كأس العالم - البرازيل.. لأن الكتابة عن السامبا ليست بهذه السهولة
الإثنين، 14 نوفمبر 2022 - 18:46
كتب : عمرو عبد المنعم
كارثة ماراكانا وتغيير ألوان قميص منتخب البرازيل من الأزرق إلى الأصفر بعد خسارة كأس العالم، حقبة بيليه التاريخية، التوهج في الثمانينيات بقيادة زيكو وسقراط والجيل التاريخي الذي حقق الكأس في 94 و2002 وكل تفاصيل كؤوس العالم الخمسة للسامبا، وأيضا سباعية ألمانيا في 2014.
ما قرأته في السطور القليلة الماضية هو الملخص المعروف لكل متابع لكرة القدم عن تاريخ منتخب البرازيل مع الساحرة المستديرة.
وإذا كنت تعتقد أنك ستقرأ هنا من جديد هذه الحكايات عن منتخب البرازيل وذلك بمناسبة اقتراب انطلاق كأس العالم 2022، فأنت مخطئ.
يعتقد البعض أن كتابة التقارير عن منتخب البرازيل قبل كأس العالم سهلة، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، لأن الكل يعرف جيدا تاريخ هذا المنتخب الذي تم تلخيصه في 3 سطور قرأتها في البداية.
لذلك.. أصبحت الكتابة عن منتخب البرازيل صعبة للغاية من أجل إيجاد الشيء المختلف والذي ربما لا يعرفه الجميع مثلما يعرفون جيدا تاريخ السامبا مع كرة القدم.
ولهذا السبب عندما اخترت منتخب البرازيل لإعداد التقرير الخاص به في كأس العالم، قررت الكتابة عن أبو كرة القدم في بلاد السامبا.
كرة القدم الديانة الثانية في البرازيل
الديانة الأولى التي يتبعها معظم الناس في البرازيل هي المسيحية، وبسبب أن حب الشعب لكرة القدم تخطى كل الحدود فيقولون هناك أن كرة القدم هي الديانة الثانية.
من أين جاء كل هذا الحب لكرة القدم، وهذا العدد الكبير للغاية من المواهب المميزة المنتشرة في كل بلاد العالم.
ولماذا أصبحت كرة القدم في البرازيل هي الرياضة الأولى، وكيف بدأت وتطورت وانتشرت في بلاد السامبا.
السبب في ذلك شخص واحد وهو.. تشارلز ويليام ميلر، أو كما يعرف "أبو كرة القدم في البرازيل".
ولد تشارلز ميلر في ساو باولو عام 1874، والده مهندس سكك حديد من اسكتلندا، وأمه برازيلية من أصل إنجليزي.
ومثله مثل الكثير من الأطفال وقتها أرسله والداه إلى إنجلترا من أجل الدراسة ليحظى بتعليم أفضل في أوروبا لن يحصل عليه في بلاده التي تعاني من الفقر.
سافر تشارلز ميلر إلى إنجلترا وعمره 9 سنوات، رست السيفنة التي استقلها من سانتوس على ميناء ساوثامبتون في إنجلترا.
وبدأ ميلر رحلته في بلاد الإنجليز.
وفي المدرسة بدأ ميلر ممارسة لعبة الكركيت التي كان يلعبها أيضا في البرازيل، وكان يلعب في الناحية اليسرى لأنه أيسر اليد والقدم.
بخلاف الكركيت وجد تشارلز ميلر هناك لعبة أخرى وهي كرة القدم وكان يمارسها أيضا.
لكن كرة القدم استحوذت على كل اهتمامه وأحبها كثيرا، وقرر ميلر أن يتعلم قواعد كرة القدم وبالفعل بدأ في دراستها.
التحق ميلر بفريق سانت ماري (ساوثامبتون حاليا) وكان يمتاز بالسرعة الكبيرة والمهارة.
وفي أول مباراة له سدد كرة بقدمه اليسرى ذهبت مباشرة إلى المرمى ولم يستطع الحارس التصدي لها في الدقيقة الأولى.
كان وقتها يبلغ من العمر 15 عاما فقط.
يبدو أن مهارة اللاعبين البرازيليين جاءت من والدهم الروحي تشارلز ميلر أول برازيل يلعب كرة القدم.
وأنهى تشارلز ميلر دراسته لقواعد كرة القدم في إنجلترا، وقرر أن يعود إلى بلاده لنشر هذه اللعبة هناك وعمره 19 عاما.
طوال الرحلة من ساوثامبتون إلى البرازيل عبر المحيط الأطلنطي، كان ميلر يلعب بالكرة ويركض بها من جانب السفينة الأيمن إلى الجانب الأيسر.
