إسبانيا في المباراة السابقة أثناء تسجيلي الهدف الثالث، عانيت من انزعاجات عضلية ولم أخبر أي شخص".
وواصل "ذهبت لإجراء فحوصات وأخبروني أنني لن أستطيع اللعب أمام البرازيل. قلت لهم: ماذا؟؟ مستحيل ألا ألعب أمام البرازيل".
وأكمل زيدان حديثه "الجهاز الطبي فعل كل شيء ممكن لتجهيزي لأني أردت لعب هذه المباراة، وقد شاركت، كل مباراة كان يمكن أن تكون الأخيرة لي في مسيرتي، ولهذا كان مستحيلًا أن أفوّت تلك المباراة، أردت الاستمتاع بكل ثانية".
هذا الأمر بالتحديد هو ما شعر به ريمون دومينيك مدرب فرنسا وقت البطولة وقال آنذاك: "أعتقد أنه بهذه الطريقة على وجه التحديد لأنه سيعتزل، يمكنه اللعب بحرية والتعبير عن نفسه لأنه يعرف أن كل مباراة له يمكن أن تكون الأخيرة".
مشهد الختام الحزين
في عالم السينما والمسلسلات يتصارع البطلين بين الخير والشر وفي النهاية ينتصر الخير، لكن ما حدث في ملعب برلين الأولمبي في التاسع من يوليو لم يكن كذلك.
بدأ زيدان المباراة بقوة وسجل ركلة جزاء على طريقة بانينكا الشهيرة وفي مرمى جيانلويجي بوفون، هل توجد بداية أفضل من ذلك للنهائي الحلم؟
وقبل الاستفاضة فيما تبقى من أحداث اللقاء، برر زيدان تسديده الركلة بتلك الطريقة أنه لم يكن يتعمد إهانة بوفون مطلقا.
وأوضح زيدان سبب اختياره تسديد الركلة بتلك الطريقة قائلا: "لأن ركلة الجزاء جاءت في الدقيقة السابعة، كان أمامنا 83 دقيقة كاملة بعدها، ولهذا رأيت أن تجربة بانينكا ستكون مناسبة، لو أهدرتها سأستطيع التعويض، هكذا فكرت".
وأكمل "كنت أواجه أحد أفضل حراس العالم، يعرفني جيدًا، يجب أن أفاجئه. فكرت في الأمر لعشر ثوانٍ، لم أكن قد نفذت بانينكا طوال حياتي، لم أقصد التقليل من احترام أحد، أعرف أن بعض الحراس يرونه قلة احترام، لكني لا أقصد إذلال أحد، بل أريد التسجيل فحسب".
انتهى الوقت الأصلي بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، وبينما الكرة في منتصف الملعب توقفت المباراة بشكل مفاجئ وأشهر الحكم الأرجنتيني هوراسيو إليزوندو البطاقة الحمراء في وجه زيدان.
أظهرت الإعادة وقت نطح زيدان لماركو ماتيرازي مدافع منتخب إيطاليا بالرأس في منتصف جسده بدون كرة.
لم يفهم أحد ماذا حدث، ولماذا تصرف زيدان كذلك في الدقيقة 110 من الشوط الإضافي.
خسرت فرنسا اللقب بركلات الترجيح بنتيجة 6-4 وتحمل زيدان المسؤولية.
ظل الأمر حديث الإعلام في مختلف أنحاء العالم لسنوات وظل ماتيراتزي يفتخر بالنطحة التي كانت سببا ربما في تحول مسار الكأس في النهاية، لما لا فزيدان كان المسدد الرئيسي لركلات الجزاء في فرنسا ولو تواجد في ركلات الترجيح ربما كانت تغيرت النتيجة.
وفي الناحية الأخرى ظل زيدان صامتا وكشفت التقارير أن ماتيراتزي سب زيدان لكن لم يعرف أحد ماذا دار بينهما.
