كتب : محمد السيد حجر
مرحبًا، إن كنت من مواليد الثمانينات والتسعينيات وحتى بداية الألفية، فبالتأكيد قد شاهدت أو مرَّ على مسامعك الأنمي الياباني الشهير " أوزورا تسوباسا "، أو كما نَعرفه في عالمنا العربي، " كابتن ماجد ".
ظهرت قصة كابتن ماجد أو " أوزورا تسوباسا "، عام 1981، وهي قصة مستوحاة من قصة حقيقية للاعب ياباني شهير يُدعى "موساشي ميزوشيما"، وهو أول ياباني يلعب كرة القدم باحترافية، حيثُ خاض رحلة احتراف في عدة أندية برازيلية.
ومن واقع قصته، استُلهمت قصة كابتن ماجد، والتي كانت الشرارة لبداية تعميم كرة القدم في اليابان، ونقلها من مجرد لُعبة هواة، للُعبة احترافية. من خلال رحلة كابتن ماجد، الذي سعى فيها للفوز بكأس العالم، تتجلى لنا خطة اليابان الممنهجة لتطوير كرة القدم، والذهاب قُدمًا كي تصير قوة كروية عُظمى.
تنتهي قصة كابتن ماجد، بتحقيقه لكأس العالم. لكننا الآن لسنا بصدد سرد قصة اليابان المُثيرة نحو تحقيق كأس العالم، ربما هي قصة أخرى ليومٍ آخر. لكننا الآن سنأخذك في رحلة لدولة مجاورة لليابان، وضعت هي الأخرى خطة ممنهجة لتحقيق كأس العالم، وبالتحديد عام 2050.
والآن، هيا بنا إلى الصين.
النموذج الأولمبي
أواخر عام 1978، كانت الصين تخطو أولى خطواتها الجادة نحو إنشاء ملف رياضي حقيقي، حيثُ تصبح الرياضة فيه مكونًا أساسيًا في إعادة اتصال الصين بالعالم تدريجيًا.
في ديسمبر 1978، اجتمعت اللجنة المركزية، والتي وضعت خطة الصين، بغرض استخدام الرياضة كأداة للاتصال العالمي، وكان من أولوياتها وضع استراتيجية نحو سيطرة الصين على الألعاب الأوليمبية، فيما أسمته بـ " النموذج الأوليمبي ".
بعد 30 عاما بالضبط، كانت مدينة " بكين " الصينية على موعد مع استضافة الأولمبياد، ولم يقتصر الأمر على مجرد استضافتها للأوليمبياد فحسب، ولكن بحصولها على عدد قياسي من الميداليات الذهبية، بواقع 51 ميدالية، وهو ما سيتكرر في كل الدورات التي تلت دورة بكين، فلم تخرج الصين عن المراكز الثلاثة الأول في الدورات اللاحقة في عدد الميداليات، وحتى الآن.
لكن الوضع كان مغايرًا، بالنسبة للألعاب الجماعية، وبالتحديد كرة القدم، وهو ما عُد غريبًا، فكيف للدولة التي تُسيطر على الألعاب الفردية والأولمبية أن تفشل في تكوين منتخب كرة قدم ناجح، يستطيع ولو على الأقل أن يضمن المشاركة المستمرة في كأس العالم؟
الأولمبياد لا تُغني عن كرة القدم
بدأت الصين ممارسة كرة القدم بشكل احترافي عام 1994، بعدما أطلقت دوري المحترفين لكرة القدم باسم " Jia-A "، تحت رعاية الاتحاد الصيني لكرة القدم، وتحت الإشراف المباشر للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وتم تقسيمه إلى درجتين، دوري الدرجة الأولى، ودوري الدرجة الثانية الذي يُقسم إلى مناطق إقليمية، وظل يُلعب بهذه الطريقة حتى عام 2004.
واجه دوري المحترفين الصيني، معوقات عدة، واتُهم المشرفين عليه بقضايا فساد، وهو ما كان السبب في إطلاق دوري السوبر الصيني " CSL " عام 2004، بخطة جديدة تهدف إلى إصلاح حال الكرة، وإنتاج أكبر قدر من اللاعبين الأكفاء، وذلك للمساعدة في تطوير المنتخب الصيني، وضمان تواجده في المحافل الدولية، ولا سيما كأس العالم.
