ثيبو-ديان تعني باللغة الولوفية الأرز والسمك.
قل لي ماذا تأكل أقول لك من أنت..
الطبق الشعبي لبلد ما يخبرك الكثير عن تاريخها وأحيانا حاضرها. كل إناء ينضح بما فيه وهكذا كان طبق السنغال الوطني مرآة لأوضاعها الاقتصادية تحت الاستعمار الفرنسي.
وقفت بيندا مباي في أحد مطابخ عاصمة السنغال في القرن التاسع عشر سانت لويس لتحضر الطبق المعتاد المكون من السمك والشعرية لتتفاجأ بغياب أحد المكونين الرئيسيين بسبب النقص الغذائي.
لم تقف السيدة مكتوفة الأيدي أمام اختفاء الشعرية التي لا يخلو منها طبق في السنغال، فقررت تجربة الأرز ولمفاجأة الجميع لم يكن المكون البديل مجرد حل على مضض بل جعله أشهى من ذي قبل.
ومنذ تلك اللحظة اعتمد السنغاليون ثيبوديان أكلتهم الشعبية التي لم تكتف بحدود البلد بل جابت غرب إفريقيا بأسماء مختلفة، في نيجيريا وغانا مثلا أطلق عليه أرز جولاف أما الكاميرون أسمته ريزوتو. لا يهم الاسم المنشأ معروف وقد كسر الحدود داخل إفريقيا.
لماذا نتحدث عن أكلة في منصة ليست مخصصة للطبخ؟ هل ترى تلك السيدة الواقفة مكتوفة الأيدي داخل مطبخها؟ يبدو أن أليو سيسيه تبادل معها الأماكن.
مدرب السنغال الذي يقود المنتخب في كأس العالم الثاني له على التوالي يقف حائرا حاليا في التدريبات بسبب اختفاء "الشعرية" التي لا يسير الفريق دونها. لقد خمنت جيدا، نعم المقصود ساديو ماني.
الأمر لن يتوقف عند غيابه عن المباراة الأولى في دور المجموعات كما قيل سابقا- بل أعلن الاتحاد السنغالي غيابه عن أسود التيرانجا طوال كأس العالم.
والآن، يتوجب على سيسيه أن يبعث الـثيبوديان من جديد.
لحسن حظ سيسه كما كان الحال لنظيرته مباي فـ "الأرز" حاضرا لاستكمال الطبق، فأمامه 3 خيارات هجومية للاعب بجانب إسماعيلا سار وبولاي ديا.
الخيار الأول بامبا ديانج لاعب مارسيليا الفرنسي الذي يلعب كمهاجم صريح لكنه يجيد اللعب أيضا على الجانبين، وخلال 6 مباريات خاضهم في الدوري، نجح في تسجيل هدفا وحيدا.
أما الثاني كريبين دياتا جناح موناكو الفرنسي الذي يلعب على كلا الجانبين، فخلال 13 مباراة، نجح في تسجيل هدفا وصناعة آخر.
فيما يتمثل الخيار الأخير في نيكولاس جاكسون جناح فياريال الإسباني الذي يجيد اللعب على كلا الجانبين ونجح في تسجيل هدفين وصناعة مثلهما في 13 مباراة.
هذه هي الخيارات وهذا هو مطبخه.. فهل يتمكن أليو سيسيه إيجاد المكون البديل؟
إلى أبعد مدى
من مجموعة نارية ضمت مصر والجزائر والمغرب، تأهل منتخب السنغال إلى مونديال كوريا واليابان 2002 للمرة الأولى في تاريخه.
وبعد أن خسر لتوه نهائي كأس أمم إفريقيا أمام الكاميرون بركلات الترجيح، وقع في مجموعة لم تكن سهلة أبدا رفقة الدنمارك وبطلي عالم سابقين، أولهما فرنسا حامل لقب 1998 بالفعل، وثانيهما أوروجواي أول بطل في تاريخ المونديال.
ومن يبالي؟ دخل منتخب السنغال وصعق العالم أجمع متغلبا على فرنسا في المباراة الأولى بهدف بابا بوبا ديوب، ثم تعادل مع الدنمارك بهدف لكل فريق بفضل رد ساليف دياو على ركلة جزاء يون دال توماسون.