العودة إلى البرازيل
اصطحب ميلر معه كتاب قواعد كرة القدم من أجل نشر قوانين اللعبة في البرازيل، وكذلك أخذ مع كرتين من أجل اللعب بهما.
وهناك في البرازيل كان والديه ينتظرانه على رصيف الميناء.
عشرة سنوات قضاها ميلر بعيدا عن أبويه، والآن ينتظرانه وينتظران الشهادة التي حصل عليها بعدما أنهى تعليمه في إنجلترا.
وبمجرد وصوله ومقابلة والديه، أشهر ملير لهما الشهادة التي حصل عليها في إنجلترا وهي في كرة القدم.
وبدأ ميلر رحلته في نشر كرة القدم في البرازيل.
لكنه فوجئ أن لا أحد يعرف أي شيء عن هذه اللعبة في البرازيل، ظل طويلا يشرح للناس هناك كرة القدم وكيف تُلعب، ولكن بلا جدوى.
قرر ميلر أن ينظم أول مباراة في البرازيل، وبالفعل جمع مجموعة من أصدقائه ومعارفه في أرض شاغرة بجوار محطة السكة الحديد.
قسم ميلر هذه المجموعة إلى فريقين، وشرح للجميع كل قواعد كرة القدم وبدأت المباراة.
ويمكن لك عزيز القارئ أن تتخيل ماذا حدث في مباراة يعلبها أشخاص لا يعرفون أي شيء عن كرة القدم، ولا حتى يعرفون كيف تسدد الكرة أو تمررها.
توقفت المباراة أكثر من مرة بسبب ذلك، ولكن أحب كل من شارك فيها كرة القدم.
وبعد عدة مباريات تحسن مستوى اللاعبين وكبر حبهم لكرة القدم، وبدأت الأخبار والأقاويل عن اللعبة تنتشر بشكل كبير وسريع للغاية لم يتوقعه حتى تشارلز ميلر نفسه.
شهور قليلة فقط كانت كافية لتنتشر كرة القدم بسرعة لا مثيل لها في كل أنحاء ساو باولو.
والعقبة التي واجهت ميلر ورفاقه هي عدم وجود ملاعب مخصصة للعب كرة القدم، وأن كل الأماكن التي تُلعب فيها سواء حدائق عامة أو أي قطعة أرض خالية تكون غير ممهدة أو مستوية.
الأمر الذي جعل كل من لعب كرة القدم في البرازيل أثناء بداية اللعبة، يواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على الكرة.
ولن يكون من الصعب عليك عزيزي القارئ أن تستنج أن سوء مستوى الأراضي والملاعب كان سببا رئيسيا في اكتساب لاعبي البرازيل مهارة فائقة ميزتهم عن غيرهم من لاعبي كرة القدم في أي مكان آخر حول العالم.
وبعد عودته من إنجلترا بـ12 شهرا فقط، تم بيع 2000 كرة قدم في مدينة ساو باولو.
وقال ميلر بنفسه عن كرة القدم في البرازيل: "الشعور العام في ذلك الوقت كان يالها من رياضة صغيرة رائعة".
والآن بإمكانك التوقع بكل سهولة أن كرة القدم انتشرت في البرازيل بالكامل خلال سنوات قليلة للغاية.
6 سنوات فقط كانت كفيلة لتصبح البرازيل مثلها مثل إنجلترا في كرة القدم. بل وأفضل من ذلك.
وساعد ميلر في إنشاء فريق كرة القدم لنادي ساو باولو الرياضي، وتم تكوين الفريق من مجموعة سابقة من لاعبي الكريكيت.
وبعد ذلك أسس بنفسه نادي كورينثياز الأنجح في تاريخ البرازيل.
وفي عام 1910 وبعد أقل من عقدين على عودة تشارلز ميلر إلى البرازيل، أصبحت كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في بلاد السامبا.
إلى هنا انتهت حكاية تشارلز ميلر، "أبو كرة القدم في البرازيل".. وفي السنوات المقبلة أي متابع لهذه اللعبة يعرف جيدا تاريخ منتخب البرازيل منذ أول بطولة كأس عالم وحتى مونديال روسيا السابق. ويمكنه أيضا أن يلخصه في سطور قليلة مثلما فعلت في بداية هذا التقرير.
لذلك دعونا نقفز قفزة كبيرة نعبر بها كل هذا العدد من السنوات لنصل إلى الوقت الحالي، وما عليه منتخب البرازيل قبل أيام قليلة من كأس العالم قطر 2022.