لكن الخطة لم تُأخذ على محمل الجد، خاصةً مع انشغال الحكومة الصينية، ومسؤولي الرياضة بالإعداد إلى أوليمبياد بكين 2008. لفتَّ التنظيم الناجح لأوليمبياد بكين أنظار العالم كله للصين، لكن لا يزال هناك شئ ناقص، فما يتحقق من نجاح سياسي واقتصادي ولوجستي وراء كرة القدم، يتجاوز بأميال ما يتحقق من الألعاب الفردية، حتى ولو كانت الأوليمبياد ذاتها.
"جين بينج"، الرئيس الصيني الحالي كان يُدرك ذلك تمامًا، منذ يومه الأول في الحكم، وحتى قبل ذلك. في عام 2011، وقبيل عام كامل من توليه الرئاسة، تحدث جين بينج عن طموحاته لكرة القدم الصينية، التي تمثلت في ثلاث نقاط: التأهل لكأس العالم بعد الظهور الوحيد عام 2002، والسعي لاستضافة البطولة، ثم تحقيق اللقب يومًا ما.
في عام 2016، أطلقت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح خطة تبدأ في عام 2016 وتنتهي عام 2050، بتحقيق الصين لقب بطولة كأس العالم، بعدما تكون قد أصبحت قوة كروية عظمى في العالم كله، تُقارع كبرى المنتخبات والفرق.
كان من ضمن الخطة أيضًا، محاولة نقل التجارب الأوروبية الناجحة للصين؛ فتوافد رجال الأعمال إلى أوروبا للقيام بذلك، حيث تم إنفاق حوالي 3 مليارات دولار على شراء فرق أوروبية لكرة القدم بين عامي 2015 و 2017، وسرعان ما أصبحت أندية عريقة مثل أتلتيكو مدريد وميلان وإنتر ميلان وغيرها تحت إمرة الملكية الصينية.
كما سعت الخطة أنه بحلول عام 2025 ستحتوي كل مدينة كرة قدم على ناديين محترفين لكرة القدم، وسيتم إنشاء مركز تدريب للشباب على المستوى الوطني، وعدة مراكز على المستوى المحلي، وملعب كرة قدم واحد لكل 10 آلاف مقيم، مع ضمان انخراط نصف شباب المدينة في الرياضة.
تدفقت عقود الرعاية والصفقات الإعلامية على دوري السوبر الصيني من كل حدبٍ وصوب، وتم ضخ ملايين الدولارات في سبيل استقطاب أسماء عالمية من الفرق الأوروبية، حتى تلفت انتباه العالم لما يحدث في الصين، حتى أنه قبل موسم 2016، كان الإنفاق في الدوري الصيني أعلى من أي دوري آخر في العالم.على سبيل المثال، بلغ راتب كارلوس تيفيز الذي انتقل لفريق " شنجهاي شينهوا " في سن الـ 32 عام، 40 مليون دولار سنويًا، كأعلى اللاعبين أجرا في العالم حينها.
ضمت الفرق الصينية أسماء أخرى كبيرة مثل " أوسكار- هالك - ماريك هامشيك ... إلخ " وغيرهم من الأسماء التي دُفع فيها مبالغ خيالية، إما لشرائها، أو كمرتبات سنوية. ولم يقتصر الأمر على اللاعبين فقط، بل سعت الفرق الصينية للتعاقد مع أسماء كبيرة في عالم التدريب أمثال مارتشيلو ليبي، ولويس فيليبي سكولاري، اللذان قادا على التوالي فريق جوانزو للقبين في دوري أبطال أسيا.
وبالفعل لفتوا أنظار العالم حقًا للدوري الصيني، وساعدوا في زيادة شعبية كرة القدم في الصين نفسها، لكنهم لم يحسنوا من وضع الكرة الصينية، ولا من وضع المنتخب الصيني، حيث فشل المنتخب في التأهل لكأس العالم 2018، وأيضًا لمونديال 2022. فما الخلل في خطة الصين؟
كرة قدم بنكهة بيروقراطية الحزب الشيوعي
تبدو خطة الصين مثالية لتحقيق ما يطمح إليه رأس الدولة، وهو الفوز بكأس العالم، لكنها مُجرد خطة جيدة جدًا على الورق، ولو نظرنا إلى أحد المشاكل الكبرى التي تواجه الشعب الصيني مع الحزب الشيوعي الحاكم، سنرى أنها مشكلة مكررة، بدون حل، وهي مشكلة إعداد خطط تبدو جيدة على الورق، ولا تصلح للتنفيذ في الواقع.
