كتب : عمرو عبد المنعم
تاريخ طويل لكرة القدم في أستراليا قد يختلف البعض عليه، لكن المؤكد هو أن وصول عدد كبير من المهاجرين الأوروبيين إلى القارة التي تقع في نصف الكرة الأرضية الجنوبي كان السبب الأساسي في انتشار اللعبة هناك.
قارة بعيدة عن باقي قارات العالم، يصعب السفر إليها ويحتاج للكثير من الوقت، في حقبة زمنية كانت رياضة الرجبي هي اللعبة الشعبية الأولى هناك.
لكن كرة القدم بدأت في الانتشار هناك منذ عام 1870 ويقال إن أول مباراة كرة لُعبت في أستراليا كانت بين نادي ملبورن لكرة القدم، وفريق آخر مكون من أفراد الشرطة هناك، وأقيمت المباراة وفقا للوائح الاتحاد البريطاني لكرة القدم.
استمرت كرة القدم في الانتشار داخل أستراليا وهي القارة التي كانت تقع تحت طائلة الاستعمار الإنجليزي، وقبل الحرب العالمية الأولى زادت شعبية كرة القدم بشكل كبير وأصبحت تنافس لعبة الرجبي.
وفي بعض الأحيان كانت تقام مباريات كرة القدم بملاعب الكريكت وبحضور يصل إلى 5 آلاف مشجع.
الأمر الذي أثار غضب محبي ومسؤولي لعبة الرجبي، ولم لا وكرة القدم استطاعت أن تتقاسم معها حب الجمهور في أستراليا وتقترب من أن تكون اللعبة الشعبية الأولى في القارة.
غضب من كرة القدم
وبسبب انتشارها بشكل سريع ومكثف بدأت حملات الترويج ضد كرة القدم وأنها ليست لعبة الرجال الأستراليين الحقيقيين، وهي لعبة أجنبية غريبة عن البلاد.
الصحف والجرائد هناك اعتمدت على الخطاب الذي يبث الخوف في نفوس المواطنين، وكانت العناوين تهاجم كرة القدم مثل "تهديد كرة القدم ينمو في البلاد".. "كرة القدم تريد الفتك بنا".
وسائل الإعلام أيضا أصبحت تروج إلى أن كرة القدم تحس على الانخراط في السلوك العنيف.
وتم تأسيس أول منتخب وطني لـ أستراليا في 1922 ولكن بسبب بعد المسافة وصعوبة السفر كان هذا الفريق يلعب ضد البلاد المجاورة له رغم بعدها أيضا.
وقبل إحدى بطولات كأس العالم التي تقدمت أستراليا بطلب لاستضافتها، وهاجمت وسائل الإعلام هذه الفكرة بشدة وكانت تقول إن كأس العالم سيهدد مباريات كرة القدم في بلادنا وسيتسبب في حالة من الذعر الأخلاقي.
لذلك كان ينتظر منتخب أستراليا بعض المنتخبات التي تخوض جولات حول العالم لخوض المباريات الودية ضده.
لعب ضد كندا وجنوب إفريقيا والهند وسجل أكبر هزيمة في تاريخه أمام منتخب إنجلترا الذي ذهب إلى هناك لخوض بعض المباريات الودية أحدهما أمام أستراليا وكانت الخسارة بنتيجة 17-صفر.
إلى أن جاءت الفرصة لمنتخب أستراليا بالظهور في محفل دولي كبير وهو المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية 1956 التي أقيمت في ملبورن، إلا أن قلة الخبرة انتهت بظهور مخيب للآمال.
عزلة قارة أستراليا تسببت في عدم تطور كرة القدم والمنتخب الذي كان يواجه صعوبة كبيرة في اللعب ضد خصوم ومنتخبات قوية.
مباريات ودية وبطولات غير رسمية خاضها منتخب أستراليا أمام نيوزيلاندا وكوريا الجنوبية والهند واليابان.
أستراليا وكأس العالم
ليظهر منتخب أستراليا أخيرا ولأول مرة في كأس العالم عام 1974 وهي البطولة التي أقيمت في ألمانيا الغربية.
خسر منتخب أستراليا مرتين في دور المجموعات أمام كل من ألمانيا الغربية والشرقية وتعادل فقط مع تشيلي سلبيا ليودع كأس العالم دون أن يسجل أي أهداف.
أما كأس القارات كان يشارك فيها منتخب أستراليا ممثلا عن منطقة أوقيانوسيا وحصل على المركز الثاني في عام 1997، والثالث في 2001.
وبعد الظهور الأول في كأس العالم احتاج منتخب أستراليا إلى 28 عاما ليشارك للمرة الثانية في المونديال وكانت 2006 في ألمانيا.
هذه المرة ظهر منتخب أستراليا بشكل أفضل بعض الشيء ووصل إلى دور الـ16 قبل أن يخرج أمام إيطاليا البطل بخسارة بهدف دون رد من ركلة جزاء جاء في الوقت القاتل بقدم الأسطورة توتي.