20 عاما مرت على آخر تتويج لمنتخب البرازيل في كأس العالم عندما تفوق السامبا على ألمانيا في نهائي مونديال 2002.
ومنذ ذلك الوقت لم يصل حتى منتخب البرازيل إلى نهائي كأس العالم، واكتفى مرة واحدة بالتأهل لنصف النهائي على ملعبه في 2014، قبل أن تحدث فضيحة ألمانيا والخسارة بسباعية.
أجيال تغيرت وتبدلت على منتخب البرازيل منذ آخر لقب في 2002، وذلك الجيل الذهبي الذي ضم رونالدو ورونالدينيو وروبيرتو كارلوس، والذي التقى بيه الجيل الذي خلفه بقيادة ريكاردو كاكا وأدريانو وخوليو سيزار وغيرهم من اللاعبين.
إلى أن وصلنا للجيل الحالي للسامبا الذي يراه الكثيرون هو أفضل جيل منذ مونديال 2002 لما يضمه من كوكبة من النجوم في كل المراكز.
وعلى رأس كل هؤلاء اللاعبين نيمار دا سيلفا نجم باريس سان جيرمان الفرنسي.
الطريق إلى قطر
هذا الجيل المميز لأبناء تشارلز ميلر تأهل إلى كأس العالم قطر 2022 بأفضل طريقة ممكنة، أداء هو الأفضل من سنوات ونتائج رائعة أيضا في التصفيات.
لعب منتخب البرازيل في التصفيات 17 مباراة، حقق الفوز في 14 منها وتعادل فقط 3 مرات.
ليكتسح قارة أمريكا الجنوبية ويتأهل في صدارة الترتيب متفوقا على الأرجنتين بـ6 نقاط.
وللعلم لم تخسر الأرجنتين أيضا ولكن منتخب التانجو تعادل في 6 مباريات.
وخلال التصفيات سجل منتخب البرازيل 40 هدفا، أكثر بـ13 هدفا من الأرجنتين والإكوادور صاحبا المركز الثاني في عدد الأهداف.
وسينافس منتخب البرازيل في المجموعة السابعة لكأس العالم بجانب كل من صربيا وسويسرا والكاميرون.
قائمة متكاملة
قائمة مدججة بالنجوم اختارها تيتي المدير الفني للبرازيل خاصة في خط الهجوم الذي يضم نيمار ورافينيا وفينيسوس جونيور وجابريال جيسوس ورودريجو وأنتوني وريتشاليسون ومارتينيلي.
ورغم كل هذه الأسماء المختارة في قائمة البرازيل لقيادة الهجوم، إلا أن استبعاد روبيرتو فيرمينو مهاجم ليفربول الإنجليزي أثار الكثير من الجدل، ولما لا وأرقامه أفضل من بعض اللاعبين في القائمة.
وبخلاف كل نجوم خط الوسط والهجوم اختار تيتي المدير الفني للبرازيل النجم المخضرم داني ألفيش لقائمة السامبا، وهو الذي يبلغ من العمر الآن 39 عاما.
وفي الوقت الحالي يتربع منتخب البرازيل على صدارة التصنيف الشهري للمنتخبات المقدم من الاتحاد الدولي لكرة القدم متفوقا على بلجيكا والأرجنتين وفرنسا وإنجلترا.
المستوى الثابت والنتائج الإيجابية التي يحققها منتخب البرازيل في السنوات الماضية جعلت معظم التوقعات تشير إليه على أنه الأقرب لحصد لقب كأس العالم.
حملة شعبية
وهناك في البرازيل ومثل قبل كل بطولة كأس عالم لا حديث إلا عن المنتخب وحظوظه في المونديال.
لكن هذه المرة ارتفعت آمال الجمهور إلى أقصى درجة، وأصبح الجزء الأكبر من الجمهور على يقين أن منتخب البرازيل سيذهب إلى قطر من أجل الفوز بكأس العالم واستعادة اللقب الغائب منذ 20 عاما.
الأمر الذي جعل لولا دا سيلفا رئيس البرازيل المنتخب منذ أسابيع قليلة أن يدعو كل الشعب في بلاده لارتداء قميص السامبا الأصفر رغم أن هذا اللون كان لون حملة منافسه جايير بولسونارو.
وأن يكون قميص المنتخب هو الزي الرسمي للشعب البرازيلي طوال فترة كأس العالم، من أجل دعم الفريق واللاعبين والجهاز الفني في المهمة التي يعتبرها الناس هناك أنها مهمة وطنية.