تتطلب الرياضات الجماعية مستوى من القبلية التاريخية لتزدهر، بحيث يمكن للفرق أن تلعب مسابقات واقعية تعكس مشهدًا أوسع. يعتمد الدوري الإنجليزي الممتاز، والدوري الإسباني كمثال على التجديد السنوي للمنافسات الجغرافية والسياسية والدينية والطبقية والعرقية لضمان استمرار المنافسة.
تفتقر كرة القدم الصينية إلى الروح، وإلى الطبيعة الاجتماعية لكرة القدم، التي يولدها المشجعون الحقيقيون للعبة، وتفوح منها رائحة الأصالة والعاطفة على مستوى الشارع. فدونها لن تشاهد احتفالًا جنونيًا لبعض الرجال بعد الفوز ببطولة ما. ودونها لن تتقدم كرة القدم في الصين، حتى ولو أُنفق أضعاف ماتم إنفاقه على اللعبة.
يقول "لارس إيزيكي "، -وهو مدرب كرة قدم ألماني، عمل في قطاع الشباب وتطوير التدريب في الاتحاد الألماني لكرة القدم لسنوات عديدة. وفي الآونة الأخيرة، كان رئيسًا لأعلى مستوى تعليمي في مجال التدريب في الاتحاد الصيني لكرة القدم – في وصف ما يراه مشكلة حقيقية في كرة القدم الصينية:
"أُسميها كرة القدم الآلية. يعمل المدربون كثيرًا مع تدريبات مكررة، مثلاً لاعبان يواجهان بعضهما البعض ويمرران الكرة لبعضهما البعض دون تغيير المواقف. لا يفاجئني أن هناك لاعبين في المنتخب الوطني، يمكنهم فقط تمرير الكرة في بعد واحد وليس لديهم فهم لزملائهم في الفريق أو الشعور بالمساحة والوقت ومكان تمرير الكرة."
يعتقد إيزيكي أن النظرية التي تقول بأن 1.3 مليار شخص لا بد أن يوجد فيهم 11 شخص يستطيعون ممارسة كرة القدم في أعلى مستوى، هي نظرية خاطئة، ومنزوعة السياق، فالأمر لا يقتصر على ضخ ملايين الدولارات على البنية التحتية، وتوفير ملاعب كرة القدم فحسب، بل يعتقد أن الاستثمار يجب أن يكون في إعداد الناشئين، واللاعبين أنفسهم.
يجادل إيزيكي أن النظام المدرسي لا يسمح بالحرية الكافية للتربية البدنية والإبداعية، فساعات المدرسة طويلة، بالإضافة إلى ساعات من الواجبات المنزلية وهو ما يمنع الشباب من لعب كرة القدم.
"Hangkun Stria" عالم سينولوجيا وأدب ولغويات ويعمل كمؤلف ومترجم ومحاضر في برلين يعتقد أن نظام التعليم النخبوي في الصين يقتل أي فرصة لمحاولة ممارسة لعبة جماعية ككرة القدم، فالسبيل الوحيد في الدولة للترقي اجتماعيًا، هو الحصول على درجات جيدة في المدارس والجامعات، فيفضل الآباء استثمار الكثير من الوقت والمال في أداء أطفالهم في المدرسة - على سبيل المثال في شكل دورات تعليمية بعد المدرسة - بدلاً من اهتماماتهم أو هواياتهم مثل كرة القدم.
هذا من الناحية الاجتماعية، لكن هل حقًا تسير الخطة الرياضية على نحوٍ جيد؟
دوري المصلحة
لا يبدو أنه بعد عشر سنوات من خطة الرئيس الصيني للنهوض بالكرة الصينية، أن الأمور تسير على ما يرام، فجزء كبير من المشكلة كان أن الكثير من الاستثمارات في الكرة كانت من شركات العقارات. في موسم 2018، كان تسعة من أصل ستة عشر فريقًا مملوكًا لمطورين عقاريين من القطاع الخاص. ربما كانت تسير الأمور على ما يرام عندما كانت الطفرة العقارية في الصين في أوجها. لكن عندما انهارت في عام 2021، عانت أندية كرة القدم، بل أفلس البعض تماما.
الأمر الآخر أنه في حين أن بعض الأموال التي ضُخت على هذه الخطة كانت مجرد استثمارات تجارية، كان الكثير منها محاولة لشراء رعاية سياسية حيث سعت الشركات الخاصة للحصول على تصريحات عمل من الرئيس جين بينج، وجميعهم كان يعرف غرامه بكرة القدم، فاتخذوا منها جسرًا لتمرير مصالحهم الشخصية.