العرض استمر، حيث ضرب الأسود أوروجواي بثلاثية بيضاء في أول 38 دقيقة من توقيع خليلو فاديجا وبوبا ديوب "هدفين"، إلا أن فورلان ورفاقه نجحوا في معادلة النتيجة، وكان ذلك كافيا ليتأهل الفريق الإفريقي إلى الأدوار الإقصائية مع الدنمارك.
الموعد الآن مع السويد التي تقدم لها هنريك لارسون مبكرا، إلا أن هنري كامارا نجح في معادلة النتيجة، وفي الوقت الإضافي سجل نفس اللاعب الهدف الذهبي ليطير بالسنغال إلى معادلة إنجاز كاميرون 90 الأفضل إفريقيا إلى اليوم: ربع النهائي.
هنا اصطدم السنغاليون بمنتخب تركيا، وانتهى الوقت الأصلي بالتعادل السلبي، ولكن الهدف الذهبي الذي طار بهم إلى هنا، هو ما حرمهم من نصف النهائي حين سجله إلهان مانسيز في الدقيقة 94
طال الغياب لوقت طويل، حتى تكرر التأهل في 2018، ووقع منتخب السنغال هذه المرة مع بولندا واليابان وكولومبيا.
وسرعان ما صعق أوروبيا جديدا بأسرع وقت ممكن، حين تغلب على بولندا 2-1 بفضل هدف عكسي من تياجو سيونيك، ثم هدف مباي نيانج، الذي رد عليه جريجوري كريشوفياك متأخرا.
أمام اليابان تعادل السنغاليون بهدفين لكل فريق، حيث سجل له ساديو ماني وموسى واجي، بينما سجل تاكاشي إينوي وكيسوكي هوندا هدفي الفريق الآسيوي.
وأخيرا أمام كولومبيا سقط الحلم الإفريقي بهدف ييري مينا، ولكنه لم يكن وحده.. تساوى منتخب السنغال مع اليابان في كل شيء، النقاط (4) والأهداف (4) والأهداف المتلقاة (4) وبالتالي فارق الأهداف (0) والمواجهة المباشرة انتهت بالتعادل، وهنا لم يجد فيفا أي حل لفض هذا الاشتباك سوى اللعب النظيف، حيث حصل منتخب السنغال على 6 إنذارات، بينما نال اليابانيون 4 فقط. إجمالا لعب منتخب السنغال 8 مباريات، فاز بـ 3 وتعادل في 3 وخسر مرتين، وسجل 11 هدفا وتلقى 10.
بطل واحد
يبدو كقصة تقليدية ولكنه ليس كذلك.. سيسيه كان قائد المنتخب حين تأهل إلى كأس العالم 2002 للمرة الأولى في تاريخه.
كان أيضا قائده حين بلغ نهائي كأس أمم إفريقيا 2002 للمرة الأولى في تاريخه، وخسره بركلات الترجيح أمام الكاميرون.
مرت الأعوام وانتقل القائد إلى الخط وأصبح المدير الفني لمنتخب البلاد، التي لم تعرف نهائيات كأس العالم مرة أخرى إلا على يديه في 2018.
وتماما كما حدث حين كان لاعبا، عرف السنغاليون نهائي كأس أمم إفريقيا للمرة الثانية تحت قيادة سيسيه المدرب، وتجرعوا معا مرارة الهزيمة الثانية، على يد الجزائر بهدف بغداد بونجاح في 2019.
ولكن لم يكن هناك عودة للخلف، ولم يكن هناك فاصلا زمنيا.. قطار سيسيه استمر وقاد بلاده لنهائي كأس الأمم مرة أخرى، وهذه المرة ابتسمت له ركلات الترجيح أمام مصر، وأهدى السنغال لقبها القاري الأول في التاريخ.
الطريق إلى قطر
وأوقعت القرعة السنغال في مجموعات تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم مع توجو والكونغو وناميبيا.
فاز بأول 4 مباريات على التوالي، وفاز بالسادسة، وبينهما انتزع منتخب توجو تعادلا يتيما، ليجمع 16 نقطة بعد أن سجل 15 هدفا وتلقى 4.