كان هذا الإنجاز الأكبر والأعظم لمنتخب أستراليا في كأس العالم تحت قيادة المدرب الهولندي المخضرم جوس هيدنيك، والذي يتولى حاليا منصب إشرافي على المنتخب.
نقطة تحول
هنا أدرك منتخب أستراليا أنه يسير في الاتجاه الخطأ، وأن المنافسة مع الدول المجاورة له في منطقة أوقيانوسيا لن تساعد في ارتفاع مستوى الفريق.
لذلك قررت أستراليا التحول للعب كل منافسات كرة القدم التابعة لقارة آسيا على مستوى المنتخبات والأندية، بما في ذلك التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
وكانت هذه اللحظة التي تبدل فيها حال منتخب أستراليا.
شارك بعدها منتخب أستراليا في كأس العالم 3 مرات متتالية في 2010 و2014 و2018.
واستطاع تحقيق لقب بطولة كأس الأمم الآسيوية في 2015، بعدما احتل المركز الثاني في 2011.
تيم كاهيل
النجم الأسترالي الأشهر في تاريخ كرة القدم، والذي ساهم بقوة في انتشار اللعبة في بلاده، وكذلك تسبب في متابعة منتخب أستراليا بشكل أكبر.
وهنا.. دعونا نتوقف للحديث عن النجم التاريخي لكرة القدم في أستراليا.
ولد تيم كاهل في أسرة تحب لعبة الرجبي وعلى الرغم من ذلك اهتم بكرة القدم، وكانت إحدى هواياته وهو صغير مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي.
وبدأ تيم كاهل في فعل ما يعجز الناس عن فعله في أستراليا، وهو السهر والبقاء مستيقظا من منتصف الليل وحتى الرابعة صباحا من أجل مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي.
وذلك بسبب فارق التوقيت الكبير بين أستراليا وإنجلترا.
نشأ تيم وهو يشجع فريق إيفرتون، وأصبح من أشد المعجبين بالمهاجم الإنجليزي جاري لينيكر.
وبسبب أنه كان لا يزال طفلا فمن غير المقبول أن يسهر لمثل هذه الساعات المتأخرة من الليل، فكان عليه أن يأخذ الإذن من والده الإنجليزي الذي يعمل في إنجلترا.
تربى كاهيل بين أبناء عمومته الذين يلعبون الرجبي ويتمتعون بأجساد قوية وكبيرة، حاولوا كثيرا إقناعه بلعب الرجبي معهم لكنه كان من محبي كرة القدم.
وكان في بعض الأحيان يلعب معهم الرجبي ولكن ليس بسبب حبه لهذه اللعبة، ولكن بسبب حبه لأولاد عمه ورغبته في اللعب معهم.
والدته كانت ترفض فكرة أن يلعب ابنها رياضة الرجبي نظرا لأنها من الممكن أن تتسبب في إصابته، وأشارت على والده أن يلعب الابن رياضة أخرى أكثر أمانا وكان الاختيار لكرة القدم.
لم يمض الكثير من الوقت وبدأ أيضا شون شقيق تيم الصغير في ممارسة كرة القدم.
وهناك في إنجلترا قرر والده اقتراض مبلغ 10 آلاف دولار لسفر أحد أبنائه إلى هناك من أجل بدء الاختبارات مع كرة القدم.
والقرار كان متفقا ليه بين الأب والأم، وهو أن يكون تيم صاحب فرصة السفر إلى إنجلترا بسبب حبه الكبير والطويل لكرة القدم الإنجليزية.
بالفعل سافر تيم إلى لندن في عام 1998 لخوض اختبارات كرة القدم رفقة الكشافين في نادي ميلوول.
وفي أستراليا كانت عائلته محطمة للغاية وتعاني بشدة، واضطر شقيقه الأصغر شون إلى ترك الدراسة من أجل العمل لمساعدة والدته في تدبر نفقات المعيشة.
لحسن الحظ أتت جهود تيم كاهيل ثمارها في إنجلترا، ووقع عقدا مع نادي ميلوول وأرسل مبلغ 5 آلاف دولار إلى أسرته لسداد جزءا من القرض.
وبدأت مسيرة تيم كاهيل الكروية في ميلوول قبل أن ينتقل إلى إيفرتون في 2004 وظل مع الفريق الأزرق الإنجليزي حتى 2012 وحقق معه الكثير من النجاحات والإنجازات.
خلال هذه الفترة حقق تيم كاهيل الكثير من النجاحات سواء مع فريقه أو منتخب بلاده وأصبح الهداف التاريخي للمنتخب برصيد 50 هدفا، وثاني أكثر اللاعبين مشاركة معه برصيد 108 مباراة بفارق مشاركة وحيدة فقط خلف الحارس الأسطورة مارك شوارزر.
وكان تيم كاهل أحد أسباب شهرة كرة القدم الأسترالية والمنتخب ذو اللون الأصفر.
خاصة مع احتفاله الشهير عندما يركض نحو الراية الركنية وينفذ حركة الملاكمة تجاه الراية.
ونال تيم كاهيل شرف أن يكون صاحب أول هدف لمنتخب أستراليا في كأس العالم، والذي جاء عام 2006 أمام اليابان.