وعندما انهار سوق العقارات، أدى ذلك إلى انهيار كثير من الأندية، بل وصل الأمر لإعلان بعض الأندية إفلاسها، وتسريح اللاعبين والعاملين، مثل نادي "تشونقينج أثليتيك"، الذي قرر تجميد نشاطه، والانسحاب من الدوري الصيني الممتاز موسم 2022، كما فسخت بعض الأندية تعاقدها مع اللاعبين الكبار، لعدم قدرتها دفع رواتبهم، مثلما حدث مع اللاعب البرازيلي أوسكار.
يقول " كاميرون ويلسون" مشجع صيني أن: "الدوري غير قادر على العمل مثل دوري كرة قدم عادي لأنه يديره سياسيون وليس أشخاص يفهمون كرة القدم. لذلك، يتم تقويضها وتقليل قيمتها باستمرار من خلال السياسات التي لا علاقة لها بكرة القدم."
لماذا لم تنظر الصين إلى ألمانيا؟
عندما أرادت ألمانيا أن تضع خطة للفوز بكأس العالم، وجهت اهتمامها صوب تطوير اللاعبين، وأدركت أن ذلك لن يتحقق، إلا بتطوير الناشئين. بدأت ألمانيا في وضع خطة تطوير اللاعبين عقب بطولة كأس أمم أوروبا 2000، حيث سعت لاكتشاف أكبر قدر من المواهب، وتأهيلها للمستقبل، وذلك بعد تأهيل مدربي الشباب أولاً، والنتيجة؛ فوز ألمانيا بكأس العالم 2014 في البرازيل، أي في غضون عقد ونصف فقط.
لكن بالنظر إلى الصين، نجد أن الخطة وجهت حتى الآن صوب المنطقة الخاطئة، وفقًا لموقع "Transfer Market"، هناك عدد قليل جدًا من لاعبي كرة القدم المحترفين الصينيين يلعبون في الخارج. 17 منهم في إسبانيا، لكن لا أحد منهم يلعب في دوري الدرجة الأولى، وهناك 12 آخرين يلعبون في البرتغال، ذلك بالإضافة لما ذكرناه مسبقًا عن النظام الاجتماعي الذي يُعيق اكتشاف الناشئين من الأساس.
ربما تُستخدم الدول الرياضية العظمى كأداة سياسية، ولكنها تستطيع وضع حدود تمنع تدخل الساسة في مجريات ما يحدث داخل الملعب، وداخل غرف اتخاذ القرار الرياضية. بالنظر إلى ألمانيا نفسها التي ضربنا بها المثل في كيفية وضع خطة ناجحة للحصول على كأس العالم، سنجد أنها نفس الدولة التي حققت فشلًا ذريعًا أوليمبيًا وكرويًا عندما كان يتحكم هتلر في الرياضة، ويختار من يلعب ومن يُحرق إذا خالف الأوامر.
يسيطر الحزب الشيوعي على كل شيء في الصين، بما في ذلك كرة القدم، وهي ربما ما تكون القشة التي قصمت ظهر الكرة الصينية، فالحزب وأعضاؤه لا يسمعون سوى أنفسهم، ولا يُعتد بأي قرار، سوى ما يرونه صحيحًا، فتحديد الثقافة الرياضية من قبل الحزب هو ما يعيق وصول الصين إلى نقطة القوة الناعمة المتمثلة في كونها قوة كرة قدم عالمية، والتاريخ الكروي يخبرنا أن هذا النهج كان دائمًا مصيره الفشل.
إذا كانت الرياضة شيئًا، فهي تعبير عن الناس، ولا سيما أولئك الذين يحتاجون إلى مُتنفس في ظل صعوبات الحياة. إنها رياضة نوعية قبل أن تكون كَمية. إن عدم رغبة الصين في قبول مثل هذه الحقيقة، سيجعلها تستقيظ على كابوس بتر حلم تحقيق كأس العالم، أو أن تصير قوة كروية عظمى، كما تطمح. تمامًا مثلما حدث في النهاية المُفبركة لقصة كابتن ماجد، الذي نكتشف نهايةً أن كل ما مر به كان حلم راوده في غيبوبة دخل فيها مباشرة بعد حادث صعب، ليستيقظ في النهاية ويجد قدميه قد بُترا إثر الحادث.