وكشف زيدان مؤخرا ماذا حدث مع المدافع الإيطالي وقال: "والدتي كانت مريضة جدًا يومها، تحدثت مع شقيقتي في الهاتف عدة مرات يومها وكنت أعرف أن والدتي ليست بخير، لم يكن أمرًا خطيرًا. لكني كنت قلقًا".
وواصل "ماتيراتزي قال إنه لم يسب والدتي، وهذا صحيح، لكنه سب شقيقتي التي كانت مع والدتي في تلك اللحظة".
وأكمل "في الملعب هناك دائمًا سب، ذلك يحدث بين الجميع، دون أن يصدر رد فعل، في ذلك اليوم حدث ما حدث، لقد حرّك شيئًا في داخلي عندما تحدث عن شقيقتي، كانت لحظة وحدث ما حدث".
وأكد "لاحقًا يجب أن أتقبل الأمر، لست فخورًا بذلك، لكنه جزء من مسيرتي، كنت هشًا جدًا في تلك اللحظة ولكن هذه هي مسيرتي، هذه هي قصة حياتي، تمامًا مثل تسجيلي هدفين في نهائي 1998".
أنهى زيدان مسيرته الكروية في المونديال بعدما أصبح أكثر بطولة مجمعة يساهم فيها في أهداف منتخب بلاده بعدما سجل ثلاثة أهداف وصنع مرتين.
لكن ظلت تلك اللحظة تطارده دائما، ويبدو أن ذلك بسبب عروقه العربية أو حميته على عائلته كما وصفتها التقارير الفرنسية سابقا، فهذه لم تكن أول مرة يُطرد فيها بسبب سبه.
فحينما كان لاعبا شابا في صفوف نادي كان تعرض للإيقاف بعدما تعدى على أحد اللاعبين سخر منه ومن عرقه.
ولكن يبدو أن ماتيراتزي كان يعرف تلك نقطة الضعف جيدا فعمل عليها خلال المباراة واستغل هشاشة زيدان ليحقق أفضلية لبلاده.
وعلى الرغم من تلك النطحة التي سال الكثير من الحبر بسببها وبسبب محاولات كشف ما حدث في كواليسها وبسبب حب ماتيراتزي لها لدرجة نحت تمثال من أجلها والتقط صور أمامه، إلا أن مسيرة زيدان بشكل خاص في تلك البطولة وبشكل عام تتجاوز بكثير تلك اللقطة.
كتابة فصل النهاية
لا يخفى على أي شخص في العالم أن زيدان يحلم بتدريب منتخب فرنسا.
وهو نفسه تحدث قائلا: "بالطبع أريد ذلك، وسأكون مدربًا لفرنسا، آمل ذلك يومًا ما، متى؟ هذا لا يعتمد عليّ، لكني أريد إكمال ما بدأته مع منتخب فرنسا، لقد عرفته كلاعب، وهو أفضل ما حدث لي".
وتابع "المنتخب الفرنسي محفور في ذهني، هل سأخلف ديشامب؟ لا أعرف. لو توجب عليّ ذلك فسأفعله، أقول إنني أريد ذلك يومًا ما لو سنحت الفرصة، حاليًا هناك فريق ولديه أهدافه، الأمر كله لا يتوقف علي، منتخب فرنسا هو أجمل شيء ممكن".
لكن يظل السؤال ما هو السبب في تلك الرغبة؟ هل هو حب فقط للمنتخب الذي قدمه للعالم أم هناك شيء آخر بداخل زيزو؟
رد زيزو "النطحة كانت لحظة وحدث ما حدث، لاحقًا يجب أن أتقبل الأمر، لست فخورًا بذلك، لكنه جزء من مسيرتي، كنت هشًا جدًا في تلك اللحظة، ولكن هذه هي مسيرتي، هذه هي قصة حياتي، تمامًا مثل تسجيلي هدفين في نهائي 1998. ولهذا أقول إن مسيرتي مع فرنسا لم تنته بعد، لا أريد أن تكون تلك النطحة آخر لقطة لي مع المنتخب".