هذا الهدف واحدا من 6 أهداف سجلها كاهيل مع أستراليا في كأس العالم خلال 4 مشاركات له في المونديال آخرها 2018 في روسيا.
تأهل درامي إلى المونديال
طريق منتخب أستراليا إلى كأس العالم 2022 لم يكن مفروشا بالورد، وكان الكنغر أقرب إلى عدم المشاركة في المونديال بدلا من التأهل.
تصفيات طويلة ومحطات كثيرة خاضها منتخب أستراليا من أجل التأهل إلى كأس العالم الذي جاء على 3 مراحل.
الأولى كانت التصفيات الرئيسية الخاصة بقارة آسيا وفيها لم ينجح منتخب أستراليا من التأهل بشكل مباشر إلى كأس العالم.
وبعدما احتل المركز الثالث في مجموعته تأهل لمباراة الملحق الأولى أمام الإمارات العربية.
نجح منتخب أستراليا في الفوز على الإمارات ليتأهل إلى الملحق النهائي ليواجه منتخب بيرو من أجل حجز آخر بطاقة تأهل إلى المونديال.
وكانت المباراة التي أقيمت في قطر مليئة بالإثارة والمتعة وحتى نهايتها كان منتخب أستراليا قريبا أكثر من مرة من عدم التأهل.
استمر التعادل السلبي في الوقت الأصلي والإضافي وكانت المباراة قريبة من الذهاب إلى ركلات الترجيح.
ليتدخل جراهام أرنولد المدير الفني لمنتخب أستراليا بتغيير قاد فريقه إلى كأس العالم.
أشرك جراهام أرنولد الحارس البديل أندريو ريدماين في مكان ماتيو ريان لركلات الترجيح.
واستمر الحارس البديل ريدماين والذي أطلق عليه (الحارس المجنون) في التحرك والقفز على خط المرمى في محاولة منه لتشتيت لاعبي بيرو أثناء تنفيذ ركلات الترجيح.
إلى أن نجح في التصدي لركلة جزاء وقاد منتخب أستراليا إلى كأس العالم للمرة السادسة في التاريخ والخامسة على التوالي.
ونجح الحارس البديل ريدماين في التغلب على مجموعة من أكبر السحرة في بيرو.
شبكة أخبار بي بي سي، ذكرت في تقرير قبل المباراة أن 13 ساحرا من أكبر سحرة البيرو نفذوا بعض الطقوس السحرية ليتمكن منتخب بلادهم من التغلب على أستراليا في الملحق.
الطقوس بدأت في أحد الجبال وطعنوا بعض صور لاعبي أستراليا بالسيوف ونفخوا الأبواق.
السحرة اختتموا طقوسهم بالقول أنهم يرون منتخب بلادهم في مونديال قطر.
لكن جنون ريدماين على خط المرمى كان مفعوله أقوى من سحرة بيرو، وقاد أستراليا لكأس العالم.
قطر 2022
وفي كأس العالم يقع منتخب أستراليا في المجموعة الرابعة بجانب كل من فرنسا حامل اللقب والدنمارك وتونس.
وأعلن جراهام أرنولد المدير الفني لمنتخب أستراليا، عن قائمة بلاده والتي شهدت استدعاء 19 لاعبا من المحترفين خارج البلاد، و7 فقط ينشطون في الدوري المحلي.
يأتي على رأس القائمة آرون موي لاعب وسط سيلتك، وصاحب التجربة السابقة في مانشستر سيتي وهدرسفيلد تاون.
كما يتواجد القائد مات ريان حارس مرمى كوبنهاجن الحالي، وفالنسيا وبرايتون وأرسنال وريال سوسيداد السابق.
ويبرز الجناح الخطير أوير مابيل صاحب الأصول الكينية ولاعب قادش الإسباني.
تعرف على قائمة أستراليا من هنا
بالإضافة إلى المهاجم مارتن بويل لاعب هيبرنيان الاسكتلندي، والحارس مات ريان لاعب فريق كوبنهاجن الدنماركي.
والخماسي السابق ذكره وضعه موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم Fifa ضمن اللاعبين الذين يستحقون المشاهدة في منتخب أستراليا خلال كأس العالم.
المدرب – جراهام أرنولد
كل هذا يأتي تحت إشرف جراهام أرنولد المدير الفني لمنتخب أستراليا والذي تولى هذه المهمة منذ 2018.
يبلغ جراهام أرنولد من العمر 59 عاما، وهو صاحب العديد من الإنجازات في كرة القدم الأسترالية.
وكان المدرب المساعد للمنتخب في مونديال 2006، وأيضا كأس العالم 2010، وتولى بشكل منفرد تدريب المنتخب عقب كأس العالم 2018.
والآن يقود جراهام أرنولد كتيبة منتخب أستراليا في محاولة لتحقيق إنجازا جديدا في تاريخ مشاركته في كأس العالم عندما يذهب إلى قطر.
والهدف هو أن يعبر الكنغر دور المجموعات ويصل إلى أبعد نقطة ممكنة في البطولة.