تأهل منتخب السنغال إلى المرحلة النهائية، وأنت تعرف ماذا حدث. واجه منتخب مصر وخسر ذهابا في القاهرة بهدف دون رد، ولكنه سجل إيابا ليخوض المنتخبان ركلات الترجيح التي أنصفت صاحب الأرض في داكار وأهدته بطاقة كأس العالم.
وها هو سيسيه يقود المنتخب الذي يلقب بأسود التيرانجا إلى المونديال الثالث، والقاسم المشترك بين كل نجاحات السنغال التاريخية: أليو سيسيه، اللاعب والمدرب.
أبرز الأسود
تملك السنغال كتيبة مميزة، بداية من إدوارد ميندي حارس مرمى تشيلسي الإنجليزي، الذي جعلته الإصابة يخوض 9 مباريات فقط، تلقى فيها 12 هدفا وحافظ على نظافة شباكه خلالها مرة واحدة.
في الدفاع هناك كاليدو كوليبالي الذي غادر نابولي صوب تشيلسي، وخاض مع الفريق 9 مباريات في الدوري سجل خلالها هدفا واحدا وتلقى فيها بطاقة حمراء أيضا، كما لعب 4 مباريات في دوري أبطال أوروبا ومباراة في كأس الرابطة.
وصولا إلى الوسط، انتقل إدريسا "جانا" جي من باريس سان جيرمان عائدا مرة أخرى إلى إيفرتون الذي يعاني في الدوري الإنجليزي، الذي لعب فيه نجم الوسط 10 مباريات دون تسجيل أو صناعة، وهذا بالطبع ليس دوره، فالفريق الذي يحتل المركز السابع عشر الآن سجل كله 11 هدفا في الدوري.
أخيرا هناك الجناح إسماعيلا سار الثابت في موقعه بفريق واتفورد، سواء صعد هذا الفريق إلى الدوري الإنجليزي الممتاز أو تواجد حيث هو الآن في الدرجة الأقل "تشامبيونشيب". لعب سار حتى الآن 17 مباراة سجل خلالها 6 أهداف وصنع 3.
نحو المغامرة الثالثة
يلعب منتخب السنغال في المجموعة الأولى مع البلد المضيف قطر وهولندا والإكوادور
وتقام المباريات على النحو التالي:
الإثنين 21 نوفمبر: السنغال × هولندا - استاد الثمامة
الجمعة 25 نوفمبر: قطر × السنغال - استاد الثمامة
الثلاثاء 29 نوفمبر: الإكوادور × السنغال - استاد خليفة الدولي
هذا هو اللقاء الأول من نوعه بين السنغال وهولندا، وإن كان من الواضح أن هذا الفريق الإفريقي تحديدا يتفاءل بمواجهة الأوروبيين في البداية.
بخصوص قطر، فهي المواجهة الأولى من نوعها أيضا، ولم يسبق للسنغال مواجهة أي منتخب آسيوي في كأس العالم سوى اليابان في تعادل 2018.
أخيرا التقى السنغال والإكوادور من قبل ولكن ليس في كأس العالم، بل في مصر خلال بطولة LG، وكان الفوز للسنغال بهدفين مقابل هدف وحيد.
إذا تصدر منتخب السنغال مجموعته سيلاقي وصيف المجموعة الثانية (إنجلترا - إيران - الولايات المتحدة الأمريكية - ويلز) في دور الـ 16، وإذا فاز سيلاقي الفائز من متصدر المجموعة الثالثة (الأرجنتين - بولندا - المكسيك - السعودية) ووصيف المجموعة الرابعة (فرنسا - أستراليا - الدنمارك - تونس) في ربع النهائي.
أما إذا حل الفريق ثانيا، سيلاقي متصدر المجموعة الثانية في دور الـ 16، ثم يواجه الفائز من وصيف المجموعة الثالثة ومتصدر المجموعة الرابعة في ربع النهائي.
الآن، سيسيه في طريقه لتقديم الثيبوديان للمطبخ العالمي. فالتيرانجا "حسن الضيافة" كان دائما الطابع السائد في السنغاليين.